فِيهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً﴾ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَقِيلَ: هِيَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ، قَالَهُ جُوَيْبِرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ فِيمَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَ مِنْهُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِهِمْ، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شي، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ إِخْرَاجُ الثُّلُثِ، مُتَمَسِّكًا بِحَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ سِوَاهُ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا سُقُوطُهَا بِسُقُوطِهِ وَزَوَالُهَا بِمَوْتِهِ. وَبِهَذَا تَعَلَّقَ مَانِعُو الزَّكَاةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[من ج وك وهـ.]]] وَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ يُعْطِينَا عِوَضًا مِنْهَا التَّطْهِيرَ وَالتَّزْكِيَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْنَا وَقَدْ عَدِمْنَاهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَنَظَمَ فِي ذَلِكَ شَاعِرُهُمْ فَقَالَ:
أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مُلْكِ أَبِي بَكْرِ
وَإِنَّ الَّذِي سَأَلُوكُمْ فَمَنَعْتُمُ ... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى لَدَيْهِمْ مِنَ التَّمْرِ
سَنَمْنَعُهُمْ مَا دَامَ فِينَا بَقِيَّةٌ ... كِرَامٌ عَلَى الضَّرَّاءِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ
وَهَذَا صِنْفٌ مِنَ الْقَائِمِينَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً، وَفِي حَقِّهِمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ). ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ كَلَامُ جَاهِلٍ بِالْقُرْآنِ غَافِلٍ عَنْ مَأْخَذِ الشَّرِيعَةِ مُتَلَاعِبٍ بِالدِّينِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَرِدْ بَابًا وَاحِدًا وَلَكِنِ اخْتَلَفَتْ مَوَارِدُهُ عَلَى وُجُوهٍ، فَمِنْهَا خِطَابٌ تَوَجَّهَ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾[[راجع ج ٦ ص ٨٠.]] [المائدة: ٦] وَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ﴾[[راجع ج ٢ ص ٢٧٢.]] [البقرة: ١٨٣] وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا خِطَابٌ خُصَّ بِهِ وَلَمْ يَشْرِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى كَقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ﴾[[راجع ج ١٠ ص ٣٠٢ فما بعد.]] [الاسراء: ٧٩] وقوله: ﴿خالِصَةً لَكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠]. وَمِنْهَا خِطَابٌ خُصَّ بِهِ لَفْظًا وَشَرَكَهُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ مَعْنًى وَفِعْلًا، كَقَوْلِهِ ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾[[راجع ج ١٠ ص ٣٠٢ فما بعد.]] [الاسراء: ٧٨] الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾[[راجع ج ١٠ ص ١٧٤ فما بعد.]] [النحل: ٩٨] وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾[[راجع ج ٥ ص ٣٦٣ فما بعد.]] [النساء: ١٠٢] فَكُلُّ مَنْ دَلَكَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِعَاذَةِ. وَكَذَلِكَ [كُلُّ [[من هـ.]]] مَنْ خَافَ يُقِيمُ الصَّلَاةَ [بِتِلْكَ الصِّفَةِ]. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها﴾. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾[[راجع ج ١٤ ص.]] [الأحزاب: ١] وَ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾[[راجع ج ١٨ ص ١٤٧.]] [الطلاق: ١]. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ ذَهَبَ بَعْضُ الْعَرَبِ وَهُمْ دَوْسٌ: إِلَى أَنَّ الْمَالَ الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ وَالْعُرُوضُ. وَلَا تُسَمِّي الْعَيْنَ مَالًا. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى فِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ. الْحَدِيثَ. وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَالَ الصَّامِتَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَقِيلَ: الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْمَالُ الْإِبِلُ. وَقِيلَ: جَمِيعُ الْمَاشِيَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى [ثَعْلَبٍ [[من ج وهـ.]]] النَّحْوِيِّ قَالَ: مَا قَصُرَ عَنْ بُلُوغِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَيْسَ بِمَالٍ، وَأَنْشَدَ:
وَاللَّهِ مَا بَلَغَتْ لِي قَطُّ مَاشِيَةٌ ... حَدَّ الزَّكَاةِ وَلَا إِبِلٌ وَلَا مَالُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ كُلَّ مَا تُمُوِّلَ وَتُمُلِّكَ هُوَ مَالٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فأبلي أو تصدق فأمضي (. وقال أبو قتادة: فأعطاني الدرع فابتعث بِهِ مَخْرَفًا [[المخرف (بالفتح): القطعة الصغيرة من النخل ست أو سبع يشتريها الرجل للخرفة (للجني). وقيل: هي جماعة النخل ما بلغت.]] فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ [[تأثل مالا: اكتسبه واتخذه وثمره.]] فِي الْإِسْلَامِ. فَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ كُلِّهِ فَذَلِكَ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَاهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى أَمْوَالِ الزَّكَاةِ. وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ وَاللِّسَانُ شَاهِدٌ بِأَنَّ مَا تُمُلِّكَ يُسَمَّى مَالًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً﴾ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ فِي الْمَأْخُوذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَلَا تَبْيِينِ مِقْدَارِ الْمَأْخُوذِ وَلَا الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. وَإِنَّمَا بَيَانُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. حَسْبَ مَا نَذْكُرُهُ فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ. وَقَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ ﷺ الزَّكَاةَ فِي الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ وَالْعَيْنِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَالْخَيْلِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخَيْلِ [[راجع ج ١٠ ص ٧٣ - وص ١٣٥ فما بعد.]] وَالْعَسَلِ [[راجع ج ١٠ ص ٧٣ - وص ١٣٥ فما بعد.]] فِي [النَّحْلِ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ. رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ). وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي [الْأَنْعَامِ [[راجع ج ٧ ص ٩٨ وما بعدها.]]] فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مُسْتَوْفًى. وَفِي الْمَعَادِنِ فِي [الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ٣٢١ وما بعدها.]]] وَفِي الْحُلِيِّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَإِذَا مَلَكَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ فِضَّةٍ مَضْرُوبَةٍ- وَهِيَ الْخَمْسُ أَوَاقٍ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْحَدِيثِ- حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَتُهَا، وَذَلِكَ رُبْعُ عُشْرِهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ الْحَوْلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ شي مِنْهُ رُبْعُ عُشْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ. وَقَالَتْ طائفة: لا شي فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى تَبْلُغَ الزيادة أربعين درهما، فإذا بلغتها كَانَ فِيهَا دِرْهَمٌ وَذَلِكَ رُبْعُ عُشْرِهَا. هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. الرَّابِعَةُ- وَأَمَّا زَكَاةُ الذَّهَبِ فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ إِذَا كَانَ عِشْرِينَ دِينَارًا قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَمَا زَادَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ، عَلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ إِسْنَادُهُ هُنَاكَ، غَيْرَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ حُكْمِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا. وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَنْ ذُكِرَ. الْخَامِسَةُ- اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ. وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْغَنَمُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ جَمِيعًا. وَهَذَا أَيْضًا اتِّفَاقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خَمْسٍ إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ فَرِيضَتُهَا. وَصَدَقَةُ الْمَوَاشِي مُبَيَّنَةٌ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ الصِّدِّيقُ لِأَنَسٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ، وَكُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَهِيَ إِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَقَالَ مَالِكٌ: الْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ لَبُونٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ حِقَّتَيْنِ [[ابن لبون: ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية. ودخل في الثالثة. والحق (بالكسر): الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة.]]. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتٍ لَبُونٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَتَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ورائي عَلَى قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدَ العزيز ابن أَبِي حَازِمٍ وَابْنَ دِينَارٍ يَقُولُونَ بِقَوْلِ مَالِكٍ. وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي فَهُوَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَهِيَ إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ شَاةٍ وَشَاةٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ قَالَ: فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ. وَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ وَشَاةٍ فَفِيهَا خَمْسُ شِيَاهٍ، وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَتْ، فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُهُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي مِائَتَيْ شَاةٍ وشاه ثلاث شياه، ثم لا شي فِيهَا إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ كُلَّمَا زَادَتْ مِائَةً فَفِيهَا شَاةٌ، إِجْمَاعًا وَاتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَهِمَ فِيهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَى فِيهَا عَنِ الْعُلَمَاءِ الْخَطَأَ، وَخَلَّطَ وَأَكْثَرَ الْغَلَطَ. السَّادِسَةُ- لَمْ يذكر البخاري ولا مسلم في صحيحهما تَفْصِيلَ زَكَاةِ الْبَقَرِ. وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَمَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَهِيَ مُرْسَلَةٌ وَمَقْطُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رَوَاهُ قَوْمٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُ أَثْبَتُ مِنَ الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ. وَمِمَّنْ أَسْنَدَهُ بَقِيَّةُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ بَقِيَّةُ عَنِ الثِّقَاتِ. وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ كَمَا رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَكَمِ، وَالْحَسَنُ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ طَاوُسٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً [[التبيع، ولد البقرة في أول سنة. والمسن. ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة.]]، وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً [، ومن كل حالم دينار [[زيادة عن صحيحي الدارقطني والترمذي.]]] أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ [[المعافر: برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن.]]، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: فِي ثَلَاثِينَ بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة إلا شي رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي قِلَابَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْبَقَرِ شَاةً إِلَى ثَلَاثِينَ. فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ تَفْصِيلِ الزَّكَاةِ بِأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخُلْطَةِ فِي سُورَةِ [ص [[راجع ج ١٥ ص ١٦٥.]]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿صَدَقَةً﴾ مَأْخُوذٌ مِنَ الصِّدْقِ، إِذْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهِ، وَصِدْقِ بَاطِنِهِ مَعَ ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ. "تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها" حَالَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ، التَّقْدِيرُ: خُذْهَا مُطَهِّرًا لَهُمْ وَمُزَكِّيًا لَهُمْ بِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا صِفَتَيْنِ لِلصَّدَقَةِ، أَيْ صَدَقَةً مُطَهِّرَةً لَهُمْ مُزَكِّيَةً، وَيَكُونُ فَاعِلَ تُزَكِّيهِمْ الْمُخَاطَبُ، وَيَعُودُ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي "بِها" عَلَى الْمَوْصُوفِ الْمُنَكَّرِ. وَحَكَى النَّحَّاسُ وَمَكِّيٌّ أَنَّ "تُطَهِّرُهُمْ" مِنْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ "وَتُزَكِّيهِمْ بِها" حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي "خُذْ" وَهُوَ النَّبِيُّ ﷺ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا حَالٌ مِنْ نَكِرَةٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، أَيْ فَإِنَّكَ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، عَلَى الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ. وَيَجُوزُ الْجَزْمُ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ تَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرْهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
وَقَرَأَ الْحَسَنُ تُطْهِرُهُمْ "بِسُكُونِ الطَّاءِ" وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْهَمْزَةِ مِنْ طَهَرَ وَأَطْهَرْتُهُ، مِثْلَ ظَهَرَ وَأَظْهَرْتُهُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أَصْلٌ فِي فِعْلِ كُلِّ إِمَامٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالْبَرَكَةِ. رَوَى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ) فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى). ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً﴾ [التوبة: ٨٤]. قَالُوا: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَحْدَهُ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ خُصَّ بِذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾[[راجع ج ١٢ ص ٣٢٢.]] [النور: ٦٣] الْآيَةَ. وَبِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّ الْخِطَابَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذَا. فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ برسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّأَسِّي بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْتَثِلُ قَوْلَهُ: "وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ" أَيْ إِذَا دَعَوْتَ لَهُمْ حِينَ يَأْتُونَ بِصَدَقَاتِهِمْ سَكَّنَ ذَلِكَ قُلُوبَهُمْ وَفَرِحُوا بِهِ. وَقَدْ رَوَى جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَانِي النَّبِيُّ ﷺ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: لَا تَسْأَلِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، فَقَالَتْ: يَخْرُجُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عِنْدَنَا وَلَا نَسْأَلُهُ شَيْئًا! فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلِّ عَلَى زَوْجِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ). وَالصَّلَاةُ هُنَا الرَّحْمَةُ وَالتَّرَحُّمُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ جَمِيعًا فِيمَا عَلِمْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدُّعَاءُ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ. وَقَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "إِنَّ صَلَاتَكَ" بِالتَّوْحِيدِ. وَجَمَعَ الْبَاقُونَ. وَكَذَلِكَ الاختلاف في ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ﴾[[راجع ج ٩ ص ٨٤ فما بعد.]] [هود: ٨٧] وقرى "سَكْنٌ" بِسُكُونِ الْكَافِ. قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ وَقَارٌ لَهُمْ. وَالسَّكَنُ: مَا تَسْكُنُ بِهِ النُّفُوسُ وَتَطْمَئِنُّ به القلوب.
{"ayah":"خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَیۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنࣱ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ"}