الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي﴾ الآية، قال: كَبِرَ يكبَر كِبَرًا في السنن، وكَبُر الأمر والشيء: إذا عظم يَكْبُر كِبَرًا وكَبَارة [[انظر: "تهذيب اللغة" (كبر) 4/ 3090 - 3093، "الصحاح" (كبر) 2/ 801.]].
قال ابن عباس: يريد ثقل عليكم [["تنوير المقباس" ص 217 بنحوه، وذكره الرازي في "تفسيره" 17/ 1036 نقلاً عن "البسيط" للواحدي.]]، ومعناه شق عليكم، وعظم أمره عندكم.
والمقام -بضم الميم-: مصدر كالإقامة، يقال: أقام بين أظهركم مقامًا وإقامة، والمقام -بفتح الميم-: الموضع الذي تقوم [[ساقط من (ح).]] فيه، وأراد بالمقام هاهنا لبثه ومكثه فيهم، وقوله تعالى: ﴿وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، قال ابن عباس: يريد وعظي وتخويفي إياكم عقوبة الله ونقمته [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 555، وبنحوه رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 217.]].
وقوله تعالى: ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ جواب الشرط، مع أن شأنه التوكل كيف تصرفت حاله؛ ليبين أنه متوكل في هذا على التفصيل، لِمَا [[في (ح) و (ز): (بما)، وهو خطأ.]] في إعلامه قومه ذلك من زجرهم عنه؛ لأن الله -جل وعز- يكفيه أمرهم [[انظر: "مفاتيح الغيب" 17/ 143، "الجامع لأحكام القرآن" 8/ 362.]].
وقال ابن الأنباري: معنى الآية: إن كان عظم عليكم كوني بين أظهركم [[في (ح) و (ز): (أظهرهم)، وهو خطأ.]]، ولم تحبوا نصرتي فإني أتوكل على من ينصرني ويمنع عني [[في النسخ عدا (م): (مني).]]، فأدى قوله: ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ عن هذا المعنى، وقال صاحب النظم: ليس هذا جوابًا للشرط؛ لأنه ليس بِطِبْق له ولا بِلِفْق، وجوابه قوله: ﴿فَأَجْمِعُوا﴾، وهذا كلام اعترض بين الشرط وجوابه، كما تقول في الكلام: إن كنت أنكرت عليّ شيئًا فالله حسبي فأعمل ما تريد [[انظر معنى هذا القول في: "غرائب التفسير" 1/ 490، "الدر المصون" 6/ 239 دون تعيين القائل.]].
وقوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾، قال الفراء: الإجماع: الإعداد، والعزيمة على الأمر.
وأنشد الشاعر [[لفظ: (الشاعر) ساقط من النسخ عدا (م)، واللفظ موجود في المصدر.]]:
يا ليت شعري والمُنَي لا تنفع
هل أغدُوَنْ يومًا وأمري مجمع [[الرجز مجهول القائل، وانظره بلا نسبة في "إصلاح المنطق" ص 263، "الأضداد" لابن الأنباري ص 41، "أمالي المرتضى" 1/ 559، "تهذيب اللغة" (جمع)، "الحجة" 3/ 209، 4/ 287، "الخصائص" 2/ 136، "الدرر اللوامع" 4/ 20، "شرح شواهد المغني" 2/ 811، "لسان العرب" (جمع)، ونوادر أبي زيد ص 133.]]
فإذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون [[اهـ. كلام الفراء، "معاني القرآن" 1/ 473 باختصار.]]، وقال الأصمعي: جمعت الشيء إذا جئت به من هنا وهنا، وأجمعته إذا صيرته جميعًا، وأنشد:
وأولات [[رسمت في المخطوطات: وآلات، والصواب: وأولات، كما في مصادر تخريج البيت.]] ذي العرجاء نهب مجمع [[عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي يصف حُمرًا، وصدره:
فكأنها بالجزع بين نُبايع
انظر: "ديوان الهذليين" 1/ 6، "المفضليات" ص 423، "تهذيب اللغة" (جمع) 1/ 652، "اللسان" (جمع) 2/ 681.
والنهب المجمع: إبل القوم التي أغار عليها اللصوص وكانت متفرقة في مراعيها، فجمعوها من كل ناحية حتى اجتمعت لهم ثم طردوها وساقوها. انظر: "اللسان" نفس الموضع السابق.
والجزع ونبايع وأولات ذي العرجاء: أسماء مواضع.]] [[اهـ. قول الأصمعي، انظر: "تهذيب اللغة" (جمع) 1/ 652.]]
وقال أبو الهيثم: أجمع أمره: أي جعله جميعًا بعد ما كان متفرقًا، قال: وتفرُّقه أنه جعل يدبّره فيقول مرة: أفعل كذا، ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر محكم أجمعه، أي جعله جميعًا [[المصدر السابق، نفس الموضع.]].
وقد كشف أبو الهيثم عن حقيقة معنى إجماع الأمر، ومن هذا قوله وتعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ [يوسف: 102]، وقال الشاعر [[البيت للحارث بن حلزة كما في "ديوانه" ص 24، "لسان العرب" (ضوا) 5/ 2621.]]:
أجمعوا أمرهم بليل فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
هذا الذي ذكرنا معنى إجماع الأمر، ثم صار بمعنى العزم حتى وُصِلَ بـ (على) فقيل: أجمعت على الأمر، أي: عزمت عليه، والأصل أجمعت الأمر.
وقوله تعالى: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾، قال الفراء: وادعوا شركاءكم [دعاء استغاثة [[في (م): (استعانة)، وما أثبته موافق لما في "الوسيط" 2/ 555.]] بهم والتماس لمعونتهم] [[ما بين المعقوفين غير موجود في "معاني القرآن" للفراء. ولم يذكره من نقل الجملة عنه كالنحاس في "إعراب القرآن" 2/ 362، وفي "معاني القرآن" 3/ 305، وابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 48.]] وكذلك هي في قراءة عبد الله [[يعني ابن مسعود، ولم أجد من نسب إليه هذه القراءة سوى الفراء والمؤلف في "الوسيط" 2/ 555، والمشهور نسبتها إلى أبيّ بن كعب كما في "الحجة" 4/ 289، "المحتسب" 1/ 314، "تفسير الثعلبي" 7/ 21/ ب، والزمخشري 2/ 245، "البحر المحيط" 5/ 178 - 179، "الدر المصون" 6/ 241.]]، قال: والضمير هاهنا يصلح إلقاؤه كما قال الشاعر [[البيت لعبد الله بن الزبعرى في "ديوانه" ص 32، وسيأتي تخريجه.]]:
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحًا نصب الرمح بضمير [[في (م): (ضمير). وما أثبته موافق للمصدر، والمعنى: نصب الرمح بإضمار لفظ مناسب والتقدير: وحاملاً رمحًا.]] الحمل [["معاني القرآن" 1/ 473.]].
قال الزجاج: الذي قاله الفراء غلط في إضمار (وادعوا)؛ لأن الكلام لا فائدة فيه [[ساقط من (م).]]؛ لأنهم إن كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم، فالمعنى: فأجمعوا أمركم مع شركائكم، [وإن كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه [[ساقط من (م).]]] [[ما بين المعقوفين غير موجود في "المعاني القرآن" للزجاج 3/ 28، وقد ذكره عنه النحاس في "معاني القرآن" 3/ 305، ولفظه: وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط فلا معنى لدعائهم لغير شيء.
قلت: يمكن حمل كلام الفراء على معنى مستقيم تقديره: فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم ليجمعوا أمرهم، وهذا يفيد أن الشركاء لن يجمعوا أمرهم إلا بدعوة منهم، وهذه النكتة لا يؤديها تقدير الزجاج فلا وجه للاعتراض.
ولقد كان لكفار العرب شركاء عقلاء تمكن دعوتهم كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام:137].]]، قال: والواو بمعنى (مع) كقولك: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 27، 28.]]، وذكر أبو علي القولين جميعًا فقال: وقول الفراء انتصاب الشركاء بإضمار فعل آخر كأنه: فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم، فدل المنصوب على الناصب كقول الشاعر:
علفتها تبنًا وماءً باردًا [[البيت من الرجز، وبعده: حتى شتت همالة عيناها= وبعضهم يجعل قبله: لما حططت الرحل عنها واردًا
والبيت لبعض بني أسد يصف فرسه كما في "معاني القرآن" للفراء1/ 14، وهو بلا نسبة في: "الأشباه والنظائر" 2/ 108، "أمالي المرتضى" 2/ 259، "أوضح المسالك" 2/ 157، "الخصائص" 2/ 431، "الدرر اللوامع" 6/ 79، "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ص 1147، "شرح شواهد المغني" 1/ 58، "اللسان" (زجج) 3/ 1812.]] وقال آخر:
شَرَّاب ألبان وتمر وأقط [[الرجز بلا نسبة في: "الإنصاف" ص 488، "الحجة" 1/ 312، "الكامل" 1/ 334، "لسان العرب" (زجج) 3/ 1812، "المقتضب" 2/ 51.]]
وقال آخر:
متقلدًا سيفًا ورمحًا [[عجز بيت وصدره:
يا ليت زوجك قد غدا
والبيت لعبد الله بن الزبعري في "ديوانه" ص 32، وفي بعض نسخ "الكامل". انظر: حاشية رقم (5) 1/ 334. والبيت بلا نسبة في "الأشباه والنظائر" 2/ 108، "أمالي المرتضى" 1/ 54، "خزانة الأدب" 2/ 231، "الخصائص" 2/ 431، "لسان العرب" (زجج) 3/ 1812، "المقتضب" 2/ 51، وانظر ما ذكره محقق "الحجة" 1/ 311 حاشية (2).]]
لما لم يجز أن يحمل الرمح على التقلد [[في (م): (التقليد). وفي "اللسان" (زيد): (تقلد الأمر: احتمله) وكذلك تقلد السيف.]] أضمر له فعلاً، كذلك يُضمر لنصب الشركاء -لما لم يجز الحمل على (أجمعوا) - فعل آخر، قال: وزعموا أن في حرف أُبي (وادعوا شركاءكم) [[سبق تخريج هذه القراءة مع قراءة ابن مسعود قريبًا.]] فحمل الكلام في قراءة العامة على الذي يراد به الانتصاب، كقوله: {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود: 13]، ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 23]، قال: ويجوز أن يكون انتصاب الشركاء على أنه مفعول معه، أي أجمعوا أمركم مع شركائكم، كقولهم: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة [[الطيالسة: جمع، ومفرده الطيلسان والطيلس، وهو ضرب من الأكسية، يميل إلى السواد، وأصل اللفظ فارسي معرب. انظر: "الصحاح" (طلس) 3/ 944، "لسان العرب" (طلس) 5/ 2689.]]، قال: ويدلك على جوازه أن الشركاء فاعلة في المعنى كما أن الطيالسة كذلك، ومن ثم قرأ الحسن (وشركاؤكم) [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 142، "المحتسب" 1/ 314، ومختصر في "شواذ القرآن" ص 57، وليست هذه القراءة شاذة كما يوهم ذكرها ضمن القراءات الشاذة، بل قرأ بها من العشرة يعقوب كما في "إرشاد المبتدي" ص 365، "النشر" 2/ 286، "إتحاف فضلاء البشر" ص 253.]] رفعًا [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة" 4/ 288 بتصرف.]].
قال أبو الفتح الموصلي: الواو التي بمعنى (مع) كقولهم [[في (ى): (كقولك).]]: لو خُليت والأسد لأكلك، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، وكيف تصنع وزيدًا، وكيف تكون وقصعة ثريد، واجتمع زيد وأبا محمد، ومن أبيات [[في (ى): (آيات)، وهو خطأ فاحش.]] الكتاب [[انظر: "كتاب سيبويه" 1/ 298.]]:
وكونوا [[في مصادر تخريجه: فكونوا.]] أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال [[اختلف في نسبة البيت فهو لشعبة بن قمير كما في "نوادر أبي زيد" ص 141، أو للأقرع بن معاذ كما في "سمط اللآلي" ص 914 لكن صدره فيهما: == وإنا سوف نجعل موليينا
والبيت بلا نسبة في: "أوضح المسالك" 2/ 54، "سر صناعة الإعراب" 1/ 126، "شرح أبيات سيبويه" 1/ 429، "كتاب سيبويه" 1/ 298.]] أي مع بني أبيكم، فلما حذف (مع) وأقام الواو مقامها أفضى الفعل الذي قبل الواو إلى الاسم الذي بعدها فنصبها [[هكذا في جميع النسخ، وفي "سر صناعة الإعراب" فنصبه، وهو الصواب.]] بوساطة [[في (ى): (بواسطة)، والمثبت موافق للمصدر.]] الواو، وذلك أن الواو قوية فأوصلته إليه [["سر صناعة الإعراب" 2/ 640.]].
وزاد غيره فقال: الواو في مثل هذا للجمع دون العطف، ألا ترى أن ليس قبلها منصوب يعطف عليه بالواو، والواو معنى الجمع فيه أعم من معنى العطف [[ساقط من (ح) و (ز).]]، ولا تكون الواو عاطفة إلا وهي للجمع، وقد تكون للجمع ولا تكون عاطفة وهي واو الحال، والواو في هذه المسألة جامعة، نحو قولك: استوى الماء والخشبة، الواو [[في (ى): (والواو).]] جمعت الخشبة مع الماء [[في (م): (الواو)، وهو خطأ.]]، والخشبة منصوبة بـ (استوى) بتوسط الواو، وعلى هذا، التقدير: فأجمعوا أمركم مع شركائكم [[لم يتبين لي صاحب هذا القول، وانظر معناه في: "الأصول في النحو" لابن السراج ص 209 - 212، "الإيضاح العضدي" 1/ 215 - 217، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص 206.]].
قال ابن الأنباري: وهذا الوجه خطأ في قول الكوفيين [[ذهب الكوفيون إلى أن المفعول معه منصوب على الخلاف، بمعنى أنه لا يحسن فيه تكرير الفعل ولا يصح، فانتصب ما بعد الواو على الخلاف. وذهب البصريون إلى أنه منصوب بالفعل الذي قبل الواو بتوسط الواو وتقويته به فتعدى إلى الاسم فنصبه، وإن كان في الأصل غير متعد. انظر: "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص 206، "ائتلاف النصرة" ص 36.]]؛ لأنه لا ينصب الثاني مع الواو التي تأويلها (مع) إلا بأن لا يحسن تكرير معرب الأول على الثاني، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال استوى الماء واستوت الخشبة [لأن الخشبة] [[ساقط من (ى).]] لم تكن معوجة فتستوي ولا يمكن أن يقال: جاء البرد وجاءت الطيالسة، إذ كانت الطيالسة لا تَقْدَم، والشركاء هاهنا يحسن أن نضمر معهم الدعاء [[يعني يصح تقدير: وادعوا شركاءكم.]] فينصبهم، وما صلح إضمار فعل ناصب معه انقطع من المعرب الأول، وكان الفعل المضمر أملك به [[ساقط من (ى).]] وأغلب عليه.
هذا كله في قراءة من قرأ ﴿فَأَجْمِعُوا﴾ بقطع الألف، وهو قراءة عامة القراء [[هذه هي القراءة المشهورة عن العشرة، لكن وردت روايات يسيرة عن بعضهم بالقراءة بوصل الألف، فقد روى ذلك عصمة عن أبي عمرو، والأصمعي عن نافع، وأيضاً رويس في أحد طرقه عن يعقوب.
انظر: كتاب "السبعة" ص 328، "النشر" 2/ 285، "إتحاف فضلاء البشر" ص 253.]]، وروى الأصمعي عن نافع: (فاجمعوا أمركم) بوصل الألف [[انظر: كتاب "السبعة" ص 328.]] من جمعت.
قال أبو علي: والمعنى على هذا: فاجمعوا أمركم، أراد ذوي الأمر منكم، أي رؤساؤكم ووجوهكم، فحذف المضاف وجرى على المضاف إليه ما كان يجري على المضاف لو ثبت، ويجوز أن يراد بالأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي يكيدونه به [[من (م) واللفظ موجود في المصدر.]] [[" الحجة للقراء السبعة" 4/ 287 بتصرف.]].
قال ابن الأنباري: ولكون المعنى: لا تَدَعوا من أمركم شيئًا إلا أحضرتموه. وانتصاب الشركاء في هذه القراءة بالنسق على الأمر، يراد به: أجمعوا شركاءكم للمعونة لكم، ولا تدعوا منها [[في (ح) و (ز): (منه).]] غائبًا عنكم، ليكون ذلك أبلغ لما تؤملونه [[في (م): (تأملونها).]] من نصرتها. وقرأ الحسن وجماعة من القراء (فأجمعوا) بقطع الألف (وشركاؤكم) رفعًا [[هذه قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وسلام ويعقوب. انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 57، "المحتسب" 1/ 314، "البحر المحيط" 5/ 178 - 179، "الغاية" ص 172، "النشر" 2/ 286، والقراءة ليست شاذة كما يوهم صنيع ابن خالويه وابن جني في ذكرها في "الشواذ".]] بالعطف على الضمير المرفوع في [[ساقط من (ح).]] (فأجمعوا) وجاز ذلك من غير تأكيد الضمير، كنحو قوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35]، [الأعراف: 19]؛ لأن قوله: ﴿أَمْرَكم﴾ فصل بين الضمير وبين المنسوق فكان كالعوض من التوكيد، وقد شرحنا [[الكلام لأبي بكر ابن الأنباري وكتابه مفقود.]] هذا عند قوله: (فاذهب [[في جميع النسخ: اذهب.]] أنت وربك) [المائدة: 24]، وكان الفراء يستقبح هذه القراءة لخلافها المصحف [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 473.]]، فإن الواو لم تكتب [[في (ي): (تكن).]] في المصاحف ولأن شركاءهم هي الأصنام، والأصنام لا تعمل ولا تجمع [[الأصنام بعض شركاء العرب، وكان لهم شركاء عقلاء كالجن وطواغيت البشر، قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام:100]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: 137]، وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 42].]]، انتهى كلام أبي بكر [[ذكر بعضه الرازي في "تفسيره" 17/ 140، لكنه نسبه للواحدي.]].
وقوله تعالى: ﴿لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾، قال أبو الهيثم: أي مبهمًا، من قولهم غُم علينا الهلال فهو مغموم: إذا التبس، قال طرفة:
لعمرك ما أمري عليّ بغمة ... نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد [["ديوان طرفة" ص 47، "الدر المصون" 6/ 243، "لسان العرب" (غمم) 6/ 3302.]] [[اهـ. كلام أبي الهيثم، انظر: "تهذيب اللغة" (غم)، "المستدرك" ص 115.]]
وقال الليث: إنه لفي غمة من أمره: إذا لم يهتد له [[انظر المصدر السابق، الصفحة التالية. والنص في كتاب "العين" (غمم) 4/ 350.]].
قال الزجاج: أي ليكن أمركم [ظاهرًا منكشفًا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 28.]].
وذكر صاحب النظم أن قوله: (ثم لا يكن أمركم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] عليكم غمة) يجوز أن يكون نهيًا على غير المواجهة كما ذكره الزجاج [[يعني في قوله السابق.]]، والنهي في الظاهر واقع على الأمر، ولكن المراد به صاحب الأمر كما قال: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: 28] النهي واقع على العينين، ولكنه لما خاطب صاحب العينين حسن ذلك.
قال: وقد قيل: إن (ثم) هاهنا زائدة، وحروف النسق قد تزاد في أضعاف الكلام مثل قوله: (كالأعمى والأصم والبصير [[في (م): (والسميع البصير)، وهو خطأ.]] والسميع) [[وانظر زيادة (ثم) في "الصاحبي" ص 152.]] [هود: 24].
وقد ذكرنا هذا في الواو التي تكرر [[في (ى): (تكون).]] في النعوت، نحو قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام [[صدر بيت، وعجزه:
وليث الكتيبة في المزدحم
وهو مجهول القائل، وانظره بلا نسبة في: أبيات النحو في تفسير "البحر المحيط" 1/ 202، "الإنصاف" ص 476، "خزانة الأدب" 5/ 107، "شرح أبيات معاني القرآن" ص 310، "شرح قطر الندى" ص 295، "الكشاف" 1/ 133، ولم ينسبه محب الدين في "تنزيل الآيات على الشواهد" (ملحق بالكشاف) 4/ 512. والقرم: الفحل المكرم الذي لا يحمل عليه، ويطلق على السيد من الناس، والكتيبة: الجيش، والمزدحم: المراد به هنا المعركة؛ لأنها موضع المزاحمة والمدافعة. انظر تنزيل الآيات، الموضع السابق، "لسان العرب" (قرم).]]
وكقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73]، وزيادة الفاء ذكرناها أيضًا في مواضع، ومنها [قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿فَلَهُمْ﴾ [[لم يذكر في هذا الموضع زيادة الفاء.]] [البروج: 10] فالفاء زيادة [[في (م): (زائدة). وقد سبق بيان مراد النحويين بالزيادة وأضيف هنا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية حول الموضوع بعد بيانه وجود الزيادة في "كلام العرب"، ونصه: فليس في القرآن من هذا شيء، ولا يذكر فيه لفظًا زائدًا (كذا) إلا لمعنى زائد، وإن كان في ضمن ذلك التوكيد، وما يجيء من == زيادة اللفظ في مثل: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾، وقوله: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾، وقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ فالمعنى مع هذا أزيد من المعنى بدونه، فزيادة اللفظ لزيادة المعنى، وقوة اللفظ لقوة المعنى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 16/ 537.]]، وكذلك قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ} [الحج: 57]، ومثله قوله: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 118]، و (حتى) [[يعني في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ﴾ في الآية نفسها.]] لا يقتضي (ثم) في جوابه، وكذلك قوله: ﴿ثُمَّ لَا يَكُنْ﴾ فيكون تأويله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم لا يكن أمركم عليكم [[في (ى): (عليكم غمة).]] إذا فعلتم ذلك غمة، فيكون جزمه على جواب الأمر.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ قال مجاهد: اقضوا إليّ ما في أنفسكم [[رواه ابن جرير 11/ 143، وابن أبي حاتم 6/ 1970، وانظر: "تفسير مجاهد" ص 382.]].
قال ابن الأنباري: معناه: ثم امضوا إليّ بمكروهكم وما توعدونني به، كما تقول العرب: قد قضى فلان، يريدون مات ومضى [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 48.]]، وهذا معنى قول الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 474.]]، وقال الزجاج: ثم افعلوا ما تريدون [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 29.]].
وقال ابن عرفة [[هو: إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه.]]: قضاء [[في (م): (قضى)، وفي (ى): (أقضى).]] الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وبه [[ساقط من (ح).]] سمي القاضي؛ لأنه إذا حكم فقد فرغ، فقوله: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ أي: افرغوا من أمرع، وأمضوا ما في أنفسكم، واقطعوا ما بيني وبينكم، ومن هذا قولى تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ [الإسراء: 4] أي: أعلمناهم إعلامًا قاطعًا.
وهذا من أقوى آيات النبوة أن يقول النبي لقومه وهم متعاونون عليه: افعلوا بي بما شئتم، قال ابن عباس في هذه الآية: يريد: لا تألوا في الجمع والقوة فإنكم لا تقدرون على مساءتي ولا مضرتي؛ لأن لي إلهًا يمنعني، مثل قوله في هود: ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [[من الآية 55. ولم أقف على قول ابن عباس هذا.]].
وقال المفسرون: هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى عن نبيه نوح -عليه السلام- أنه كان بنصر الله واثقًا، ومن كيد قومه وبوائقهم [[البوائق: الغوائل والشر والغشم والبلايا. انظر: "الصحاح" (بوف) 4/ 1452، "لسان العرب" (بوق) 1/ 388.]] غير خائف، علما منه بأنهم وآلهتهم لا تنفع ولا تضر شيئًا إلا أن يشاء الله، وتعزية لنبيه محمد ﷺ وتقوية لقلبه؛ لأن سبيله في [[في (م): (مع).]] قومه كسبيل الأنبياء من قبله [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 145، والثعلبي 7/ 22 أ، والبغوي 4/ 143.]].
{"ayah":"۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق