الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾. ﴿أَوْ﴾ دخلت هاهنا للإباحة [[وقيل: للتخيير، انظر "تفسير أبي الليث" 1/ 99، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 189، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 186، "الدر المصون" 1/ 167، "الكشاف" 1/ 213.]]، لا للشك [[ذكر السمين الحلبي أحد الأقوال فيها: أنها للشك. "الدر المصون" 1/ 167.]]، ومعناه أن التمثيل مباح لكم، إن مثلتموهم بالذي استوقد نارا، فهو مثلهم، [أو بأصحاب الصيب فهو مثلهم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، أو بهما جميعا فهما مثلاهم [[في (ج) (مثالهم).]]، كما تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، إن [[في (ب) (إذا).]] جالست أحدهما فأنت مطيع، [وإن جمعتهما فأنت مطيع] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]. ومثله قوله: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: 74]، هذا قول جميع أصحاب المعاني [[بل قول بعضهم، وما ذكره الواحدي هو كلام الزجاج. انظر "معاني القران" 1/ 62، 129، وانظر "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 60، ونسب الثعلبي لأهل (المعاني) أنها بمعنى (الواو) 1/ 54 أ.]]. وقال ابن الأنباري: ﴿أو﴾ دخلت للتمييز والتفصيل [[في (ب) (فالتفضيل).]]، المعنى بعضهم يشبهون الذي استوقد نارا، وبعضهم يشبهون أصحاب الصيب. ومثله قوله: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: 135] [معناه: قال بعضهم: كونوا هودا، وهم اليهود، وقال بعضهم: كونوا نصارى] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، وهم النصارى، فدخلت (أو) لمعنى التفصيل، ومثله قوله: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ [الأعراف: 4] معناه [[قوله: (﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾: معناه ...) ساقط من (ب).]]: فجاء [[في (ب): (وجاء).]] بعض أهلها بأسنا بياتًا، وجاء بعض أهلها في وقت القيلولة [[ذكره المرتضى في "أماليه" 2/ 54، 55، ولم ينسب لأبن الأنباري، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 42، وذكره السمين الحلبي، وقال: وهو الأظهر، "الدر المصون" 1/ 167.]]. وقيل: إن (أو) هاهنا بمعنى الواو [[في (ب) (بمعنى الواحد). وهو قول "الطبري" في "تفسيره" 1/ 149، وذكره أبو الليث في "تفسيره" 1/ 99، والفراء في "تفسيره" 1/ 17، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 54 أ، == "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 186، والسمين في "الدر المصون" 1/ 167. وقد رد ابن عطية على "الطبري" قوله (إنها بمعنى: الواو) وقال: (وهذِه عجمة). انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 189. قلت: كيف تكون عجمة وقد قال به جمهور من المفسرين، وهو أحد (المعاني) التي تأتي (أو) عليها. انظر "تأويل مشكل القرآن" ص 543، "الأضداد" لابن الأنباري ص 279، "زاد المسير" 1/ 42، "مغنى اللبيب" 1/ 61. والقول إن (أو) تأتي بمعنى (الواو) هو مذهب الكوفيين، أما البصريون فيمنعون ذلك. انظر "الإنصاف" ص 383. وخلاصة الأقوال في (أو) في الآية هي: 1 - أنها للشك بمعنى أن الناظر يشك في تشبيههم. 2 - أو للتخيير. 3 - أنها للتفصيل. 4 - بمعنى الواو. 5 - بمعنى بل.]]، كقول جرير: نَال الخِلاَفَة أوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أتى رَبَه مُوسَى عَلَى قَدَرِ [[البيت لجرير من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز، انظر (الديوان) ص 211، وفيه: (إذا كانت له قدرا) فلا شاهد فيه هنا، وورد البيت في "الطبري" في "تفسيره" 1/ 149، (الأضداد) لابن الأنباري ص 279، "أمالي المرتضى" 2/ 57، "تفسير السجاوندي" 1/ 32 (مخطوط)، "همع الهوامع" 1/ 167، "مغني اللبيب" 1/ 62، "الدر المصون" 1/ 167.]] وقال توبة [[هو توبة بن الحُمَيِّر من بني عقيل بن كعب، وكان شاعرا لصا، أحد العشاق، صاحب ليلى. انظر: "الشعر والشعراء" ص 289.]]: وقَد زَعَمَتْ سَلْمَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا [[رواية البيت المشهورة (وقد زعمت ليلى ...) فهو يذكر محبوبته ليلى الأخيلية. انظر "أمالي المرتضى" 2/ 57، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 149، "الأضداد" لابن الأنباري ص 279، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 54 أ، "أمالي القالي" 1/ 88، 131، "همع الهوامع" 5/ 248، "مغني اللبيب" 1/ 61.]] قال النحويون: المعنى أو كأصحاب صيب [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 60، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 60، == وقال الفراء: (أو كمثل صيب) "معاني القرآن" 1/ 17، ونحوه ذكر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 149.]]، فحذف المضاف لدلالة باقي الكلام عليه [[لأن الواو في (يجعلون) تدل على المضاف المقدر وهو (أصحاب) فهو وإن حذف فمعناه باق فيجوز أن يعود عليه الضمير.]] وهو قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ﴾. و (الصيب) من المطر: الشديد، من قولهم: صاب يصوب، إذا نزل من علو إلى أسفل [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 60، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 148، (غريب القرآن) لابن قتيبة 1/ 25، "غريب القرآن" لليزيدي ص 65.]]. قال: تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاء يَصُوبُ [[عجز بيت وشطره الأول: فَلَسْتَ لإنْسِيٍّ ولكِنْ لمَلأكٍ نسبه بعضهم لعلقمة بن الفحل، يمدح الحارث بن جبلة، وقيل: لرجل من عبد القيس جاهلي، يمدح بعض الملوك، قاله أبو عبيدة، وقيل: لأبي وجزة السعدي يمدح عبد الله بن الزبير. ورد البيت في "الكتاب" 4/ 380، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 148، "المفضليات" ص 394، "مجاز القرآن" ص 33، "المنصف" 2/ 102، "الجمل" للزجاجي ص 47، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 28، "تفسير ابن عطية" 1/ 189، "الاشتقاق" لابن دريد ص 26، "اللسان" (صوب) 1/ 2519، و (ألك) 1/ 111، "الدر المصون" 1/ 168.]] وأصله (صَيْوِب) [[في (ب): (صيبوب).]] فسبقت الياء الواو [بالسكون، فصيرتا (ياء مشددة) كما قالوا: سيِّد وميِّت وهيِّن، وهو أصل مطرد في الياء والواو] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] إذا [[في (ب): (وإذا).]] اجتمعتا وإحداهما [[في (ب): (وأحديهما).]] ساكنة، تقدمت الواو وتأخرت [[هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب (أو تأخرت) والله أعلم.]]، فالمتأخرة كما ذكرنا، والمتقدمة كقولهم: (لويت يده [[في (أ)، (ب): (مده ليا). أصل (ليّا) (لويا) فقلبت الواو ياء وإدغمت في الياء، انظر "سر صناعة الإعراب" 2/ 585.]] ليّا). هذا مذهب البصريين [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 54 ب، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 148، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 143 - 144، "الإملاء" 1/ 22، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 189، "الإنصاف" ص 639.]]. وعند الكوفيين: أن أصله (صييب) [[في (أ)، (ب): (صيب) وما في (ج) موافق لما عند الثعلبي، وهو ما أثبته. وقيل: أصله عندهم (صوِيب) وردَّ بأنه لو كان كذلك لصحت (الواو) كما تصح في (طويل). انظر "إعراب القرآن" للنحاس1/ 143 - 144، "الإملاء" 1/ 22، "الإنصاف" ص 639، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 189، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 186.]] على وزن (فَعِيل)، فاستثقلت [[في (ب): (فاستقلت).]] الكسرة على الياء فسكنت، وأدغمت إحداهما في الأخرى، وحركت إلى الكسرة. وقوله تعالى: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾. قال [الزجاج] [[في جميع النسخ (الرجال) والصحيح (الزجاج) كما في "تهذيب اللغة" (سما) 2/ 1747.]]: السماء في اللغة: يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سما يسمو، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: سماء، لأنها عالية [[انظر كلام الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 75، "التهذيب" (سما) 2/ 1748، والنص من "التهذيب".]]. الأزهري: و (السماء) عند العرب مؤنثة، لأنها جمع (سماءة) [[في "التهذيب" (وسبق الجمع الوحدان فيها) 2/ 1747.]]، و (السماءة) أصلها سَمَاوَة فاعلم. وإذا ذكرت العرب السماء عنوا بها السقف [["تهذيب اللغة" (سما) 2/ 1748.]]. وأما (الرعد)، فقال ابن عباس: الرعد ملك يسوق السحاب، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه [[في (ج): (بحاديه). ذكره "الطبري" بسنده عن الضحاك، وعن السدي عن أبي مالك، وعن مجاهد، وعن شهر بن حوشب، وكلهم عن ابن عباس. انظر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 150 - 151، وقد أخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعا في سؤال اليهود للرسول ﷺ وفيه: (ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب) قال المحقق. إسناده حسن. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 221 (رسالة دكتوراه)، وأخرجه أحمد في "مسنده"، قال أحمد شاكر: (إسناده صحيح). انظر: "مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر" 4/ 161 ح (3483)، وذكر الحديث الشوكاني في "فتح القدير" وقال: في إسناده مقال. "فتح القدير" 1/ 77.]]. وكذلك قال مجاهد وطاووس [[هو أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، من أبناء الفرس، أحد أعلام التابعين، ومن كبار أصحاب ابن عباس، توفي سنة خمس ومائة، وقيل: ست. انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان) 2/ 509، "سير أعلام النبلاء" 5/ 38، "تهذيب التهذيب" 2/ 235، "غاية النهاية" 1/ 341.]] وعكرمة وأصحاب ابن عباس: إن الرعد ملك يسوق السحاب، والرعد الذي هو الصوت سمي باسمه [[انظر الروايات عنهم في "الطبري" في "تفسيره" 1/ 150 - 151، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 55 أ، "زاد المسير" 1/ 43، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 189، والبغوي في "تفسيره" 1/ 69، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 217، (فتح القدير) 1/ 77.]]. وكتب ابن عباس إلى أبي [[في (ب): (أبي الخلد) هو أبو الجَلْد بفتح الجيم وسكون اللام، جيلان بن أبي فروة الأسدي البصري، وجِيلان بكسر الجيم، وثقه أحمد. انظر "الجرح والتعديل" 2/ 547، "طبقات ابن سعد" 7/ 222.]] الجَلْد يسأله عن الرعد، فقال: هو ريح يختنق تحت السماء وفوق السحاب [[أخرجه "الطبري" من طرق في "تفسيره" 1/ 152، وأبن أبي حاتم، وقال المحقق إسناده حسن "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 222.]]. وسئل علي -رضي الله عنه- عن الرعد، فقال: ملك، وعن البرق، فقال: مخاريق بأيدى الملائكة من حديد [[أخرجه "الطبري" بروايتين، إحداهما عن الرعد، والأخرى عن البرق، "الطبري" 1/ 151 - 152، وأخرج ابن أبي حاتم عنه في (البرق) في "تفسيره" 1/ 55، ونحوه في الثعلبي في "تفسيره" 1/ 55 أ، وانظر "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 187 - 188.]]. وسئل وهب بن منبه [[أبو عبد الله، وهب بن منبه اليماني، صاحب القصص والأخبار، كانت له معرفة بأخبار الأوائل والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وثقه أكثرهم، وضعفه عمرو بن علي الفلاس. توفي سنة عشر ومائة. وقيل: ست عشرة، وبينهما أقوال. انظر "طبقات ابن سعد" 5/ 543، "حلية الأولياء" 4/ 23، "وفيات الأعيان" 6/ 35، "تهذيب التهذيب" 4/ 332.]] عن الرعد، فقال: الله أعلم [[مما أحسن هذا الجواب!، والله لم يكلف الأمة بعلمه، لاسيما أن مثل هذا لا يثبت إلا بنص صحيح صريح، أو بدلالة حسية جازمة، والعلم به لا يتعلق به حكم من الأحكام، والله أخبر أن الرعد يسبح بحمده، وهو دلالة على عظمة الخالق سبحانه.]]. ويقال: برقت السماء ورعدت، ومنه يقال: برق الرجل ورعد، إذا تهدد وأوعد [[ذكره الأزهري عن الأصمعي. "التهذيب" (برق) 1/ 315، وانظر "مقاييس اللغة" (برق) 1/ 223.]]. وأبرق وأرعد - أيضا في قول أبي عبيدة، وأنكره الأصمعي. وكلهم يقول: أبرقنا وأرعدنا بمكان كذا، أي رأينا البرق والرعد [["التهذيب" (برق) 1/ 315، "معجم مقاييس اللغة" 1/ 223.]]. والبارق السحاب ذو البرق، وكذلك البارقة [["تهذيب اللغة" (برق) 9/ 132، "معجم مقاييس اللغة" 1/ 222.]]. وأما (الصواعق)، فهي جمع صاعقة، والصاعقة والصعقة: الصيحة يغشى منها على من يسمعها أو يموت [[وقيل: الصاعقة قطعة من نار تسقط بأثر الرعد، لا تأتي على شيء إلا أحرقته. انظر "اللسان" (صعق) 4/ 2450.]]. قال الله عز وجل: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: 13] يعني أصوات الرعد، ويقال لها: الصواقع [[بتقديم القاف على العين.]] أيضا ومنه قول الأخطل: كَأنَّمَا كانُوا غُرَاباً وَاقِعا ... فَطارَ لمَّا أبْصَرَ الصَّوَاقِعا [[أنشده الأزهري في "تهذيب اللغة" (صعق) 2/ 1018، وورد في "اللسان" (صقع) 4/ 2471، وفي شعر الأخطل ورد شطره الأول ص 310. نقله من "تهذيب اللغة" (صعق) 2/ 1018.]] ويقال: أصعقته الصيحة، أي: قتلته. وأنشد الفراء: أُحادَ وَمثنى أصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُه [[البيت لابن مقبل، يصف فرساً بشدة الصهيل، وأن صهيله يقتل الذباب، وهي النعرات: ذباب يسقط على الدواب، واللبان: الصدر. وشطر البيت الأول: تَرى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِه انظر: "أمالي المرتضى" 2/ 191، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" 2/ 778، "تهذيب اللغة" (صعق) 2/ 2018، "الصحاح" (صعق) 4/ 1507، "اللسان" (صعق) 4/ 2450، "همع الهوامع" 1/ 83، "القرطبي" 1/ 190، "ديوان ابن مقبل" ص 252.]] أي قتلها صوته. ويقال للرعد والبرق إذا [قتلا] [[في جميع النسخ (قتل) وأثبت ما في "تهذيب اللغة" 2/ 2018.]] إنسانا: أصابته صاعقة، وقال لبيد يرثي أخاه أَرْبَد [[(أرْبَد) أخوه لأمه، وهو ابن عمه، وكانت قد أصابته صاعقة، لما دعا عليه الرسول صلى الله عيه وسلم انظر "الشعر والشعراء" ص 169، "سيرة ابن هشام" 2/ 236، "الخزانة" 2/ 250، 3/ 81.]]: فَجَّعَنِي الرَّعْدُ والصَوَاعِقُ بالْـ ... ـفَارِس يَوْمَ الكَرِيَهةِ النَّجُدِ [[البيت للبيد يرثي أخاه وقد أصابته صاعقة، انظر "التهذيب" (صعق) 2/ 2018، "اللسان" (صعق) 4/ 2450، "شرح ديوان لبيد" ص 158.]] أراد بالصواعق صوت الرعد، يدل على هذا قوله [[في (ب): (قول الله).]] عز وجل: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ﴾ ولا يسدّون الآذان إلا من شدة صوت الرعد [["تهذيب اللغة" (صعق) 2/ 2018.]]. وقال آخرون: الصاعقة: كل عذاب مهلك [["اللسان" (صعق) 4/ 2450.]]. وقيل: الصاعقة: الصوت الشديد من الرعد، يسقط معها قطعة نار [["الصحاح" (صعق) 4/ 1506، "اللسان" 4/ 2450، "تفسير ابن عطية" 1/ 191 - 192.]]. فأما معنى الآية، فقال المفسرون: إن الله تعالى ضرب للمنافقين مثلًا آخر، وشبههم بأصحاب مطر. وأراد بالمطر: القرآن [[انظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 100، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 192، وبعضهم قال: الإسلام، انظر "الكشاف" 1/ 209، وأما ابن جرير فقال: (فالصيب مثل لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلمات التي هي فيه == لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلب. وأما الرعد والصواعق، فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله ﷺ في آي كتابه ...) "الطبري" في "تفسيره" 1/ 156.]]، وشبهه [[في (ب): (وشبه).]] بالمطر لما فيه من حياة القلوب، وعنى بالظلمات: ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك وبيان الفتن والأهوال، فشبهها بما في المطر من الظلمات، وشبه ما خوفوا به من الوعيد وذكر النار بما في المطر من الرعد، وشبه حجج القرآن وما فيه من البيان والنور والشفاء والهدى بما في المطر من البرق. وشبه جعل المنافقين أصابعهم في آذانهم لكيلا يسمعوا [[في (أ)، (ج): (يسمعون).]] القرآن مخافة ميل القلب إلى القرآن فيؤدي ذلك إلى الإيمان بمحمد ﷺ وذلك عندهم كفر، والكفر موت [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 56 أ.]]، أو لكيلا يسمعوا ما ينزل من القرآن بما فيه افتضاحهم بجعل [[قوله: (بجعل الذي في هذا المطر ... إلخ) متعلق بقوله: (وشبه جعل المنافقين ... إلخ) وقد ضعف هذا المعنى ابن جرير ورجح أن المراد بجعل أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله ﷺ والمؤمنين، بالإقرار بما جاء به محمد ﷺ مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات فيتقون بما يبدون بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتقي الخائف أصوات الرعد بتصيير أصابعه في أذنيه. "الطبري" 1/ 157.]] الذي في هذا المطر أصابعه في أذنه. وتلخيص معناه: أن أصحاب الصيب إذا اشتد [[في (ب): (استدعاهم).]] عليهم وقع الصاعقة وصوت الرعد خافوا على أنفسهم الهلاك، فسدّوا آذانهم بأصابعهم، كذلك هؤلاء المنافقين يسدّون آذانهم للمعنيين اللذين ذكرنا. وأمال الكسائي: ﴿فِي آذَانِهِمْ﴾ [[رواية أبي عمر الدوري ونصير بن يوسف النحوي عن الكسائي، وقال أبو الحارث الليث بن خالد وغيره: كان الكسائي لا يميل هذا وأشباهه، وبقية (السبعة) على الفتح. انظر "السبعة" لابن مجاهد ص 144، "الحجة" 1/ 365، "الكشف" 1/ 171.]]. قال أبو علي: (وهي حسنة لمكان كسرة [[في (الحجة) (كثرة) ولعله خطأ مطبعي.]] الإعراب [[في (ب): (الأعراف).]] في النون [[فهو يميل الألف نحو الياء لمكان الكسرة بعدها التي على النون. انظر "الكشف" 1/ 171.]]، كما جازت في مررت ببابه [[في (ب): (سانه)، "الحجة" 1/ 368.]]. ونصب ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ لأنه مفعول له [[(له) ساقطة من (ج). انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 63، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 144، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 61.]]. قال الزجاج: وليس نصبه لسقوط اللام، وإنما نصبه أنه في تأويل المصدر، كأنه [[في (أ)، (ج) (لأنه) وما في (ب) أصح في السياق، وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 63.]] قال: يحذرون حذرا [[الزجاج يرى أنه منصوب على أنه مفعول لأجله، حيث قال: (وإنما نصبت (حذر الموت) لأنه مفعول له، والمعنى يفعلون ذلك لحذر الموت ...)، ثم قال: (... كأنه قال يحذرون حذرا ...). وهذا التقدير لا يتناسب مع الكلام الأول، لأنه في الأخير مفعول مطلق. انظر "معاني القرآن" 1/ 63.]]، لأن جعل الأصابع في الآذان يدل على الحذر، كما قال: وَأَغْفِر عَوْرَاءَ الكَرِيِم ادِّخَارَهُ [[صدر بيت لحاتم الطائي وعجزه: == وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيم تَكَرُّمَا ومعنى قوله عوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة، ادخاره: إبقاء عليه. ورد البيت في "نوادر أبي زيد" ص 355، وسيبويه 1/ 368، "المقتضب" 2/ 347 "الكامل" 1/ 291، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 63، "الجمل" للزجاجي ص 319، "شرح المفصل" 2/ 54، "الخزانة" 3/ 122، "ديوانه" ص 81، وفيه (اصطناعه) بدل (ادخاره) وهي رواية عند أبي زيد، "الكشاف" 1/ 218.]] المعنى لادخاره. قوله: أغفر عوراء الكريم، معناه: أدخر الكريم [[انتهى من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 63.]]. وقال الفراء: نصبه على التفسير كقوله: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء:90] وكقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف:55]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾. يقال: أُحِيط بفلان، إذا دنا هلاكه، وهو [[في "التهذيب" (فهو محاط به).]] محاط به، قال الله تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بثَمَرِهِ﴾ [الكهف: 42]، أي: أصابه ما أهلكه وأفسده [["تهذيب اللغة" (حاط) 1/ 707.]]. والإحاطة تستعمل بمعنى العلم [[انظر "الصحاح" (حوط) 3/ 1121، والبغوي في "تفسيره" 1/ 70.]] كقوله: ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: 12] أي: لم يشذ عن علمه شيء. ويستعمل بمعنى القدرة، كأن قدرته أحاطت بهم [[انظر "تفسير الثعلبي" 1/ 55 أ، و"الطبري" في تفسيره 1/ 158.]]، فلا محيص [[في (ب) (له).]] لهم عنه. وجاء في التفسير أن معناه: والله مهلكهم وجامعهم في النار [[ذكره "الطبري" عن مجاهد انظر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 158، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 55 أ، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 193، في تفسيره والبغوي 1/ 70، (أضواء البيان) 1/ 114.]]. دليله قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: 66] أي تهلكوا [[في (أ)، (ج) (يهلكوا)، وفي (ب) (تهلكوا) وكذا في الثعلبي في "تفسيره" 1/ 55 أ.]] جميعاً. وأمال أبو عمرو والكسائي (الكافرين) [[وذلك إذا كان جمعا في موضع نصب أو خفض، أما إذا كان مفردا أو جمعا في موضع رفع لم يمل، وبهذا قرأ أبو عمرو، والكسائي في رواية أبي عمر الدوري ونصير بن يوسف. انظر "السبعة" ص147، "الحجة" 1/ 379، "الكشف" 1/ 173. وبهذا قرأ قتيبة ورويس، وورش بين بين، والبقية على الفتح للكاف. انظر "الغاية" ص 91، "وتحبير التيسير" للجزري ص 70، 71.]] في جميع القرآن: لأن الكسرة لزمت الراء بعد الفاء المكسورة، والراء بما فيها من التكرير يجرى مجرى الحرفين المكسورين، وكلما كثرت الكسرات حسنت الإمالة، ولا يميلان نحو [[وهو المفرد المجرور. انظر "الحجة" 1/ 389، "الكشف" 1/ 197.]]: ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: 41] وذلك لأن كسرة الراء غير لازمة [[لأنها كسرة إعراب فتتغير.]] لزومها في (الكافرين) [["الحجة" لأبي علي 1/ 389، وانظر "الحجة" لابن خالويه ص 73، "الكشف" 1/ 197.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب