الباحث القرآني
* بابُ تَزْوِيجِ الزّانِيَةِ تَزْوِيجُ الزّانِيَةِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: رَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ (p-١٠٧)جَدِّهِ قالَ: «كانَ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أبِي مَرْثَدٍ وكانَ يَحْمِلُ الأسْرى مِن مَكَّةَ حَتّى يَأْتِيَ بِهِمُ المَدِينَةَ، وكانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقالُ لَها عَناقٌ وكانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وكانَ وعَدَ رَجُلًا أنْ يَحْمِلَهُ مِن أسْرى مَكَّةَ، وإنَّ عَناقَ رَأتْهُ فَقالَتْ لَهُ: أقِمِ اللَّيْلَةَ عِنْدِي قالَ: يا عَناقُ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنا فَقالَتْ: يا أهْلَ الخِباءِ هَذا الَّذِي يَحْمِلُ أسْراكم فَلَمّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ أتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أتَزَوَّجُ عَناقَ ؟ فَلَمْ يَرُدَّ حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تَنْكِحْها» . فَبَيَّنَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ في هَذا الحَدِيثِ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في الزّانِيَةِ المُشْرِكَةِ أنَّها لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ، وإنَّ تَزَوُّجَ المُسْلِمِ المُشْرِكَةَ زِنًا؛ إذْ كانَتْ لا تَحِلُّ لَهُ.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في تَأْوِيلِ الآيَةِ وحُكْمِها، فَحَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الواسِطِيُّ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اليَمانِ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ ويَزِيدُ بْنُ هارُونَ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ الأنْصارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ قَدْ نَسَخَتْها الآيَةُ الَّتِي بَعْدَها: ﴿وأنْكِحُوا الأيامى مِنكُمْ﴾ [النور: ٣٢] قالَ: كانَ يُقالُ هي مِن أيامى المُسْلِمِينَ، فَأخْبَرَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ أنَّ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: وحَدَّثَنا حَجّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ قالَ: " كانَ رِجالٌ يُرِيدُونَ الزِّنا بِنِساءٍ زَوانِيَ بَغايا مُعْلِناتٍ كُنَّ كَذَلِكَ في الجاهِلِيَّةِ، فَقِيلَ لَهم هَذا حَرامٌ، فَأرادُوا نِكاحَهُنَّ " فَذَكَرَ مُجاهِدٌ أنَّ ذَلِكَ كانَ في نِساءٍ مَخْصُوصاتٍ عَلى الوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنا ورُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ في قَوْلَهِ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ أنَّهُ نَزَلَ في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأةً بَغِيَّةً عَلى أنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ " فَأخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أنَّ النَّهْيَ خَرَجَ عَلى هَذا الوَجْهِ وهو أنْ يُزَوَّجَها عَلى أنْ يُخَلِّيَها والزِّنا.
ورَوى حَبِيبُ بْنُ أبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " يَعْنِي بِالنِّكاحِ جِماعَها " .
ورَوى ابْنُ شُبْرُمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ قالَ: " لا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي إلّا بِزانِيَةٍ مِثْلِهِ " .
وقالَ شُعْبَةُ مَوْلى ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " بَغايا كُنَّ في الجاهِلِيَّةِ يَجْعَلْنَ عَلى أبْوابِهِنَّ راياتٍ كَراياتِ البَياطِرَةِ يَأْتِيهُنَّ ناسٌ، يُعْرَفْنَ بِذَلِكَ " .
ورَوى مُغِيرَةُ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً﴾ " يَعْنِي بِهِ الجِماعَ حِينَ يَزْنِي " وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُهُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَذَهَبَ هَؤُلاءِ إلى أنَّ مَعْنى الآيَةِ الإخْبارُ بِاشْتِراكِهِما في الزِّنا وأنَّ المَرْأةَ كالرَّجُلِ في ذَلِكَ، فَإذا كانَ الرَّجُلُ زانِيًا فالمَرْأةُ مِثْلُهُ إذا طاوَعَتْهُ، وإذا زَنَتِ المَرْأةُ فالرَّجُلُ مِثْلُها، فَحَكَمَ تَعالى في ذَلِكَ بِمُساواتِهِما في (p-١٠٨)الزِّنا، ويُفِيدُ ذَلِكَ مُساواتَهُما في اسْتِحْقاقِ الحَدِّ وعِقابِ الآخِرَةِ وقَطْعِ المُوالاةِ وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ. ورُوِيَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، وهو ما رَوى عاصِمٌ الأحْوَلُ عَنِ الحَسَنِ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: " المَحْدُودُ لا يَتَزَوَّجُ إلّا مَحْدُودَةً " .
* * *
واخْتَلَفَ السَّلَفُ في تَزْوِيجِ الزّانِيَةِ، فَرُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عُمَرَ ومُجاهِدٍ وسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في آخَرِينَ مِنَ التّابِعِينَ: " أنَّ مَن زَنى بِامْرَأةٍ أوْ زَنى بِها غَيْرُهُ فَجائِزٌ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَها " . ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وعائِشَةَ والبَراءِ وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " أنَّهُما لا يَزالانِ زانِيَيْنِ ما اجْتَمَعا " . وعَنْ عَلِيٍّ: " إذا زَنى الرَّجُلُ فُرِّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ امْرَأتِهِ، وكَذَلِكَ هي إذا زَنَتْ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَمَن حَظَرَ نِكاحَ الزّانِيَةِ تَأوَّلَ فِيهِ هَذِهِ الآيَةَ، وفُقَهاءُ الأمْصارِ مُتَّفِقُونَ عَلى جَوازِ النِّكاحِ، وأنَّ الزِّنا لا يُوجِبُ تَحْرِيمَها عَلى الزَّوْجِ ولا يُوجِبُ الفُرْقَةَ بَيْنَهُما. ولا يَخْلُو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً﴾ مِن أحَدِ وجْهَيْنِ: إمّا أنْ يَكُونَ خَبَرًا وذَلِكَ حَقِيقَتُهُ أوْ نَهْيًا وتَحْرِيمًا، ثُمَّ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ المُرادُ بِذِكْرِ النِّكاحِ هُنا الوَطْءَ أوِ العَقْدَ، ومُمْتَنِعٌ أنْ يُحْمَلَ عَلى مَعْنى الخَبَرِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ؛ لِأنّا وجَدْنا زانِيًا يَتَزَوَّجُ غَيْرَ زانِيَةٍ وزانِيَةً تَتَزَوَّجُ غَيْرَ الزّانِي، فَعَلِمْنا أنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ الخَبَرِ، فَثَبَتَ أنَّهُ أرادَ الحُكْمَ والنَّهْيَ. فَإذا كانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ المُرادُ الوَطْءَ أوِ العَقْدَ، وحَقِيقَةُ النِّكاحِ هو الوَطْءُ في اللُّغَةِ لِما قَدْ بَيَّنّاهُ في مَواضِعَ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومَن تابَعَهُ في أنَّ المُرادَ الجِماعُ، ولا يُصْرَفُ إلى العَقْدِ إلّا بِدَلالَةٍ؛ لِأنَّهُ مَجازٌ؛ ولِأنَّهُ إذا ثَبَتَ أنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الحَقِيقَةُ انْتَفى دُخُولُ المَجازِ فِيهِ. وأيْضًا فَلَوْ كانَ المُرادُ العَقْدَ لَمْ يَكُنْ زِنا المَرْأةِ أوِ الرَّجُلِ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ؛ إذْ كانا جَمِيعًا مَوْصُوفَيْنِ بِأنَّهُما زانِيانِ؛ لِأنَّ الآيَةَ قَدِ اقْتَضَتْ إباحَةَ نِكاحِ الزّانِي لِلزّانِيَةِ، فَكانَ يَجِبُ أنْ يَجُوزَ لِلْمَرْأةِ أنْ تَتَزَوَّجَ الَّذِي زَنى بِها قَبْلَ أنْ يَتُوبا وأنْ لا يَكُونَ زِناهُما في حالِ الزَّوْجِيَّةِ يُوجِبُ الفُرْقَةَ، ولا نَعْلَمُ أحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ، وكانَ يَجِبُ أنْ يَجُوزَ لِلزّانِي أنْ يَتَزَوَّجَ مُشْرِكَةً ولِلْمَرْأةِ الزّانِيَةِ أنْ تَتَزَوَّجَ مُشْرِكًا، ولا خِلافَ في أنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ وأنَّ نِكاحَ المُشْرِكاتِ وتَزْوِيجَ المُشْرِكِينَ مُحَرَّمٌ مَنسُوخٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أحَدِ المَعْنَيَيْنِ: إمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ الجِماعَ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومَن تابَعَهُ، أوْ أنْ يَكُونَ حُكْمُ الآيَةِ مَنسُوخًا عَلى ما رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ. ومِنَ النّاسِ مَن يَحْتَجُّ في أنَّ الزِّنا لا يُبْطِلُ النِّكاحَ بِما رَوى هارُونُ بْنُ رِئابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ ويَرْوِيهِ عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيُّ عَنْ أبِي (p-١٠٩)الزُّبَيْرِ، وكِلاهُما يُرْسِلُهُ أنَّ رَجُلًا قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ امْرَأتِي لا تَمْنَعُ يَدَ لامِسٍ، فَأمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالِاسْتِمْتاعِ مِنها»، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلى أنَّها لا تَمْنَعُ أحَدًا مِمَّنْ يُرِيدُها عَلى الزِّنا.
وقَدْ أنْكَرَ أهْلُ العِلْمِ هَذا التَّأْوِيلَ، قالُوا: لَوْ صَحَّ هَذا الحَدِيثُ كانَ مَعْناهُ أنَّ الرَّجُلَ وصَفَ امْرَأتَهُ بِالخَرَقِ وضَعْفِ الرَّأْيِ وتَضْيِيعِ مالِهِ فَهي لا تَمْنَعُهُ مِن طالِبٍ ولا تَحْفَظُهُ مِن سارِقٍ، قالُوا: وهَذا أوْلى؛ لِأنَّهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، وحَمْلُهُ عَلى الوَطْءِ كِنايَةٌ ومَجازٌ، وحَمْلُهُ عَلى ما ذَكَرْنا أوْلى وأشْبَهَ بِالنَّبِيِّ ﷺ كَما قالَ عَلِيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ: إذا جاءَكُمُ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هو أهْدى واَلَّذِي هو أهْنَأُ واَلَّذِي هو أتْقى.
فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ [النساء: ٤٣] فَجَعَلَ الجِماعَ لَمْسًا. قِيلَ لَهُ: إنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَقُلْ لِلنَّبِيِّ ﷺ إنَّها لا تَمْنَعُ لامِسًا، وإنَّما قالَ يَدَ لامِسٍ، ولَمْ يَقُلْ فَرْجَ لامِسٍ، وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام: ٧] ومَعْلُومٌ أنَّ المُرادَ حَقِيقَةُ اللَّمْسِ بِاليَدِ، وقالَ جَرِيرٌ الخَطْفِيُّ يُعاتِبُ قَوْمًا:
؎ألَسْتُمْ لِئامًا إذْ تَرُومُونَ جارَهم ولَوْلا هُمُو لَمْ تَمْنَعُوا كَفَّ لامِسِ
ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الوَطْءَ وإنَّما أرادَ أنَّكم لا تَدْفَعُونَ عَنْ أنْفُسِكُمُ الضَّيْمَ ومَنعَ أمْوالِكِمْ هَؤُلاءِ القَوْمَ، فَكَيْفَ تَرُومُونَ جارَهم بِالظُّلْمِ. ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ إنَّ تَزْوِيجَ الزّانِيَةِ وإمْساكَها عَلى النِّكاحِ مَحْظُورٌ مَنهِيٌّ عَنْهُ ما دامَتْ مُقِيمَةً عَلى الزِّنا وإنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ في إفْسادِ النِّكاحِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما أباحَ نِكاحَ المُحْصَناتِ مِنَ المُؤْمِناتِ ومِن أهْلِ الكِتابِ بِقَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] يَعْنِي العَفائِفَ مِنهُنَّ؛ ولِأنَّها إذا كانَتْ كَذَلِكَ لا يُؤْمَنُ أنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنَ الزِّنا فَتُلْحِقَهُ بِهِ وتُوَرِّثَهُ مالَهُ، وإنَّما يُحْمَلُ قَوْلُ مَن رَخَّصَ في ذَلِكَ عَلى أنَّها تائِبَةٌ غَيْرُ مُقِيمَةٍ عَلى الزِّنا، ومِنَ الدَّلِيلِ عَلى أنَّ زِناها لا يُوجِبُ الفُرْقَةَ أنَّ اللَّهَ تَعالى حَكَمَ في القاذِفِ لِزَوْجَتِهِ بِاللِّعانِ ثُمَّ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُما، فَلَوْ كانَ وُجُودُ الزِّنا مِنها يُوجِبُ الفُرْقَةَ لَوَجَبَ إيقاعُ الفُرْقَةِ بِقَذْفِهِ إيّاها لاعْتِرافِهِ بِما يُوجِبُ الفُرْقَةَ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ أقَرَّ أنَّها أُخْتُهُ مِنَ الرَّضاعَةِ أوْ أنَّ أباهُ قَدْ كانَ وطِئَها لَوَقَعَتِ الفُرْقَةُ بِهَذا القَوْلِ ؟
فَإنْ قِيلَ: لَمّا حَكَمَ اللَّهُ تَعالى بِإيقاعِ الفُرْقَةِ بَعْدَ اللِّعانِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الزِّنا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، لَوْلا ذَلِكَ لَما وجَبَتِ الفُرْقَةُ بِاللِّعانِ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كانَ كَما ذَكَرْتَ لَوَجَبَتِ الفُرْقَةُ بِنَفْسِ القَذْفِ دُونَ اللِّعانِ، فَلَمّا لَمْ تَقَعْ بِالقَذْفِ دَلَّ عَلى فَسادِ ما ذَكَرْتَ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما وقَعَتِ الفُرْقَةُ بِاللِّعانِ؛ لِأنَّهُ صارَ بِمَنزِلَةِ الشَّهادَةِ عَلَيْها بِالزِّنا، فَلَمّا حُكِمَ عَلَيْها بِذَلِكَ حُكِمَ بِوُقُوعِ الفُرْقَةِ لِأجْلِ (p-١١٠)الزِّنا. قِيلَ لَهُ: وهَذا غَلَطٌ أيْضًا؛ لِأنَّ شَهادَةَ الزَّوْجِ وحْدَهُ عَلَيْها بِالزِّنا لا تُوجِبُ كَوْنَها زانِيَةً كَما أنَّ شَهادَتَها عَلَيْهِ بِالإكْذابِ لا تُوجِبُ عَلَيْهِ الحُكْمَ بِالكَذِبِ في قَذْفِهِ إيّاها؛ إذْ لَيْسَتْ إحْدى الشَّهادَتَيْنِ بِأوْلى مِنَ الأُخْرى، ولَوْ كانَ الزَّوْجُ مَحْكُومًا لَهُ بِقَبُولِ شَهادَتِهِ عَلَيْها بِالزِّنا لَوَجَبَ أنْ تُحَدَّ حَدَّ الزِّنا، فَلَمّا لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ دَلَّ عَلى أنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْها بِالزِّنا بِقَوْلِ الزَّوْجِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
{"ayah":"ٱلزَّانِی لَا یَنكِحُ إِلَّا زَانِیَةً أَوۡ مُشۡرِكَةࣰ وَٱلزَّانِیَةُ لَا یَنكِحُهَاۤ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكࣱۚ وَحُرِّمَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق