وقوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ﴾ مردود على قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾. ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾: أو كمثل صيِّب، فاستُغنى بذكر ﴿الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ فطُرِح ما كان ينبغى أن يكون مع الصيّب من الأسماء، ودلَّ عليه المعنى؛ لأن المَثَل ضُرِب للنفاق، فقال: ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌٌ﴾ فشبّه الظلمات بكفرهم، والبرقَ إذا أضاء لهم فمشوا فيه بإيمانهم، والرعد ما أتى فى القرآن من التخويف. وقد قيل فيه وجه آخر؛ قيل: إن الرعد إنما ذُكِر مَثَلا لخوفهم من القتال إذا دُعُوا إليه. ألا ترى أنه قد قال فى موضع آخر: ﴿يَحْسَبونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ أى يظنُّون أنهم أبداً مغلوبون.
ثم قال: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ﴾ فنصب "حَذَرَ" على غير وقوعٍ من الفعل عليه؛ لم ترد يجعلونها حذرا، إنما هو كقولك: أعطيتك خَوْفاً وفَرَقاً. فأنت لا تعطيه الخوف، وإنما تعطيه من أجل الخوف؛ فنصبه على التفسير ليس بالفعل، كقوله جل وعز: ﴿يَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾. وكقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ والمعرفة والنكرة تفسِّران فى هذا الموضع، وليس نصبه على طرح "مِن". وهو مما قد يستدل به المبتدئ للتعليم.
{"ayah":"أَوۡ كَصَیِّبࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ فِیهِ ظُلُمَـٰتࣱ وَرَعۡدࣱ وَبَرۡقࣱ یَجۡعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمۡ فِیۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَ ٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِیطُۢ بِٱلۡكَـٰفِرِینَ"}