الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا ولا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ الآيَةَ؛ رَوى الشَّيْبانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: " كانُوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كانَ أوْلِياؤُهُ أحَقَّ بِامْرَأتِهِ مِن ولِيِّ نَفْسِها، إنْ شاءَ بَعْضُهم تَزَوَّجَها وإنْ شاءُوا زَوَّجُوها وإنْ شاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في ذَلِكَ "، وقالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ: " كانَ الرَّجُلُ إذا ماتَ وتَرَكَ امْرَأتَهُ قالَ ولِيُّهُ: ورِثْتُ امْرَأتَهُ كَما ورِثْتُ مالَهُ، فَإنْ شاءَ تَزَوَّجَها بِالصَّداقِ الأوَّلِ وإنْ شاءَ زَوَّجَها وأخَذَ صَداقَها " قالَ مُجاهِدٌ: " وذَلِكَ إذا لَمْ يَكُنِ ابْنَها " قالَ أبُو مِجْلَزٍ: فَكانَ بِالمِيراثِ أوْلى مِن ولِيِّ نَفْسِها. ورَوى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحّاكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " كانُوا في أوَّلِ الإسْلامِ إذا ماتَ الرَّجُلُ يَقُومُ أقْرَبُ النّاسِ مِنهُ فَيُلْقِي عَلى امْرَأتِهِ ثَوْبًا فَيَرِثُ نِكاحَها، فَماتَ أبُو عامِرٍ زَوْجُ كَبْشَةَ بِنْتِ مَعْنٍ، فَجاءَ ابْنُ عامِرٍ مِن غَيْرِها وألْقى عَلَيْها ثَوْبًا فَلَمْ يَقْرَبْها ولَمْ يُنْفِقْ عَلَيْها، فَشَكَتْ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا ولا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ أنْ تُؤْتُوهُنَّ الصَّداقَ الأوَّلَ " . وقالَ الزُّهْرِيُّ: " كانَ يَحْبِسُها مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلَيْها حَتّى تَمُوتَ فَيَرِثُها فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ " . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ والضَّحّاكُ: " هو أمْرٌ لِلْأزْواجِ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِها إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيها حاجَةٌ ولا يُمْسِكُها إضْرارًا بِها حَتّى تَفْتَدِيَ بِبَعْضِ مالِها " . وقالَ الحَسَنُ: " هو نَهْيٌ لِوَلِيِّ الزَّوْجِ المَيِّتِ أنْ يَمْنَعَها مِنَ التَّزَوُّجِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ أمْرُ الجاهِلِيَّةِ " . وقالَ مُجاهِدٌ: " هو نَهْيٌ لِوَلِيِّها أنْ يَعْضُلَها " . قالَ أبُو بَكْرٍ: الأظْهَرُ هو تَأْوِيلُ ابْنِ عَبّاسٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ وما ذُكِرَ بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ يُرِيدُ بِهِ المَهْرَ حَتّى تَفْتَدِيَ كَأنَّهُ يَعْضُلَها أوْ يُسِيءُ إلَيْها لِتَفْتَدِيَ مِنهُ بِبَعْضِ مَهْرِها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قالَ الحَسَنُ وأبُو قُلابَةَ والسُّدِّيُّ: " هو الزِّنا وإنَّهُ إنَّما تَحِلُّ لَهُ الفِدْيَةُ إذا اطَّلَعَ مِنها عَلى رِيبَةٍ " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ وقَتادَةُ: " هي النُّشُوزُ، فَإذا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها الفِدْيَةَ " . وقَدْ بَيَّنّا في سُورَةِ البَقَرَةِ أمْرَ الخُلْعِ وأحْكامَهُ. * * * (p-٤٧)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ أمْرٌ لِلْأزْواجِ بِعِشْرَةِ نِسائِهِمْ بِالمَعْرُوفِ، ومِنَ المَعْرُوفِ أنْ يُوفِّيَها حَقَّها مِنَ المَهْرِ والنَّفَقَةِ والقَسْمِ وتَرْكُ أذاها بِالكَلامِ الغَلِيظِ والإعْراضِ عَنْها والمَيْلِ إلى غَيْرِها وتَرْكُ العُبُوسِ والقُطُوبِ في وجْهِها بِغَيْرِ ذَنْبٍ وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] * * * وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ مَندُوبٌ إلى إمْساكِها مَعَ كَراهَتِهِ لَها؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ما يُوافِقُ مَعْنى ذَلِكَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا كُثَيِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ واصِلٍ عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أبْغَضُ الحَلالِ إلى اللَّهِ تَعالى الطَّلاقُ» . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ النِّيلِيُّ قالَ: حَدَّثَنا مُهَلَّبُ بْنُ العَلاءِ قالَ: حَدَّثَنا شُعَيْبُ بْنُ بَيانٍ عَنْ عِمْرانَ القَطّانِ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَزَوَّجُوا ولا تُطَلِّقُوا فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الذَّوّاقِينَ والذَّوّاقاتِ» . فَهَذا القَوْلُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مُوافِقٌ لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ مِن كَراهَةِ الطَّلاقِ والنَّدْبِ إلى الإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ مَعَ كَراهَتِهِ لَها، وأخْبَرَ اللَّهُ تَعالى أنَّ الخِيرَةَ رُبَّما كانَتْ لَنا في الصَّبْرِ عَلى ما نَكْرَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهو خَيْرٌ لَكم وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهو شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب