الباحث القرآني

ولَمّا كانَ في ذَلِكَ مِنَ الغِلْظَةِ عَلى الزّانِي لِما ارْتَكَبَ مِنَ الحَرامِ المُتَّصِفِ بِالعارِ ما يُفْهِمُ مُجانَبَتَهُ، صَرَّحَ بِهِ، مانِعًا مِن نِكاحِ المُتَّصِفِ بِالزِّنى مَن ذَكَرٍ وأُنْثى، إعْلامًا بِأنَّ وطْءَ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ مِن رَجُلٍ أوِ امْرَأةٍ لا يَكُونُ إلّا زِنًى وإنْ كانَ بِعَقْدٍ، فَقالَ واصِلًا لَهُ بِما قَبْلَهُ: (p-٢٠٧)﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ﴾ أيْ لا يَتَزَوَّجُ ﴿إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ أيِ المَعْلُومُ اتِّصافُهُ بِالزِّنى مَقْصُورٌ نِكاحُهُ عَلى زانِيَةٍ أوْ مُشْرِكَةٍ، وذَلِكَ مُحَرَّمٌ، فَهَذا تَنْفِيرٌ لِلْمُسْلِمَةِ عَنْ نِكاحِ المُتَّصِفِ بِالزِّنى حَيْثُ سُوِّيَتْ بِالمُشْرِكَةِ إنْ عاشَرَتْهُ، وذَلِكَ يَرْجِعُ إلى أنَّ مَن نَكَحَتْ زانِيًا فَهي زانِيَةٌ أوْ مُشْرِكَةٌ، أيْ فَهي مِثْلُهُ أوْ شَرٌّ مِنهُ، ولَوِ اقْتَصَرَ عَلى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَنعٌ مِن أنْ يَنْكِحَ العَفِيفُ الزّانِيَةَ، فَقالَ تَعالى مانِعًا مِن ذَلِكَ: ﴿والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها﴾ أيْ لا يَتَزَوَّجُها ﴿إلا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ﴾ أيْ والمَعْلُومُ اتِّصافُها بِالزِّنى مَقْصُورٌ نِكاحُها عَلى زانٍ أوْ مُشْرِكٌ، وذَلِكَ مُحَرَّمٌ فَهو تَنْفِيرٌ لِلْمُسْلِمِ أنْ يَتَزَوَّجَ مَنِ اتَّصَفَتْ بِالزِّنى حَيْثُ سَوّى في ذَلِكَ بِالمُشْرِكِ، وهو يَرْجِعُ إلى أنَّ مَن نَكَحَ زانِيَةً فَهو زانٍ أوْ مُشْرِكٌ، أيْ فَهو مِثْلُها أوْ شَرٌّ مِنها، وأسْنَدَ النِّكاحَ في المَوْضِعَيْنِ إلى الرَّجُلِ تَنْبِيهًا إلى أنَّ النِّساءَ لا حَقَّ لَهُنَّ في مُباشَرَةِ العَقْدِ؛ ثُمَّ صَرَّحَ بِما أفْهَمَهُ صَدْرُ الآيَةِ بِقَوْلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِأنَّ ذَلِكَ يَكْفِي المُؤْمِنَ الَّذِي الخِطابُ مَعَهُ: ﴿وحُرِّمَ ذَلِكَ﴾ أيْ نِكاحُ الزّانِي والزّانِيَةِ تَحْرِيمًا لا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ ﴿عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ وعُلِمَ مِن هَذا أنَّ ذِكْرَ المُشْرِكِ والمُشْرِكَةِ لِزِيادَةِ التَّنْفِيرِ، ثُمَّ إنَّ هَذا الحُكْمَ فُسِخَ كَما قالَ إمامُنا الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُوافَقَةً لِابْنِ المُسَيِّبِ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنْكِحُوا الأيامى مِنكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وهو جَمْعُ أيِّمٍ وهو مَن لا زَوْجَ لَهُ مِنَ الذُّكُورِ والإناثِ، فَأحَلَّ لِلزّانِي (p-٢٠٨)أنْ يَنْكِحَ مَن شاءَ، ولِلزّانِيَةِ أنْ تَنْكِحَ مَن شاءَتْ، وقِراءَةُ مَن قَرَأ (لا يَنْكِحْ) بِالنَّهْيِ راجِعَةٌ إلى هَذا، لِأنَّ الطَّلَبَ قَدْ يَجِيءُ لِلْخَبَرِ كَما يَجِيءُ الخَبَرُ لِلطَّلَبِ - واللَّهُ أعْلَمُ؛ قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى ورَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الأُمِّ في جُزْءٍ مُتَرْجَمٍ بِأحْكامِ القُرْآنِ وفي جُزْءٍ بَعْدَ كِتابِ الحَجِّ الكَبِيرِ والصَّغِيرِ والضَّحايا: ما جاءَ في نِكاحِ المُحْدِثِينَ، فَذَكَرَ الآيَةَ وقالَ: اخْتَلَفَ أهْلُ التَّفْسِيرِ في هَذِهِ الآيَةِ اخْتِلافًا مُتَبايِنًا، أخْبَرَنا مُسْلِمُ بْنُ خالِدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في بَغايا مِن بَغايا الجاهِلِيَّةِ كانَتْ عَلى مَنازِلِهِنَّ راياتٌ، قالَ في الجُزْءِ الآخَرِ: وكُنَّ غَيْرَ مُحْصَناتٍ، فَأرادَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ نِكاحَهُنَّ فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِتَحْرِيمِ أنْ يَنْكِحْنَ إلّا مَن أعْلَنَ بِمِثْلِ ما أعْلَنَّ بِهِ أوْ مُشْرِكًا، وقِيلَ كُنَّ زَوانِيَ مُشْرِكاتٍ فَنَزَلَتْ لا يَنْكِحُهُنَّ إلّا زانٍ مِثْلُهُنَّ مُشْرِكٌ، أوْ مُشْرِكٌ وإنْ لَمْ يَكُنْ زانِيًا، وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ، وقِيلَ: هي عامَّةٌ ولَكِنَّها نُسِخَتْ، أخْبَرَنا سُفْيانُ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أنَّهُ قالَ: هي مَنسُوخَةُ نَسَخَتْها ﴿وأنْكِحُوا الأيامى مِنكُمْ﴾ [النور: ٣٢] فَهي مِن أيامى المُسْلِمِينَ، فَهَذا كَما قالَ ابْنُ المُسَيِّبِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وعَلَيْهِ (p-٢٠٩)دَلائِلُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلى فَسادِ غَيْرِ هَذا القَوْلِ بِأنَّ الزّانِيَةَ إنْ كانَتْ مُشْرِكَةً فَهي مُحَرَّمَةٌ عَلى زُناةِ المُسْلِمِينَ وغَيْرِ زُناتِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] ولا خِلافَ في ذَلِكَ، وإنْ كانَتْ مُسْلِمَةً فَهي بِالإسْلامِ مُحَرَّمَةٌ عَلى جَمِيعِ المُشْرِكِينَ بِكُلِّ نِكاحٍ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهم ولا هم يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠] ولا خِلافَ في ذَلِكَ أيْضًا، وبِأنَّهُ لا اخْتِلافَ بَيْنَ أحَدٍ مِن أهْلِ العِلْمِ أيْضًا في تَحْرِيمِ الوَثَنِيّاتِ عَفائِفَ كُنَّ أوْ زَوانِيَ عَلى مَن آمَنَ زانِيًا كانَ أوْ عَفِيفًا، وبِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَدَ بِكْرًا في الزِّنى وجَلَدَ امْرَأةً ولَمْ نَعْلَمْهُ قالَ لِلزّانِي: هَلْ لَكَ زَوْجَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْكَ إذا زَنَيْتَ، ولا يَتَزَوَّجُ هَذا الزّانِي ولا الزّانِيَةُ إلّا زانِيَةً أوْ زانِيًا، بَلْ قَدْ يُرْوى أنْ رَجُلًا شَكا مِنِ امْرَأتِهِ فُجُورًا فَقالَ: طَلِّقْها، قالَ: إنِّي أُحِبُّها، قالَ: اسْتَمْتِعْ بِها - يُشِيرُ إلى ما رَواهُ أبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهُما «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنْ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: ”إنَّ امْرَأتِي لا تَمْنَعُ يَدَ لامِسٍ، قالَ: طَلِّقْها، قالَ: إنِّي لا أصْبِرُ عَنْها، قالَ: فَأمْسِكْها“» . ورَواهُ البَيْهَقِيُّ والطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقالَ شَيْخُنا ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ - انْتَهى. قالَ الشّافِعِيُّ: وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (p-٢١٠)قالَ لِرَجُلٍ أرادَ أنْ يَنْكِحَ امْرَأةً أحْدَثَتْ: أنْكِحْها نِكاحَ العَفِيفَةِ المُسْلِمَةِ - انْتَهى بِالمَعْنى. وقالَ في الجُزْءِ الَّذِي بَعُدَ الحَجِّ: فَوَحَّدْنا الدَّلالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في زانِيَةٍ وزانٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ نَعْلَمْهُ حَرَّمَ عَلى واحِدٍ مِنهُما أنْ يَنْكِحَ غَيْرَ زانِيَةٍ ولا زانٍ، ولا حَرَّمَ واحِدًا مِنهُما عَلى زَوْجِهِ؛ ثُمَّ قالَ: فالِاخْتِيارُ لِلرَّجُلِ أنْ لا يَنْكِحَ زانِيَةً ولِلْمَرْأةِ أنْ لا تَنْكِحَ زانِيًا، فَإنْ فَعَلا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَرامٍ عَلى واحِدٍ مِنهُما، لَيْسَتْ مَعْصِيَةَ واحِدٍ مِنهُما في نَفْسِهِ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ الحَلالَ إذا أتاهُ، ثُمَّ قالَ: وسَواءٌ حُدَّ الزّانِي مِنهُما أوْ لَمْ يُحَدَّ، أوْ قامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أوِ اعْتَرَفَ، لا يُحَرِّمُ زِنى واحِدٍ مِنهُما ولا زِناهُما ولا مَعْصِيَةٌ مِنَ المَعاصِي الحَلالَ إلّا أنْ يَخْتَلِفَ دِيناهُما بِشِرْكٍ وإيمانٍ - انْتَهى. وقَدْ عُلِمَ أنَّهُ لَمْ يَرِدْ أنَّ هَذا الحُكْمَ نُسِخَ بِآيَةِ الأيامى فَقَطْ، بَلْ بِما انْضَمَّ إلَيْها مِنَ الإجْماعِ وغَيْرِهِ مِنَ الآياتِ والأحادِيثِ بِحَيْثُ صَيَّرَ ذَلِكَ دَلالَتَها عَلى ما تَناوَلَتْهُ مُتَيَّقَنًا كَدَلالَةِ الخاصِّ عَلى ما تَناوَلَهُ، فَلا يُقالُ: إنَّ الشّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ خالَفَ أصْلَهُ في أنَّ الخاصَّ لا يُنْسَخُ بِالعامِّ، لِأنَّ ما تَناوَلَهُ الخاصُّ مُتَيَقَّنٌ، وما تَناوَلَهُ العامُّ ظاهِرٌ مَظْنُونٌ، وكانَ هَذا الحُكْمُ - وهو الحُرْمَةُ في أوَّلِ الإسْلامِ بَعْدَ الهِجْرَةِ - لِئَلّا يَغْلِبَ حالُ المُفْسِدِ عَلى المُصْلِحِ فَيَخْتَلَّ بَعْضُ الأمْرِ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ في البَقَرَةِ ﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١] وفي (p-٢١١)المائِدَةُ عِنْدَ ﴿ومَن يَكْفُرْ بِالإيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] وهو مِن وادِي قَوْلِهِ: ؎عَنِ المَرْءِ لا تَسْألْ وسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ خَلِيلٍ بِالمُخالِلِ يَقْتَدِي والجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ، والمُشاكَلَةُ سَبَبُ المُواصَلَةِ، والمُخالَفَةُ تُوجِبُ المُباعَدَةَ وتَحْرِمُ المُؤالَفَةَ، وقَدْ رَوى أبُو داوُدَ في الأدَبِ والتِّرْمِذِيُّ في الزُّهْدِ - وقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «الرَّجُلُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلْ» ورَوى الإمامُ أبُو يَعْلى المَوْصِلِيُّ في مُسْنَدِهِ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ الحَكَمِ حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ أيُّوبَ حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ «عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَتْ: كانَتِ امْرَأةٌ بِمَكَّةَ مَزّاحَةٌ، يَعْنِي فَهاجَرَتْ إلى المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، فَنَزَلَتْ عَلى امْرَأةٍ شِبْهٍ لَها، فَبَلَغَ ذَلِكَ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَقالَتْ صَدَقَ حُبِّي! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ”الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنها ائْتَلَفَ وما تَناكَرَ مِنها اخْتَلَفَ“» قالَ: ولا أعْلَمُ إلّا قالَ في الحَدِيثِ: ولا نَعْرِفُ تِلْكَ المَرْأةَ، وسَيَأْتِي عِنْدَ ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] تَخْرِيجُ «الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ» وقالَ الإمامُ أبُو بَكْرِ أحْمَدُ بْنُ مَرْوانَ الدَّيْنُورِيُّ في كِتابِ المُجالَسَةِ: حَدَّثَنا (p-٢١٢)أحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الخَزّازُ حَدَّثَنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أبِي غُزَيَّةَ الأنْصارِيِّ قالَ: قالَ الشَّعْبِيُّ: يُقالُ: إنَّ لِلَّهِ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِجَمْعِ الأشْكالِ بَعْضِها إلى بَعْضٍ - انْتَهى. وعَزاهُ شَيْخُنا الحافِظُ أبُو الفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ في تَخْرِيجِ أحادِيثِ مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ إلى أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقالَ: بِتَأْلِيفِ الأشْكالِ. ويُرْوى أنَّ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ ابْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ أهْلَ الكُوفَةِ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِن مَقْدَمِهِ عَلَيْهِمْ فَقالَ: يا أهْلَ الكُوفَةِ، قَدْ عَلِمْنا شِرارَكم مِن خِيارِكُمْ، فَقالُوا: كَيْفَ وما لَكَ إلّا ثَلاثَةُ أيّامٍ؟ فَقالَ: كانَ مَعَنا شِرارٌ وخِيارٌ، فانْضَمَّ خِيارُنا إلى خِيارِكُمْ، وشِرارُنا إلى شِرارِكم. فَلَمّا تَقَرَّرَتِ الأحْكامُ، وأذْعَنَ الخاصُّ والعامُّ، وضَرَبَ الدِّينُ بِجُرّانِهِ، ولَمْ يُخْشَ وهْيُ شَيْءٍ مِن بُنْيانِهِ، نُسِخَتِ الحُرْمَةُ، وبَقِيَتِ الكَراهَةُ أوْ خِلافُ الأوْلى - واللَّهُ المُوَفِّقُ. وهَذا كُلُّهُ تَوْطِئَةٌ لِبَراءَةِ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كَما يَأْتِي إيضاحُهُ عَنْهُ ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] لِأنَّها قَرِينَةُ خَيْرِ العالَمِينَ وأتْقاهم وأعَفُّهُمْ، ولِأنَّ كُلًّا مِنها ومِن صَفْوانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما بَعِيدٌ عَمّا رُمِيَ بِهِ شَهِيرٌ بِضِدِّهِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ ”بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَن يَعْذُرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَ أذاهُ في أهْلِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي إلّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا“» (p-٢١٣)وفِي رِوايَةٍ «ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَطُّ، ولا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إلّا وأنا حاضِرٌ» وبِقَوْلِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَنْ صَفْوانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّهُ قُتِلَ شَهِيدًا في سَبِيلِ اللَّهِ. وهَذا سِوى الآياتِ المُصَرِّحَةِ والأعْلامِ المُفْصِحَةُ، فَهو ﴿والطَّيِّبُونَ﴾ [النور: ٢٦] تَلْوِيحٌ قَبْلَ بَيانٍ، وتَصْرِيحٌ وإشارَةٌ بَعْدَ عِبارَةٍ وتَوْضِيحٍ، لِيَجْتَمِعَ في بَراءَةِ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها دَلِيلانِ عَقْلِيّانِ شُهُودِيّانِ اكْتَنَفا الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ فَكانا سُورًا عَلَيْهِ، وحِفْظًا مِن تَصْوِيبِ طَعْنٍ إلَيْهِ، وفي ذَلِكَ مِن فَخامَةِ أمْرِها وعَظِيمِ قَدْرِها ما لا يُقَدِّرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ إلّا الَّذِي خَصَّها بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب