الباحث القرآني

﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أَيْ كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ بِمَعْنًى آخَرَ إِنْ شِئْتَ مَثِّلْهُمْ بِالْمُسْتَوْقَدِ وَإِنْ شِئْتَ بِأَهْلِ الصيب وقيل ٧/ب أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ يُرِيدُ وَكَصَيِّبٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ بِمَعْنَى وَيَزِيدُونَ وَالصَّيِّبُ الْمَطَرُ وَكُلُّ مَا نَزَلْ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ فَهُوَ صَيِّبٌ =فَعِيلٌ مِنْ صَابَ يَصُوبُ أَيْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أَيْ مِنَ السَّحَابِ قِيلَ هِيَ السَّمَاءُ بِعَيْنِهَا وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ﴿فِيهِ﴾ أَيْ فِي الصَّيِّبِ وَقِيلَ فِي السَّمَاءِ أَيْ مِنَ السَّحَابِ وَلِذَلِكَ ذَكَّرَهُ وَقِيلَ السَّمَاءُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ (١٨-الْمُزَّمِّلِ) وَقَالَ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ (١-الِانْفِطَارِ) ﴿ظُلُمَاتٌ﴾ جَمْعُ ظُلْمَةٍ ﴿وَرَعْدٌ﴾ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ ﴿وَبَرْقٌ﴾ النَّارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ: الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ وَالْبَرْقُ لَمَعَانُ سَوْطٍ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بِهِ الْمَلَكُ السَّحَابَ. وَقِيلَ الصَّوْتُ زَجْرُ السَّحَابِ وَقِيلَ تَسْبِيحُ الْمَلَكِ. وَقِيلَ الرَّعْدُ نُطْقُ الْمَلَكِ وَالْبَرْقُ ضَحِكُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ الرَّعْدُ اسْمُ الْمَلَكِ وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ أَيْضًا رَعْدٌ [[الأخبار التي ذكرت لم يذكرها ابن كثير ولا السيوطي في الدر المنثور وإنما ذكر بعضها القرطبي وأكثرها لا يخلو من مقال كما في تعليق الأستاذ محمود شاكر على الطبري عند تفسير قوله تعالى (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق) الآية تفسير الطبري: وما دام لم يرد دليل على ما ذكر فيتوقف في ذلك لأن هذه الظواهر الكونية وما بعدها مرتبطة بنواميس وسنن صار بعضها مفسرا عند علماء هذا المجال. وانظر: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للشيخ محمد بن محمد أبو شهبة ص ٤١٤-٤١٧.]] وَالْبَرْقُ مَصَعَ [[في النهاية لابن الأثير - وقد نقل كلام مجاهد، أي يضرب السحاب ضربة فيرى البرق يلمع. النهاية في غريب الحديث والأثر: ٤ / ٣٣٧.]] مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الرَّعْدُ مَلَكٌ يُزْجِي السَّحَابَ فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا فَإِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ، وَقِيلَ الرَّعْدُ صَوْتُ انْحِرَافِ الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ﴾ جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِكُلِّ عَذَابٍ مُهْلِكٍ: صَاعِقَةٌ، وَقِيلَ الصَّاعِقَةُ قِطْعَةُ عَذَابٍ يُنْزِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَشَاءُ. رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ" [[أخرجه الترمذي في الدعوات باب ما يقول إذا سمع الرعد، برقم (٣٥١٤) : ٩ / ٤١٢ وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأحمد: ٢ / ١٠٠، والبخاري في الأدب المفرد ص ٢١٢، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (٢٩٨) والدولابي في الكنى: ٢ / ١١٧، كلهم من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي مطر عن سالم ... وأبو مطر: لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه الحاكم: ٢ / ٢٨٦ ووافقه الذهبي. وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة. (ص ٥١٨) وانظر: شرح السنة: ٤ / ٣٩٣ تعليق الأستاذ الأرناؤوط، والكلم الطيب بتخريج الألباني ص (٨٨) .]] . قَوْلُهُ ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أَيْ مَخَافَةَ الْهَلَاكِ ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ أَيْ عَالِمٌ بِهِمْ وَقِيلَ جَامِعُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يجمعهم فيعذبهم. وقيلك مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ (٦٦-يُوسُفَ) أَيْ تُهْلَكُوا جَمِيعًا. وَيُمِيلُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ الْكَافِرِينَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ وَالْخَفْضِ وَلَا يُمِيلَانِ: ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ (٤١-الْبَقَرَةِ) . ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ﴾ أَيْ يَقْرُبُ، يُقَالُ: كَادَ يَفْعَلُ إِذَا قَرُبَ وَلَمْ يَفْعَلْ ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ يَخْتَلِسُهَا وَالْخَطْفُ اسْتِلَابٌ بِسُرْعَةٍ ﴿كُلَّمَا﴾ حَرْفٌ جُمْلَةً ضُمَّ إِلَى مَا الْجَزَاءِ فَصَارَ أَدَاةً لِلتَّكْرَارِ وَمَعْنَاهُمَا مَتَى مَا ﴿أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ أَيْ وَقَفُوا مُتَحَيِّرِينَ، فَاللَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِقَوْمٍ كَانُوا فِي مَفَازَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِيهِ ظُلُمَاتٌ مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ السَّارِيَ ﴿لَا يُمْكِنُهُ﴾ [[في الأصل: لا يمكنها.]] الْمَشْيُ فِيهَا، وَرَعْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَضُمَّ السَّامِعُونَ أَصَابِعَهُمْ إِلَى آذَانِهِمْ مِنْ هَوْلِهِ، وَبَرْقٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ أَنْ يَخْطِفَ أَبْصَارَهُمْ وَيُعْمِيَهَا مِنْ شِدَّةِ تَوَقُّدِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ وَصَنِيعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ، فَالْمَطَرُ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ حَيَاةُ الْجِنَانِ كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ حَيَاةُ الْأَبْدَانِ، وَالظُّلُمَاتُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالرَّعْدُ مَا خُوِّفُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ النَّارِ وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ وَالْوَعْدِ وَذِكْرِ الْجَنَّةِ. وَالْكَافِرُونَ يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَخَافَةَ مَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أَيِ الْقُرْآنُ يَبْهَرُ قُلُوبَهُمْ. وَقِيلَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ فَالْمَطَرُ الْإِسْلَامُ وَالظُّلُمَاتُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ، وَالرَّعْدُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْمَخَاوِفِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ يَعْنِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا رَأَوْا فِي الْإِسْلَامِ بَلَاءً وَشِدَّةً هَرَبُوا حَذَرًا مِنَ الْهَلَاكِ ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ جَامِعُهُمْ يَعْنِي لَا يَنْفَعُهُمْ هَرَبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ وَرَائِهِمْ يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ. يَكَادُ الْبَرْقُ يَعْنِي دَلَائِلَ الْإِسْلَامِ تُزْعِجُهُمْ إِلَى النَّظَرِ لَوْلَا مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ. ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ يَعْنِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِيمَانِ آمَنُوا فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ كُلَّمَا نَالُوا غَنِيمَةً وَرَاحَةً فِي الْإِسْلَامِ ثَبَتُوا وَقَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي رَأَوْا شِدَّةً وَبَلَاءً تَأَخَّرُوا وَقَامُوا أَيْ وَقَفُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ (١١-الْحَجِّ) ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ أَيْ بِأَسْمَاعِهِمْ ﴿وَأَبْصَارِهِمْ﴾ الظَّاهِرَةِ كَمَا ذَهَبَ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ لَذَهَبَ بِمَا اسْتَفَادُوا مِنَ الْعِزِّ وَالْأَمَانِ الَّذِي لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قَادِرٌ. قَرَأَ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ شَاءَ وَجَاءَ حَيْثُ كَانَ بِالْإِمَالَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب