الباحث القرآني

﴿الزانِي لا يَنْكِحُ إلا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ﴾ أيِ الخَبِيثُ الَّذِي مِن شَأْنِهِ الزِنا لا يَرْغَبُ في نِكاحِ الصَوالِحِ مِنَ النِساءِ وإنَّما يَرْغَبُ في خَبِيثَةٍ مِن شَكْلِهِ أوْ في مُشْرِكَةٍ والخَبِيثَةُ المُسافِحَةُ كَذَلِكَ لا يَرْغَبُ في نِكاحِها الصُلَحاءُ مِنَ الرِجالِ وإنَّما يَرْغَبُ فِيها مَن هو مِن شَكْلِها مِنَ الفَسَقَةِ أوَ المُشْرَكِينَ، فالآيَةُ تَزْهِيدٌ في نِكاحِ البَغايا إذِ الزِنا عَدِيلُ الشِرْكِ في القُبْحِ والإيمانُ قَرِينُ العَفافِ والتَحَصُّنِ وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ ﴿الخَبِيثاتُ (p-٤٨٨)لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] وقِيلَ: كانَ نِكاحُ الزانِيَةِ مُحَرَّمًا في أوَّلِ الإسْلامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ ﴿وَأنْكِحُوا الأيامى مِنكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وقِيلَ المُرادُ بِالنِكاحِ الوَطْءُ، لِأنَّ غَيْرَ الزانِي يَسْتَقْذِرُ الزانِيَةَ ولا يَشْتَهِيها وهو صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلى قَوْلِكَ الزانِي لا يَزْنِي إلّا بِزانِيَةٍ والزانِيَةُ لا يَزْنِي بِها إلّا زانٍ، «وَسُئِلَ ﷺ عَمَّنْ زَنى بِامْرَأةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَها فَقالَ "أوَّلُهُ سِفاحٌ وآخِرُهُ نِكاحٌ" » ومَعْنى الجُمْلَةِ الأُولى: صِفَةُ الزانِي بِكَوْنِهِ غَيْرَ راغِبٍ في العَفائِفِ ولَكِنْ في الفَواجِرِ، ومَعْنى الثانِيَةِ صِفَةُ الزانِيَةِ بِكَوْنِها غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيها لِلْأعِفّاءِ ولَكِنْ لِلزُّناةِ وهُما مَعْنَيانِ مُخْتَلِفانِ، وقُدِّمَتِ الزانِيَةُ عَلى الزانِي أوَّلًا ثُمَّ قُدِّمَ عَلَيْها ثانِيًا، لِأنَّ تِلْكَ الآيَةَ سِيقَتْ لِعُقُوبَتِهِما عَلى ما جَنَيا، والمَرْأةُ هي المادَّةُ الَّتِي مِنها نَشَأتْ تِلْكَ الجِنايَةُ، لِأنَّها لَوْ لَمْ تُطْمِعِ الرَجُلَ ولَمْ تُومِضْ لَهُ ولَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ ولَمْ يَتَمَكَّنْ فَلَمّا كانَتْ أصْلًا في ذَلِكَ بُدِئَ بِذِكْرِها وأمّا الثانِيَةُ فَمَسُوقَةٌ لِذِكْرِ النِكاحِ والرَجُلُ أصْلٌ فِيهِ، لِأنَّهُ الخاطِبُ ومِنهُ بَدْءُ الطَلَبِ، وقُرِئَ "لا يَنْكِحْ" بِالجَزْمِ عَلى النَهْيِ، وفي المَرْفُوعِ أيْضًا مَعْنى النَهْيِ ولَكِنْ أبْلَغُ وآكَدُ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا عَلى مَعْنى أنَّ عادَتَهُما جارِيَةٌ عَلى ذَلِكَ، وعَلى المُؤْمِنِ أنْ لا يُدْخِلَ نَفْسَهُ تَحْتَ هَذِهِ العادَةِ ويَتَصَوَّنَ عَنْها ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ أيِ الزِنا أوْ نِكاحُ البَغايا لِقَصْدِ التَكَسُّبِ بِالزِنا أوْ لِما فِيهِ مِنَ التَشَبُّهِ بِالفُسّاقِ وحُضُورِ مَواقِعِ التُهْمَةِ والتَسَبُّبِ لِسُوءِ القالَةِ فِيهِ والغِيبَةِ ومُجالَسَةِ الخاطِئِينَ كَمْ فِيها مِنَ التَعَرُّضِ لِاقْتِرافِ الآثامِ؟ فَكَيْفَ بِمُزاوَجَةِ الزَوانِي والقِحابِ؟!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب