قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾، قال المفسرون: (لما عذر رسول الله ﷺ هؤلاء وأطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك، فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال رسول الله ﷺ: "ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا" فأنزل الله هذه الآية [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 16 - 18، وابن أبي حاتم 6/ 1874 - 1875، والثعلبي 6/ 144 أ، والبغوي 4/ 90، وأسباب النزول للمؤلف ص 258.]]، فأخذ رسول الله ﷺ ثلث أموالهم وترك الثلثين؛ لأن الله تعالى قال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ولم يقل [[في (ى): (ولم يقل خذ)، والمثبت موافق لتفسير الثعلبي.]] أموالهم) [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 145 أ، والبغوي 4/ 91، وروى نحوه مطولاً عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 286، وابن جرير في "تفسيره" 11/ 15 عن الزهري لكنه مرسل.]].
قال الحسن: (هذه الصدقة هي كفارة الذنوب التي أصابوها وليست بالزكاة المفروضة) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 177، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 522.]]، ونحو هذا قال ابن كيسان [[انظر قوله في: "تفسير الثعلبي" 6/ 145 ب، والبغوي 4/ 92.]]، وقال عكرمة: (هي صدقة الفرض) [[ذكره الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 398، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 496، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 522، والقرطبي في "تفسيره" 8/ 244.]]، وقال أهل العلم: (الآية وإن كانت نازلة في صدقة التطوع، فهي عامة الحكم) [[انظر: "أحكام القرآن" للإمام الشافعي 1/ 120، و"فقه الزكاة" للقرضاوي 1/ 24.]].
والإمام أولى بأن يتولى أخذ الصدقات [ومعنى الجمع في الأموال يقتضي أنه يأخذ بعض كل صنف من المال: الثمار والمواشي والنقود.
وقوله] [[ما بين المعقوفين بياض في (ح).]] تعالى: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾، قال ابن عباس: (يريد: تطهرهم من الذنوب) [["زاد المسير" 3/ 496، و"تنوير المقباس" ص 203.]]، قال أبو إسحاق: (يصلح [[في (ى): (يجوز)، وما أثبته موافق للمصدر.]] أن يكون: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ [نعتاً للصدقة كأنه قال خذ من أموالهم صدقة مطهرة، والأجود أن يكون ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] للنبي ﷺ؛ المعنى خذ من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بها) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 467.]].
قال أبو علي: (من جعل (التاء) في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ ضمير الصدقة ولم يجعله ضمير [[في (ى): (ضمير الصدقة)، وهو وهم من الناسخ.]] فعل المخاطب فلِما جاء من أن الصدقة أوساخ الناس [[وذلك في الحديث الذي رواه مسلم (1072)، كتاب: الزكاة، باب: ترك استعمال آل النبي على الصدقة، ولفظه: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس".]]، فإذا أخذت منهم كان كالدفع [[في"الحجة": كالرفع. والمعنيان متقاربان، وقد اعتمد الرازي المعنى الذي ذكره المحؤلف فقال: (وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة اندفعت تلك الأوساخ، فكان اندفاعها جاريًا مجرى التطهير). تفسير الرازي 16/ 179، والرازي كثير الاعتماد على "البسيط"، وعبارته تؤكد أن الواحدي أراد الدفع وليس الرفع.]] لذلك، ودفعه [[في "الحجة": (ورفعه)، وانظر التعليق السابق.]] تطهيره) [[أهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 324.]]، ويجوز أن تكون طهارة من جهة الحكم وإن لم تُزِل شيئاً نجسًا عن [[في (ح): (من).]] أبدانهم كما [[السياق يقتضي أن يقول: (فكما).]] أثبت نجاسة الحكم للمشركين في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28] أثبت طهارة الحكم للمسلمين بالصدقة، وعلى هذا الوجه في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ تجعل: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [منقطعًا عن الأول، أي: وأنت تزكيهم بها] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]، ويجوز أن تجعل (التاء) في في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ ضمير المخاطب، ويكون المعنى: تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها [[في (ح): (بما تأخذها).]] منهم، ويقوي هذا الوجه قوله تعالى: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ لأن قوله: (تزكي) للآخذ [[في (ح): (الآخذ).]]، فكذلك (تطهير)، ولا يحسن الانقطاع مع إمكان الاتصال [[في (ح): (الانفصال)، وهو خطأ.]].
وقوله: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي: ترفعهم بهذه الصدقة من منازل المنافقين [[لم يثبت أن هؤلاء كانوا منافقين، بل من عصاة المؤمنين، كما أخبر الله عنهم بقوله في الآية السابقة ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ وليس في قول ابن عباس المذكور ما يؤيد ما ذكره المؤلف.]] إلى منازل المخلصين، وإلى هذا المعنى أشار ابن عباس في تفسير هذا الحرف فقال: أقبل منهم [[في (ح): (نبيهم)، وهو خطأ.]] وأتوب عليهم [[لم أجد من ذكره، ولفظ الأثر ومعناه غير متوافق مع الآية، وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 496 عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ﴾ قال: (تصلحهم).]].
﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾، قال يريد: (ادع لهم) [[رواه بمعناه ابن جرير 11/ 16، 17، 18، وابن أبي حاتم 6/ 1876.]]، وذكرنا أن معنى الصلاة في اللغة: الدعاء، وهذا دليل على أن السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق فيقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت [[روى أبو داود (1583)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة، حديثًا طويلًا في الزكاة، وفيه: (فأمر رسول الله -ﷺ- بقبضها -يعني زكاة ماله- ودعا له في ماله بالبركة).]]، وقال رسول الله -ﷺ-: "اللهم صل على آل أبي أوفى" [[هو: عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي، صحابي شهد الحديبية وعُمّر بعد النبي -ﷺ-، مات سنة 87 هـ وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة.
انظر: "الإصابة" 2/ 279، و"تقريب التهذيب" 296 (3219)]] [لما أتاه أبو أوفى] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] بصدقته [[رواه البخاري (1497)، كتاب: الزكاة، باب: صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم (1078)، كتاب: الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.]].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ وقرئ (صلاتك) على واحدة [[قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم (إن صلاتك) بالتوحيد، وقرأ الباقون (إن صلواتك) بالجمع، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 166، و"تقريب النشر" ص 121.]]، قال أبو عبيد [[في (ى): (أبو عبيدة)، وهو خطأ.]]: (الصلاة عندي أكثر من الصلوات؛ لأن الصلوات للجمع القليل، كقولك: ثلاث صلوات، وأربع [[في (ح): (أربع صلوات)، وهذه الزيادة ليست في المصدر التالي.]] وخمس) [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 145 ب.]].
وقال أبو حاتم: (من زعم أن الجمع بالتاء تقليل فقد غلط؛ لأن الله تعالى قال: ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: 27]، لم يرد القليل) [[انظر: المصدر السابق، نفس الموضوع.]].
قال أبو علي الفارسي: (الصلاة مصدر يقع على الجميع والمفرد بلفظ واحد كقوله سبحانه: ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19] [فإذا اختلفت جاز أن يُجمع لاختلاف ضروبه كما قال: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] [لقمان: 19] ومن المفرد الذي يراد به الجميع قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: 35]، وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [[[البقرة: 43، 83، 110، النساء: 77، يونس: 87، النور: 56، الروم: 31، المزمل: 20].]] والمصدر إذا سمي به صار [[في (ى): (جاز)، وهو خطأ.]] بالتسمية وكثرة الاستعمال كالخارجة [[هكذا في جميع النسخ، والسياق يقتضي التذكير، وقد تصرف الواحدي في عبارة أبي علي ونصها: (وحسن ذلك جمعها حيث جمعت لأنه صار بالتسمية بها وكثرة الاستعمال لها كالخارجة عن ..) الخ.]] عن حكم المصادر، وإذا [[ساقط من (ح).]] جمعت [[في (ح): (اجتمعت)، وهو خطأ.]] المصادر إذا اختلفت نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: 19] فأن يجمع ما صار بالتسمية كالخارج عن حكم المصادر أجدر) [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 214، 215 باختصار وتصرف.]].
وقال بعضهم: (الصلوات) في هذه السورة وفي هود [[يعني قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ﴾ [هود: 87].]] وفي المؤمنين [[في (ى): المؤمنون، وما أثبته موافق للمصدر التالي، والمقصود قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 9].]] مكتوبات [[ساقط من (ى).]] في المصحف بالواو، والتي في (سأل سائل) مكتوبة بغير واو [[يعني قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج: 34].]]، فإذا اتجه الإفراد والجمع في العربية ورجح أحدَ [[في (ح): (إحدى).]] الوجهين الموافقةُ لخط المصحف كان ذلك ترجيحًا يجعله أولى بالأخذ به، قال: (ومن زعم أن (الصلاة) أولى لأن (الصلاة) للكثرة [[في (ح): (لكثرة).]] و (الصلوات) للقليل [[في (ح): (للتقليل).]] فليس قوله بمتجه؛ لأن الجمع بالتاء قد يقع على الكثير كقوله: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾ [سبأ: 37]، وقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35] [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 217 ولم يعين القائل.]].
وقوله تعالى: ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم، قال ابن عباس: (يريد: دعاؤك رحمة لهم) [[رواه مختصرًا دون قوله (دعاؤك) ابن جرير 11/ 18، وابن أبي حاتم 6/ 1876، والثعلبي 6/ 145 ب، ورواه بلفظ المؤلف البغوي في "تفسيره" 4/ 91.]]. وقال قتادة: (وقار لهم) [[رواه ابن جرير 11/ 18، وابن أبي حاتم 6/ 1876، والثعلبي 6/ 145 ب.]].
وقال الكلبي: (طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم) [[الثعلبي 4/ 145 ب، وابن الجوزي 3/ 496، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 522.]].
وقال الكفراء: (استغفر لهم؛ فإن استغفارك لهم تسكن إليه قلوبهم، وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم) [["معاني القرآن" 1/ 451.]].
وقوله [[من (م).]]: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لقولهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بندامتهم ورجوعهم.
{"ayah":"خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَیۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنࣱ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ"}