الباحث القرآني

﴿أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ﴾ عَطْفٌ عَلى الَّذِي اسْتَوْقَدَ أيْ: كَمَثَلِ ذَوِي صَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: ﴿يَجْعَلُونَ أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾ و (أوْ) في الأصْلِ لِلتَّساوِي في الشَّكِّ، ثُمَّ اتَّسَعَ فِيها فَأُطْلِقَتْ لِلتَّساوِي مِن غَيْرِ شَكٍّ مِثْلَ: جالِسِ الحَسَنَ أوِ ابْنَ سِيرِينَ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مِنهم آثِمًا أوْ كَفُورًا﴾ . فَإنَّها تُفِيدُ التَّساوِيَ في حُسْنِ المُجالَسَةِ ووُجُوبِ العِصْيانِ ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أوْ كَصَيِّبٍ﴾ ومَعْناهُ أنَّ قِصَّةَ المُنافِقِينَ مُشَبَّهَةٌ بِهاتَيْنِ القِصَّتَيْنِ، وأنَّهُما سَواءٌ في صِحَّةِ التَّشْبِيهِ بِهِما، وأنْتِ مُخَيَّرٌ في التَّمْثِيلِ بِهِما أوْ بِأيِّهِما شِئْتَ. والصَّيِّبُ: فَيْعَلٌ مِنَ الصَّوْبِ، وهو النُّزُولُ، يُقالُ لِلْمَطَرِ ولِلسَّحابِ. قالَ الشَّمّاخُ: ؎ وأسْحَمَ دانٍ صادِقِ الرَّعْدِ صَيَّبِ وَفِي الآيَةِ يَحْتَمِلُهُما، وتَنْكِيرُهُ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِهِ نَوْعٌ مِنَ المَطَرِ شَدِيدٌ. وتَعْرِيفُ السَّماءِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الغَمامَ مُطْبِقٌ آخِذٌ بِآفاقِ السَّماءِ كُلِّها فَإنَّ كُلَّ أُفُقٍ مِنها يُسَمّى سَماءً كَما أنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ مِنها سَماءٌ، وقالَ: ؎ ومِن بَعْدِ أرْضٍ بَيْنَنا وسَماءِ أمَدَّ بِهِ ما في الصَّيِّبِ مِنَ المُبالَغَةِ مِن جِهَةِ الأصْلِ والبِناءِ والتَّنْكِيرِ، وقِيلَ المُرادُ بِالسَّماءِ السَّحابُ فاللّامُ لِتَعْرِيفِ الماهِيَّةِ. ﴿فِيهِ ظُلُماتٌ ورَعْدٌ وبَرْقٌ﴾ إنْ أُرِيدَ بِالصَّيِّبِ المَطَرُ، فَظُلُماتُهُ ظُلْمَةُ تَكاثُفِهِ بِتَتابُعِ القَطْرِ، وظُلْمَةُ غَمامِهِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وجَعَلَهُ مَكانًا لِلرَّعْدِ والبَرْقِ لِأنَّهُما في أعْلاهُ ومُنْحَدَرِهِ مُلْتَبِسَيْنِ بِهِ. وإنْ أُرِيدَ بِهِ السَّحابُ، فَظُلُماتُهُ سُحْمَتُهُ وتَطْبِيقُهُ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وارْتِفاعُها بِالظَّرْفِ وِفاقًا لِأنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلى مَوْصُوفٍ. والرَّعْدُ: صَوْتٌ يُسْمَعُ مِنَ السَّحابِ. والمَشْهُورُ أنَّ سَبَبَهُ اضْطِرابُ أجْرامِ السَّحابِ واصْطِكاكُها إذا حَدَتْها الرِّيحُ مِنَ الِارْتِعادِ. والبَرْقُ ما يَلْمَعُ مِنَ السَّحابِ، مِن بَرَقَ الشَّيْءُ بَرِيقًا، وكِلاهُما مَصْدَرٌ في الأصْلِ ولِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعا. ﴿يَجْعَلُونَ أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾ الضَّمِيرُ لِأصْحابِ الصَّيِّبِ وهو وإنْ حُذِفَ لَفْظُهُ وأُقِيمَ الصَّيِّبُ مَقامَهَ لَكِنَّ مَعْناهُ باقٍ، فَيَجُوزُ أنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ كَما عَوَّلَ حَسّانُ في قَوْلِهِ: ؎ يَسْقُونَ مَن ورَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمُ... ∗∗∗ بَرَدى يُصَفَّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ حَيْثُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِأنَّ المَعْنى ماءٌ بَرَدى، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ فَكَأنَّهُ لَمّا ذَكَرَ ما يُؤْذِنُ بِالشِّدَّةِ والهَوْلِ قِيلَ: فَكَيْفَ حالُهم مَعَ مِثْلِ ذَلِكَ؟ فَأُجِيبَ بِها، وإنَّما أطْلَقَ الأصابِعَ مَوْضِعَ الأنامِلِ لِلْمُبالَغَةِ. ﴿مِنَ الصَّواعِقِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِيَجْعَلُونَ أيْ مِن أجْلِها يَجْعَلُونَ، كَقَوْلِهِمْ سَقاهُ مِنَ الغَيْمَةِ. والصّاعِقَةُ قَصْفَةُ رَعْدٍ (p-52)هائِلٍ مَعَها نارٌ لا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إلّا أتَتْ عَلَيْهِ، مِنَ الصَّعْقِ وهو شِدَّةُ الصَّوْتِ، وقَدْ تُطْلَقُ عَلى كُلِّ هائِلٍ مَسْمُوعٍ أوْ مُشاهَدٍ، يُقالُ صَعَقَتْهُ الصّاعِقَةُ إذا أهْلَكَتْهُ بِالإحْراقِ أوْ شِدَّةِ الصَّوْتِ، وقُرِئَ مِنَ « الصَّواقِعِ» وهو لَيْسَ بِقَلْبِ ﴿مِنَ الصَّواعِقِ﴾ لِاسْتِواءِ كِلا البِناءَيْنِ في التَّصَرُّفِ يُقالُ: صَقَعَ الدِّيكُ، وخَطِيبٌ مِصْقَعٌ، وصَقَعَتْهُ الصّاقِعَةُ، وهي في الأصْلِ إمّا صِفَةٌ لِقَصْفَةِ الرَّعْدِ، أوْ لِلرَّعْدِ. والتّاءُ لِلْمُبالَغَةِ كَما في الرِّوايَةِ أوْ مَصْدَرٌ كالعافِيَةِ والكاذِبَةِ. ﴿حَذَرَ المَوْتِ﴾ نُصِبَ عَلى العِلَّةِ كَقَوْلِهِ: ؎ وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ... ∗∗∗ وأصْفَحُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّما والمَوْتُ: زَوالُ الحَياةِ، وقِيلَ عَرَضٌ يُضادُّها لِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ﴾، ورُدَّ بِأنَّ الخَلْقَ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ والإعْدامِ مُقَدَّرَةٌ. ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾ لا يَفُوتُونَهُ كَما لا يَفُوتُ المُحاطُ بِهِ المُحِيطَ، لا يُخَلِّصُهُمُ الخِداعُ والحِيَلُ، والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب