الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ، إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لايَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَحُكْمِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عَشَائِرَ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يُكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ، وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَرَغَبَ أُنَاسٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نِكَاحِهِنَّ لِيُنْفِقْنَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [[قطعة من حديث عزاه السيوطي في الدر: (٦ / ١٢٧) لابن أبي حاتم.]] ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَنْ يَتَزَوَّجُوا تِلْكَ الْبَغَايَا لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءٍ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، مِنْهُنَّ تِسْعٌ لَهُنَّ رَايَاتٌ كَرَايَاتِ الْبِيطَارِ يُعْرَفْنَ بِهَا، مِنْهُنَّ أُمُّ مَهْزُولٍ جَارِيَةُ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَّخِذُهَا مَأْكَلَةً، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي نِكَاحِ أُمِّ مَهْزُولٍ وَاشْتَرَطَتْ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ [[أخرجه الإمام أحمد: ٢ / ١٥٩ وانظر: أسباب النزول للواحدي ص ٣٦٤-٣٦٦، تفسير الطبري: ١٨ / ٧١.]] .
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ، وَكَانَتْ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَتَى مَكَّةَ دَعَتْهُ عَنَاقُ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ مَرْثَدٌ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا، قَالَتْ: فَانْكِحْنِي، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أنكح عناقا؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ: ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ لِي: لَا تَنْكِحْهَا [[أخرجه أبو داود في النكاح، باب: قوله تعالى "الزاني لا ينكح إلا زانية" ٣ / ٦، والترمذي في تفسير سورة النور: ٩ / ٢١-٢٣ وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، والنسائي في النكاح، باب: تزويج الزانية ٦ / ٦٦-٦٧ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وصححه الحاكم ٢ / ١٦٦ وأقره الذهبي، والطبري: ١٨ / ٧١.]] . فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ كَانَ التَّحْرِيمُ خَاصًّا فِي حَقِّ أُولَئِكَ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ مِنَ النِّكَاحِ هُوَ الْجِمَاعُ، وَمَعْنَاهُ: الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ. وَرِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: إِنْ جَامَعَهَا وَهُوَ مُسْتَحِلٌّ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ جَامَعَهَا وَهُوَ مُحَرِّمٌ فَهُوَ زَانٍ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُحَرِّمُ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ وَيَقُولُ: إِذَا تَزَوَّجَ الزَّانِي بِالزَّانِيَةِ فَهُمَا زَانِيَانِ أَبَدًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الزَّانِي الْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً وَالزَّانِيَةُ الْمَجْلُودَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ مَجْلُودٌ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ حُكْمَ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ، فَكَانَ نِكَاحُ الزَّانِيَةِ حَرَامًا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ [[ذكر هذه الأقوال الطبري: ١٨ / ٧٤-٧٥. ثم قال مرجحا: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عنى بالنكاح في هذه الموضع: الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان. فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا، أو بمشركة تستحله.]] .
وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ فَرَجٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبِيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ؟ قَالَ: طَلِّقْهَا، قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ، قَالَ: اسْتَمْتِعْ بِهَا. وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ "فَأَمْسِكْهَا إِذًا" [[أخرجه أبو داود في النكاح، باب: النهي عن تزويج من لم يلد من النساء: ٣ / ٥، والنسائي في النكاح، باب: تزويج الزانية: ٦ / ٦٧-٦٨، وفي الطلاق، باب: ما جاء في الخلع: ٦ / ١٧٠ وقال: "هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. وقال السندي في حواشيه على النسائي: "وقيل: هذا الحديث موضوع، ورد بأنه حسن صحيح، ورجال سنده رجال الصحيحين، فلا يلتفت إلى قول من حكم عليه بالوضع والله أعلم".]] .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ رجلا وامرأة ٣٤/ب فِي زِنًى وَحَرِصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى الْغُلَامُ [[أخرجه عبد الرزاق في المصنف: ٧ / ٢٠٣-٢٠٤، وسعيد بن منصور في السنن: ١ / ٢٢٤، والبيهقي: ٧ / ١٥٥.]] .
{"ayah":"ٱلزَّانِی لَا یَنكِحُ إِلَّا زَانِیَةً أَوۡ مُشۡرِكَةࣰ وَٱلزَّانِیَةُ لَا یَنكِحُهَاۤ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكࣱۚ وَحُرِّمَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق