الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ سَبَبُ (p-٣٩)نُزُولِها: أنَّ الرَّجُلَ كانَ إذا ماتَ، كانَ أوْلِياؤُهُ أحَقَّ بِامْرَأتِهِ، إنْ شاؤُوا زَوَّجُوها، وإنْ شاؤُوا لَمْ يُزَوِّجُوها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ في رِوايَةٍ أُخْرى: كانُوا في أوَّلِ الإسْلامِ إذا ماتَ الرَّجُلُ، قامَ أقْرَبُ النّاسِ مِنهُ، فَيُلْقِي عَلى امْرَأتِهِ ثَوْبًا، فَيَرِثُ نِكاحَها. وقالَ مُجاهِدٌ: كانَ إذا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ، فابْنُهُ الأكْبَرُ أحَقُّ بِامْرَأتِهِ، فَيَنْكِحُها إنْ شاءَ، أوْ يَنْكِحُها مَن شاءَ، وقالَ أبُو أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ ابْنِ حَنِيفٍ: لَمْ تُوَفِّي أبُو قَيْسِ بْنِ الأسْلَتِ أرادَ ابْنُهُ أنَّ يَتَزَوَّجَ امْرَأتَهُ مِن بَعْدِهِ، وكانَ ذَلِكَ لَهم في الجاهِلِيَّةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ. قالَ عِكْرِمَةُ: واسْمُ هَذِهِ المَرْأةِ: كَبِيشَةُ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عاصِمٍ، وكانَ هَذا في العَرَبِ. وقالَ أبُو مِجْلَزٍ: كانَتِ الأنْصارُ تَفْعَلُهُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانَ هَذا في أهْلِ المَدِينَةِ. وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّما كانَ ذَلِكَ لِلْأوْلِياءِ ما لَمْ تَسْبِقِ المَرْأةُ، فَتَذْهَبُ إلى أهْلِها، فَإنْ ذَهَبَتْ، فَهي أحَقُّ بِنَفْسِها.
وَفِي مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا﴾ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنْ تَرِثُوا نِكاحَ النِّساءِ، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ.
والثّانِي: أنْ تَرِثُوا أمْوالَهُنَّ كُرْهًا. رَوى ابْنُ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَ يُلْقِي حَمِيمُ المَيِّتِ عَلى الجارِيَةِ ثَوْبًا، فَإنْ كانَتْ جَمِيلَةً تُزَوَّجَها، وإنْ كانَتْ دَمِيمَةً حَبَسَها حَتّى تَمُوتَ، فَيَرِثُها.
(p-٤٠)٢ - واخْتَلَفَ القُرّاءُ في فَتْحِ كافِ "الكُرْهِ" وضَمَّتِها في أرْبَعَةِ مَواضِعَ: هاهُنا، وفي "التَّوْبَةِ" وفي "الأحْقافِ" في مَوْضِعَيْنِ، فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرِو بِفَتْحِ الكافِ فِيهِنَّ، وضَمَّهُنَّ حَمْزَةُ. وقَرَأ عاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ بِالفَتْحِ في "النِّساءِ" و"التَّوْبَةِ"، وبِالضَّمِّ في "الأحْقافِ" . وهُما لُغَتانِ، قَدْ ذَكَرْناهُما في "البَقَرَةِ" .
وَفِيمَن خُوطِبَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ خِطابٌ لِلْأزْواجِ، ثُمَّ في العَضَلِ الَّذِي نَهى عَنْهُ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ.
أحَدُها: أنَّ الرَّجُلَ كانَ يُكْرِهُ صُحْبَةَ امْرَأتِهِ، ولَها عَلَيْهِ مَهْرٌ، فَيَحْبِسُها، ويَضْرِبُها لِتَفْتَدِيَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَنْكِحُ المَرْأةَ الشَّرِيفَةَ، فَلَعَلَّها لا تُوافِقُهُ، فَيُفارِقُها عَلى أنْ لا تَتَزَوَّجَ إلّا بِإذْنِهِ، ويَشْهَدُ عَلى ذَلِكَ، فَإذا خَطَبَتْ، فَأرْضَتْهُ، أُذِنَ لَها، وإلّا عَضَلَها قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والثّالِثُ: أنَّهم كانُوا بَعْدَ الطَّلاقِ يَعْضِلُونَ، كَما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَفْعَلُ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أيْضًا. وقَدْ ذَكَرْنا في "البَقَرَةِ" أنَّ الرَّجُلَ كانَ يُطْلِّقُ المَرْأةَ، ثُمَّ يُراجِعُها، ثُمَّ يُطْلِّقُها كَذَلِكَ أبَدًا إلى غَيْرِ غايَةٍ يَقْصِدُ إضْرارَها، حَتّى نَزَلَتْ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٢٩] .
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ خِطابٌ لِلْأوْلِياءِ، ثُمَّ في ما نُهُوا عَنْهُ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ.
أحَدُها: أنَّ الرَّجُلَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ إذا كانَتْ لَهُ قَرابَةٌ قَرِيبَةٌ، ألْقى عَلَيْها ثَوْبَهُ، فَلَمْ تَتَزَوَّجْ أبَدًا غَيْرَهُ إلّا بِإذْنِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّ اليَتِيمَةَ كانَتْ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَحْبِسُها حَتّى تَمُوتَ، أوْ تَتَزَوَّجَ بِابْنِهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
(p-٤١)والثّالِثُ: أنَّ الأوْلِياءَ كانُوا يَمْنَعُونَ النِّساءَ مِنَ التَّزْوِيجِ، لِيَرِثُوهُنَّ، رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا.
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّهُ خِطابٌ لِوَرَثَةِ أزْواجِ النِّساءِ الَّذِينَ قِيلَ: لَهُمْ: لا يَحْلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا. كانَ الرَّجُلُ يَرِثُ امْرَأةً قَرِيبَةً، فَيَعْضُلُها حَتّى تَمُوتَ، أوْ تَرُدَّ عَلَيْهِ صَداقَها. هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في آَخَرِينَ. وعَلى هَذا يَكُونُ الكَلامُ مُتَّصِلًا بِالأوَّلِ، وعَلى الأقْوالِ. الَّتِي قَبْلَهُ يَكُونُ ذِكْرُ العَضْلِ مُنْفَصِلًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أنْ تَرِثُوا النِّساءَ﴾ .
وَفِي الفاحِشَةِ قَوْلانِ. . أحَدُهُما: أنَّها النُّشُوزُ عَلى الزَّوْجِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ في جَماعَةٍ.
والثّانِي: الزِّنى، قالَهُ الحَسَنُ، وعَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ في جَماعَةٍ. وقَدْ رَوى مَعْمَرٌ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ، قالَ: كانَتِ المَرْأةُ إذا أصابَتْ فاحِشَةً، أخَذَ زَوْجُها ما ساقَ إلَيْها، وأخْرَجَها، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالحَدِّ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وهَذا القَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأنَّ الحَدَّ حَقُّ اللَّهِ، والِافْتِداءَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ، ولَيْسَ أحَدُهُما: مُبْطِلًا لِلْآَخَرِ، (p-٤٢)والصَّحِيحُ: أنَّها إذا أتَتْ بِأيِّ فاحِشَةٍ كانَتْ، مِن زِنى الفَرْجِ، أوْ بَذاءَةِ اللِّسانِ، جازَ لَهُ أنْ يَعْضُلَها، ويُضَيِّقَ عَلَيْها حَتّى تَفْتَدِيَ. فَأمّا قَوْلُهُ: "مُبَيِّنَةٍ" فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو بَكْرٍ، عَنْ عاصِمٍ: "مُبَيَّنَةٍ"، و"آَياتٍ مُبَيَّناتٍ" بِفَتْحِ الياءِ فِيهِما جَمِيعًا. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ، عَنْ عاصِمٍ: بِكَسْرِ الياءِ فِيهِما، وقَرَأ نافِعٌ، أبُو عَمْرٍو "مُبِيِّنَةٍ" كَسْرًا و"آَياتٍ مُبَيَّناتٍ" فَتْحًا. وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ "العَشْرَةِ" .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رُبَّما رَزَقَ اللَّهُ مِنهُما ولَدًا، فَجَعَلَ اللَّهُ في ولَدِها خَيْرًا كَثِيرًا. وقَدْ نَدَبَتِ الآَيَةُ إلى إمْساكِ المَرْأةِ مَعَ الكَراهَةِ لَها، ونَبَّهَتْ عَلى مَعْنَيَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّ الإنْسانَ لا يَعْلَمُ وُجُوهَ الصَّلاحِ، فَرُبَّ مَكْرُوهٍ عادَ مَحْمُودًا، ومَحْمُودٌ عادَ مَذْمُومًا.
والثّانِي: أنَّ الإنْسانَ لا يَكادُ يَجِدُ مَحْبُوبًا لَيْسَ فِيهِ ما يَكْرَهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلى ما يَكْرَهُ لِما يُحِبُّ. وأنْشَدُوا في هَذا المَعْنى:
؎ ومَن لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وعَنْ بَعْضِ ما فِيهِ يَمُتْ وهْوَ عاتِبُ
وَمِن ∗∗∗ يَتَتَبَّعْ جاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ ∗∗∗ يَجِدْها ولا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صاحِبُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُوا۟ بِبَعۡضِ مَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق