الباحث القرآني
﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَواتِكَ سَكَنٌ لَهم واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
لَمّا كانَ مِن شَرْطِ التَّوْبَةِ تَدارُكَ ما يُمْكِنُ تَدارُكُهُ مِمّا فاتَ وكانَ التَّخَلُّفُ عَنِ الغَزْوِ مُشْتَمِلًا عَلى أمْرَيْنِ هُما عَدَمُ المُشارَكَةِ في الجِهادِ، وعَدَمُ إنْفاقِ المالِ في الجِهادِ، جاءَ في هَذِهِ الآيَةِ إرْشادٌ لِطَرِيقِ تَدارُكِهِمْ ما يُمْكِنُ تَدارُكُهُ مِمّا فاتَ وهو نَفْعُ المُسْلِمِينَ بِالمالِ، فالإنْفاقُ العَظِيمُ عَلى غَزْوَةِ تَبُوكَ اسْتَنْفَدَ المالَ المُعَدَّ لِنَوائِبِ المُسْلِمِينَ، فَإذا أُخِذَ مِنَ المُخَلَّفِينَ شَيْءٌ مِنَ المالِ انْجَبَرَ بِهِ بَعْضُ الثَّلْمِ الَّذِي حَلَّ بِمالِ المُسْلِمِينَ.
فَهَذا وجْهُ مُناسَبَةِ ذِكْرِ هَذِهِ الآيَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَها. وقَدْ رُوِيَ أنَّ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ قالُوا لِلنَّبِيءِ ﷺ: هَذِهِ أمْوالُنا الَّتِي بِسَبَبِها تَخَلَّفْنا عَنْكَ خُذْها فَتَصَدَّقْ بِها وطَهِّرْنا واسْتَغْفِرْ لَنا، فَقالَ لَهم: «لَمْ أُؤْمَرْ بِأنْ آخُذَ مِن أمْوالِكم» . حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَأخَذَ مِنهُمُ النَّبِيءُ ﷺ صَدَقاتِهِمْ، فالضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى (آخَرِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) .
والتّاءُ في (تُطَهِّرُهم) تَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ تاءَ الخِطابِ نَظَرًا لِقَوْلِهِ: (خُذْ)، وأنْ تَكُونَ تاءُ الغائِبَةِ عائِدَةً إلى الصَّدَقَةِ.
وأيًّا ما كانَ فالآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الصَّدَقَةَ تُطَهِّرُ وتُزَكِّي.
(p-٢٣)والتَّزْكِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ زَكِيًا، أيْ كَثِيرَ الخَيْراتِ. فَقَوْلُهُ: (تُطَهِّرُهم) إشارَةٌ إلى مَقامِ التَّخْلِيَةِ عَنِ السَّيِّئاتِ. وقَوْلُهُ: (تُزَكِّيهِمْ) إشارَةٌ إلى مَقامِ التَّحْلِيَةِ بِالفَضائِلِ والحَسَناتِ. ولا جَرَمَ أنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ. فالمَعْنى أنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ كَفّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ ومُجْلِبَةٌ لِلثَّوابِ العَظِيمِ.
والصَّلاةُ عَلَيْهِمُ: الدُّعاءُ لَهم. وتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وصَلَواتِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ٩٩] . وقَدْ كانَ النَّبِيءُ ﷺ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ إذا جاءَهُ أحَدٌ بِصَدَقَتِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ فُلانٍ» . كَما ورَدَ في حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أوْفى. يَجْمَعُ النَّبِيءُ ﷺ في دُعائِهِ في هَذا الشَّأْنِ بَيْنَ مَعْنى الصَّلاةِ وبَيْنَ لَفْظِها فَكانَ يَسْألُ مِنَ اللَّهِ - تَعالى - أنْ يُصَلِّيَ عَلى المُتَصَدِّقِ. والصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، ومِنَ النَّبِيءِ الدُّعاءُ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ صَلَواتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ بِأنَّ دُعاءَهُ سَكَنٌ لَهم، أيْ سَبَبُ سَكَنٍ لَهم، أيْ خَيْرٌ. فَإطْلاقُ السَّكَنِ عَلى هَذا الدُّعاءِ مَجازٌ مُرْسَلٌ.
والسَّكَنُ: بِفَتْحَتَيْنِ ما يُسْكَنُ إلَيْهِ، أيْ يُطْمَأنُّ إلَيْهِ ويُرْتاحُ بِهِ. وهو مُشْتَقٌّ مِنَ السُّكُونِ بِالمَعْنى المَجازِيِّ، وهو سُكُونُ النَّفْسِ، أيْ سَلامَتُها مِنَ الخَوْفِ ونَحْوِهِ؛ لِأنَّ الخَوْفَ يُوجِبُ كَثْرَةَ الحَذَرِ واضْطِرابَ الرَّأْيِ فَتَكُونُ النَّفْسُ كَأنَّها غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ قَلَقًا لِأنَّ القَلَقَ كَثْرَةُ التَّحَرُّكِ. وقالَ - تَعالى: ﴿وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] وقالَ ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا﴾ [النحل: ٨٠]، ومِن أسْماءِ الزَّوْجَةِ السَّكَنُ، أوْ لِأنَّ دُعاءَهُ لَهم يَزِيدُ نُفُوسَهم صَلاحًا وسُكُونًا إلى الصّالِحاتِ لِأنَّ المَعْصِيَةَ تَرَدُّدٌ واضْطِرابٌ، كَما قالَ - تَعالى: ﴿فَهم في رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥]، والطّاعَةَ اطْمِئْنانٌ ويَقِينٌ، كَما قالَ - تَعالى: ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]
وجُمْلَةُ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ مُناسِبٌ لِلْأمْرِ بِالدُّعاءِ لَهم. والمُرادُ بِالسَّمِيعِ هُنا المُجِيبُ لِلدُّعاءِ. وذِكْرُهُ لِلْإشارَةِ إلى قَبُولِ دُعاءِ النَّبِيءِ ﷺ . فَفِيهِ إيماءٌ إلى التَّنْوِيهِ بِدُعائِهِ. وذِكْرُ العَلِيمِ إيماءٌ إلى أنَّهُ ما أمَرَهُ بِالدُّعاءِ لَهم إلّا لِأنَّ في دُعائِهِ لَهم خَيْرًا عَظِيمًا وصَلاحًا في الأُمُورِ.
وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ ”صَلَواتِكَ“ بِصِيغَةِ الجَمْعِ. وقَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ وخَلَفٌ (p-٢٤)(صَلاتَكَ) بِصِيغَةِ الإفْرادِ. والقِراءَتانِ سَواءٌ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ جِنْسُ صَلاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. فَمَن قَرَأ بِالجَمْعِ أفادَ جَمِيعَ أفْرادِ الجِنْسِ بِالمُطابَقَةِ لِأنَّ الجَمْعَ المُعَرَّفَ بِالإضافَةِ يَعُمُّ، ومَن قَرَأ بِالإفْرادِ فُهِمَتْ أفْرادُ الجِنْسِ بِالِالتِزامِ.
{"ayah":"خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَیۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنࣱ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق