الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ﴾ الآيَةَ، الصَّيِّبُ: المَطَرُ، وقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ مَثَلًا لِما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنَ الهُدى، والعِلْمِ بِالمَطَرِ؛ لِأنَّ بِالعِلْمِ والهُدى حَياةَ الأرْواحِ، كَما أنَّ بِالمَطَرِ حَياةَ الأجْسامِ.
وَأشارَ إلى وجْهِ ضَرْبِ هَذا المَثَلِ بِقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨] .
(p-١٤)وَقَدْ أوْضَحَ ﷺ هَذا المَثَلَ المُشارَ إلَيْهِ في الآيَتَيْنِ في حَدِيثِ أبِي مُوسى المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، حَيْثُ قالَ ﷺ: «إنَّ مَثَلَ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدى والعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أصابَ أرْضًا. فَكانَتْ مِنها طائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الماءَ فَأنْبَتَتِ الكَلَأ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنها أجادَبُ أمْسَكَتِ الماءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِها النّاسَ فَشَرِبُوا مِنها، وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأصابَ مِنها طائِفَةٌ أُخْرى إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً، ولا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقِهَ في دِينِ اللَّهِ ونَفَعَهُ اللَّهُ بِما بَعَثَنِي بِهِ؛ فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيهِ ظُلُماتٌ﴾ ضَرَبَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ المَثَلَ لِما يَعْتَرِي الكُفّارَ والمُنافِقِينَ مِنَ الشُّبَهِ والشُّكُوكِ في القُرْآنِ، بِظُلُماتِ المَطَرِ المَضْرُوبِ مَثَلًا لَلْقُرْآنِ، وبَيَّنَ بَعْضَ المَواضِعِ الَّتِي هي كالظُّلْمَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّها تَزِيدُهم عَمًى في آياتٍ أُخَرَ لِقَوْلِهِ: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إلّا عَلى الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣]؛ لِأنَّ نَسْخَ القِبْلَةِ يَظُنُّ بِسَبَبِهِ ضِعافُ اليَقِينِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَيْسَ عَلى يَقِينٍ مِن أمْرِهِ حَيْثُ يَسْتَقْبِلُ يَوْمًا جِهَةً، ويَوْمًا آخَرَ جِهَةً أُخْرى، كَما قالَ تَعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما ولّاهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ [البقرة: ١٤٢] .
وَصَرَّحَ تَعالى بِأنَّ نَسْخَ القِبْلَةِ كَبِيرٌ عَلى غَيْرِ مَن هَداهُ اللَّهُ، وقَوّى يَقِينَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إلّا عَلى الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾ وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا الَّتِي أرَيْناكَ إلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠]؛ لِأنَّ ما رَآهُ لَيْلَةَ الإسْراءِ والمِعْراجِ مِنَ الغَرائِبِ والعَجائِبِ، كانَ سَبَبًا لِاعْتِقادِ الكُفّارِ أنَّهُ ﷺ كاذِبٌ؛ لِزَعْمِهِمْ أنَّ هَذا الَّذِي أخْبَرَ بِهِ لا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ. فَهو سَبَبٌ لِزِيادَةِ الضّالِّينَ ضَلالًا. وكَذَلِكَ الشَّجَرَةُ المَلْعُونَةُ في القُرْآنِ الَّتِي هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فَهي سَبَبٌ أيْضًا لِزِيادَةِ ضَلالِ الضّالِّينَ مِنهم؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا قَرَأ: ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٤] قالُوا: ظَهَرَ كَذِبُهُ؛ لِأنَّ الشَّجَرَ لا يَنْبُتُ في الأرْضِ اليابِسَةِ فَكَيْفَ يَنْبُتُ في أصْلِ النّارِ ؟ !
وَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا عِدَّتَهم إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المدثر: ٣١]؛ لِأنَّهُ ﷺ لَمّا قَرَأ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: ٣١] .
(p-١٥)قالَ بَعْضُ رِجالِ قُرَيْشٍ: هَذا عَدَدٌ قَلِيلٌ فَنَحْنُ قادِرُونَ عَلى قَتْلِهِمْ، واحْتِلالِ الجَنَّةِ بِالقُوَّةِ؛ لِقِلَّةِ القائِمِينَ عَلى النّارِ الَّتِي يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ ﷺ أنّا سَنَدْخُلُها. واللَّهُ تَعالى إنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ اخْتِبارًا وابْتِلاءً، ولَهُ الحِكْمَةُ البالِغَةُ في ذَلِكَ كُلِّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَعْدٌ﴾ ضَرَبَ اللَّهُ المَثَلَ بِالرَّعْدِ لِما في القُرْآنِ مِنَ الزَّواجِرِ الَّتِي تَقْرَعُ الآذانَ، وتُزْعِجُ القُلُوبَ. وذَكَرَ بَعْضًا مِنها في آياتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً﴾ الآيَةَ [فصلت: ١٣]، وكَقَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّها عَلى أدْبارِها﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٧]، وكَقَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبإ: ٤٦] .
وَقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الطُّورِ مِن حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿أمْ خُلِقُوا مِن غَيْرِ شَيْءٍ أمْ هُمُ الخالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥] إلى قَوْلِهِ ﴿المُسَيْطِرُونَ﴾ كادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ»، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن قَوارِعِ القُرْآنِ وزَواجِرِهِ الَّتِي خَوَّفَتِ المُنافِقِينَ حَتّى قالَ اللَّهُ تَعالى فِيهِمْ: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ﴾ [المنافقون: ٤]، والآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِها وإنْ كانَتْ في المُنافِقِينَ، فالعِبْرَةُ بِعُمُومِ الألْفاظِ لا بِخُصُوصِ الأسْبابِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَرْقٌ﴾ ضَرَبَ تَعالى المَثَلَ بِالبَرْقِ؛ لِما في القُرْآنِ مِن نُورِ الأدِلَّةِ القاطِعَةِ والبَراهِينِ السّاطِعَةِ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِأنَّ القُرْآنَ نُورٌ يَكْشِفُ اللَّهُ بِهِ ظُلُماتِ الجَهْلِ والشَّكِّ والشِّرْكِ، كَما تُكْشَفُ بِالنُّورِ الحِسِّيِّ ظُلُماتُ الدُّجى
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَأنْزَلْنا إلَيْكم نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ [الشورى: ٥٢]
• وقَوْلِهِ: ﴿واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ﴿مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾ أيْ: مُهْلِكُهم، ويَشْهَدُ لِهَذا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلّا أنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: ٦٦] أيْ: تُهْلَكُوا عَنْ آخِرِكم. وقِيلَ: تُغْلَبُوا. والمَعْنى مُتَقارِبٌ؛ لِأنَّ الهالِكَ لا يَهْلَكُ حَتّى يُحاطَ بِهِ مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ، ولَمْ يَبْقَ لَهُ مَنفَذٌ لِلسَّلامَةِ يَنْفُذُ (p-١٦)مِنهُ وكَذَلِكَ المَغْلُوبُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: [ الطَّوِيلُ ]
؎أحَطْنا بِهِمْ حَتّى إذا ما تَيَقَّنُوا بِما قَدْ رَأوْا مالُوا جَمِيعًا إلى السِّلْمِ
وَمِنهُ أيْضًا: بِمَعْنى الهَلاكِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ الآيَةَ [الكهف: ٤٢] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ﴾ الآيَةَ [يونس: ٢٢] .
{"ayah":"أَوۡ كَصَیِّبࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فِیهِ ظُلُمَـٰتࣱ وَرَعۡدࣱ وَبَرۡقࣱ یَجۡعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمۡ فِیۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَ ٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِیطُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق