الباحث القرآني
فيه ثمان مسائل: الاولى- قوله تعلى: (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الزَّوْجَاتِ. وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الظُّلْمِ عَنْهُنَّ وَإِضْرَارُهُنَّ، وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. و (أَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِ (يَحِلُّ)، أَيْ لَا يحل لكم وراثة النساء. و (كَرْهاً) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ وَأَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَزٍ: كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ يُلْقِي ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ ثَوْبَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ أَوْلِيَائِهَا، فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا الصَّدَاقَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ تَمُوتُ فَيَرِثُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً). فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فَتَكُونُوا أَزْوَاجًا لَهُنَّ. وَقِيلَ: كَانَ الْوَارِثُ إِنْ سَبَقَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا كانت أحق بنفسها، قال السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: كَانَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ عَجُوزٌ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَى الشَّابَّةِ فَيَكْرَهُ فِرَاقَ الْعَجُوزِ لِمَالِهَا فَيُمْسِكُهَا وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَمُوتَ فَيَرِثُ مَالَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَمَرَ الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ كَرِهَ صُحْبَتَهَا وَلَا يُمْسِكْهَا كَرْهًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً﴾. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ إِذْهَابُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، وَأَلَّا تُجْعَلَ النِّسَاءُ كَالْمَالِ يورثن عن الرجال كما يورث المال. و (كَرْهاً) بِضَمِّ الْكَافِ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: الْكَرْهُ (بِالْفَتْحِ) بِمَعْنَى الْإِكْرَاهِ، وَالْكُرْهُ (بِالضَّمِّ) الْمَشَقَّةُ. يُقَالُ: لِتَفْعَلْ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، يَعْنِي طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا. وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. وَقِيلَ: لِأَزْوَاجِ النِّسَاءِ إِذَا حَبَسُوهُنَّ مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ طَمَاعِيَةَ إِرْثِهَا، أَوْ يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مُهُورِهِنَّ، وَهَذَا أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ﴾ وَإِذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَبْسُهَا حَتَّى يَذْهَبَ بِمَالِهَا إِجْمَاعًا مِنَ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلزَّوْجِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ هَذَا. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَضْلِ وَأَنَّهُ الْمَنْعُ فِي (الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ١٥٩]]).
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الْفَاحِشَةِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الزِّنَا، وَإِذَا زَنَتِ الْبِكْرُ فَإِنَّهَا تُجْلَدُ مِائَةً وَتُنْفَى سَنَةً، وَتَرُدُّ إِلَى زَوْجِهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: إِذَا زَنَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَارَّهَا وَيَشُقَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِدْيَةً إِلَّا أَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْبُغْضُ وَالنُّشُوزُ، قَالُوا: فَإِذَا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِلَّا أَنِّي لَا أَحْفَظُ له لصا فِي الْفَاحِشَةِ فِي الْآيَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْفَاحِشَةُ الْبَذَاءُ بِاللِّسَانِ وَسُوءُ الْعِشْرَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهَذَا فِي مَعْنَى النُّشُوزِ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُجِيزُ أَخْذَ الْمَالِ مِنَ النَّاشِزِ عَلَى جِهَةِ الْخُلْعِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَلَّا يَتَجَاوَزَ مَا أَعْطَاهَا رُكُونًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ). وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّاشِزِ جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالزِّنَا أَصْعَبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنَ النُّشُوزِ وَالْأَذَى، وَكُلُّ ذَلِكَ فَاحِشَةٌ تُحِلُّ أَخْذَ الْمَالِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: قول ابن سيرين وأبي قلابة عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ قَدْ تَكُونُ البذاء والأذى، ومنه قيل للبذي: فَاحِشٌ وَمُتَفَحِّشٌ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوِ اطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى الْفَاحِشَةِ كَانَ لَهُ لِعَانُهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَأَمَّا أَنْ يُضَارَّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا وَيُسِيءَ إِلَيْهَا حَتَّى تَخْتَلِعَ مِنْهُ إِذَا وَجَدَهَا تَزْنِي غَيْرَ أَبِي قِلَابَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ) يَعْنِي فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَقِيَامِهِ بِحَقِّهَا (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [[راجع ج ٣ ص ١٢٥.]]). وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [[راجع ص ٢٣ من هذا الجزء.]]) فهذه الآيات أصل هذا الباب. وقال عطاء الخراساني: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك بالحدود. وَقَوْلٌ رَابِعٌ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) إِلَّا أَنْ يَزْنِينَ فَيُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوتِ، فَيَكُونُ هَذَا قَبْلَ النَّسْخِ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّالِثَةُ- وَإِذَا تَنَزَّلْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ فِي الْعَضْلِ الْأَوْلِيَاءُ فَفِقْهُهُ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ فِي وَلِيٍّ أَنَّهُ عَاضِلٌ نَظَرَ الْقَاضِي فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، إِلَّا الْأَبَ فِي بَنَاتِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ في عضلة صلاح فلا يعترض، قولا واحد، وَذَلِكَ بِالْخَاطِبِ وَالْخَاطِبِينَ وَإِنْ صَحَّ عَضْلُهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، يُزَوِّجُ الْقَاضِي مَنْ شَاءَ التَّزْوِيجَ مِنْ بَنَاتِهِ وَطَلَبَهُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ- لَا يَعْرِضُ لَهُ: الرَّابِعَةُ- يجور أَنْ يَكُونَ (تَعْضُلُوهُنَّ) جَزْمًا عَلَى النَّهْيِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةَ جُمْلَةِ كَلَامٍ مَقْطُوعَةً مِنَ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَطْفًا عَلَى (أَنْ تَرِثُوا) فَتَكُونُ الْوَاوُ مُشْتَرَكَةً: عَطَفَتْ فِعْلًا عَلَى فِعْلٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (وَلَا أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ) فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُقَوِّي احْتِمَالَ النَّصْبِ، وَأَنَّ الْعَضْلَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِالنَّصِّ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مُبَيِّنَةٍ﴾ بِكَسْرِ الْيَاءِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (مُبِينَةٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، مِنْ أَبَانَ الشَّيْءَ، يُقَالُ: أَبَانَ الْأَمْرُ بِنَفْسِهِ، وَأَبَنْتُهُ وَبَيَّنَ وَبَيَّنْتُهُ، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة.
السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. وَالْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ، إِذْ لِكُلِّ أَحَدٍ عِشْرَةٌ، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَمْرِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَزْوَاجُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِمْساكٌ [[راجع ج ٣ ص ١٢٧.]] بِمَعْرُوفٍ) وَذَلِكَ تَوْفِيَةُ حَقِّهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْلِ لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرِهَا. وَالْعِشْرَةُ: الْمُخَالَطَةُ وَالْمُمَازَجَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً ... لَعَلَى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْ
جَعَلَ الْحَبِيبَ جَمْعًا كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيقِ. وَعَاشَرَهُ مُعَاشَرَةً، وَتَعَاشَرَ الْقَوْمُ وَاعْتَشَرُوا. فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ صُحْبَةِ النِّسَاءِ إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَةُ [[الأدمة: الخلطة.]] مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّفْسِ وَأَهْنَأُ لِلْعَيْشِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أن يتصنع لها كما تتصنع له. وقال يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْظَلِيُّ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلِحْيَتُهُ تَقْطُرُ مِنَ الْغَالِيَةِ [[الغالية: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن.]]، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ أَلْقَتْهَا عَلَيَّ امْرَأَتِي وَدَهَنَتْنِي بالطيب، وإنهن يشتهين مناما نَشْتَهِيهِ مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ [الْمَرْأَةُ [[من ج، ط، ز، هـ]]] لِي. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِلَى مَعْنَى الْآيَةِ يُنْظَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: (فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ) أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ سُوءُ عِشْرَةٍ مَعَ اعْوِجَاجِهَا، فَعَنْهَا تَنْشَأُ الْمُخَالَفَةُ وَبِهَا يَقَعُ الشِّقَاقُ، وَهُوَ سَبَبُ الْخُلْعِ. السَّابِعَةُ- اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ لَا يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهَا قَدْرَ كِفَايَتِهَا، كَابْنَةِ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ وَشَبَهِهِمَا مِمَّنْ لَا يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ المعاشرة بالمعروف. وقال الشافعي وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ يَكْفِيهَا خِدْمَةَ نَفْسِهَا، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ امْرَأَةٌ إِلَّا وَخَادِمٌ وَاحِدٌ يَكْفِيهَا، وَهَذَا كَالْمُقَاتِلِ تَكُونُ لَهُ أَفْرَاسٌ عِدَّةٌ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ [وَاحِدٍ [[من ز.]]]. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ مِثْلَ بَنَاتِ الْمُلُوكِ اللَّاتِي لَهُنَّ خِدْمَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهَا تحتاج من غسل ثيابها وإصلاح مَضْجَعِهَا [[في ج، هـ، ط، ى: مطبخها.]] وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَقُومُ بِهِ الْوَاحِدُ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ﴾ أَيْ لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوءِ خُلُقٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ فَاحِشَةٍ أَوْ نُشُوزٍ، فَهَذَا يُنْدَبُ فِيهِ إِلَى الِاحْتِمَالِ، فَعَسَى أن يول الْأَمْرُ إِلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ مِنْهَا أَوْلَادًا صالحين. و (أَنْ) رَفْعٌ بِ (عَسَى) وَأَنْ وَالْفِعْلُ مَصْدَرٌ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) أَوْ قَالَ (غَيْرُهُ). الْمَعْنَى: أَيْ لَا يُبْغِضْهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقِهَا أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَهُ لِمَا يُحِبُّ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فَيُخَارُ لَهُ، فَيَسْخَطُ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَاقِبَةِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ بِالْمَهْدِيَّةِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ السُّيُورِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ سَيِّئَةُ الْعِشْرَةِ وَكَانَتْ تُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا، فَيُقَالُ لَهُ فِي أَمْرِهَا وَيُعْذَلُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا رَجُلٌ قَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ عَلَيَّ النِّعْمَةَ فِي صِحَّةِ بَدَنِي وَمَعْرِفَتِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي، فَلَعَلَّهَا بُعِثَتْ عُقُوبَةً عَلَى ذَنْبِي فَأَخَافُ إِنْ فَارَقْتُهَا أَنْ تَنْزِلَ بِي عُقُوبَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهَا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ مَعَ الْإِبَاحَةِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَكْرَهُ شَيْئًا أَبَاحَهُ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْأَكْلَ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْمِعَى إِذَا امْتَلَأَ).
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُوا۟ بِبَعۡضِ مَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق