الباحث القرآني

﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً﴾ رُوِيَ «أنَّهم لَمّا أُطْلِقُوا قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أمْوالُنا الَّتِي خَلَّفَتْنا عَنْكَ فَتَصَدَّقْ بِها وطَهِّرْنا، فَقالَ ﷺ: «ما أُمِرْتُ أنْ آخُذَ مِن أمْوالِكم شَيْئًا»» فَنَزَلَتْ. فَلَيْسَتْ هي الصَّدَقَةَ المَفْرُوضَةَ لِكَوْنِها مَأْمُورًا بِها، ولِما رُوِيَ أنَّهُ ﷺ أخَذَ مِنهُمُ الثُّلُثَ وتَرَكَ لَهُمُ الثُّلْثَيْنِ فَوَقَعَ ذَلِكَ بَيانًا لِما في (صَدَقَةً) مِنَ الإجْمالِ، وإنَّما هي كَفّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ حَسْبَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ أيْ: عَمّا تَلَطَّخُوا بِهِ مِن أوْضارِ التَّخَلُّفِ، والتّاءُ لِلْخِطابِ، والفِعْلُ مَجْزُومٌ عَلى أنَّهُ جَوابٌ لِلْأمْرِ، وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ حالٌ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِ في (خُذْ) أوْ صِفَةٌ لِـ(صَدَقَةً) والتّاءُ لِلْخِطابِ، أوْ لِلصَّدَقَةِ، والعائِدُ عَلى الأوَّلِ مَحْذُوفٌ ثِقَةً بِما بَعْدَهُ، وقُرِئَ (تُطْهِرُهُمْ) مِن أطْهَرِهِ بِمَعْنى طَهَّرَهُ. ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِها﴾ بِإثْباتِ الياءِ، وهو خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في الأمْرِ، أوْ في جَوابِهِ أيْ: وأنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِها، أيْ: تُنْمِي بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ حَسَناتِهِمْ إلى مَراتِبِ المُخْلِصِينَ، أوْ أمْوالَهُمْ، أوْ تُبالِغُ في تَطْهِيرِهِمْ، هَذا عَلى قِراءَةِ الجَزْمِ في (تُطَهِّرْهُمْ) وأمّا عَلى قِراءَةِ الرَّفْعِ فَسَواءٌ جُعِلَتِ التّاءُ لِلْخِطابِ أوْ لِلصَّدَقَةِ، وكَذا إذا جُعِلَتِ الجُمْلَةُ الأُولى حالًا مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِ، أوْ صِفَةً لِلصَّدَقَةِ عَلى الوَجْهَيْنِ، فالثّانِيَةُ عَطْفٌ عَلى الأُولى حالًا وصْفَةً مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى تَقْدِيرِ المُبْتَدَأِ لِتَوْجِيهِ دُخُولِ الواوِ في الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: واعْطِفْ عَلَيْهِمْ بِالدُّعاءِ والِاسْتِغْفارِ لَهم ﴿إنَّ صَلاتَكَ﴾ وقُرِئَ (صَلَواتِكَ) مُراعاةً لِتَعَدُّدِ المَدْعُوِّ لَهم ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ تَسْكُنُ نُفُوسُهم إلَيْها، وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِها، ويَثِقُونَ بِأنَّهُ سُبْحانُهُ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ، والجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ ﴿واللَّهُ سَمِيعٌ﴾ يَسْمَعُ ما صَدَرَ عَنْهم مِنَ الِاعْتِرافِ بِالذَّنْبِ والتَّوْبَةِ والدُّعاءِ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِما في ضَمائِرِهِمْ مِنَ النَّدَمِ والغَمِّ لِما فَرَطَ مِنهُمْ، ومِنَ الإخْلاصِ في التَّوْبَةِ والدُّعاءِ، أوْ سَمِيعٌ يُجِيبُ دُعاءَكَ لَهُمْ، عَلِيمٌ بِما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، والجُمْلَةُ حِينَئِذٍ تَذْيِيلٌ لِلتَّعْلِيلِ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِهِ، وعَلى الأوَّلِ تَذْيِيلٌ لِما سَبَقَ مِنَ الآيَتَيْنِ مُحَقِّقٌ لِما فِيهِما.(p-100)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب