الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ الآية.
قال المفسرون: كان الرجل في الجاهلية [[في "أسباب النزول" للمؤلف (151)، كان أهل المدينة في الجاهلية، وكذلك عند الثعلبي 4/ 28أ.]] إذا مات جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على المرأة، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صَداق، إلا الصَّداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوَّجها غيره وأخذ صَداقها، ولم يُعطِها منه شيئًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأعلم أن ذلك حرام، وأن الرجل لا يرث المرأة من الميت [[انظر: "تفسير القرآن" لعبد الرزاق 1/ 151، والطبري 4/ 305 - 308، "معاني == الزجاج" 2/ 30، "الكشف والبيان" 4/ 28 أ، "أسباب النزول" للمؤلف ص 151، "زاد المسير" 2/ 39، ابن كثير 1/ 506 - 507، "لباب النقول" ص 65، 66.]].
وقال بعضهم: الوراثة تعود إلى المال، وذلك أن وارث الميت كان له أن يمنعها من الأزواج إلى أن تموت فيرثها ما ورثت من الميت، فقال الله تعالى: لا يحل لكم أن ترثوهن أموالهن وهن كارهات [[ممن ذهب إلى ذلك ابن عباس والزهري. انظر: الطبري 4/ 306 - 307، "زاد المسير" 2/ 39، "الدر المنثور" 2/ 234 - 235.
وقد اختار الطبري القول الأول وأن المراد بوراثة النساء وراثة نكاحهن. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 305 - 306.]].
وقوله تعالى: ﴿كَرْهًا﴾ قرئ بفتح الكاف وضمها [[قراءة الضم لحمزة والكسائي، والفتح لبقية العشرة. انظر: "السبعة" ص 229، "الحجة" 3/ 144، "المبسوط" ص 155، "النشر" 2/ 249.]]، وهما لغتان، كالفَقْر والفُقر، والضَّعف والضعف، والشَّهد والشُّهد [["الحجة" 3/ 144.]]. قال أحمد بن يحيى [[هو ثعلب وقوله في "تهذيب اللغة" 4/ 3136.]]: ولا أعلم بين الأحرف التي ضمها (بعض القراء [[في (د): بدون (بعض).]]) وفتحها بعضهم من: الكَره والكُره فرقًا في العربية، ولا في سُنَّة تُتّبع، ولا أرى الناس اتفقوا على الحرف الذي في سورة البقرة خاصة، وهو قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، إلا أنه اسم وبقية القرآن مصادر [[انتهى قول ثعلب من "تهذيب اللغة" 4/ 3136 (كره)، وانظر: "اللسان" 7/ 3865 نفس المادة.]].
قال الأزهري: وقد أجمع كثير من أهل اللغة أن الكَره والكُره لغتان، فبأي لغة قرئ فجائز، إلا الفراء [[انتهى من "تهذيب اللغة" 4/ 3136 (كره)، ووجهة نظر الفراء كما في "التهذيب" بقول الأزهري: فإنه زعم أن الكَره ما أكرهت نفسك عليه، والكُره ما أكرهك غيرك عليه، جئتك كَرها، وأدخلتني كُرها، وانظر: الثعلبي 4/ 28 ب.]].
وقد ذكرنا قوله في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" [البقرة: 216].]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ ذكرنا معنى العضل في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" [البقرة: 232].]].
قال ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك: المَنهيّ عن العضل ههنا الأزواج، فهو أن يُمسكوهن إذا لم يكن لهم فيهن حاجة إضرارًا بهن حتى يَفتدين ببعض مُهورهن [[انظر: "تفسير عبد الرزاق" 1/ 151، الطبري 4/ 305، "الكشف والبيان" 4/ 29ب، البغوي 2/ 186، "زاد المسير" 2/ 40، ابن كثير 1/ 507، "تحقيق المروي" عن ابن عباس 1/ 205.]].
وهذا القول اختيار الزجاج، قال: هؤلاء المُخاطَبون غير أولئك.
وكان الرجل منهم إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها لتفتدي منه، فأَعلمَ الله عز وجل أنّ ذلك لا يَحلّ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 30.]].
وقوله تعالى: ﴿تَعْضُلُوهُنَّ﴾ يَصلح أن يكون نصبًا وجزمًا [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 259، و"الطبري" 4/ 309، و"معاني الزجاج" 2/ 30.]]. أما النصب على أن المعنى: لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 360، و"الطبري" 4/ 309.]]، قال الفراء: وكذا هو في قراءة عبد الله [["معاني القرآن" 1/ 259، وانظر: "الطبري" 4/ 309، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 404.]]. وأما الجَزْم فعلى النهي [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 259، "معاني الزجاج" 2/ 30.]].
قال الأزهري [["تهذيب اللغة" 3/ 2475 (عضل).]]: العَضل في هذه الآية من الزوج لامرأته، وهو أن يُضارّها ولا يُحسن معاشرتها، ليضطرها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها الذي أمهرها، سماه الله عَضلاً؛ لأنه يمنعها حقها من النفقة وحسن العشرة، كما أن الولي إذا منع أَيِّمه [[في "تهذيب اللغة": حريمته.]] من التزويج فقد منعها (الحق الذي يجب لها عليه) [[في "التهذيب": الحق الذي أبيح لها من النكاح، ولعل تعبير الواحدي أدق.]] [[انتهى من "تهذيب اللغة" 3/ 2475 (عضل)، وانظر: "اللسان" 5/ 2988 - 2989 المادة نفسها]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. قال ابن عباس في رواية عطاء، والحسن وأبو قلابة [[هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري من مشاهير علماء التابعين وثقاتهم إلا أنه يدلس وفيه نصب يسير، وقد أخرج حديثه الجماعة توفي -رحمه الله- سنة 104هـ وقيل بعدها. انظر: "تاريخ الثقات" 2/ 30، "ميزان الاعتدال" 2/ 425، "التقريب" ص304رقم (3333).]] والسدي: الفاحشة ههنا الزنا [[أخرج قول الحسن وأبي قلابة والسدي الطبري 4/ 310، وأما ابن عباس فإن الثابت عنه من رواية علي بن أبي طلحة كالقول الثاني، أن المراد: هو البغض والنشوز. "تفسير ابن عباس" ص 140، وأخرجه الطبري 4/ 310.
وانظر في ذلك: "تفسير الهواري" 1/ 360، 361، البغوي 2/ 186، "زاد المسير" 2/ 41، ابن كثير 1/ 507، "الدر المنثور" 2/ 235.]].
وهو اختيار الزجاج [["معاني القرآن" 2/ 30.]].
وقال ابن مسعود وقتادة والضحاك: هي النشوز [[نص قول قتادة والضحاك ومعنى قول ابن مسعود حسبما أخرج الطبري ذلك عنهم في "تفسيره" 4/ 311، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 29 أ، "زاد المسير" 2/ 41، وابن كثير 1/ 507، "الدر المنثور" 2/ 236.]].
ثم اختلفوا في حُكم الآية؛ فقال الأكثرون: إذا زنت امرأة تحتَ رجُلٍ، أو نَشزَت عليه، حلّ له أن يَسْأَلها الخُلع، وأن يُضارَّها ويُسيء معاشرتها لتفتدي منه بالمهر.
قال أبو قلابة: إذا رأى الرجل من امرأته فاحشةً فلا بأس أنْ يضارّها حتى تَخَتلِع منه [[أخرجه الطبري 4/ 310، وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2475 (عضل).]]. قال الأزهري: فجعل الله عز وجل اللواتي يأتين الفاحشة مُستَثنيات من جُملة النساء اللواتي نهى الله أزواجهن عن عضلهن ليذهبوا ببعض ما آتوهن من الصداق [["تهذيب اللغة" 3/ 2475 (عضل).]].
وذهب بعضهم إلى أن هذا كان يجوز ثم نُسخ.
قال عطاء الخراساني: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشةً أَخذ منها ما ساق إليها وأخرجها [[في (د): (ثم أخرجها).]]، فنَسخ ذلك الحدود [[أخرجه الطبري 4/ 311، وانظر: "زاد المسير" 2/ 41، "الدر المنثور" 2/ 236.]].
وهذا الاختلاف على قول من يجعل الفاحشة الزنا، ومن جعلها النشوز فلا نَسخ عنده، وللزوج إذا نَشزت المرأة أن يُسيء [[في (أ): (بشى) بالشين المعجمة، ولعله تصحيف.]] عِشرتها لترغب في الفدية.
واختلف [[في (د): (واختلاف).]] القراء في المبيّنة والمبيّنات، فقرئت بفتح الياء وكسرها [[قراءة الفتح لابن كثير وأبي بكر عن عاصم، والكسر للباقين. انظر: "السبعة" ص230، "الحجة" 3/ 145، "الكشف" 1/ 383، "النشر" 2/ 248.]].
قال سيبويه: يقال: أبان الأمر وأبنته واستبان، واستبنته، وبيّن وبيّنته [[قول سيبويه في "الكتاب" 4/ 63، وقد أخذه المؤلف من "الحجة" 3/ 145.]]، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم. فمن فتح الياء فالمعنى عنده: يُبيَّن فحشها فهي مبينة، ومن كسر فحجته ما جاء في التفسير: فاحشة ظاهرة، فظاهرة حجة لمبيِّنة [[انظر: الطبري 4/ 312، "الحجة" 3/ 146، "حجة القراءات" ص 196، "الكشف" 1/ 383.]]. ثم قال: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قال ابن عباس: يريد احْجبها بما يَجِب لها عليك من الحق [[لم أقف على من خرجه عن ابن عباس، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 80.]]. وقال الزجاج: هو النُّصفة في المبيت والنفقة، والإجمال في القول [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 30، وانظر "معاني القرآن" للنحاس 2/ 47.]]. وهذا قبل أن يأتين بالفاحشة.
وقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]. قال ابن عباس [[في "الوسيط" 2/ 484: قال عطاء.]]: يريد فيما كرهتم مما هو لله رضا. ﴿خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [[في (أ): (خيركثير).]] يريد ثوابًا عظيمًا [[لم أقف عليه.]].
قال المفسرون: الخير الكثير في المرأة المكروهة أن يرزقه الله منها ولدًا صالحًا ويعطفه عليه [[روى نحوه عن ابن عباس، وقال به كثير من المفسرين. انظر: الطبري 4/ 313، و"تفسير الهواري" 1/ 361، والثعلبي 4/ 29 أ، والبغوي 2/ 186، و"زاد المسير" 2/ 42، وابن كثير 1/ 508، "الدر المنثور" 2/ 236.]].
وقوله تعالى: ﴿فِيهِ﴾ الكناية تعود إلى قوله: ﴿شَيْئًا﴾، ويجوز أن تعود إلى الكراههَ والكُره؛ لأن الفعل يدل على المصدر [[انظر: الطبري 4/ 313، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 194، "الدر المصون" 3/ 632.]].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ كَرۡهࣰاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُوا۟ بِبَعۡضِ مَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق