الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال أبو جعفر: والصّيِّب الفَيْعِل من قولك: صَاب المطر يَصوب صَوبًا، إذا انحدَر وَنزَل، كما قال الشاعر: فَلَسْتُ لإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لَمَلأَكٍ ... تَنَزَّلَ مِن جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ [[ينسب هذا البيت لعلقمة بن عبدة، وليس له، ولا هو في ديوانه. وسيأتي في تفسير آية سورة البقرة ٣٠ (١: ١٥٥ بولاق) ، وبغير هذه الرواية، وهو من أبيات سيبويه ١: ٣٧٩ وشرح شواهد الشافية: ٢٨٧، واللسان (ألك) وغيرها، غير منسوب. ويقال إنه لرجل من عبد القيس جاهلي يمدح النعمان. وحكى السيرافي أنه لأبي وجزة السعدي، يمدح عبد الله بن الزبير. وجاء في المخطوطة"ولكن ملأكًا". وقبل البيت: تعاليتَ أن تُعْزَى إلى الإنْس خَلَّةً، ... وَلِلإِنْسِ من يعزُوك، فهو كذوبُ]] وكما قال علقمة بن عَبَدَة: كَأَنَّهمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ... صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ [[ديوانه: البيت الأول: ٣٤، والثاني قبله: ١٩، وشرح المفضليات: ٧٨٤، ٧٦٩، يمدح بها الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني، وكان أسر أخاه شأسًا، فرحل إليه يطلب فكه. ويذكر في هذا البيت يوم عين أباغ، وفيه غزا الحارث الغساني، المنذر بن المنذر بن ماء السماء، فالتقوا بعين أباغ، فهزم جيش المنذر، وقتل المنذر يومئذ. وقوله"كأنهم" يعني جيش المنذر. وصاب المطر: انحدر وانصب. وكان وصف الجيش المنهزم في البيت الذي قبله، بين ساقط قد صرع، وبين قتيل قد هلك. فشبههم بطير أصابها المطر الغزير وأخذتها الصواعق، ففزعت، ولم تستطع أن تنهض فتطير، فهي تدب تطلب النجاة. والضمير في قوله: "لطيرهن" للصواعق، أي لطير الصواعق، وأراد الطير التي أفزعتها الصواعق، ولبدها المطر.]] فَلا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبين مُغَمَّرٍ، ... سُقِيتِ رَوَايَا الْمُزْنِ حين تَصُوبُ [[هذا البيت في صدر القصيدة. يخاطب صاحبته، وفي المطبوعة"معمر" وهو خطأ. والمغمر والغمر: الجاهل الذي لم يجرب الأمور، كأن الجهل غمره وطغا عليه. والشطر الثاني دعاء لها بالخصب والنعمة. والروايا جمع راوية: وهي الدابة التي تحمل مزاد الماء. والمزن: السحاب الأبيض، شبهه بالروايا حاملات الماء. ورواية ديوانه والمفضليات"سقتك".]] يعني: حين تنحدر. وهو في الأصل"صَيْوِب"، ولكن الواو لما سَبقتها ياء ساكنة، صيرتا جميعًا ياءً مشددةً، كما قيل: سيِّد، من ساد يسود، وجيِّد، من جاد يجود. وكذلك تفعل العربَ بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة، تصيِّرهما جميعًا ياءً مشددةً. وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٤٠٥- حدثني محمد بن إسماعيل الأَحْمَسي، قال: حدثنا محمد بن عُبيد، قال: حدثنا هارون بن عَنترة، عن أبيه [[الإسناد ٤٠٥- محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي - شيخ الطبري: ثقة، روى عنه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. له ترجمة في التهذيب. وترجمه ابن أبي حاتم ٣/٢/ ١٩٠. محمد بن عبيد: هو الطنافسي الأحدب، وهو ثقة معروف، روى عنه أحمد، وإسحاق، وابن معين، وغيرهم. هارون بن عنترة بن عبد الرحمن: ثقة، وثقه أحمد وابن سعد وغيرهما. وترجمه البخاري في الكبير ٤/٢/ ٢٢١، فلم يذكر فيه جرحًا، وابن سعد ٦: ٢٤٣. أبوه: هو عنترة بن عبد الرحمن، وكنيته"أبو وكيع"، وهو تابعي، قال البخاري في الكبير ٤/١/٨٤"رأى: عليًّا، روى عنه ابنه هارون، وأبو سنان"، وترجمه ابن سعد في الطبقات ٦: ١٦٣، وابن أبي حاتم ٣/٢/٣٥، وذكر أنه روى عن عثمان، وعلي، وابن عباس، وأن أبا زرعة سأل عنه فقال: "كوفي ثقة".]] ، عن ابن عباس في قوله"أو كصيِّب من السماء"، قال: القطر. ٤٠٦- حدثني عباس بن محمد، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قال لي عطاء: الصيّب، المطرُ. ٤٠٧- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قال: الصيّب، المطرُ. ٤٠٨- حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ: الصيّب، المطرُ. ٤٠٩- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي سعدٌ، قال: حدثني عمِّي الحسين، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، مثله. ٤١٠- وحدثنا بشر بن مُعاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة:"أو كصيِّب"، يقول: المطر. ٤١١- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أنبأنا مَعمر، عن قتادة، مثله. ٤١٢- حدثني محمد بن عمرو الباهلي، وعمرو بن علي، قالا حدّثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد: الصيِّب، الربيعُ [[في المطبوعة: "الصيب: المطر". والربيع: المطر في أول الربيع.]] . ٤١٣- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد: الصيِّب، المطرُ. ٤١٤- حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: الصيِّبُ، المطرُ. ٤١٥- حُدِّثت عن المِنجَاب، قال: حدثنا بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الصيِّبُ، المطر. ٤١٦- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد:"أو كصيِّب من السماء" قال: أو كغَيْثٍ من السماء. ٤١٧- حدثنا سَوّار بن عبد الله العنبري، قال: قال سفيان: الصَّيِّب، الذي فيه المطر. ٤١٨- حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا معاوية، قال: حدثنا ابن جُريج، عن عطاء، في قوله:"أو كصيِّب من السماء"، قال: المطر [[الأخبار ٤٠٥ - ٤١٨: ساقها مختصرة ابن كثير ١: ٩٩، والدر المنثور ١: ٣٣.]] . قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: مَثَلُ استضاءَةِ المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام، مع استسرارهم الكفر، مَثلُ إضاءة موقد نارٍ بضوء ناره، على ما وصف جل ثناؤه من صفته، أو كمثل مَطرٍ مُظلمٍ وَدْقُه تحدَّر من السماء [[الودق: المطر يخرج من خلل السحاب مسترخيًا.]] ، تحمله مُزنة ظلماء في ليلة مُظلمة. وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه. فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن هذين المثَلين: أهما مثَلان للمنافقين، أو أحدُهما؟ فإن يكونا مثلَيْن للمنافقين، فكيف قيل:"أو كصيِّب"، و"أو" تأتي بمعنى الشك في الكلام، ولم يقل"وكصيب" بالواو التي تُلحِق المثَلَ الثاني بالمثَل الأول؟ أو يكون مَثل القوم أحدهما، فما وجه ذكر الآخر بِـ "أو"؟ وقد علمت أنّ "أو" إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشّكّ من المخبِر فيما أخبر عنه، كقول القائل:"لقيني أخوك أو أبوك" وإنما لقيه أحدُهما، ولكنه جهل عَيْنَ الذي لقيه منهما، مع علمه أن أحدهما قد لقيه. وغير جائز فيه الله جل ثناؤه أن يُضاف إليه الشك في شيء، أو عُزُوب عِلم شيء عنه، فيما أخبَرَ أو تَرك الخبر عنه. قيل له: إنّ الأمرَ في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه. و"أو" - وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشكّ - فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدلُّ عليه الواو، إما بسابق من الكلام قبلها، وإما بما يأتي بعدها، كقول تَوْبة بن الحُمَيِّر: وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا [[من قصيدة له، أمالي القالي ١: ٨٨، ١٣١، وأمالي الشريف المرتضى ٣: ١٤٦، وأمالي الشجري ٢: ٣١٧، والأضداد لابن الأنباري: ٢٤٣، وغيرها كثير.]] ومعلوم أنّ ذلك من توبة على غير وجه الشكّ فيما قال، ولكن لمّا كانت"أو" في هذا الموضع دالةً على مثل الذي كانت تدل عليه"الواو" لو كانت مكانها، وضَعها موضعَها، وكذلك قولُ جرير: نَالَ الْخِلافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا، ... كَمَا أَتَى رَبَّه مُوسَى عَلَى قَدَرِ [[ديوانه: ٢٧٥، وسيأتي في تفسيره آية البقرة: ٧٤ (١: ٢٨٧ بولاق) ، وآية طه: ٤٠ (١٦: ١٢٨ بولاق) ، وأمالي الشجري ١: ٣١٧، يقولها في أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز. وروايته"إذ كانت"، وفي المطبوعة: "جاء الخلافة"، وهي رواية سقيمة.]] وكما قال الآخر: فَلَوْ كَانَ الْبُكَاءُ يَرُدُّ شَيْئًا ... بَكَيْتُ عَلَى بُجَيْرٍ أَوْ عِفَاقِ [[البيتان لمتمم بن نويرة اليربوعي. اللسان (عفق) ، أمالي الشجري، ٢: ٣١٨، أمالي المرتضى ٣: ١٤٧، الأضداد لابن الأنباري: ٢٤٣. وفي المطبوعة والمخطوطة"على جبير"، وهو خطأ محض، وفي المطبوعة: "عناق"، وهو خطأ أيضًا. وهذا الشعر يقوله متمم بن نويرة في رثاء بجير بن عبد الله بن الحارث اليربوعي، وهو بجير بن أبي مليل، وأخوه عفاق بن أبي مليل. قتل أولهما يوم قشاوة، قتله لقيم بن أوس (النقائض: ٢٠) ، وقتل عفاق يوم العظالى، قتله الدعاء، وقيل قتله الفريس بن مسلمة (النقائض: ٥٨٣) .]] عَلَى الْمَرْأَيْنِ إِذْ مَضَيا جَمِيعًا ... لِشَأْنِهما، بِحُزْنٍ وَاشْتِيَاقِ [[يروى"بحزن واحتراق" و"بشجو واشتياق". وقوله: "مضيا لشأنهما" أي، هلكا ولقيا ما يلقى كل حي.]] فقد دلّ بقوله"على المرأين إذْ مَضَيا جميعًا" أنّ بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يُرد أن يقصدَ به أحدَهما دونَ الآخر، بل أراد أن يبكيهما جميعًا. فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه "أو كصيِّب من السماء". لمّا كان معلومًا أن"أو" دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه"الواو" لو كانت مكانها - كان سواء نطق فيه ب"أو" أو ب"الواو". وكذلك وجه حذف"المثل" من قوله"أو كصيب". لما كان قوله: "كمثل الذي استوقد نارًا" دالا على أن معناه: كمثل صيب، حَذفَ"المثَل"، واكتفى - بدلالة ما مضى من الكلام في قوله:"كمثل الذي استوقد نارًا" على أن معناه: أو كمثل صيِّب - من إعادة ذكر المثلَ، طَلبَ الإيجاز والاختصار. * * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ قال أبو جعفر: فأما الظلمات، فجمعٌ، واحدها ظُلمة. أما الرَّعد، فإنّ أهل العلم اختلفوا فيه: فقال بعضهم: هو مَلك يَزجُر السحابَ. * ذكر من قال ذلك: ٤١٩- حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شُعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال: الرعد، مَلك يَزجُر السحاب بصوته. ٤٢٠- حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عَديّ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله. ٤٢١- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدتنا فُضَيْل بن عِيَاض، عن ليث، عن مجاهد، مثله [[الإسناد ٤٢١- يحيى بن طلحة اليربوعي: روى عنه الترمذي وغيره، وذكره ابن حبان في الثقات. وضعفه النسائي، فقال في الضعفاء: ٣٢: "ليس بشيء".]] . ٤٢٢- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هُشيم قال: أنبأنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، قال: الرَّعد، مَلك من الملائكة يُسبِّح [[الإسناد ٤٢٢- إسماعيل بن سالم الأسدي: ثقة، روى عنه الثوري وأبو عوانة، قال ابن سعد ٧/٢/٦٧: "كان ثقة ثبتًا". وأبو صالح: هو السمان.]] . ٤٢٣- حدثني نَصر بن عبد الرحمن الأزدي، قال: حدثنا محمد بن يَعْلَى، عن أبي الخطاب البصري، عن شَهر بن حَوشب، قال: الرّعد، مَلك موكَّل بالسحاب يَسوقه، كما يسوق الحادي الإبل، يُسبِّح. كلما خالفتْ سحابةٌ سحابةً صاح بها، فإذا اشتد غَضبه طارت النارُ من فيه، فهي الصواعقُ التي رأيتم [[الإسناد ٤٢٣- نصر بن عبد الرحمن بن بكار التاجي، شيخ الطبري: ثقة، روى عنه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، مترجم في التهذيب، وقال"ويقال: الأزدي"، فكذلك نسب هنا، وكذلك روى عنه الطبري في التاريخ ٢: ١٢٨، ونسبه"الأزدي"، ووقع في المطبوعة"الأودي" بالواو بدل الزاي، وهو تصحيف. محمد بن يعلى: هو السلمي الكوفي، ولقبه"زنبور"، وهو ضعيف، وقال البخاري"يتكلمون فيه". أبو الخطاب البصري: لم أعرف من هو؟ ولكن ذكر الدولابي في الكنى ١: ١٦٧"أبو الخطاب عبد الله"، ثم قال: "وروى محمد بن عبد الله بن عمار عن المعافى بن عمران عن عبد الله أبي الخطاب عن شهر بن حوشب" فذكر حديثًا. ولم يبين أكثر من ذلك، ولم أجد ترجمته.]] . ٤٢٤- حدثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الرَّعد، مَلَك من الملائكة اسمه الرعد، وهو الذي تسمعون صوته. ٤٢٥- حُدِّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الملك بن حسين، عن السُّدّيّ، عن أبي مالك، عن ابن عباس، قال: الرعد، مَلَك يَزجُر السحاب بالتسبيح والتكبير [[الإسناد ٤٢٥- عبد الملك بن حسين: هو أبو مالك النخعي الواسطي، اشتهر بكنيته وبها ترجم في التهذيب ١٢: ٢١٩، وترجمه ابن أبي حاتم باسمه ٢/٢/٣٤٧. وهو ضعيف ليس بشيء.]] . ٤٢٦- وحدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ابن جُريج، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الرعد اسم مَلَك، وصوتهُ هذا تسبيحه، فإذا اشتد زَجْرُه السحابَ، اضطرب السحابُ واحتكَّ. فتخرج الصَّواعق من بينه. ٤٢٧- حدثنا الحسن، قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا أبو عَوَانة، عن موسى البزار، عن شهر بن حَوْشب، عن ابن عباس، قال: الرعدُ مَلَكٌ يسوق السحاب بالتسبيح، كما يسوق الحادي الإبل بحُداته. ٤٢٨- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عَبَّاد، وشَبابة، قالا حدثنا شعبة، عن الحكَم، عن مجاهد، قال: الرَّعد مَلكٌ يزجر السحاب. ٤٢٩- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزُّبيري، قال: حدثنا عتَّاب بن زياد، عن عكرمة، قال: الرعد مَلك في السحاب، يَجمع السحابَ كما يَجمع الراعي الإبل. ٤٣٠- وحدثنا بشر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: الرعد خَلْقٌ من خَلق الله جل وعز، سامعٌ مطيعٌ لله جل وعَز. ٤٣١- حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن عكرمة، قال: إن الرعد مَلكٌ يُؤمر بإزجاء السحاب فيؤلِّف بينه، فذلك الصوت تسبيحه. ٤٣٢ - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد، قال: الرعد مَلك. ٤٣٣- وحدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن المغيرة بن سالم، عن أبيه، أو غيره، أن علي بن أبي طالب قال: الرعد: مَلك. ٤٣٤- حدثنا المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جَهْضم، مولى ابن عباس، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْدِ يسألهُ عن الرعد، فقال: الرعد مَلك [[الخبر ٤٣٤- هذا إسناد منقطع: موسى بن سالم أبو جهضم: ثقة، ولكن روايته عن ابن عباس مرسلة. "أبو الجلد": بفتح الجيم وسكون اللام وآخره دال مهملة، ووقع في الأصول هنا، وفي الروايات التالية"أبو الخلد" بالخاء بدل الجيم، وهو تصحيف. وأبو الجلد: هو جيلان -بكسر الجيم- بن أبي فروة، ويقال: ابن فروة الأسدي البصري، كما ذكر البخاري في ترجمته في الكبير ١/٢/٢٥٠. وقال ابن أبي حاتم ١/١/٥٤٧: "صاحب كتب التوراة ونحوها". ثم روى عن أحمد بن حنبل أنه وثقه. وترجمه ابن سعد ٧/١/١٦١، وقال: "أبو الجلد الجوني، حي من الأزد، واسمه: جيلان بن فروة، وكان ثقة". وذكره ابن حبان في الثقات: ١٥٧، والدولابي في الكنى ١: ١٣٩، والزبيدي في شرح القاموس (جلد) و (جيل) . وذكره الحافظ في لسان الميزان في الأسماء ٢: ١٤٤، ووعد بترجمته في الكنى"أبو الجلد"، ثم لم يفعل، وروى عنه الطبري أثرًا في التاريخ ٢: ٢٠٣. وسيأتي في الخبر: ٤٤٥ أنه"رجل من أهل هجر".]] . ٤٣٥- حدثنا المثنى، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمر بن الوليد الشَّنّي، عن عكرمة، قال: الرعدُ ملكٌ يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل [[عمر بن الوليد الشني أبو سلمة العبدي: ثقة، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وقال أبو حاتم: "ما أرى بحديثه بأسًا". وهو مترجم في التعجيل: ٣٠٤، وابن أبي حاتم ٣/١/ ١٣٩. "الشني": بفتح الشين المعجمة، كما في المشتبه: ٢٧٩. ووقع في المطبوعة بالمهملة، وهو تصحيف.]] . ٤٣٦- حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الحكَم بن أبان، عن عكرمة، قال: كان ابن عباس إذا سمع الرعد، قال: سُبحان الذي سَبَّحتَ له. قال: وكان يقول: إن الرَّعد مَلكٌ يَنعَق بالغيث كما ينعَقُ الراعي بغنمه [[الإسناد ٤٣٦- سعد بن عبد الله بن عبد الحكم: لم أجد له ترجمة إلا في كتاب ابن أبي حاتم ٢/١/ ٩٢، وقال: "سمعت منه بمكة وبمصر، وهو صدوق".]] . وقال آخرون: إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصَّاعد، فيكون منه ذلك الصوت. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٧- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزُّبيري، قال: حدثنا بِشر بن إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجَلد، إذْ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه:"كتبتَ تَسألني عن الرّعد، فالرعد الريح [[الإسناد ٤٣٧- هو إسناد مشكل. ما وجدت ترجمة"بشر بن إسماعيل"، وما عرفت من هو. ثم لم أعرف من"أبو كثير" الراوي عن أبي الجلد. وسيأتي هذا الإسناد مرة أخرى: ٤٤٣.]] . ٤٣٨- حدثني إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا عِمْران بن مَيسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن الفُرات، عن أبيه [[الإسناد ٤٣٨- عمران بن ميسرة المنقري: ثقة، من شيوخ البخاري وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم. ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس الأودي: ثقة مأمون حجة. الحسن بن الفرات: ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه. أبوه: فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز التميمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن روايته عن ابن عباس منقطعة، إنما هو يروى عن التابعين.]] قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلد يسأله عن الرعد، فقال: الرعد ريح [[الأخبار ٤١٩ - ٤٣٨ جميعًا: لم يذكرها ابن كثير ولا السيوطي في الدر المنثور، وذكر البغوي في تفسيره ١: ٩٩ - ١٠٠، بعضها، والقرطبي ١: ١٨٧ وما بعدها.]] . قال أبو جعفر: فإن كان الرّعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد، فمعنى الآية: أو كصيِّب من السماء فيه ظلمات وصوتُ رَعد. لأن الرعد إن كان مَلَكًا يسوق السَّحاب، فغير كائن في الصيِّب، لأن الصيِّب إنما هو ما تحدَّر من صَوْب السحاب، والرعد إنما هو في جو السماء يَسوق السحاب. على أنه لو كان فيه ثَمَّ لم يكن له صوت مسموع، فلم يكن هنالك رُعب يُرْعَب به أحد [[في المطبوعة: "على أنه لو كان فيه يمر، لم يكن له صوت مسموع، فلم يكن هناك رعب" وهو من تبديل النساخ.]] . لأنه قد قيل: إنّ مع كل قطرةٍ من قطر المطر مَلَكًا، فلا يعدُو الملكُ الذي اسمه"الرعد"، لو كان مع الصيِّب، إذا لم يكن مسموعًا صوته، أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض، في أن لا رُعب على أحد بكونه فيه. فقد عُلم -إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس- أنّ معنى الآية: أو كمثَل غَيث تحدَّر من السماء فيه ظلماتٌ وصوتُ رعدٍ، إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام مِنْ ذكر صوته. وإن كان الرعد ما قاله أبو الجَلد، فلا شيء في قوله"فيه ظلماتٌ ورَعدٌ" متروك. لأن معنى الكلام حينئذ: فيه ظلمات ورعدٌ الذي هو ما وصفنا صفته. وأما البَرْق، فإن أهل العلم اختلفوا فيه: فقال بعضهم بما:- ٤٣٩- حدثنا مَطرُ بن محَمد الضَّبّي، قال: حدثنا أبو عاصم، -ح- وحدثني محمد بن بشار، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، -ح- وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزُّبيري، قالوا جميعًا: حدثنا سفيان الثوري، عن سَلمة بن كُهيل، عن سعيد بن أشْوَعَ، عن ربيعة بن الأبيض، عن علي، قال: البرق: مخاريقُ الملائكة [[الإسناد ٤٣٩- سلمة بن كهيل الحضرمي: ثقة معروف، سعيد بن أشوع: هو سعيد ابن عمرو بن أشوع الكوفي القاضي، نسب إلى جده. وهو ثقة، أخرج له الشيخان في الصحيحين، ربيعة بن الأبيض -الذي روى عن علي- لم أجد له ترجمة إلا في كتاب الثقات لابن حبان: ١٨٤. قال: "ربيعة بن الأبيض، يروى عن علي بن أبي طالب، روى عنه ابن أشوع". المخاريق جمع مخراق: وهو منديل أو نحوه يلوى فيضرب به، ويلف فيفزع به، وهو من لعب الصبيان، ومنه سمى السيف مخراقًا.]] . ٤٤٠- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عبد الملك بن الحسين، عن أبي مالك، عن السُّدّيّ، عن ابن عباس: البرقُ مخاريقُ بأيدي الملائكة، يزْجرون بها السحاب. ٤٤١- وحدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن المغيرة بن سالم، عن أبيه، أو غيره، أن علي بن أبي طالب قال: الرَّعد الملَك، والبرق ضَرْبه السحابَ بمخراق من حديد. وقال آخرون: هو سوطٌ من نور يُزجي به الملكُ السحابَ. * ذكر من قال ذلك: ٤٤٢- حدثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس، بذلك. وقال آخرون: هو ماء. * ذكر من قال ذلك: ٤٤٣- حُدِّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا بِشر بن إسماعيل، عن أبي كثِير، قال: كنت عند أبي الجَلْد، إذ جاء رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه:"كتبت إليّ تسألني عن البرق، فالبرق الماء". ٤٤٤- حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن مَيسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن الفرات، عن أبيه، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد يسأله عن البرق، فقال: البرق ماء. ٤٤٥- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن رجل، من أهل البصرة من قُرَّائهم، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد -رجل من أهل هَجَر- يسأله عن البرق، فكتب إليه:"كتبت إليّ تسألني عن البرق، وإنه من الماءِ". وقال آخرون: هو مَصْع مَلَك [[المصع: الضرب بالسيف أو السوط أو غيرهما. والمصاع: المجالدة بالسيف. يعني أن الملك يضرب السحاب بمخراقه.]] . ٤٤٦- حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: البرق، مَصْع مَلك [[الإسناد ٤٤٦- عثمان بن الأسود بن موسى المكي: ثقة ثبت كثير الحديث، يروى عن مجاهد، ويروى عنه سفيان الثوري.]] . ٤٤٧- حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن محمد بن مُسلم الطائفي، قال: بلغني أن البرق مَلكٌ له أربعة أوجه، وجهُ إنسان، ووجه ثَور، ووجه نَسر، ووجه أسد، فإذا مَصَع بأجنحته فذلك البرق [[الإسناد ٤٤٧- محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي: وثقه ابن معين، وقال ابن مهدي: "كتبه صحاح"، وضعفه أحمد بن حنبل، وأخرج له مسلم في صحيحه حديثًا واحدًا متابعة.]] . ٤٤٨- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن وهب بن سليمان، عن شُعيب الجَبَائي قال: في كتاب الله: الملائكة حَمَلة العرش، لكل مَلك منهم وَجه إنسان وثور وأسد، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق [[الأثر ٤٤٨- وهب بن سليمان الجندي -بفتح الجيم والنون- اليماني، قال البخاري في الكبير ٤/٢/ ١٦٩ - ١٧٠: "عن شعيب الجبائي، قوله، روى عنه ابن جريج". ولم أجد له ترجمة عند غيره. شعيب الجبائي: بفتح الجيم والباء الموحدة مخففة، نسبة إلى"جبأ"، بوزن"جبل"، وهو جبل في اليمن قرب الجند، كما قال ياقوت وغيره. وشعيب هذا ترجمه البخاري في الكبير ٢/٢/ ٢١٩. وترجمه ابن أبي حاتم ٢/١/ ٣٥٣، قال: "شعيب الجبائي: يماني، يروى عن الكتب [يريد الكتب المنسوبة لأهل الكتاب من الأساطير] ، روى عنه سلمة بن وهرام"، ثم جزم ابن أبي حاتم بأنه"شعيب بن الأسود"، ثم روى بإسناده عن زمعة، عن شعيب بن الأسود، قال: أجد في كتاب الله". وله ترجمة في لسان الميزان ٣: ١٥٠ وقال: "أخباري متروك". ثم ذكر شيئًا مما لا يقبله العقل من كلامه، وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان قد قرأ الكتب".]] . وقال أميةُ بن أبي الصلت: رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ ... وَالنَّسْرُ لِلأُخْرَى، وَلَيْثٌ مُرْصِدُ [[ديوانه: ٢٥، وسيأتي في تفسير آية الرعد: ٣٥ (١٣: ١٠٩ بولاق) . ورواية ديوانه: "تحت يمنى رجله، والنسر لليسرى". قال الطبري في الموضع الآخر: "كأنه قال: تحت رجله، أو تحت رجله اليمنى". والضمير في قوله: "رجله"، يعنى به إسرافيل، وذكره في شعره قبل. وفي ديوانه، وفي الموضع الآخر من الطبري: "زحل"، كأنه يعني البروج، ولكن استدلال الطبري هنا واضح، دال على أن روايته"رجل".]] ٤٤٩- حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ابن جُريج، عن مجاهد، عن ابن عباس: البرق ملك. ٤٥٠- وقد حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، قال: الصواعق مَلَك يضربُ السحابَ بالمخاريق، يُصيب منه من يشاء [[الأخبار ٤٣٩ - ٤٥٠: لم تذكر في ابن كثير، ولا في الدر المنثور. وانظر البغوي ١: ٩٩ - ١٠٠، والقرطبي ١: ١٨٨.]] . قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد. وذلك أن تكون المخاريقُ التي ذكر عليّ رضي الله عنه أنها هي البرق، هي السياط التي هي من نور، التي يُزجي بها الملك السحاب، كما قال ابن عباس. ويكون إزجاء الملك بها السحاب، مَصْعَه إياه [[في المطبوعة: "إزجاء الملك السحاب، مصعه إياه بها".]] . وذلك أن المِصَاعَ عند العرب، أصله: المجالَدَةُ بالسيوف، ثم تستعمله في كل شيء جُولد به في حرب وغير حرب، كما قال أعشى بني ثعلبة، وهو يصف جَواريَ يلعبن بِحلْيهنَّ ويُجالدْن به [[المجالدة: المضاربة بالسيوف وغيرها في المصارعة والقتال، من الجلد.]] . إِذَا هُنَّ نَازَلْنَ أَقَرَانَهُنَّ ... وَكَانَ الْمِصَاعُ بِمَا فِي الْجُوَنْ [[ديوانه: ١٥، وزعم الطبري كما ترى أنه أراد جواري يلعبن بحليهن ويجالدن بها. وقد أخطأ المعنى. وإنما أراد الأعشى ما هو أبلغ. وذلك أن الأقران جمع قرن: وهو الذي يقارنك في القوة والشجاعة، وأراد به الرجال، وينازلن: أراد ما يكون منهن من المداعبة والممارسة إرادة الغلبة على عقول الرجال وعزائمهم. والجون، جمع جونة: وهي سلة صغيرة مستديرة مغشاة بالأدم يكون فيها الطيب. ويقال أيضًا: "جؤنة وجؤن" بالهمز. وذكر الأعشى المعركة القديمة الدائرة بين الرجال والنساء، يتخذن الزينة والطيب سلاحًا، فيتصدين للرجال ابتغاء الظفر والغلبة، والفتنة التي تصرع الألباب والعزائم، فيقع الرجال أسرى في أيديهن.]] يقال منه: ماصَعه مصاعًا. وكأن مجاهدًا إنما قال:"مَصْعُ ملك"، إذْ كان السحاب لا يماصع الملك، وإنما الرعد هو المماصع له، فجعله مصدرًا من مَصَعه يَمْصَعه مَصِْعًا. وقد ذكرنا ما في معنى"الصاعقة" - ما قال شَهر بن حَوشب فيما مضى. وأما تأويل الآية، فإن أهل التأويل مُختلفون فيه: فرُوي عن ابن عباس في ذلك أقوال: أحدها: ما- ٤٥١- حدثنا به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أو كصيِّب من السماء فيه ظلمات ورَعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَرَ الموت": أي هم من ظُلمات ما هم فيه من الكفر والحذَر من القتل - على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم - على مثل ما وصف، من الذي هو في ظلمة الصيب، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حَذَرَ الموت، يكاد البرق يخطفُ أبصارهم -أي لشدة ضوء الحق- كلما أضاءَ لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، أي يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين [[الخبر ٤٥١- ذكره السيوطي في الدر المنثور بتمامه ١: ٣٢ - ٣٣، ونسبه أيضًا لابن إسحاق، وابن أبي حاتم. وفيه وفي المخطوطة"من الخلاف والتخويف منكم" ونقل ابن كثير بعضه ١: ١٠٠.]] . والآخر: ما- ٤٥٢- حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ،"أو كصيِّب من السماء فيه ظُلماتٌ ورَعدٌ وبرق" إلى"إنّ الله عَلى كل شيء قدير"، أما الصيب فالمطر [[في المطبوعة: "وأما الصيب والمطر"، وهو خطأ.]] . كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربًا من رسول الله ﷺ إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله، فيه رعدٌ شديد وصواعقُ وبرقٌ، فجعلا كلَّما أضاء لهما الصواعقُ جعلا أصابعَهما في آذانهما، من الفَرَق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما. وإذا لمع البرق مَشيا في ضوئه [[في الأصول: "مشوا"، وصححناه من الدر المنثور والشوكاني.]] ، وإذا لم يلمع لم يبصِرا وقاما مكانهما لا يمشيان [[في الأصول: "قاما مكانهما" بغير واو، وفي إحدى النسخ المخطوطة: "فقاما مكانهما"، واتفقت سائر الأصول وما نقل في الدر المنثور والشوكاني على حذف الفاء، والجملة لا تستقيم، فجعلناها"وقاما"، وهو صواب العبارة.]] ، فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا فنأتيَ محمدًا فنضعَ أيدينا في يده. فأصبحا، فأتياه فأسلما، ووضعا أيديهما في يده، وحَسُن إسلامهما. فضرب الله شأن هذين المنافقيْن الخارجيْن مثلا للمنافقين الذين بالمدينة. وكان المنافقون إذا حضروا مجلسَ النبي ﷺ جعلوا أصابعهم في آذانهم، فَرَقًا من كلام النبي ﷺ، أن يَنزِل فيهم شيء أو يُذكَروا بشيء فيقتَلوا، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه. فإذا كثرت أموالهم، ووُلد لهم الغلمان [[في الدر المنثور: "وولدهم، وأصابوا. . "، وفي الشوكاني: "وأولادهم وأصابوا. . "]] ، وأصابوا غنيمةً أو فتحًا، مشوْا فيه، وقالوا: إن دين محمد ﷺ دينُ صدق. فاستقاموا عليه، كما كان ذانك المنافقان يمشيان، إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا [[في المخطوطة: "إذا أضاء لهما مشيا، وإذا أظلم عليهما قاما". وفي الدر المنثور: "يمشيان إذا أضاء بهما البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا"، وفي الشوكاني: "يمشيان إذا أضاء لهم البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا"، وأجودهن ما في المخطوطة، وما في المطبوعة.]] . فكانوا إذا هلكت أموالهم، ووُلد لهم الجواري، وأصابهم البلاء [[في الدر المنثور والشوكاني: "إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء".]] ، قالوا: هذا من أجل دين محمد. فارتدوا كفارًا، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما [[الحديث ٤٥٢- نقل في الدر المنثور ١: ٣٢، والشوكاني ١: ٣٦ - ٣٧، وسيأتي في ص ٣٥٤ قول الطبري عن هذا الحديث وعن إسناده: "ولست أعلمه صحيحًا، إذ كنت بإسناده مرتابًا. " وانظر ما كتبه أخي السيد أحمد محمد شاكر في هذا الإسناد فيما مضى في الخبر رقم: ١٦٨. ويقول أحمد محمد شاكر عفا الله عنه: وحق لأبي جعفر رحمه الله أن يرتاب في إسناده. فإن هذا الإسناد فيه تساهل كثير، من جهة جمع مفرق التفاسير عن الصحابة في سياق واحد، تجمعه هذه الأسانيد، كما بينا آنفًا. فإذا كان الأمر في تفسير معنى آية، كان سهلا ميسورًا قبوله، إذ يكون رأيًا أو آراء لبعض الصحابة في معنى الآية، وما في ذلك بأس. أما إذا ارتفع الخبر إلى درجة الحديث، بالإخبار عن واقعة معينة أو وقائع، كانت على عهد رسول الله ﷺ، من أسباب لنزول بعض الآيات، أو نحو ذلك، مما يلحق بالحديث المرفوع لفظًا أو حكمًا -كان قبول هذا الإسناد- إسناد تفسير السدي- محل نظر وارتياب. إذ هو رواية غير معروف مصدرها معرفة محددة: أي هؤلاء الذي قال هذا؟ وأيهم الذي عبر عنه باللفظ الذي جاء به؟ نعم، إن ظاهره أنه عن الصحابة: إما ابن عباس، وإما ابن مسعود، وإما"ناس من أصحاب النبي ﷺ" - فقد يقول قائل: إن مرجع الرواية فيه إلى الصحابة، وسواء أعرف الصحابي الراوي أم أبهم اسمه، فإن ذلك لا يخرجه عن رواية الصحابة، وجهالة الصحابي لا تضر؟ ولكن سياق هذه الروايات المطولة المفصلة، في التفسير وفي الحوادث المتعلقة بأسباب النزول، مثل الرواية التي هنا في هذا الموضع، مع إعراض أئمة الحديث، الذين خرجوا الروايات الصحيحة، والروايات المقبولة مما هو دون الصحيح - عن إخراج هذه الرواية ونحوها، وإعراض مؤرخي السيرة عن روايتها أيضًا، كل أولئك يوجب الريبة في اتصال مثل هذه الرواية، وفي الجزم بنسبتها إلى الصحابة. إذ لعلها مما أدرج في الرواية أثناء الحديث بها. والاحتياط في نسبة الحديث المرفوع وما في حكمه واجب.]] . والثالث: ما- ٤٥٣- حدثني به محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس:"أو كصيِّب من السماء"، كمطر،"فيه ظلمات ورعدٌ وبرقٌ" إلى آخر الآية، هو مَثل المنافق في ضوء ما تكلّم بما معه من كتاب الله وعمل، مُراءَاةً للناس، فإذا خلا وحده عَمل بغيره. فهو في ظلمة ما أقام على ذلك. وأما الظلماتُ فالضلالةُ، وأما البرقُ فالإيمان، وهم أهل الكتاب. وإذا أظلم عليهم، فهو رجلٌ يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يُجاوزه [[الخبر ٤٥٣- في الدر المنثور ١: ٣٢، والشوكاني ١: ٣٧، مع اختلاف يسير في اللفظ.]] . والرابع: ما- ٤٥٤- حدثني به المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"أو كصيِّب من السماء"، وهو المطر، ضرب مَثله في القرآن يقول:"فيه ظلمات"، يقول: ابتلاء،"ورعد" يقول فيه تخويف،"وبرق"،"يكاد البرق يخطف أبصارهم" [[في الدر المنثور والشوكاني: "رعد وبرق - تخويف".]] ، يقول: يكاد محكم القرآن يدُلّ على عورات المنافقين،"كلما أضاء لهم مَشوا فيه". يقول: كلما أصابَ المنافقون من الإسلام عِزًّا اطمأنوا، وإن أصابَ الإسلام نكبةٌ قاموا ليرجعوا إلى الكفر [[في المطبوعة: "قالوا رجعوا إلى الكفر"، وهو خطأ محض.]] يقول:"وإذا أظلم عَليهم قاموا"، كقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [سورة الحج: ١١] [[الخبر ٤٥٤- في الدر المنثور ١: ٣٢، والشوكاني ١: ٣٦، وبعضه في تفسير ابن كثير ١: ١٠٠.]] . ثم اختلف سائر أهل التأويل بعدُ في ذلك، نظيرَ ما روي عن ابن عباس من الاختلاف: ٤٥٥- فحدثني محمد بن عمرو الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، قال: إضاءة البرق وإظلامُه، على نحو ذلك المثَل. ٤٥٦- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، مثلَه. ٤٥٧- حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، مثله. ٤٥٨- وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، عن سعيد، عن قتادة، في قول الله:"فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ" إلى قوله"وإذا أظلم عليهم قاموا"، فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاءً أو طمأنينة أو سَلوة من عَيش، قال: أنا معكم وأنا منكم، وإذا أصابته شَديدةٌ حَقحقَ والله عندها، فانقُطعَ به، فلم يصبر على بلائها، ولم يَحتسب أجرَها، ولم يَرْجُ عاقبتها [[الأثر ٤٥٨- في الدر المنثور ١: ٣٣، وهو جزء من أثر قتادة بتمامه، ونصه هناك: "فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة وعافية ورخاء وسلوة عيش، قالوا: إنا معكم ومنكم. وإذا رأى من الإسلام شدة وبلاء، فقحقح عند الشدة، فلا يصبر لبلائها، ولم يحتسب أجرها، ولم يرج عاقبتها". وقوله في الدر المنثور"قحقح"، أظنه خطأ، وإنما هو حقحق كما في أصول الطبري. والحقحقة: أرفع السير وأتعبه للظهر. يريد أنه يسرع إسراعًا في حيرته حتى يهلكه التعب، وذلك أن المنافق لا يصبر على البلوى صبر المؤمن الراضي بما شاء الله وقدر. وقوله"فانقطع به" بالبناء للمجهول يقال للدابة وللرجل"قطع به وانقطع به" بالبناء للمجهول، إذا عجز فلم ينهض، وأتاه أمر لا يقدر على أن يتحرك معه، وانقطع رجاؤه. وفي المخطوطة"فتقطع به" وليست بشيء. وفي المطبوعة: "وإذا أصابته شدة".]] . ٤٥٩- وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا مَعمر، عن قتادة:"فيه ظلمات ورعد وبرق"، يقول: أجبنُ قوم [[في المطبوعة: "أخبر عن قوم"، وهو كلام بلا معنى.]] لا يسمعون شيئًا إلا إذا ظنوا أنهم هالكون فيه حَذرًا من الموت، والله مُحيطٌ بالكافرين. ثم ضرب لهم مَثلا آخر فقال:"يكادُ البرقُ يخطف أبصارَهم كلما أضاء لهم مشوا فيه"، يقول: هذا المنافق، إذا كثر ماله، وكثرت ماشيته، وأصابته عافية قال: لم يُصبني منذُ دخلت في ديني هذا إلا خيرٌ."وإذا أظلم عليهم قاموا" يقول: إذا ذهبت أموالهم، وهلكت مواشيهم، وأصَابهم البلاءُ، قاموا متحيرين [[الأثر ٤٥٩- لم أجده بلفظه، وأثر قتادة في الدر المنثور ١: ٣٣ شبيه به في المعنى دون اللفظ.]] . ٤٦٠- حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:"فيه ظلمات ورعد وبرق"، قال: مَثَلُهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة، ولها مطر ورَعد وبرق على جادَّة، فلما أبرقت أبصرُوا الجادَّة فمضوا فيها، وإذا ذهب البرق تحيَّروا. وكذلك المنافق، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تحيَّر ووقع في الظلمة، فكذلك قوله:"كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا"، ثم قال: في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس،"ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم". قال أبو جعفر: ٤٦١- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان الباهلي، عن الضحاك بن مُزَاحم،"فيه ظلمات"، قال: أما الظلمات فالضلالة، والبرق الإيمان [[الأثر ٤٦١- في الأصول"أبو نميلة" بالنون، وهو خطأ، والصواب"أبو تميلة" بالتاء مصغرًا، وهو يحيى بن واضح، كما مضى في: ٣٩٢.]] . ٤٦٢- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله:"فيه ظلمات ورَعد وبرق"، فقرأ حتى بلغ:"إنّ الله على كل شيء قدير"، قال: هذا أيضًا مثلٌ ضربه الله للمنافقين، كانوا قد استناروا بالإسلام، كما استنارَ هذا بنور هذا البرق. ٤٦٣- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جُريج: ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظنّ أنه يُراد به، وأنه الموت، كراهيةً له -والمنافق أكرهُ خلق الله للموت- كما إذا كانوا بالبَراز في المطر، فرُّوا من الصواعق [[في المخطوطة: "كما إذ كانوا بالبر في المطر. . "، وهو شبيه بالصواب. والبراز: الفضاء من الأرض البعيد الواسع، ليس به شجر ولا غيره مما يستتر به.]] . ٤٦٤- حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جُريج، عن عطاء في قوله:"أو كصَيِّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق"، قال: مثَل ضُرِبَ للكافر [[الآثار ٤٦٠ - ٤٦٤: لم أجدها في مكان.]] . وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه، فإنها - وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها - متقارباتُ المعاني، لأنها جميعًا تُنبئ عن أن الله ضَرَب الصيِّب لظاهر إيمان المنافق مَثلا وَمثَّلَ ما فيه من ظلمات لضلالته، وما فيه من ضياء برقٍ لنور إيمانه [[في المخطوطة: "بضلالته. . . بنور إيمانه".]] ؛ واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه، لضَعف جَنانه ونَخْبِ فؤاده من حُلول عقوبة الله بساحته [[في المطبوعة: "وتحير فؤاده". والنخب: الجبن وضعف القلب. ورجل نخب ونخيب ومنخوب الفؤاد: جبان لا خير فيه، كأنه منتزع الفؤاد، فلا فؤاد له.]] ؛ وَمشيَه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه؛ وقيامَه في الظلام، لحيرته في ضلالته وارتكاسه في عَمَهه [[في المطبوعة: "باستقامته. . بحيرته في ضلالته. . "]] . فتأويل الآية إذًا -إذْ كان الأمر على ما وصفنا- أو مَثَلُ ما استضاء به المنافقون - من قيلهم لرسول الله ﷺ وللمؤمنين بألسنتهم: آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكامُ المؤمنين، وهم - مع إظهارهم بألسنتهم ما يُظهرون - بالله وبرسوله ﷺ وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر، مكذِّبون، ولخلاف ما يُظهرون بالألسُن في قلوبهم معتقدون، على عمًى منهم، وجهالة بما هم عليه من الضلالة، لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شَرَعا لهم [فيه] الهداية [[في المخطوطة: "سرعا" غير واضحة ولا منقوطة. ولعل الصواب"شرعا" من قولهم شرعت الإبل الماء: أي دخلته وخاضت فيه لتشرب منه. والمنافق يخوض في الإيمان بلسانه وفي الكفر بقلبه. وزدت ما بين القوسين ليستقيم المعنى. وفي المطبوعة بعد: "الهداية في الكفر الذي كانوا عليه"، بغير ألف الاستفهام، وهو خطأ لا يستقيم.]] ، أفي الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدًا ﷺ بما أرسله به إليهم، أم في الذي أتاهم به محمد ﷺ من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد ﷺ وَجِلون، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكُّون، في قلوبهم مَرَض فزادهمُ الله مَرَضًا. كمثل غَيثٍ سَرى ليلا في مُزنة ظلماء وليلة مظلمة [[في المطبوعة: "وليل مظلمة"، وهو خطأ بين.]] يحدوها رعدٌ، ويستطير في حافاتها برقٌ شديد لمعانه [[في المطبوعة والمخطوطة: "يحذوها" بالذال المعجمة، وهو خطأ. وإنما هو من حداء السائق بإبله: وهو غناؤه لها وزجره إياها، وهو يسوقها. جعل صوت الرعد حداء للسحاب. واستطار البرق: سطع وشق السحاب وانتشر في جوانب الغمام.]] ، كثير خَطرانه [[في المخطوطة: "خطواته" غير منقوطة، وهو تحريف. من قولهم خطر بسيفه أو سوطه يخطر خطرانًا: إذا رفعه مرة ووضعه أخرى، شبه شقائق البرق بالسوط يلمع مرة ويخفى أخرى.]] ، يكاد سَنا برقه يَذهب بالأبصار ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه، وينهبط منها تارات صواعقُ، تكاد تَدَع النفوس من شدة أهوالها زَواهق. فالصيِّب مَثلٌ لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلمات التي هي فيه لظُلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب. وأما الرعدُ والصواعق، فلِما هم عليه من الوَجَل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله ﷺ في آي كتابه، إما في العاجل وإما في الآجل، أنْ يحلّ بهم، مع شكهم في ذلك: هل هو كائن أم غير كائن؟ وهل له حقيقة أم ذلك كذبٌ وباطلٌ؟ - مثلٌ [[قوله"مثل" خبر مبتدأ محذوف، فسياق الجملة كما ترى: أما الرعد والصواعق، فمثل لما هم عليه من الوجل. .]] . فهم من وَجلهم، أن يَكون ذلك حَقًّا، يتقونه بالإقرار بما جاء به محمد ﷺ بألسنتهم، مخافةً على أنفسهم من الهلاك ونزول النَّقِمَات [[النقمات: جمع نقمة مثل كلمات وكلمة، وهي العقوبات.]] . وذلك تأويل قوله جل ثناؤه"يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَرَ الموت"، يعني بذلك: يتقون وَعيدَ الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله ﷺ، بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتّقي الخائف أصواتَ الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها، حَذَرًا على نفسه منها. وقد ذكرنا الخبرَ الذي روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقولان: إن المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله ﷺ أدخلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقًا من كلام رسول الله ﷺ أن ينزل فيهم شيء، أو يذكروا بشيء فيقتلوا. فإنْ كان ذلك صحيحًا - ولست أعلمه صحيحًا، إذ كنت بإسناده مُرتابًا - فإنّ القولَ الذي رُوي عنهما هو القول [[انظر الحديث رقم: ٤٥٢ والتعليق عليه.]] . وإن يكن غيرَ صحيح، فأولى بتأويل الآية ما قلنا، لأن الله إنما قصّ علينا من خَبرهم في أول مُبتدأ قصتهم [[في المطبوعة: "قصصهم"، ولا بأس بها. وبعد ذلك في المخطوطة: "أنهم عارفون يخادعون الله. . "، ولا معنى لإقحام قوله: "عارفون".]] ، أنهم يُخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم: آمنا بالله وباليوم الآخر، مع شكّ قلوبهم ومَرَض أفئدتهم في حقيقة ما زَعموا أنهم به مؤمنون، مما جاءهم به رسول الله ﷺ من عند ربهم. وبذلك وصَفَهم في جميع آي القرآن التي ذكرَ فيها صفتهم. فكذلك ذلك في هذه الآية. وإنما جَعل اللهُ إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتِّقائهم رسولَ الله ﷺ والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يَتَّقونهم به، كما يتّقي سامعُ صَوتِ الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه. وذلك من المثَل نظيرُ تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزَل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق. وكذلك قوله"حَذَرَ الموت"، جعله جلّ ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلِكهم الذي تُوُعِّدوه بساحتهم [[في المطبوعة: "العقاب المهلك. . " بدلوا لفظ الطبري، ليوافق ما اعتادوه من الكلام.]] كما يجعل سامعُ أصوات الصواعق أصَابعه في أذنيه، حَذَرَ العطب والموت على نفسه، أنْ تَزهق من شدتها. وإنما نصَب قوله"حَذَرَ الموت" على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك:"زُرْتك تَكرمةً لك"، تريد بذلك: من أجل تكرمتك، وكما قال جلّ ثناؤه، ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [سورة الأنبياء: ٩٠] على التفسير للفعل [[قوله"على التفسير للفعل"، أي أنه مفعول لأجله.]] . وقد رُوي عن قتادة أنه كان يتأول قوله:"حَذَرَ الموت"، حذرًا من الموت. ٤٦٥- حدثنا بذلك الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزّاق، قال: أنبأنا مَعْمَر، عنه. وذلك مذهب من التأويل ضعيف، لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حَذَرًا من الموت، فيكون معناه ما قال إنه يراد به [[في المطبوعة"مراد به"، وهما سواء.]] ، حَذَرًا من الموت، وإنما جعلوها من حِذَار الموت في آذانهم. وكان قتادةُ وابنُ جُريج يتأوّلان قوله:"يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَر الموت"، أن ذلك من الله جلّ ثناؤه صفةٌ للمنافقين بالهلع وضعف القلوب وكراهة الموت، ويتأولان في ذلك قوله: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ [سورة المنافقون: ٤] . وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا. وذلك أنه قد كان فيهم من لا تُنكر شجاعته ولا تُدفع بسالته، كقُزْمان، الذي لم يَقم مقامه أَحدٌ من المؤمنين بأحُد، أو دونه [[هذه الجملة في المخطوطة هكذا: "كقزمان الذي لم يقم مقامه من المؤمنين كثير أحد ودونه" وهي عبارة مبهمة. وقد أثبت ما في المطبوعة، وجعلت"ودونه"، "أو دونه" ليستقيم المعنى. ويدل على ذلك أن عدة الذين قتلوا يوم أحد من المشركين اثنان وعشرون رجلا، قتل قزمان وحده منهم عشرة، وقتل علي بن أبي طالب أربعة، وقتل حمزة بن عبد المطلب ثلاثة، وقتل عاصم ابن ثابت بن الأقلح رجلين، وقتل سعد بن أبي وقاص رجلا واحدًا. وأما رسول الله ﷺ فقتل رجلا صبرًا، وقتل آخر بيده ﷺ. وقزمان حليف بني ظفر، قال رسول الله ﷺ: إنه لمن أهل النار. فلما أبلى يوم أحد، قيل له: أبشر! قال: بماذا أبشر؟ فوالله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي! ولولا ذلك ما قاتلت. ولما اشتدت به جراحته وآذته، أخذ سهمًا من كنانته فقتل به نفسه.]] . وإنما كانت كراهتُهم شُهود المشاهدِ مع رسول الله ﷺ، وتركُهم مُعاونته على أعدائه، لأنهم لم يكونوا في أديانهم مُستبصرين، ولا برسول الله ﷺ مصدِّقين، فكانوا للحضور معه مَشاهدَه كارهين، إلا بالتخذيل عنه [[التخذيل: حمل الرجل على خذلان صاحبه، وتثبيطه عن نصرته.]] . ولكن ذلك وَصفٌ من الله جل ثناؤه لهم بالإشفاق من حُلول عقوبة الله بهم على نفاقهم، إما عاجلا وإما آجلا. ثم أخبر جل ثناؤه أنّ المنافقين - الذين نَعتهم الله النعتَ الذي ذكر، وضرب لهم الأمثال التي وَصَف، وإن اتقوْا عقابه، وأشفقوا عَذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حِذَارَ حُلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه - غيرُ مُنْجيهم ذلك من نزوله بعَقْوَتهم [[في المطبوعة: "بعقوبتهم"، وفي بعض المخطوطات: "بعقولهم"، وكلتاهما خطأ محض. والعقوة: ساحة الدار، وما كان حولها وقريبًا منها.]] ، وحُلوله بِساحتهم، إما عاجلا في الدنيا، وإما آجلا في الآخرة، للذي في قلوبهم من مَرَضها، والشكّ في اعتقادها، فقال:"والله مُحيطٌ بالكافرين"، بمعنى جَامِعُهم، فمُحلٌّ بهم عُقوبته. وكان مجاهدٌ يتأول ذلك كما:- ٤٦٦- حدثني محمد بن عمرو الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم. عن عيسى بن ميمون، عن عبد الله بن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قول الله:"والله مُحيط بالكافرين"، قال: جامعهم في جهنم [[الأثر ٤٦٦- من تمام أثر في الدر المنثور ١: ٣٣.]] . وأما ابن عباس فروي عنه في ذلك ما:- ٤٦٧- حدثني به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"والله مُحيط بالكافرين"، يقول: الله منزلٌ ذلك بهم من النِّقمة [[الخبر ٤٦٧- من تمام خبر في الدر المنثور ١: ٣٢ - ٣٣.]] . ٤٦٨- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد، في قوله:"والله محيط بالكافرين"، قال: جامِعُهم. ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم، والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم، وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربَه لهم ولشكّهم ومَرَض قلوبهم، فقال:"يكاد البرق"، يعني بالبرق، الإقرارَ الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم. فجعل البرقَ له مثلا على ما قدَّمنا صفته. "يَخطفُ أبصَارهم"، يعني: يذهب بها ويستلبُها ويلتمعها من شدة ضيائه ونُور شُعاعه. ٤٦٩- كما حُدِّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدثنا بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله:"يكاد البرقُ يخطف أبصارهم"، قال: يلتمعُ أبصارَهم ولمّا يفعل [[الخبر ٤٦٩- لم أجده. والتمع البصر أو غيره: اختلسه واختطفه وذهب به. ومنه الحديث: "إذا كان أحدكم في الصلاة، فلا يرفع بصره إلى السماء يلتمع بصره"، أي يختلس.]] . قال أبو جعفر: والخطف السلب، ومنه الخبر الذي روي عن النبي ﷺ أنه نهى عن الخطْفة، يعني بها النُّهبة [[الذي ذكره ابن الأثير في النهاية أن الخطفة: ما اختطف الذئب من أعضاء الشاة وهي حية، لأن كل ما أبين من حي فهو ميت، وذلك أن النهي عن الخطفة كان لما قدم رسول الله ﷺ المدينة، رأى الناس يجبون أسنمة الإبل وأليات الغنم ويأكلونها. قال: والخطفة المرة الواحدة من الخطف، فسمى بها العضو المختطف، وأما النهبة والنهبى، فاسم لما ينهب، وجاء بيانها في حديث سنن أبي داود ٣: ٨٨"فأصاب الناس غنيمة فانتهبوها، فقام عبد الرحمن بن سمرة خطيبًا، فقال: سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن النهبى". وفي الباب نفسه من سنن أبي داود عن رجل من الأنصار قال: "خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلى إذ جاء رسول الله ﷺ يمشي على قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة".]] . ومنه قيل للخُطاف الذي يُخرج به الدلو من البئر خُطَّاف، لاختطافه واستلابه ما عَلق به، ومنه قول نابغة بني ذُبيان: خَطَاطِيفُ حُجْنٌ فِي حِبَالٍ متينةٍ ... تَمُدُّ بها أَيدٍ إِلَيْكَ نَوَازِعُ [[ديوانه: ٤١، وقبله البيت المشهور: فَإِنَّكَ كَالليلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ... وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ خطاطيف: جمع خطاف. وحجن: جمع أحجن، وهو المعوج الذي في رأسه عقافة. وقال"تمد بها" ولم يقل: تمدها، لأنه لم يرد مد الحبال ذوات الخطاطيف، وإنما أراد اليد التي تمتد بها وفيها الخطاطيف، لأن اليد هي الذي تتبع الشيء حيث ذهب (انظر ما سيأتي من إدخال الباء على مثل هذا الفعل ص ٣٦٠ س: ٦ - ٩) وقوله"إليك" متعلق بقوله"نوازع". ونوازع جمع نازع ونازعة، من قولهم نزع الدلو من البئر ينزعها: جذبها وأخرجها. أي أن هذه الأيدي تجذب ما تشاء إليك، وترده عليك. والبيت متصل بالذي قبله، وبيان لقوله"فإنك كالليل الذي هو مدركى"، أراد تهويل الليل وما يرى فيه، تتبعه حيث ذهب خطاطيف حجن لا مهرب له منها.]] فجعل ضَوءَ البرق وشدة شُعاع نُوره، كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله ﷺ وبما جاء به من عند الله واليوم الآخر وشُعاعِ نوره، مثلا. ثم قال تعالى ذكره:"كلما أضاء لهم"، يعني أن البرق كلما أضاء لهم، وجعل البرق لإيمانهم مَثلا. وإنما أراد بذلك: أنهم كلما أضاء لهم الإيمان، وإضاءتُه لهم: أن يروْا فيه ما يُعجبهم في عاجل دنياهم، من النُّصرة على الأعداء، وإصابةِ الغنائم في المغازي، وكثرة الفتوح، ومنافعها، والثراء في الأموال، والسلامةِ في الأبدان والأهل والأولاد - فذلك إضاءتُه لهم، لأنهم إنما يُظهرون بألسنتهم ما يُظهرونه من الإقرار، ابتغاءَ ذلك، ومدافعةً عن أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذَراريهم، وهم كما وصفهم الله جلّ ثناؤه بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ [سورة الحج: ١١] . ويعني بقوله"مشوا فيه"، مشوا في ضوء البرق. وإنما ذلك مَثلٌ لإقرارهم على ما وصفنا. فمعناه: كلما رأوا في الإيمان ما يُعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا، ثبتوا عليه وأقاموا فيه، كما يمشي السائر في ظُلمة الليل وظُلمة الصَّيِّب الذي وصفه جل ثناؤه، إذا برقت فيها بارقةٌ أبصرَ طريقه فيها. "وإذا أظلم"، يعني: ذهب ضوءُ البرق عنهم. ويعني بقوله"عليهم"، على السائرين في الصيِّب الذي وَصف جل ذكره. وذلك للمنافقين مثَل. ومعنى إظلام ذلك: أنّ المنافقين كلما لم يَرَوْا في الإسلام ما يعجبهم في دنياهم - عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضرَّاء، وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء، من إخفاقهم في مَغزاهم، وإنالة عدوّهم منهم [[في المطبوعة"وإنالة عدوهم"، وهو خطأ. والإدالة: الغلبة، وهي من الدولة في الحرب، وهو أن يهزم الجيش مرة، ويهزمه الجيش الآخر تارة أخرى. يقال: اللهم أدلنا من عدونا! أي اللهم اجعل لنا الدولة عليه وانصرنا.]] ، أو إدبارٍ من دنياهم عنهم - أقاموا على نفاقهم [[في المطبوعة: "قاموا على نفاقهم". وهذه أجود.]] ، وَثبتوا على ضلالتهم، كما قام السائر في الصيِّب الذي وصف جل ذكره [[في المطبوعة والمخطوطة: "كما قام السائرون في الصيب"، وهو خطأ، صوابه من مخطوطة أخرى.]] إذا أظلم وَخفتَ ضوء البرق، فحارَ في طريقه، فلم يعرف مَنهجه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب