الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قَالَ الطَّبَرِيُّ: "أَوْ" بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَأَنْشَدَ:
وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا [[البيت من قصيدة لتوبة الخفاجي قالها في ليلى الأخيلية.]]
وَقَالَ آخَرُ: [[هو جرير بن عطية يمدح عمر بن عبد العزيز.]]
نَالَ الْخِلَافَةَ [[في ديوانه المخطوط: (إذ) بدل (أو).]] أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
أَيْ وَكَانَتْ. وَقِيلَ: "أَوْ" لِلتَّخْيِيرِ أَيْ مَثِّلُوهُمْ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، لَا عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَوْ كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ. وَالصَّيِّبُ: الْمَطَرُ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ صَابَ يَصُوبُ إِذَا نَزَلَ، قَالَ عَلْقَمَةُ:
فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمَّرٍ ... سَقَتْكِ رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تصوب [[المغمر والغمر: الجاهل الذي لم يجرب الأمور، كأن الجهل غمره واستولى عليه. وروايا المزن: التي. تروى بكثرة مائها.]]
وَأَصْلُهُ: صَيْوِبٌ، اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ، كَمَا فَعَلُوا فِي مَيِّتٍ وَسَيِّدٍ وَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: أَصْلُهُ صَوِيبٌ عَلَى مِثَالِ فَعِيلٍ. قَالَ النَّحَّاسُ:" لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَمَا جَازَ إِدْغَامُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِدْغَامُ طَوِيلٍ. وَجَمْعُ صَيِّبٍ صَيَايِبُ. وَالتَّقْدِيرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا أَوْ كَمَثَلِ [[في الأصل: ( ... نارا أو كصيب). والتصويب عن كتاب إعراب القرآن للنحاس.]] صَيِّبٍ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ السَّمَاءُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَتُجْمَعُ على أسمية وسموات وَسُمِيٍّ، عَلَى فُعُولٍ، قَالَ الْعَجَّاجُ:
تَلُفُّهُ الرِّيَاحُ وَالسُّمِيُّ [[السمي: يريد الأمطار.]]
وَالسَّمَاءُ: كُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْتِ: سَمَاءٌ. وَالسَّمَاءُ: الْمَطَرُ، سُمِّيَ بِهِ لِنُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ والسماء
وقال آخر: [[هو معاوية بن مالك.]]
إِذَا سَقَطَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
وَيُسَمَّى الطِّينُ وَالْكَلَأُ أَيْضًا سَمَاءً، يُقَالُ: مَا زِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ. يُرِيدُونَ الْكَلَأَ وَالطِّينَ. وَيُقَالُ لِظَهْرِ الْفَرَسِ أَيْضًا سماء لعلوه، قال: [[القائل هو طفيل الغنوي، كما في اللسان مادة (سما)]]
وَأَحْمَرُ كَالدِّيبَاجِ أَمَّا سَمَاؤُهُ ... فَرَيَّا وَأَمَّا أَرْضُهُ فَمُحُولُ
وَالسَّمَاءُ: مَا عَلَا. وَالْأَرْضُ: مَا سَفَلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فِيهِ ظُلُماتٌ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ "وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: ظُلُمَاتٌ بِالْجَمْعِ إِشَارَةً إِلَى ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَظُلْمَةِ الدُّجْنِ، وَهُوَ الْغَيْمُ، وَمِنْ حَيْثُ تَتَرَاكَبُ وَتَتَزَايَدُ جُمِعَتْ. وَقَدْ مَضَى مَا فِيهِ مِنَ اللُّغَاتِ [[راجع ص ٢١٣ من هذا الجزء.]] فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَا تَقَدَّمَ إن شاء الله تعالى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّعْدِ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: (مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ [مُوَكَّلٌ [[زيادة عن الترمذي.]] بِالسَّحَابِ] مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ). فَقَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: (زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ) قَالُوا: صَدَقْتَ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. فَالرَّعْدُ: اسْمُ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَعْلُومُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقَدْ قَالَ لَبِيَدٌ فِي جَاهِلِيَّتِهِ:
فَجَّعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْ ... فَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجِدِ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الرَّعْدُ رِيحٌ تَخْتَنِقُ بَيْنَ السَّحَابِ فَتُصَوِّتُ ذَلِكَ الصَّوْتَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَرْقِ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: الْبَرْقُ مِخْرَاقٌ حَدِيدٌ بِيَدِ الْمَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ. قُلْتُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا هُوَ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ بِيَدِ الْمَلَكِ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ. وَعَنْهُ أَيْضًا الْبَرْقُ مَلَكٌ يَتَرَاءَى. وَقَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ: الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ. وَالْبَرْقُ مَا يَنْقَدِحُ مِنَ اصْطِكَاكِهَا. وَهَذَا مَرْدُودٌ لَا يَصِحُّ بِهِ نَقْلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُقَالُ: أَصْلُ الرَّعْدِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَمِنْهُ الرعديد للجبان. وارتعد: اضطرب، ومنه الحديث: (فجئ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا) الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالْبَرْقُ أَصْلُهُ مِنَ الْبَرِيقِ وَالضَّوْءِ، وَمِنْهُ الْبُرَاقُ: دَابَّةٌ رَكِبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَرَكِبَهَا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَبْلَهُ. وَرَعَدَتِ السَّمَاءُ مِنَ الرَّعْدِ، وَبَرَقَتْ مِنَ الْبَرْقِ. وَرَعَدَتِ الْمَرْأَةُ وَبَرَقَتْ: تَحَسَّنَتْ وَتَزَيَّنَتْ. وَرَعَدَ الرَّجُلُ وَبَرَقَ: تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
يَا جُلَّ مَا بَعُدَتْ عَلَيْكَ بِلَادُنَا ... وطلابنا فأبرق بأرضك وأرعد
وَأَرْعَدَ الْقَوْمُ وَأَبْرَقُوا: أَصَابَهُمْ رَعْدٌ وَبَرْقٌ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عَمْرٍو: أَرْعَدَتِ السَّمَاءُ وَأَبْرَقَتْ، وَأَرْعَدَ الرَّجُلُ وَأَبْرَقَ إِذَا تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْكُمَيْتِ:
أَبْرِقْ وَأَرْعِدْ يَا يَزِي ... دُ فَمَا وَعِيدُكَ لِي بِضَائِرْ
فَقَالَ: لَيْسَ الْكُمَيْتُ بِحُجَّةٍ.
فَائِدَةٌ:
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي سَفْرَةٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَمَعَنَا كَعْبُ الْأَحْبَارِ، قَالَ: فَأَصَابَتْنَا رِيحٌ وَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَمَطَرٌ شَدِيدٌ وَبَرْدٌ، وَفَرِقَ النَّاسُ. قَالَ فَقَالَ لِي كَعْبٌ: إِنَّهُ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، عُوفِيَ مِمَّا يَكُونُ فِي ذَلِكَ السَّحَابِ وَالْبَرْدِ وَالصَّوَاعِقِ. قَالَ: فَقُلْتُهَا أَنَا وَكَعْبٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَاجْتَمَعَ النَّاسُ قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّا كُنَّا فِي غَيْرِ مَا كَانَ فِيهِ النَّاسُ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَ كَعْبٍ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَفَلَا قُلْتُمْ لَنَا فَنَقُولُ كَمَا قُلْتُمْ! فِي رِوَايَةٍ فَإِذَا [[البرد (بالتحريك): حب الغمام.]] بَرَدَةٌ قَدْ أَصَابَتْ أَنْفَ عُمَرَ فَأَثَّرَتْ بِهِ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي سُورَةِ "الرَّعْدِ" [[راجع ج ٩ ص ٢٩٥]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحَابَةِ عَنِ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ وَالصَّوَاعِقَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ﴾ جَعْلُهُمْ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ. وَفِي وَاحِدِ الْأَصَابِعِ خَمْسُ لُغَاتٍ: إِصْبَعٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَأَصْبِعٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا، وَضَمِّهِمَا جَمِيعًا، وَبِكَسْرِهِمَا جَمِيعًا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. وَكَذَلِكَ الْأُذُنُ وَتُخَفَّفُ وَتُثَقَّلُ وَتُصَغَّرُ، فَيُقَالُ: أُذَيْنَةٌ. وَلَوْ سَمَّيْتَ بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صَغَّرْتَهُ قُلْتَ: أُذَيْنٌ، فَلَمْ تُؤَنَّثْ لِزَوَالِ التَّأْنِيثِ عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّرِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أُذَيْنَةٌ فِي الِاسْمِ الْعَلَمِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مُصَغَّرًا، وَالْجَمْعُ آذَانٌ. وَتَقُولُ: أَذَنْتُهُ إِذَا ضَرَبْتُ أُذُنَهُ. وَرَجُلٌ أُذُنٌ: إِذَا كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَ كُلِّ أحد، يستوي فيه الواحد وَالْجَمْعُ. وَأَذَانِيٌّ: عَظِيمُ الْأُذُنَيْنِ. وَنَعْجَةٌ أَذْنَاءُ، وَكَبْشٌ آذَنُ. وَأَذَّنْتَ النَّعْلَ وَغَيْرَهَا تَأْذِينًا: إِذَا جَعَلْتَ لَهَا أُذُنًا. وَأَذَّنْتَ الصَّبِيَّ: عَرَكْتَ أُذُنَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنَ الصَّواعِقِ﴾ أَيْ مِنْ أَجْلِ الصَّوَاعِقِ. وَالصَّوَاعِقُ جَمْعُ صَاعِقَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: إِذَا اشْتَدَّ غَضَبُ الرَّعْدِ الَّذِي هُوَ الْمَلَكُ طَارَ النَّارُ مِنْ فِيهِ وَهِيَ الصَّوَاعِقُ. وَكَذَا قَالَ الْخَلِيلُ، قَالَ: هِيَ الْوَاقِعَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ، يَكُونُ مَعَهَا أَحْيَانًا قِطْعَةُ نَارٍ تَحْرِقُ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الصَّاعِقَةُ نَارٌ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ. وَحَكَى الْخَلِيلُ عَنْ قَوْمٍ: السَّاعِقَةُ (بِالسِّينِ). وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: يُقَالُ صَاعِقَةٌ وصعقة وصاعقة بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: مِنْ "الصَّوَاقِعِ" (بِتَقْدِيمِ الْقَافِ)، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
يَحْكُونَ بِالْمَصْقُولَةِ الْقَوَاطِعِ ... تَشَقُّقَ الْبَرْقِ عَنِ الصَّوَاقِعِ
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَبَعْضُ بَنِي رَبِيعَةَ. وَيُقَالُ: صَعَقَتْهُمُ السَّمَاءُ إِذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّاعِقَةَ. وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا صَيْحَةُ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ [[راجع ج ١٥ ص ٣٤٩.]] الْعَذابِ الْهُونِ" [فصلت: ١٧] وَيُقَالُ: صُعِقَ الرَّجُلُ صَعْقَةً وَتَصْعَاقًا، أَيْ غُشِيَ عَلَيْهِ، وفي قوله تعالى:" وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [[راجع ج ٧ ص ٢٧٩]] " [الأعراف: ١٤٣] فَأَصْعَقَهُ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِ ... أُحَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهُ [[النعرة (مثال الهمزة): ذباب ضخم أزرق العين أخضر، له إبرة في طرف ذنبه يلسع بها ذوات الحافر خاصة. واللبان: الصدر، وقيل: وسطه، وقيل: ما بين الثديين، ويكون للإنسان وغيره. وأصعقتها صواهله: أي قتلها صهيله.]]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" فَصَعِقَ [[راجع ج ١٥ ص ٢٧٩.]] مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ" [الزمر: ٦٨] أَيْ مَاتَ. وَشَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا فِي الصَّيِّبِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ. فَالظُّلُمَاتُ مَثَلٌ لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ مَثَلٌ لِمَا يُخَوَّفُونَ بِهِ. وَقِيلَ: مَثَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ بِالصَّيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ عَلَيْهِمْ، وَالْعَمَى هُوَ الظُّلُمَاتُ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرُ هُوَ الرَّعْدُ، وَمَا فِيهِ مِنَ النُّورِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي تَكَادُ أَحْيَانًا أَنْ تُبْهِرَهُمْ هُوَ البرق. والصواعق، مَثَلٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى الْقِتَالِ فِي الْعَاجِلِ وَالْوَعِيدِ فِي الْآجِلِ. وَقِيلَ: الصَّوَاعِقُ تَكَالِيفُ الشَّرْعِ الَّتِي يَكْرَهُونَهَا مِنَ الْجِهَادِ والزكاة وغيرهما. قول: (حَذَرَ الْمَوْتِ) حذر وحذار بمعنى، وقرى بِهِمَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مَنْصُوبٌ، لِأَنَّهُ مَوْقُوعٌ لَهُ أَيْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ مصدر، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
وَأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الْكَرِيمِ ادِّخَارَهُ ... وَأَعْرِضْ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا [[البيت لحاتم الطائي. يقول: إذا جهل علي الكريم احتملت جهله إبقاء عليه وادخارا له، وإن سبني اللئيم أعرضت عن شتمه.]]
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْمَوْتُ: ضِدُّ الْحَيَاةِ. وَقَدْ مَاتَ يَمُوتُ، وَيَمَاتُ أَيْضًا، قَالَ الرَّاجِزُ:
بُنَيَّتِي سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ ... عِيشِي وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَمَاتِي
فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ، وَقَوْمٌ مَوْتَى وَأَمْوَاتٌ وَمَيِّتُونَ وَمَيْتُونَ. وَالْمُوَاتُ (بِالضَّمِّ): الْمَوْتُ. وَالْمَوَاتُ (بِالْفَتْحِ): مَا لَا رُوحَ فِيهِ. وَالْمَوَاتُ أَيْضًا: الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ. وَالْمَوَتَانُ (بِالتَّحْرِيكِ): خِلَافُ الْحَيَوَانِ، يُقَالُ: اشْتَرِ الْمَوَتَانِ، وَلَا تَشْتَرِ الْحَيَوَانَ، أَيِ اشْتَرِ الْأَرَضِينَ وَالدُّورَ، وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ. وَالْمُوتَانُ (بِالضَّمِّ): مَوْتٌ يَقَعُ فِي الْمَاشِيَةِ، يُقَالُ: وَقَعَ فِي الْمَالِ مُوتَانٌ. وَأَمَاتَهُ اللَّهُ وَمَوَّتَهُ، شُدِّدَ للمبالغة. وقال:
فعروة مات موتا مستريحا ... فها أنا ذا أُمَوَّتُ كُلَّ يَوْمِ
وَأَمَاتَتِ النَّاقَةُ إِذَا مَاتَ وَلَدُهَا، فَهِيَ مُمِيتٌ وَمُمِيتَةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، وَجَمْعُهَا مَمَاوِيتُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَمَاتَ فُلَانٌ إِذَا مَاتَ لَهُ ابْنٌ أَوْ بَنُونَ. وَالْمُتَمَاوِتُ مِنْ صِفَةِ النَّاسِكِ الْمُرَائِي وَمَوْتٌ مَائِتٌ، كَقَوْلِكَ: لَيْلٌ لَائِلٌ، يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِهِ مَا يُؤَكَّدُ بِهِ. وَالْمُسْتَمِيتُ لِلْأَمْرِ: الْمُسْتَرْسِلُ لَهُ، قال رؤبة: وَزَبَدُ الْبَحْرِ لَهُ كَتِيتٌ ... وَاللَّيْلُ فَوْقَ الْمَاءِ مُسْتَمِيتُ [[كذا في الأصول واللسان مادة (موت) .. الذي في ديوانه المخطوط بدار الكتب المصرية برقم ٥١٦ أدب.
وزبد البحر له كتيت ... تراه والحوت له نئيت
كلاهما مغتمس مغتوت ... وكلكل الماء له مبيت
والليل فوق الماء مستميت ... يدفع عنه جوفه المسحوت
الكتيت: الهدير. والنئيت والزحير والطحير والانيت كله الزحير (إخراج الصوت أو النفس عند عمل بانين أو شدة). المغتوت: المغموم. والمسحوت: الذي لا يشبع.]]
الْمُسْتَمِيتُ أَيْضًا: الْمُسْتَقْتِلُ الَّذِي لَا يُبَالِي فِي الْحَرْبِ مِنَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَدِيثِ: (أَرَى الْقَوْمَ مُسْتَمِيتِينَ) وَهُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْمَوْتِ. وَالْمُوتَةُ (بِالضَّمِّ): جِنْسٌ مِنَ الْجُنُونِ وَالصَّرَعِ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ، فَإِذَا أَفَاقَ عَادَ إِلَيْهِ كَمَالُ عَقْلِهِ كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ. وَمُؤْتَةُ (بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزِ الْوَاوِ): اسْمُ أَرْضٍ [[وقيل إنها قرية من قرى البلقاء في حدود الشام. وقيل: إنها بمشارف الشام وعلى اثنى عشر ميلا من أذرح. راجع تاج العروس مادة (مات).]] قُتِلَ بِهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أَيْ لَا يَفُوتُونَهُ. يُقَالُ: أَحَاطَ السُّلْطَانُ بِفُلَانٍ إِذَا أَخَذَهُ أَخْذًا حَاصِرًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَحَطْنَا بِهِمْ حَتَّى إِذَا مَا تَيَقَّنُوا ... بِمَا قَدْ رَأَوْا مالوا جميعا إلى السلم
ومنه قول تعالى:" وَأُحِيطَ [[راجع ج ١٠ ص ٤٠٩.]] بِثَمَرِهِ" [الكهف: ٤٢]. وَأَصْلُهُ مُحْيِطٌ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلَى الْحَاءِ فَسُكِّنَتْ. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، أَيْ هِيَ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ، كَمَا قَالَ:" وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [[راجع ج ١٥ ص ٢٧٧.]] " [الزمر: ٦٧]. وَقِيلَ: "مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ" أَيْ عَالِمٌ بِهِمْ. دَلِيلُهُ:" وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [[راجع ج ١٨ ص ١٧٦.]] " [الطلاق: ١٢]. وَقِيلَ: مُهْلِكُهُمْ وَجَامِعُهُمْ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [[راجع ج ٩ ص ٢٢٥]] " [يوسف: ٦٦] أَيْ إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا. وَخَصَّ الْكَافِرِينَ بِالذِّكْرِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ فِي الْآيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{"ayah":"أَوۡ كَصَیِّبࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فِیهِ ظُلُمَـٰتࣱ وَرَعۡدࣱ وَبَرۡقࣱ یَجۡعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمۡ فِیۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَ ٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِیطُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق