الباحث القرآني
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
(يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم) أيها الأولياء (أن ترثوا النساء) أى ذاتهن (كرهاً) بالفتح والضم لغتان أي مكرهين على ذلك، هذا متصل بما تقدم من ذكر الزوجات، والمقصود نفي الظلم عنهن، ومعنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بأمرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤا زوجوها وإن شاؤا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت [[الأثر رواه البخاري في " صحيحه " 8/ 186 ولفظه: " كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك " ورواه ابن جرير 8/ 104، وأبو داود في " سننه " 2/ 310.
أخرجه ابن جرير 8/ 105 وابن مردويه، ورجال إسناده ثقات.]].
وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها.
وقد روى هذا السبب بألفاظ فمعناها لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الإرث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسوهن لأنفسكم.
(ولا) يحل لكم أن (تعضلوهن) عن أن يتزوجهن غيركم ضراراً (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح، وقيل الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعاً في إرثهن أو يفتدين ببعض مهورهن، واختاره ابن عطية، وأصل العضل المنع أي لا تمنعوهن من الأزواج ودليل ذلك قوله:
(إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فإنها إذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بما لها إجماعاً من الأمة، وإنما ذلك للزوج، قال الحسن: إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى ويرد إلى زوجها ما أخذت منه، وقال أبو قلابة إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه، وقال السدي: إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن.
وقال قوم الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولاً وفعلاً، وقال مالك وجماعة من أهل العلم للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك.
هذا كله على أن الخطاب في قوله (ولا تعضلوهن) للأزواج، وقد عرفت ما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله (ولا تعضلوهن) لمن خوطب بقوله (لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً) فيكون المعنى ولا يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن أي ما آتاهن من ترثونه إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فحينئذ يجوز لكم حبسهن عن الأزواج.
ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعف من الزنا.
وكما أن جعل قوله: (ولا تعضلوهن) خطاباً للأولياء فيه التعسّف، كذلك جعل قوله (ولا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً) خطاباً للأزواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفته بسبب نزول الآية الذي ذكرناه.
والأولى أن يقال أن الخطاب في قوله (ولا يحل لكم) للمسلمين أي لا يحل لكم معاشر السلمين أن ترثوا النساء كرهاً كما كانت تفعله الجاهلية، ولا يحل لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم أي تحبسوهن عندكم مع عدم رغبتكم فيهنّ، بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من المهور يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم وفي عندتكم مع كراهتكم لهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فحينئذ يجوز لكم مخالعتهن ببعض ما آتيتموهن [[اختار الإمام أبو جعفر الطبري في " تفسيره " 8/ 113 قول من قال. نهى الله جل ثناؤه زوج المرأة عن التضييق عليها، والإضرار بها، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب، لتفتدي منه ببعض ما آتاها من الصداق. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصحة، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل امرأة إلا لأحد رجلين: إما لزوجها بالتضييق عليها، وحبسها على نفسه وهو لها كاره، مضارة منه لها بذلك، ليأخذ منها ما آتاها بافتدائها منه نفسها بذلك، أو لوليها الذي إليه إنكاحها، وإذا كان لا سبيل إلا عضلها لأحد غيرهما، وكان الولي معلوماً أنه ليس مما آتاها شيئاً، فيقال إن عضلها عن النكاح: " عضلها ليذهب ببعض ما آتاها " كان معلوماً أن الذي عنى الله تبارك وتعالى بنهيه عن عضلها، هو زوجها الذي له السبيل إلى عضلها ضراراً لتفتدي منه.]].
والإستثناء من أعم الأحوال والأوقات أو من أعم العلل أي لا يحل لكم عضلهن في حال أو وقت أو لعلة إلا في حال أو وقت أو لأجل إتيانهنّ بها فإن السبب حينئذ يكون من جهتهن وأنتم معذورون في طلب الخلع.
وقال الكرخي: الاستثناء متصل وعليه جرى القاضي كالكشاف وهو استثناء من زمان عام أو من علة عامة، وهذا أولى لأن الأول يحتاج إلى حذف زمان مضاف، وقيل منقطع واختاره الكواشي كأبي البقاء.
والمبيّنة قرىء بفتح الياء وكسرها أي بينت بيّنها من يدعيها وأوضحها وأظهرها أو هي بينة أي الزنا والنشوز، وقرأ ابن عباس: بكسر الموحدة من أبان الشيء فهو مبين.
(وعاشروهن بالمعروف) أي بما هو معروف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة والإجمال في القول والنفقة والمبيت، وهو خطاب للأزواج أو لما هو أعم، وذلك مختلف باختلاف الأزواج في الغنى والفقر والرفاعة والوضاعة، قال السدي: عاشروهن أي خالطوهن، وقال ابن جرير صحفه بعض الرواة وإنما هو خالقوهن، وعن عكرمة حقها عليك الصحبة الحسنة والكسوة والرزق المعروف.
(فإن كرهتموهن) بسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز فعسى أن يؤول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة، وحصول الأولاد، فيكون الجزاء على هذا محذوفاً مدلولاً عليه بعلته أي فإن كرهتموهن فاصبروا ولا تفارقوهن بمجرد هذه النفرة.
(فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) عن ابن عباس قال: الخير الكثير أن يعطف عليها فيرزق ولدها، ويجعل الله في ولدها خيراً كثيراً، وعن السدي نحوه، وقال مقاتل: يطلقها فتتزوج من بعده رجلاً فيجعل الله له منها ولداً، ويجعل الله في تزويجها خيراً كثيراً، وعن الحسن نحوه.
وقيل في الآية ندب إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها لأنه إذا كره صحبتها وتحمل ذلك المكروه طلباً للثواب، وأنفق عليها وأحسن هو صحبتها استحق الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة. [[في صحيح مسلم 2/ 109 عن أبي هريرة مرفوعاً " لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقاً رضي منها آخر، وقال: غيره .. والفرك: البغض.]]
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُوا۟ بِبَعۡضِ مَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق