الباحث القرآني
(p-٤٩٨)قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِساءَ كَرْهًا ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
اخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِساءَ كَرْهًا﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانُوا في الجاهِلِيَّةِ إذا ماتَ الرَجُلُ كانَ أولِياؤُهُ أحَقَّ بِامْرَأتِهِ مِن أهْلِها، إنْ شاؤُوا تَزَوَّجَها أحَدُهُمْ، وإنْ شاؤُوا زَوَّجُوها مِن غَيْرِهِمْ، وإنْ شاؤُوا مَنَعُوها الزَواجَ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ، قالَ أبُو أُمامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ: لَمّا تُوُفِّيَ أبُو قَيْسِ بْنُ الأسْلَتِ، أرادَ ابْنُهُ أنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأتَهُ، وكانَ لَهم ذَلِكَ في الجاهِلِيَّةِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ. ذَكَرَ النَقّاشُ أنَّ اسْمَ ولَدِ أبِي قَيْسٍ مِحْصَنٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
كانَتْ هَذِهِ السِيرَةُ في الأنْصارِ لازِمَةً، وكانَتْ في قُرَيْشٍ مُباحَةً مَعَ التَراضِي، ألا تَرى أنَّ أبا عَمْرِو بْنَ أُمَيَّةَ، خَلَفَ عَلى امْرَأةِ أبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَوَلَدَتْ مِن أبِي عَمْرٍو مُسافِرًا وأبا مُعَيْطٍ وكانَ لَها مِن أُمَيَّةَ أبُو العِيصِ وغَيْرُهُ، فَكانَ بَنُو أُمَيَّةَ إخْوَةَ مُسافِرٍ وأبِي مُعَيْطٍ وأعْمامَهُما. وقالَ بِمِثْلِ هَذا القَوْلِ الَّذِي حَكَيْتُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: عِكْرِمَةُ والحَسَنُ البَصْرِيُّ وأبُو مِجْلَزٍ، قالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ في كُبَيْشَةَ بِنْتِ مَعْنٍ الأنْصارِيَّةِ، تُوُفِّيَ عنها أبُو قَيْسِ بْنُ الأسْلَتِ، وقالَ مُجاهِدٌ: كانَ الِابْنُ الأكْبَرُ أحَقَّ بِامْرَأةِ أبِيهِ إذا لَمْ يَكُنْ ولَدَها، وقالَ السُدِّيُّ: كانَ ولِيُّ المَيِّتِ إذا سَبَقَ فَألْقى عَلى امْرَأةِ المَيِّتِ ثَوْبَهُ، فَهو أحَقُّ بِها، وإنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إلى أهْلِها كانَتْ أحَقَّ بِنَفْسِها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والرِواياتُ في هَذا كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ السِيَرِ الجاهِلِيَّةِ، ولا مَنفَعَةَ في ذِكْرِ جَمِيعِ ذَلِكَ، إذْ قَدْ أذْهَبَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ﴾، ومَعْنى الآيَةِ عَلى هَذا القَوْلِ: لا يَحِلُّ لَكم أنْ (p-٤٩٩)تَجْعَلُوا النِساءَ كالمالِ، يُورَثْنَ عَنِ الرِجالِ المَوْتى كَما يُورَثُ المالُ، والمُتَلَبِّسُ بِالخِطابِ أولِياءُ المَوْتى، وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: مَعْنى الآيَةِ: لا يَحِلُّ لَكم عَضْلُ النِساءِ اللَواتِي أنْتُمْ أولِياءُ لَهُنَّ وإمْساكُهُنَّ دُونَ تَزْوِيجٍ حَتّى يَمُتْنَ فَتُورَثُ أمْوالُهُنَّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَعَلى هَذا القَوْلِ فالمَوْرُوثُ مالُها لا هِيَ، ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ. والمُتَلَبِّسُ بِالخِطابِ أولِياءُ النِساءِ وأزْواجُهُنَّ إذا حَبَسُوهُنَّ مَعَ سُوءِ العِشْرَةِ طَماعِيَةَ أنْ يَرِثُوهُنَّ.
وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ: "كَرْهًا" بِفَتْحِ الكافِ حَيْثُ وقَعَ في النِساءِ وسُورَةِ التَوْبَةِ وفي الأحْقافِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ بِضَمِّ الكافِ، وقَرَأ عاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ في النِساءِ والتَوْبَةِ بِفَتْحِ الكافِ، وفي الأحْقافِ في المَوْضِعَيْنِ بِضَمِّها، والكَرْهُ والكُرْهُ لُغَتانِ كالضَعْفِ والضُعْفِ، والفَقْرِ والفُقْرِ، قالَهُ أبُو عَلِيٍّ. وقالَ الفَرّاءُ: هو بِضَمِّ الكافِ: المَشَقَّةُ وبِفَتْحِها: إكْراهُ غَيْرٍ، وقالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾.... الآيَةِ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: هي أيْضًا في أُولَئِكَ الأولِياءِ الَّذِينَ كانُوا يَرِثُونَ المَرْأةَ لِأنَّهم كانُوا يَتَزَوَّجُونَها إذا كانَتْ جَمِيلَةً، ويُمْسِكُونَها حَتّى تَمُوتَ إذا كانَتْ دَمِيمَةً، وقالَ نَحْوَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويَجِيءُ في قَوْلِهِ "آتَيْتُمُوهُنَّ" خَلْطٌ أيْ: ما آتاها الرِجالُ قَبْلُ، فَهي كَقَوْلِهِ: ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] وغَيْرِ ذَلِكَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هي في الأزْواجِ: في الرَجُلِ يُمْسِكُ المَرْأةَ ويُسِيءُ عِشْرَتَها حَتّى تَفْتَدِيَ مِنهُ، فَذَلِكَ لا يَحِلُّ لَهُ، وقالَ مِثْلَهُ قَتادَةُ، وقالَ ابْنُ البَيْلَمانِيِّ: الفَصْلُ الأوَّلُ مِنَ الآيَةِ هو في أمْرِ الجاهِلِيَّةِ، والثانِي في العَضْلِ هو في أهْلِ الإسْلامِ في حَبْسِ الزَوْجَةِ ضِرارًا لِلْفِدْيَةِ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَعْنى الآيَةِ: لا تَرِثُوا النِساءَ كَفِعْلِ الجاهِلِيَّةِ، ولا تَعْضُلُوهُنَّ في الإسْلامِ، وقالَ نَحْوَ هَذا القَوْلِ السُدِّيُّ والضَحّاكُ، وقالَ السُدِّيُّ: هَذِهِ الآيَةُ خِطابٌ لِلْأولِياءِ، كالعَضْلِ المَنهِيِّ عنهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
(p-٥٠٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَلِقٌ، إلّا أنْ يَكُونَ العَضْلُ مِن ولِيٍّ وارِثٍ، فَهو يُؤَمِّلُ مَوْتَها، وإنْ كانَ غَيْرَ وارِثٍ فَبِأيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ؟ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَذا العَضْلُ المَنهِيُّ عنهُ في هَذِهِ الآيَةِ هو مِن سِيَرِ الجاهِلِيَّةِ في قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، إذا لَمْ يَتَوافَقِ الزَوْجانِ طَلَّقَها عَلى ألّا تَتَزَوَّجَ إلّا بِإذْنِهِ، ويُشْهِدُ عَلَيْها بِذَلِكَ، فَإذا خُطِبَتْ فَإنْ أعْطَتْهُ ورَشَتْهُ وإلّا عَضَلَ، فَفي هَذا نَزَلَتِ الآيَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والَّذِي أقُولُ: إنَّ العَضْلَ في اللُغَةِ: الحَبْسُ في شِدَّةٍ ومَضَرَّةٍ، والمَنعُ مِنَ الفَرَجِ في ذَلِكَ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أعْضَلَتِ الدَجاجَةُ وعَضَلَتْ إذا صَعُبَ عَلَيْها وضْعُ البَيْضَةِ، ومِنهُ أعْضَلَ الداءُ إذا لَحِجَ ولَمْ يَبْرَأْ، ومِنهُ داءٌ عُضالٌ،.وَمَشى عُرْفُ الفُقَهاءِ عَلى أنَّ العَضْلَ مِنَ الأولِياءِ في حَبْسِ النِساءِ عَنِ التَزْوِيجِ، وهو في اللُغَةِ أعَمُّ مِن هَذا حَسْبَما ذَكَرْتُ، يَقَعُ مِن ولِيٍّ ومِن زَوْجٍ، وأقْوى ما في هَذِهِ الأقْوالِ المُتَقَدِّمَةِ أنَّ المُرادَ الأزْواجُ، ودَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ﴾، وإذا أتَتْ بِفاحِشَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَبْسُها حَتّى يَذْهَبَ بِمالِها إجْماعًا مِنَ الأُمَّةِ، وإنَّما ذَلِكَ لِلزَّوْجِ عَلى ما سَنُبَيِّنُ بَعْدُ إنْ شاءَ اللهُ.
وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ يَظْهَرُ مِنهُ تَقْوِيَةُ ما ذَكَرْتُهُ، وإنْ حانَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ أمْرًا مُنْقَطِعًا مِنَ الأوَّلِ يُخَصُّ بِهِ الأزْواجُ. وأمّا العَضْلُ فَمَنهِيٌّ عنهُ كُلُّ مَن يُتَصَوَّرُ في نازِلَةٍ عاضِلًا، ومَتى صَحَّ في ولِيٍّ أنَّهُ عاضِلٌ نَظَرَ القاضِي في أمْرِ المَرْأةِ وزَوَّجَها ولَمْ يَلْتَفِتْ، إلّا الأبِ في بَناتِهِ، فَإنَّهُ إنْ كانَ في أمْرِهِ إشْكالٌ فَلا يُعْتَرَضُ قَوْلًا واحِدًا، وإنْ صَحَّ عَضْلُهُ فَفِيهِ قَوْلانِ في مَذْهَبِ مالِكٍ: أحَدُهُما أنَّهُ كَسائِرِ الأولِياءِ، يُزَوِّجُ القاضِي مَن شاءَ التَزْوِيجَ مِن بَناتِهِ وطَلَبِهِ، والقَوْلُ الآخَرُ إنَّهُ لا يَعْرِضُ لَهُ.
ويَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: "وَلا تَعْضُلُوهُنَّ" أنْ يَكُونَ جَزْمًا، فَتَكُونَ الواوُ عاطِفَةً جُمْلَةَ كَلامٍ مَقْطُوعَةً مِنَ الأُولى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "تَعْضُلُوهُنَّ" نَصْبًا عَطْفًا عَلى "تَرِثُوا" فَتَكُونَ الواوُ مُشْرِكَةً عاطِفَةَ فِعْلٍ عَلى فِعْلٍ.
(p-٥٠١)وَقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَلا أنْ تَعْضُلُوهُنَّ". فَهَذِهِ القِراءَةُ تُقَوِّي احْتِمالَ النَصْبِ، وأنَّ العَضْلَ مِمّا لا يَحِلُّ بِالنَصِّ وعَلى تَأْوِيلِ الجَزْمِ هو نَهْيٌ مُعَرَّضٌ لِطَلَبِ القَرائِنِ في التَحْرِيمِ أوِ الكَراهِيَةِ، واحْتِمالُ النَصْبِ أقْوى.
واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى الفاحِشَةِ هُنا فَقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: هو الزِنى، وإذا زَنَتِ البِكْرُ فَإنَّها تُجْلَدُ مِائَةً وتُنْفى سَنَةً، وتَرُدُّ إلى زَوْجِها ما أخَذَتْ مِنهُ، وقالَ أبُو قِلابَةَ: إذا زَنَتِ امْرَأةُ الرَجُلِ فَلا بَأْسَ أنْ يُضارَّها ويَشُقَّ عَلَيْها حَتّى تَفْتَدِيَ مِنهُ، وقالَ السُدِّيُّ: إذا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ، وقالَ عَطاءٌ الخُراسانِيُّ: كانَ هَذا الحُكْمُ ثُمَّ نُسِخَ بِالحُدُودِ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَحِمَهُ اللهُ: الفاحِشَةُ في هَذِهِ الآيَةِ: البُغْضُ والنُشُوزُ، وقالَهُ الضَحّاكُ وغَيْرُهُ، قالُوا: فَإذا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مالَها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا هو مَذْهَبُ مالِكٍ، إلّا أنِّي لا أحْفَظُ لَهُ نَصًّا في مَعْنى الفاحِشَةِ في هَذِهِ الآيَةِ. وقالَ قَوْمٌ: الفاحِشَةُ: البَذاءُ بِاللِسانِ وسُوءُ العِشْرَةِ قَوْلًا وفِعْلًا، وهَذا في مَعْنى النُشُوزِ. ومِن أهْلِ العِلْمِ مَن يُجِيزُ أخْذَ المالِ مِنَ الناشِزِ عَلى جِهَةِ الخُلْعِ، إلّا أنَّهُ يَرى ألّا يَتَجاوَزَ ما أعْطاها، رُكُونًا إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾. وقالَ مالِكٌ وأصْحابُهُ وجَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: لِلزَّوْجِ أنْ يَأْخُذَ مِنَ الناشِزِ جَمِيعَ ما تَمْلِكُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والزِنا أصْعَبُ عَلى الزَوْجِ مِنَ النُشُوزِ والأذى، وكُلُّ ذَلِكَ فاحِشَةٌ تُحِلُّ أخْذَ المالِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "إلّا أنْ يَفْحُشْنَ، وعاشِرُوهُنَّ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا خِلافٌ مُفْرِطٌ لِمُصْحَفِ الإمامِ. وكَذَلِكَ ذَكَرَ أبُو عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةَ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وفي هَذا نَظَرٌ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: "مُبَيَّنَةٍ" و"آياتٌ مُبَيَّناتٌ" بِفَتْحِ الياءِ فِيهِما، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ والمُفَضَّلُ عن عاصِمٍ: "مُبَيِّنَةٍ"، و"مُبَيِّناتٌ" بِكَسْرِ الياءِ فِيهِما، وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو: "مُبَيِّنَةٍ" بِالكَسْرِ، و"مُبَيَّناتٌ" بِالفَتْحِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "بِفاحِشَةٍ مُبِينَةٍ" بِكَسْرِ الباءِ وسُكُونِ الياءِ، مِن أبانَ الشَيْءُ. وهَذِهِ القِراءاتُ كُلُّها لُغاتٌ فَصِيحَةٌ، يُقالُ: بَيَّنَ الشَيْءُ وأبانَ: إذا ظَهَرَ، وبانَ الشَيْءُ وبَيَّنْتُهُ.
(p-٥٠٢)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ أمْرٌ لِلْجَمِيعِ، إذْ لِكُلِّ أحَدٍ عِشْرَةٌ، زَوْجًا كانَ أو ولِيًّا، ولَكِنَّ المُتَلَبِّسَ في الأغْلَبِ بِهَذا الأمْرِ الأزْواجُ، والعِشْرَةُ المُخالَطَةُ والمُمازَجَةُ، ومِنهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
؎ فَلَئِنْ شَطَّتْ نَواها مَرَّةً لَعَلى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْ
جَعَلَ "الحَبِيبَ" جَمْعًا كالخَلِيطِ والفَرِيقِ. يُقالُ: عاشَرَهُ مُعاشَرَةً، وتَعاشَرَ القَوْمُ واعْتَشَرُوا، وأرى اللَفْظَةَ مِن أعْشارِ الجَزُورِ، لِأنَّها مُقاسَمَةٌ ومُخالَطَةٌ ومُخالَقَةٌ جَمِيلَةٌ، فَأمَرَ اللهُ تَعالى الرِجالَ بِحُسْنِ صُحْبَةِ النِساءِ، وإلى هَذا يَنْظُرُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "فاسْتَمْتِعْ بِها وفِيها عِوَجٌ".» ثُمَّ أدَّبَ تَعالى عِبادَهُ بِقَوْلِهِ: "فَإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ" إلى آخِرِ الآيَةِ. قالَ السُدِّيُّ: الخَيْرُ الكَثِيرُ في المَرْأةِ الوَلَدُ، وقالَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ومِن فَصاحَةِ القُرْآنِ العُمُومُ الَّذِي في لَفْظَةِ "شَيْءٍ" لِأنَّهُ يَطَّرِدُ هَذا النَظَرُ في كُلِّ ما يَكْرَهُهُ المَرْءُ مِمّا يَجْمُلُ الصَبْرُ عَلَيْهِ، فَيَحْسُنُ الصَبْرُ، إذْ عاقِبَتُهُ إلى خَيْرٍ، إذا أُرِيدَ بِهِ وجْهُ اللهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُوا۟ بِبَعۡضِ مَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق