الباحث القرآني

﴿أوْ كَصَيِّبٍ﴾: تَمْثِيلٌ لِحالِهِمْ إثْرَ تَمْثِيلٍ؛ لِيَعُمَّ البَيانُ مِنها كُلَّ دَقِيقٍ وجَلِيلٍ؛ ويُوَفّى حَقُّها مِنَ التَّفْظِيعِ والتَّهْوِيلِ؛ فَإنَّ تَفَنُّنَهم في فُنُونِ الكُفْرِ والضَّلالِ؛ وتَنَقُّلَهم فِيها مِن حالٍ إلى حالِ؛ حَقِيقٌ بِأنْ يُضْرَبَ في شَأْنِهِ الأمْثالُ؛ ويُرْخى في حَلْبَتِهِ أعِنَّةُ المَقالِ؛ ويُمَدَّ لِشَرْحِهِ أطْنابُ الإطْنابِ؛ ويُعْقَدَ لِأجْلِهِ فُصُولٌ وأبْوابٌ؛ لِما أنَّ كُلَّ كَلامِ لَهُ حَظٌّ مِنَ البَلاغَةِ؛ وقِسْطٌ مِنَ الجَزالَةِ والبَراعَةِ؛ لا بُدَّ أنْ يُوَفّى فِيهِ حَقُّ كُلٍّ مِن مَقامَيِ الإطْنابِ والإيجازِ؛ فَما ظَنُّكَ بِما في ذُرْوَةِ الإعْجازِ مِنَ التَّنْزِيلِ الجَلِيلِ؛ ولَقَدْ نُعِيَ عَلَيْهِمْ في هَذا التَّمْثِيلِ تَفاصِيلُ جِناياتِهِمْ؛ وهو عَطْفٌ عَلى الأوَّلِ؛ عَلى حَذْفِ المُضافِ لِما سَيَأْتِي مِنَ الضَّمائِرِ المُسْتَدْعِيَةِ لِذَلِكَ؛ أيْ: كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ. وكَلِمَةُ "أوْ" لِلْإيذانِ بِتَساوِي القِصَّتَيْنِ في الِاسْتِقْلالِ بِوَجْهِ التَّشْبِيهِ؛ وبِصِحَّةِ التَّمْثِيلِ بِكُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما؛ وبِهِما مَعًا. و"الصَّيِّبُ": "فَيْعِلٌ"؛ مِن "الصَّوْبُ"؛ وهو النُّزُولُ الَّذِي لَهُ وقْعٌ وتَأْثِيرٌ؛ يُطْلَقُ عَلى المَطَرِ؛ وعَلى السَّحابِ؛ قالَ الشَّمّاخُ: ؎ عَفا آيَهُ نَسْجُ الجَنُوبِ مَعَ الصَّبا ∗∗∗ وأسْحَمُ دانٍ صادِقُ الوَعْدِ صَيِّبُ وَلَعَلَّ الأوَّلَ هو المُرادُ هَهُنا؛ لِاسْتِلْزامِهِ الثّانِي؛ وتَنْكِيرُهُ لِما أنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَوْعٌ مِنهُ شَدِيدٌ هائِلٌ؛ كالنّارِ في التَّمْثِيلِ الأوَّلِ؛ وأُمِدَّ بِهِ ما فِيهِ مِنَ المُبالَغاتِ مِن جِهَةِ مادَّتِهِ الأُولى؛ الَّتِي هي الصّادُ المُسْتَعْلِيَةُ؛ والياءُ المُشَدَّدَةُ؛ والباءُ الشَّدِيدَةُ؛ ومادَّتِهِ (p-53)الثّانِيَةِ؛ أعْنِي "الصَّوْبُ"؛ المُنْبِئَ عَنْ شِدَّةِ الِانْسِكابِ؛ ومِن جِهَةِ بِنائِهِ الدّالِّ عَلى الثَّباتِ؛ وقُرِئَ: "أوْ كَصائِبٍ". ﴿مِنَ السَّماءِ﴾: مُتَعَلِّقٌ بِـ "صَيِّبٍ"؛ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ؛ والمُرادُ بِالسَّماءِ هَذِهِ المِظَلَّةُ؛ وهي في الأصْلِ كُلُّ ما عَلاكَ مِن سَقْفٍ؛ ونَحْوِهِ؛ وعَنِ الحَسَنِ أنَّها مَوْجٌ مَكْفُوفٌ؛ أيْ مَمْنُوعٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مِنَ السَّيَلانِ؛ وتَعْرِيفُها لِلْإيذانِ بِأنَّ انْبِعاثَ الصَّيِّبِ لَيْسَ مِن أُفُقٍ واحِدٍ؛ فَإنَّ كُلَّ أُفُقٍ مِن آفاقِها - أيْ كُلَّ ما يُحِيطُ بِهِ كُلُّ أُفُقٍ مِنها - سَماءٌ عَلى حِدَةٍ؛ قالَ: ؎ ∗∗∗ ومِن بُعْدِ أرْضٍ بَيْنَنا وسَماءِ كَما أنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ مِن طِباقِها سَماءٌ؛ قالَ (تَعالى): ﴿وَأوْحى في كُلِّ سَماءٍ أمْرَها﴾؛ والمَعْنى أنَّهُ صَيِّبٌ عامٌّ؛ نازِلٌ مِن غَمامٍ مُطْبِقٍ؛ آخِذٍ بِالآفاقِ؛ وقِيلَ: المُرادُ بِالسَّماءِ السَّحابُ؛ واللّامُ لِتَعْرِيفِ الماهِيَّةِ. ﴿فِيهِ ظُلُماتٌ﴾: أيْ: أنْواعٌ مِنها؛ وهِيَ: ظُلْمَةُ تَكاثُفِهِ وانْتِساجِهِ بِتَتابُعِ القَطْرِ؛ وظُلْمَةُ إظْلالِ ما يَلْزَمُهُ مِنَ الغَمامِ الأسْحَمِ المُطْبِقِ الآخِذِ بِالآفاقِ؛ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ وجَعَلَهُ مَحَلًّا لَها مَعَ أنَّ بَعْضَها لِغَيْرِهِ؛ كَظُلْمَتَيِ الغَمامِ؛ واللَّيْلِ؛ لِما أنَّهُما جُعِلَتا مِن تَوابِعِ ظُلْمَتِهِ؛ مُبالَغَةً في شِدَّتِهِ؛ وتَهْوِيلًا لِأمْرِهِ؛ وإيذانًا بِأنَّهُ مِنَ الشِّدَّةِ والهَوْلِ بِحَيْثُ تَغْمُرُ ظُلْمَتُهُ ظُلُماتِ اللَّيْلِ والغَمامِ؛ وهو السِّرُّ في عَدَمِ جَعْلِ الظُّلُماتِ هو الأصْلَ المُسْتَتْبِعَ لِلْبَواقِي؛ مَعَ ظُهُورِ ظَرْفِيَّتِها لِلْكُلِّ؛ إذْ لَوْ قِيلَ: "أوْ كَظُلُماتٍ فِيها صَيِّبٌ"؛ إلَخْ.. لَما أفادَ أنَّ لِلصَّيِّبِ ظُلْمَةً خاصَّةً بِهِ؛ فَضْلًا عَنْ كَوْنِها غالِبَةً عَلى غَيْرِها. ﴿وَرَعْدٌ﴾: وهو صَوْتٌ يُسْمَعُ مِنَ السَّحابِ؛ والمَشْهُورُ أنَّهُ يَحْدُثُ مِنَ اصْطِكاكِ أجْرامِ السَّحابِ بَعْضِها بِبَعْضٍ؛ أوْ مِنَ انْقِلاعِ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ؛ عِنْدَ اضْطِرابِها بِسَوْقِ الرِّياحِ إيّاهُ سَوْقًا عَنِيفًا. ﴿وَبَرْقٌ﴾: وهو ما يَلْمَعُ مِنَ السَّحابِ؛ مِن "بَرَقَ الشَّيْءُ بَرِيقًا"؛ أيْ: "لَمَعَ"؛ وكِلاهُما في الأصْلِ مَصْدَرٌ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعا؛ وكَوْنُهُما في الصَّيِّبِ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِما في أعْلاهُ ومَصَبِّهِ؛ ووُصُولِ أثَرِهِما إلَيْهِ؛ وكَوْنِهِما في الظُّلُماتِ الكائِنَةِ فِيهِ. والتَّنْوِينُ في الكُلِّ لِلتَّفْخِيمِ والتَّهْوِيلِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: "فِيهِ ظُلُماتٌ شَدِيدَةٌ داجِيَةٌ؛ ورَعْدٌ قاصِفٌ؛ وبَرْقٌ خاطِفٌ"؛ وارْتِفاعُ الجَمِيعِ بِالظَّرْفِ عَلى الفاعِلِيَّةِ؛ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ العَمَلِ بِالِاتِّفاقِ؛ وقِيلَ: بِالِابْتِداءِ؛ والجُمْلَةُ إمّا صِفَةٌ لِـ "صَيِّبٍ"؛ أوْ حالٌ مِنهُ؛ لِتَخَصُّصِهِ بِالصِّفَةِ؛ أوْ بِالعَمَلِ فِيما بَعْدَهُ مِنَ الجارِّ؛ أوْ مِنَ المُسْتَكِنِّ في الظَّرْفِ الأوَّلِ؛ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ صِفَةً لِـ "صَيِّبٍ"؛ والضَّمائِرُ في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَجْعَلُونَ أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾؛ لِلْمُضافِ الَّذِي أُقِيمَ مَقامَهُ المُضافُ إلَيْهِ؛ فَإنَّ مَعْناهُ باقٍ؛ وإنْ حُذِفَ لَفْظُهُ؛ تَعْوِيلًا عَلى الدَّلِيلِ؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وَكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أوْ هم قائِلُونَ﴾؛ فَإنَّ الضَّمِيرَ لِلْأهْلِ؛ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِما قامَ مَقامَهُ مِنَ القَرْيَةِ؛ قالَ حَسّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ؎ يَسْقُونَ مَن ورَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمُ ∗∗∗ بَرَدى يُصَفَّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ فَإنَّ تَذْكِيرَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في يُصَفَّقُ لِرُجُوعِهِ إلى الماءِ المُضافِ إلى بَرَدى؛ وإلّا لَأنَّثَ حَتْمًا؛ وإيثارًا لِجَعْلِ المُنْبِئِ عَنْ دَوامِ المُلابَسَةِ واسْتِمْرارِ الِاسْتِقْرارِ عَلى الإدْخالِ المُفِيدِ لِمُجَرَّدِ الِانْتِقالِ مِنَ الخارِجِ إلى الدّاخِلِ؛ لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ سَدِّ المَسامِعِ؛ بِاعْتِبارِ الزَّمانِ؛ كَما أنَّ إيرادَ الأصابِعِ بَدَلَ الأنامِلِ لِلْإشْباعِ في بَيانِ سَدِّها؛ بِاعْتِبارِ الذّاتِ؛ كَأنَّهم سَدُّوها بِجُمْلَتِها؛ لا بِأنامِلِها فَحَسْبُ؛ كَما هو المُعْتادُ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا إيماءً إلى كَمالِ حَيْرَتِهِمْ؛ وفَرْطِ دَهْشَتِهِمْ؛ وبُلُوغِهِمْ إلى حَيْثُ لا يَهْتَدُونَ إلى اسْتِعْمالِ الجَوارِحِ عَلى النَّهْجِ المُعْتادِ؛ وكَذا الحالُ في عَدَمِ تَعْيِينِ الأُصْبُعِ المُعْتادَةِ؛ أعْنِي السَّبّابَةَ؛ وقِيلَ: ذَلِكَ لِرِعايَةِ الأدَبِ. والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ؛ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِنَ الكَلامِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ عِنْدَ بَيانِ أحْوالِهِمُ الهائِلَةِ: فَماذا يَصْنَعُونَ في تَضاعِيفِ تِلْكَ الشِّدَّةِ؟ فَقِيلَ: يَجْعَلُونَ.. إلَخْ.. وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿مِنَ الصَّواعِقِ﴾: مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَجْعَلُونَ"؛ أيْ: مِن أجْلِ الصَّواعِقِ المُقارِنَةِ لِلرَّعْدِ؛ مِن قَوْلِهِمْ: سَقاهُ مِنَ (p-54) العَيْمَةِ؛ والصّاعِقَةُ قَصْفَةُ رَعْدٍ هائِلٍ؛ تَنْقَضُّ مَعَها بَثْقَةُ نارٍ لا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إلّا أتَتْ عَلَيْهِ؛ مِن "الصَّعْقُ"؛ وهو شِدَّةُ الصَّوْتِ؛ وبِناؤُها إمّا أنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَصْفَةِ الرَّعْدِ؛ أوْ لِلرَّعْدِ؛ والتّاءُ لِلْمُبالَغَةِ؛ كَما في الرِّوايَةِ؛ أوْ مَصْدَرًا كَـ "العافِيَةُ"؛ وقَدْ تُطْلَقُ عَلى كُلِّ هائِلٍ مَسْمُوعٍ؛ أوْ مُشاهَدٍ؛ يُقالُ: صَعَقَتْهُ الصّاعِقَةُ؛ إذا أهْلَكَتْهُ بِالإحْراقِ؛ أوْ بِشِدَّةِ الصَّوْتِ. وسَدُّ الآذانِ إنَّما يُفِيدُ عَلى التَّقْدِيرِ الثّانِي؛ دُونَ الأوَّلِ؛ وقُرِئَ: "مِنَ الصَّواقِعِ"؛ ولَيْسَ ذَلِكَ بِقَلْبٍ مِن "الصَّواعِقُ"؛ لِاسْتِواءِ كِلا البِناءَيْنِ في التَّصَرُّفِ؛ يُقالُ: "صَقَعَ الدِّيكُ"؛ و"خَطِيبٌ مِصْقَعٌ"؛ أيْ مُجْهِرٌ بِخُطْبَتِهِ. ﴿حَذَرَ المَوْتِ﴾: مَنصُوبٌ بِـ "يَجْعَلُونَ"؛ عَلى العِلَّةِ؛ وإنْ كانَ مَعْرِفَةً بِالإضافَةِ؛ كَقَوْلِهِ: ؎ وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ ∗∗∗ وأصْفَحُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّما وَلا ضَيْرَ في تَعَدُّدِ المَفْعُولِ لَهُ؛ فَإنَّ الفِعْلَ يُعَلَّلُ بِعِلَلٍ شَتّى؛ وقِيلَ: هو نَصْبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ أيْ: يَحْذَرُونَ حَذَرًا مِثْلَ حَذَرِ المَوْتِ. والحَذَرُ والحِذارُ هو شِدَّةُ الخَوْفِ؛ وقُرِئَ: "حِذارَ المَوْتِ"؛ والمَوْتُ زَوالُ الحَياةِ؛ وقِيلَ: عَرَضٌ يُضادُّها؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ﴾؛ ورُدَّ بِأنَّ الخَلْقَ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ؛ والإعْدامُ مُقَدَّرَةٌ. ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾: أيْ لا يَفُوتُونَهُ؛ كَما لا يَفُوتُ المُحاطُ بِهِ المُحِيطَ؛ شَبَّهَ شُمُولَ قدرته (تَعالى) لَهُمْ؛ وانْطِواءَ مَلَكُوتِهِ عَلَيْهِمْ؛ بِإحاطَةِ المُحِيطِ بِما أحاطَ بِهِ؛ في اسْتِحالَةِ الفَوْتِ؛ أوْ شَبَّهَ الهَيْئَةَ المُنْتَزَعَةَ مِن شُئُونِهِ (تَعالى) مَعَهم؛ بِالهَيْئَةِ المُنْتَزَعَةِ مِن أحْوالِ المُحِيطِ مَعَ المُحاطِ؛ فالِاسْتِعارَةُ المَبْنِيَّةُ عَلى التَّشْبِيهِ الأوَّلِ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ في الصِّفَةِ؛ مُتَفَرِّعَةٌ عَلى ما في مَصْدَرِها مِنَ الِاسْتِعارَةِ؛ والمَبْنِيَّةُ عَلى الثّانِي تَمْثِيلِيَّةٌ؛ قَدِ اقْتُصِرَ مِن طَرَفِ المُشَبَّهِ بِهِ عَلى ما هو العُمْدَةُ في انْتِزاعِ الهَيْئَةِ المُشَبَّهِ بِها؛ أعْنِي الإحاطَةَ؛ والباقِي مَنَوِيٌّ بِألْفاظٍ مُتَخَيَّلَةٍ؛ بِها يَحْصُلُ التَّرْكِيبُ المُعْتَبَرُ في التَّمْثِيلِ؛ كَما مَرَّ تَحْرِيرُهُ في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾؛ والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ؛ مُنَبِّهَةٌ عَلى أنَّ ما صَنَعُوا مِن سَدِّ الآذانِ بِالأصابِعِ لا يُغْنِي عَنْهم شَيْئًا؛ فَإنَّ القَدَرَ لا يُدافِعُهُ الحَذَرُ؛ والحِيَلُ لا تَرُدُّ بَأْسَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ وفائِدَةُ وضْعِ الكافِرِينَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرّاجِعِ إلى أصْحابِ الصَّيِّبِ الإيذانُ بِأنَّ ما دَهَمَهم مِنَ الأُمُورِ الهائِلَةِ المَحْكِيَّةِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ؛ عَلى مِنهاجِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ﴾؛ فَإنَّ الإهْلاكَ النّاشِئَ مِنَ السُّخْطِ أشَدُّ؛ وقِيلَ: هَذا الِاعْتِراضُ مِن جُمْلَةِ أحْوالِ المُشَبَّهِ؛ عَلى أنَّ المُرادَ بِالكافِرِينَ المُنافِقُونَ؛ قَدْ دَلَّ بِهِ عَلى أنَّهُ لا مُدافِعَ لَهم مِن عَذابِ اللَّهِ (تَعالى) في الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ وإنَّما وُسِّطَ بَيْنَ أحْوالِ المُشَبَّهِ - مَعَ أنَّ القِياسَ تَقْدِيمُهُ؛ أوْ تَأْخِيرُهُ - لِإظْهارِ كَمالِ العِنايَةِ؛ وفَرْطِ الِاهْتِمامِ بِشَأْنِ المُشَبَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب