الباحث القرآني
(p-٦٣٥)لَمّا بالَغَ سُبْحانَهُ في تَقْرِيرِ البَراهِينِ الواضِحَةِ ودَفْعِ الشُّبْهَةِ المُنْهارَةِ؛ شَرَعَ في ذِكْرِ قِصَصِ الأنْبِياءِ لِما في ذَلِكَ مِنَ التَّسْلِيَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ عَلى الكُفّارِ المُعاصِرِينَ لَكَ المُعارِضِينَ لِما جِئْتَ بِهِ بِأقْوالِهِمُ الباطِلَةِ نَبَأ نُوحٍ أيْ خَبَرَهُ، والنَّبَأُ هو الخَبَرُ الَّذِي لَهُ خَطَرٌ وشَأْنٌ، والمُرادُ: ما جَرى لَهُ مَعَ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما جاءَ بِهِ كَما فَعَلَهُ كُفّارُ قُرَيْشٍ وأمْثالُهم ﴿إذْ قالَ لِقَوْمِهِ﴾ أيْ وقْتَ قالَ لِقَوْمِهِ، والظَّرْفُ مَنصُوبٌ بِـ ( نَبَأ ) أوْ بَدَلٌ مِنهُ بَدَلَ اشْتِمالٍ، واللّامُ في لِقَوْمِهِ لامُ التَّبْلِيغِ ﴿ياقَوْمِ إنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكم مَقامِي﴾ أيْ عَظُمَ وثَقُلَ، والمَقامُ بِفَتْحِ المِيمِ: المَوْضِعُ الَّذِي يُقامُ فِيهِ، وبِالضَّمِّ الإقامَةُ.
وقَدِ اتَّفَقَ القُرّاءُ عَلى الفَتْحِ، وكَنّى بِالمَقامِ عَلى نَفْسِهِ كَما يُقالُ فَعَلْتُهُ لِمَكانِ فُلانٍ أيْ: لِأجْلِهِ، ومِنهُ ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ [الرحمن: ٤٦] أيْ خافَ رَبَّهُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمَقامِ المُكْثُ أيْ: شَقَّ عَلَيْكم مُكْثِي بَيْنَ أظْهُرِكم، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمَقامِ القِيامُ، لِأنَّ الواعِظَ يَقُومُ حالَ وعْظِهِ، والمَعْنى: إنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكم قِيامِي بِالوَعْظِ في مَواطِنِ اجْتِماعِكم، وكَبُرَ عَلَيْكم تَذْكِيرِي لَكم بِآياتِ اللَّهِ التَّكْوِينِيَّةِ والتَّنْزِيلِيَّةِ ﴿فَعَلى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ جَوابُ الشَّرْطِ، والمَعْنى: إنِّي لا أُقابِلُ ذَلِكَ مِنكم إلّا بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ، فَإنَّ ذَلِكَ دَأْبِي الَّذِي أنا عَلَيْهِ قَدِيمًا وحَدِيثًا.
ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ إحْداثَ مَرْتَبَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَنْ مَراتِبِ التَّوَكُّلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَوابُ الشَّرْطِ فَأجْمِعُوا وجُمْلَةُ ﴿فَعَلى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ اعْتِراضًا كَقَوْلِكَ: إنْ كُنْتَ أنْكَرْتَ عَلِيَّ شَيْئًا فاللَّهُ حَسْبِي.
ومَعْنى ﴿فَأجْمِعُوا أمْرَكُمْ﴾ اعْتَزِمُوا عَلَيْهِ، مِن أجْمَعَ الأمْرَ: إذا نَواهُ وعَزَمَ عَلَيْهِ قالَهُ الفَرّاءُ.
ورُوِيَ عَنِ الفَرّاءِ أنَّهُ قالَ: أجْمَعَ الشَّيْءَ: أعَدَّهُ.
وقالَ مُؤَرَّجٌ السَّدُوسِيُّ: أجْمَعَ الأمْرَ أفْصَحُ مِن أجْمَعَ عَلَيْهِ، وأنْشَدَ:
؎يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنى لا تَنْفَعُ هَلْ أغْدُوَنْ يَوْمًا وأمْرِي مُجْمَعُ
وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: أجْمَعَ أمْرَهُ: جَعَلَهُ جَمِيعًا بَعْدَما كانَ مُتَفَرِّقًا، وتَفَرُّقُهُ أنْ تَقُولَ مَرَّةً أفْعَلُ كَذا، ومَرَّةً أفْعَلُ كَذا، فَلَمّا عَزَمَ عَلى أمْرٍ واحِدٍ فَقَدْ جَمَعَهُ: أيْ جَعَلَهُ جَمِيعًا، فَهَذا هو الأصْلُ في الإجْماعِ، ثُمَّ صارَ بِمَعْنى العَزْمِ.
وقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ القُرّاءِ عَلى نَصْبِ ( شُرَكاءَكم ) وقَطْعِ الهَمْزَةِ مِن أجْمَعُوا.
وقَرَأ يَعْقُوبُ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، بِهَمْزَةِ وصْلٍ في أجْمَعُوا عَلى أنَّهُ مِن جَمَعَ يَجْمَعُ جَمْعًا.
وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، ويَعْقُوبُ، " وشُرَكاؤُكم " بِالرَّفْعِ.
قالَ النَّحّاسُ: وفي نَصْبِ الشُّرَكاءِ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: بِمَعْنى وادْعُوا شُرَكاءَكم، قالَهُ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ: أيِ ادْعُوهم لِنُصْرَتِكم، فَهو عَلى هَذا مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ المُبَرِّدُ: هو مَعْطُوفٌ عَلى المَعْنى قالَ الشّاعِرُ:
؎يا لَيْتَ زَوْجَكِ في الوَغى ∗∗∗ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحا
والرُّمْحُ لا يُتَقَلَّدُ بِهِ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ كالسَّيْفِ.
وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى مَعَ شُرَكائِكم، فالواوُ عَلى هَذا واوُ مَعَ.
وأمّا عَلى قِراءَةِ " اجْمَعُوا " بِهَمْزَةِ وصْلٍ فالعَطْفُ ظاهِرٌ: أيِ اجْمَعُوا أمْرَكم واجْمَعُوا شُرَكاءَكم.
وأمّا تَوْجِيهُ قِراءَةِ الرَّفْعِ، فَعَلى عَطْفِ الشُّرَكاءِ عَلى الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ في ( أجْمِعُوا )، وحَسُنَ هَذا العَطْفُ مَعَ عَدَمِ التَّأْكِيدِ بِمُنْفَصِلٍ كَما هو المُعْتَبَرُ في ذَلِكَ، أنَّ الكَلامَ قَدْ طالَ.
قالَ النَّحّاسُ وغَيْرُهُ: وهَذِهِ القِراءَةُ بَعِيدَةٌ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ ( شُرَكاءَكم ) مَرْفُوعًا لَرُسِمَ في المُصْحَفِ بِالواوِ، ولَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِيهِ.
قالَهُ المَهْدَوِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَرْتَفِعَ الشُّرَكاءُ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ: وشُرَكاؤُكم لِيَجْمَعُوا أمْرَهم، ونِسْبَةُ ذَلِكَ إلى الشُّرَكاءِ مَعَ كَوْنِ الأصْنامِ لا تَعْقِلُ لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ لِمَن عَبْدَها.
ورُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ قَرَأ: " وادْعُوا شُرَكاءَكم " بِإظْهارِ الفِعْلِ.
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا يَكُنْ أمْرُكم عَلَيْكم غُمَّةً﴾ الغُمَّةُ: التَّغْطِيَةُ مِن قَوْلِهِمْ، غُمَّ الهِلالُ: إذا اسْتَتَرَ أيْ: لِيَكُنْ أمْرُكم ظاهِرًا مُنْكَشِفًا.
قالَ طَرَفَةُ:
؎لَعَمْرُكَ ما أمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ ∗∗∗ نَهارِي ولا لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ
هَكَذا قالَ الزَّجّاجُ.
وقالَ الهَيْثَمُ: مَعْناهُ لا يَكُنْ أمْرُكم عَلَيْكم مُبْهَمًا.
وقِيلَ: إنَّ الغُمَّةَ: ضِيقُ الأمْرِ. كَذا رُوِيَ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ.
والمَعْنى: لا يَكُنْ أمْرُكم عَلَيْكم بِمُصاحَبَتِي والمُجامَلَةِ لِي ضِيقًا شَدِيدًا، بَلِ ادْفَعُوا هَذا الضِّيقَ والشِّدَّةَ بِما شِئْتُمْ وقَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، وعَلى الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنِ يَكُونُ المُرادُ بِالأمْرِ الثّانِي هو الأمْرُ الأوَّلُ، وعَلى الثّالِثِ يَكُونُ المُرادُ بِهِ غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إلَيَّ ولا تُنْظِرُونِ﴾ أيْ ذَلِكَ الأمْرَ الَّذِي تُرِيدُونَهُ بِي، وأصْلُ اقْضُوا مِنَ القَضاءِ، وهو الإحْكامُ.
والمَعْنى: أحْكِمُوا ذَلِكَ الأمْرَ.
قالَ الأخْفَشُ والكِسائِيُّ: هو مِثْلُ ﴿وقَضَيْنا إلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ﴾ [الحجر: ٦٦] أيْ أنْهَيْناهُ إلَيْهِ وأبْلَغْناهُ إيّاهُ، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ: أيْ لا تُمْهِلُونِ، بَلْ عَجِّلُوا أمْرَكم واصْنَعُوا ما بَدا لَكم، وقِيلَ: مَعْناهُ: ثُمَّ امْضُوا إلَيَّ ولا تُؤَخِّرُونَ.
قالَ النَّحّاسُ: هَذا قَوْلٌ صَحِيحٌ في اللُّغَةِ، ومِنهُ قَضى المَيِّتُ: مَضى.
وحَكى الفَرّاءُ عَنْ بَعْضِ القُرّاءِ أنَّهُ قَرَأ " ثُمَّ أفْضُوا " بِالفاءِ وقَطْعِ الهَمْزَةِ: أيْ تَوَجَّهُوا، وفي هَذا الكَلامِ مِن نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ما يَدُلُّ عَلى وُثُوقِهِ بِنَصْرِ رَبِّهِ وعَدَمِ مُبالاتِهِ بِما يَتَوَعَّدُهُ بِهِ قَوْمُهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ لَهم أنَّ كُلَّ ما أتى بِهِ إلَيْهِمْ مِنَ الإعْذارِ والإنْذارِ وتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ هو لِطَمَعٍ دُنْيَوِيٍّ، ولا لِغَرَضٍ خَسِيسٍ، فَقالَ: ﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَألْتُكم مِن أجْرٍ﴾ أيْ إنْ أعْرَضْتُمْ عَنِ العَمَلِ بِنُصْحِي لَكم وتَذْكِيرِي إيّاكم، فَما سَألْتُكم في مُقابَلَةِ ذَلِكَ مِن أجْرٍ تُؤَدُّونَهُ إلَيَّ حَتّى تَتَّهِمُونِي فِيما جِئْتُ بِهِ، والفاءُ في فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، والفاءُ في فَما سَألْتُكم جَزائِيَّةٌ ﴿إنْ أجْرِيَ إلّا عَلى اللَّهِ﴾ أيْ ما ثَوابِي في النُّصْحِ والتَّذْكِيرِ إلّا عَلَيْهِ سُبْحانَهُ فَهو يُثِيبُنِي آمَنتُمْ أوْ (p-٦٣٦)تَوَلَّيْتُمْ.
قَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ، وأبُو عُمَرَ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ، بِتَحْرِيكِ الياءِ مِن ( أجْرِيَ )، وقَرَأ الباقُونَ بِالسُّكُونِ ﴿وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ المُنْقادِينَ لِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ أعْمالَهم خالِصَةً لِلَّهِ سُبْحانَهُ لا يَأْخُذُونَ عَلَيْها أجْرًا ولا يَطْمَعُونَ في عاجِلٍ.
قَوْلُهُ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ ومَن مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ أيِ اسْتَمَرُّوا عَلى تَكْذِيبِهِ وأصَرُّوا عَلى ذَلِكَ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهم أحْدَثُوا تَكْذِيبَهُ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ، والمُرادُ بِمَن مَعَهُ مَن قَدْ أجابَهُ وصارَ عَلى دِينِهِ، والخَلائِفُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ، والمَعْنى: أنَّهُ سُبْحانَهُ جَعَلَهم خُلَفاءَ يَسْكُنُونَ الأرْضَ الَّتِي كانَتْ لِلْمُهْلَكِينَ بِالغَرَقِ ويَخْلُفُونَهم فِيها ﴿وأغْرَقْنا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ مِنَ الكُفّارِ المُعانِدِينَ لِنُوحٍ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، أغْرَقَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفانِ ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُنْذَرِينَ﴾ فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وتَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ وتَهْوِيلٌ عَلَيْهِمْ.
﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ مِن بَعْدِ نُوحٍ رُسُلًا كَهُودٍ وصالِحٍ وإبْراهِيمَ ولُوطٍ وشُعَيْبٍ ﴿فَجاءُوهم بِالبَيِّناتِ﴾ أيْ بِالمُعْجِزاتِ وبِما أرْسَلَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الشَّرائِعِ الَّتِي شَرَعَها اللَّهُ لِقَوْمِ كُلِّ نَبِيٍّ ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ أيْ فَما أحْدَثُوا الإيمانَ بَلِ اسْتَمَرُّوا عَلى الكُفْرِ وأصَرُّوا عَلَيْهِ.
والمَعْنى: أنَّهُ ما صَحَّ ولا اسْتَقامَ لِقَوْمٍ مِن أُولَئِكَ الأقْوامِ الَّذِينَ أرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ أنْ يُؤْمِنُوا في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ أيْ مِن قَبْلِ تَكْذِيبِهِمُ الواقِعِ مِنهم عِنْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ.
والمَعْنى: أنَّ كُلَّ قَوْمٍ مِنَ العالَمِ لَمْ يُؤْمِنُوا عِنْدَ أنْ أرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمُ الرَّسُولَ المَبْعُوثَ إلَيْهِمْ عَلى الخُصُوصِ بِما كانُوا مُكَذِّبِينَ بِهِ مِن قَبْلِ مَجِيئِهِ إلَيْهِمْ، لِأنَّهم كانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بَلْ مُكَذِّبِينَ بِالدِّينِ، ولَوْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِمْ رَسُولًا، وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ في ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ وفي بِما كَذَّبُوا راجِعٌ إلى القَوْمِ المَذْكُورِينَ في قَوْلِهِ: إلى قَوْمِهِمْ وقِيلَ: ضَمِيرُ " كَذَّبُوا " راجِعٌ إلى قَوْمِ نُوحٍ: أيْ فَما كانَ قَوْمُ الرُّسُلِ لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ هَؤُلاءِ الأقْوامُ الَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ ﴿وجاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ﴾ وقِيلَ: إنَّ الباءَ في ﴿بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ: أيْ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عِنْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ بِسَبَبِ ما اعْتادُوهُ مِن تَكْذِيبِ الحَقِّ مِن قَبْلِ مَجِيئِهِمْ، وفِيهِ نَظَرٌ.
وقِيلَ: المَعْنى ﴿بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾: أيْ في عالَمِ الذَّرِّ فَإنَّ فِيهِمْ مَن كَذَّبَ بِقَلْبِهِ، وإنْ آمَنُوا ظاهِرًا.
قالَ النَّحّاسُ: ومِن أحْسَنِ ما قِيلَ: إنَّهُ لِقَوْمٍ بِأعْيانِهِمْ ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّبْعِ العَظِيمِ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ المُتَجاوِزِينَ لِلْحَدِّ المَعْهُودِ في الكُفْرِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الأعْرَجِ في قَوْلِهِ: ﴿فَأجْمِعُوا أمْرَكم وشُرَكاءَكم﴾ يَقُولُ: فَأحْكِمُوا أمْرَكم وادْعُوا شُرَكاءَكم.
وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ الحَسَنِ في الآيَةِ أيْ: فَلْيَجْمَعُوا أمْرَهم مَعَكم.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لا يَكُنْ أمْرُكم عَلَيْكم غُمَّةً﴾ قالَ: لا يَكْبُرُ عَلَيْكم أمْرُكم ﴿ثُمَّ اقْضُوا﴾ ما أنْتُمْ قاضُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اقْضُوا﴾ قالَ: انْهَضُوا ﴿إلَيَّ ولا تُنْظِرُونِ﴾ يَقُولُ: ولا تُؤَخِّرُونِ.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ","فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ","فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِینَ","ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَاۤءُوهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَ ٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِینَ"],"ayah":"۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكُم مَّقَامِی وَتَذۡكِیرِی بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوۤا۟ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ لَا یَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَیۡكُمۡ غُمَّةࣰ ثُمَّ ٱقۡضُوۤا۟ إِلَیَّ وَلَا تُنظِرُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق