الباحث القرآني
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ١١﴾ - نزول الآيات، وبيان قصة الإفك
٥٢٥٢٣- عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله ﷺ إذا أراد أن يخرج سفرًا أقْرَع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمُها خرج بها رسول الله ﷺ معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله ﷺ بعد ما نزل الحجاب، فأنا أُحْمَل في هَوْدَجِي، وأنزل فيه، فسِرنا حتى إذا فرغ رسول الله ﷺ من غزوته تلك وقَفَلَ ودَنَوْنا من المدينة قافِلين آذَنَ ليلةً بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيشَ، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى رَحْلي، فإذا عِقْدٌ لي من جَزْع ظَفارٍ[[الجَزْع -بالفتح-: الخَرَز اليماني. النهاية (جزع). وظَفار: مدينة لحمير باليمن. النهاية (ظفر).]] قد انقطع، فالتمست عِقْدي، وحَبَسَني ابتغاؤه، وأقبل الرَّهْطُ الذين كانوا يُرَحِّلُون لي، فاحتملوا هَوْدَجي، فرَحَّلوه على بعيري الذي كنتُ ركبتُ، وهم يحسبون أنِّي فيه، وكان النساء إذ ذاك خِفافًا لم يثقلهن اللحمُ، إنما تأكل المرأة العُلْقَةَ[[العُلْقَة: ما يُتَبَلَّغ به. النهاية واللسان (علق).]] من الطعام، فلم يستنكر القومُ خِفَّةَ الهَوْدَج حين رفعوه، وكنت جاريةً حديثةَ السِّنِّ، فبعثوا الجمل، فساروا، فوجدت عِقْدي بعد ما اسْتَمَرَّ الجيشُ، فجئت منازلَهم، وليس بها داعٍ ولا مُجِيب، فأَمَمْتُ منزلي الذي كنتُ به، فظننتُ أنّهم سيفقدوني، فيرجعون إلَيَّ، فبينا أنا جالسةٌ في منزلي غَلَبَتْني عيني، فنِمْتُ، وكان صفوان بن المُعَطِّل السُّلَمي ثم الذَّكْوانِي مِن وراء الجيش، فأَدْلَجَ، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظتُ باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرْتُ وجهي بجلبابي، واللهِ، ما كَلَّمَنِي كلمةً، ولا سمعت منه كلمةً غيرَ استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوَطِىء على يدَيْها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلةَ حتى أتينا الجيشَ بعد ما نزلوا مُوغِرين في نَحْرِ الظَّهِيرَة، فهلك فِيَّ مَن هلك. وكان الذي تَوَلّى الإفكَ عبدُ الله بن أُبَيّ بن سَلُول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرًا، والناسُ يُفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبُني في وجعي أنِّي لا أعرف مِن رسول الله ﷺ اللُّطْفَ الذي كنت أرى منه حين أشتكى، إنّما يدخل عَلَيَّ، فيُسَلِّم، ثم يقول: «كيف تيكم؟». ثم ينصرف، فذاك الذي يَرِيبُني، ولا أشعر بالشرِّ حتى خرجت بعدما نَقَهْتُ[[نَقَهْتُ -بفتح القاف وقد تُكسر، والأول أشهر-: نَقِهَ المريضُ إذا برأ وأفاق، وكان قريب العهد بالمرض ولم يرجع إليه كمالُ صحَّتِه وقُوَّته. النهاية (نقه)، وفتح الباري لابن حجر ٨/٤٦٥.]]، وخرجت معي أمُّ مِسْطَح قِبَل المناصِع[[المناصِع: موضع خارج المدينة كنّ النساء يتبرزن فيه ليلًا. معجم البلدان ٥/٢٠٢.]]، وهي مُتَبَرَّزُنا، وكُنّا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتَّخِذ الكُنُف قريبًا مِن بيوتنا، وأَمْرُنا أمْرُ العربِ الأول في التَّبَرُّز قبل الغائط؛ فكُنّا نتأذى بالكُنُف أن نتَّخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمُّ مِسْطَح، فأقبلتُ أنا وأمُّ مسطح قِبَل بيتي قد فرغنا مِن شأننا، فعَثَرَت أمُّ مِسْطَح في مِرْطها[[المِرْط: كساء للنساء من الصُّوف أو الخزِّ أو غيرهما. النهاية (مرط).]]، فقالت: تَعِس مِسْطَحُ. فقلتُ لها: بِئْسَ ما قلتِ، أتسبين رجلًا شهد بدرًا؟! قالت: أيْ هَنَتاهُ، أوَلَمْ تسمعي ما قال؟ قلتُ: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددتُ مرضًا على مرضي، فلمّا رجعتُ إلى بيتي دَخَل عَلَيَّ رسولُ الله ﷺ، فسَلَّم، ثم قال: «كيف تيكم؟». فقلتُ: أتأذن لي أن آتي أبَوَيَّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر مِن قِبَلِهما. قالت: فأذِنَ لي رسولُ الله ﷺ، فجئتُ أبَوَيَّ، فقلتُ لأمي: يا أُمَّتاهُ، ما يتحدثُ الناسُ؟ قالت: يا بُنَيَّةُ، هَوِّني عليكِ، فواللهِ، لقَلَّما كانتِ امرأةٌ قَطُّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضَرائِرُ إلّا أكْثَرْن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناسُ بهذا؟! فبكيتُ تلك الليلةَ حتى أصبحتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحتُ أبكي. ودعا رسولُ الله ﷺ عليَّ بن أبي طالب وأسامةَ بن زيد حين اسْتَلْبَثَ الوحيُ، يَسْتَأْمِرُهما في فراق أهله، فأمّا أسامةُ فأشار على رسول الله ﷺ بالَّذي يعلم مِن براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه مِن الوُدِّ، فقال: يا رسول الله، أهلُك، ولا نعلم إلا خيرًا. وأما عليُّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله،لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساءُ سواها كثيرٌ، وإن تسأل الجاريةَ تصدُقْكَ. فدعا رسولُ الله ﷺ بَرِيرَةَ، فقال: «أيْ بريرةُ، هل رأيتِ شيئًا يَريبُكِ؟». قالت بريرةُ: لا، والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرًا أغْمِصُه أكثرَ مِن أنّها جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ، تنامُ عن عجين أهلها، فتأتي الدِّاجِنُ فتأكله. فقام رسول الله ﷺ، فاسْتَعْذَرَ يومئذٍ مِن عبد الله بن أُبَيٍّ، فقال وهو على المنبر: «يا معشرَ المسلمين، مَن يعذرني مِن رجل بلغني أذاهُ في أهل بيتي؟ فواللهِ، ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي». فقام سعدُ بن معاذ الأنصاريُّ، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان مِن الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا مِن الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرَك. فقام سعد بن عبادة -وهو سيِّدُ الخزرج، وكان قبلَ ذلك رجلًا صالحًا، ولكن احتملته الحَمِيَّةُ- فقال لسعد: كذبتَ، لَعَمْرُ اللهِ، ما تقتلُه، ولا تقدر على قتله. فقام أُسَيْد بن حُضَيْر، وهو ابنُ عمِّ سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبتَ، لَعَمْرُ الله، لنَقْتُلَنَّه، فإنّك مُنافِق تُجادِل عن المنافقين. فتَثاوَر الحيّانِ الأوسُ والخزرج، حتى همُّوا أن يقتتلوا، ورسولُ الله ﷺ قائِم على المنبر، فلم يزل رسولُ الله ﷺ يُخَفِّضهم حتى سكتوا وسَكَت. فمكثتُ يومي ذلك فلا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويومًا لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، وأبواي يظُنّانِ أنّ البكاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذَنَتْ عَلَيَّ امرأةٌ مِن الأنصار، فأذِنتُ لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسولُ الله ﷺ، ثم جلس، ولم يجلس عندي مُنذ قيل فِيَّ ما قيل قبلها، وقد لَبِث شهرًا لا يُوحى إليه في شأني بشيء، فتَشَهَّد حين جلس، ثم قال: «أمّا بعدُ، يا عائشة، فإنّه بلغني عنكِ كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة فسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وإن كنتِ ألْممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللهُ عليه». فلمّا قضى رسولُ الله ﷺ مقالتَه قَلَصَ دمعي حتى ما أُحِسُّ منه قطرةً، فقلتُ لأبي: أجِبْ عَنِّي رسولَ الله ﷺ. قال: واللهِ، ما أدري ما أقولُ لرسول الله ﷺ! فقلتُ لأمي: أجيبي عَنِّي رسولَ الله ﷺ. قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله ﷺ! فقلتُ وأنا جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ لا أقرأ كثيرًا مِن القرآن: إني -واللهِ- لقد علمتُ أنّكم سمعتُم هذا الحديثَ حتى اسْتَقَرَّ في أنفسكم، وصدَّقْتُم به، فلَئِن قلتُ لكم: إني بريئة. واللهُ يعلم أنِّي بريئة، لا تُصَدِّقوني، ولئن اعترفتُ لكم بأمرٍ، واللهُ يعلم أنِّي منه بريئة، لتُصَدِّقُنِّي، واللهِ، لا أجد لي ولكم مَثَلًا إلا قول أبي يوسف: ﴿فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون﴾ [يوسف:١٨]. ثم تَحَوَّلتُ، فاضطجعتُ على فراشي، وأنا حينئذ أعلمُ أنِّي بريئة، وأنّ الله مُبَرِّئي ببراءتي، ولكن -واللهِ- ما كنتُ أظُنَّ أنّ الله مُنزِلٌ في شأني وحيًا يُتْلى، ولَشأني في نفسي كان أحقرَ مِن أن يتكلم اللهُ فِيَّ بأمر يُتْلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسولُ الله ﷺ في النوم رؤيا يُبَرِّئني الله بها. قالت: فواللهِ، ما رام رسول الله ﷺ مجلسَه ولا خرج أحدٌ مِن أهل البيت حتى أُنزِل عليه، فأخذه ما كان يأخذه مِن البُرَحاء عند الوحي، حتى إنّه لَيَتَحَدَّر مِنه مِثْلُ الجُمانِ مِن العَرَق وهو في يوم شاتٍ، مِن ثِقَل القول الذي أُنزِل عليه، فلمّا سُرِّي عن رسول الله ﷺ سُرِّي عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: «أبشري، يا عائشة، أمّا اللهُ فقد برأك». فقالت أمي: قومي إليه. فقلت: واللهِ، لا أقوم إليه، ولا أحمدُ إلا اللهَ الذي أنزل براءتي. وأنزل الله: ﴿ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم﴾ العشرَ الآياتِ كلَّها. فلمّا أنزل الله هذا في براءتي٤٦٠٤ قال أبو بكر -وكان يُنفِق على مِسْطَح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: واللهِ، لا أُنفِق على مِسْطَح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله: ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين﴾ إلى قوله: ﴿رحيم﴾. قال أبو بكر: بلى، واللهِ، إنِّي أُحِبُّ أن يغفر الله لي. فرَجَع إلى مِسْطَحٍ النفقة التي كان يُنفِق عليه، وقال: واللهِ، لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة: فكان رسول الله ﷺ يسأل زينبَ ابنةَ جحش عن أمري، فقال: «يا زينبُ، ماذا علمتِ أو رأيتِ؟». فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرًا. قالت: وهي التي كانت تُسامِينِي مِن أزواج النبيِّ ﷺ، فعصمها اللهُ بالوَرَع، وطَفِقَتْ أختُها حَمْنَةُ تُحارِب لها؛ فهلكت فيمن هلك مِن أصحاب الإفك[[أخرجه البخاري ٣/١٧٣-١٧٦ (٢٦٦١)، ٥/١١٦-١٢٠ (٤١٤١)، ٦/١٠١-١٠٥ (٤٧٥٠)، ومسلم ٤/٢١٢٩-٢١٣٦ (٢٧٧٠)، وابن جرير ١٧/١٩٧-٢٠٤، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٣٩-٢٥٤٣ (١٤٢٠٦).]]. (١٠/٦٦٣)
٥٢٥٢٤- عن عائشة، قالت: لَمّا ذكر من شأني الذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله ﷺ فِيَّ خطيبًا، فتَشَهَّدَ، فحمِد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أمّا بعدُ، أشِيروا عَلَيَّ في أُناسٍ أبَنُوا[[أبْنَوا أهلي: اتَّهَموها. النهاية (أبَنَ).]] أهلي، وأيْمُ اللهِ، ما علمتُ على أهلي مِن سوء، وأبَنُوهم بِمَن -واللهِ- ما علمتُ عليه مِن سوء قطُّ، ولا يدخل بيتيَ قطُّ إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي». فقام سعدُ بن معاذ، فقال: ائذن لي -يا رسول الله- أن أضرب أعناقهم. وقام رجلٌ مِن بني الخزرج -وكانت أم حسان بن ثابت مِن رهط ذلك الرجل-، فقال: كذبتَ، أما -واللهِ- أن لو كانوا مِن الأوس ما أحببتَ أن تضرب أعناقهم. حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرٌّ في المسجد، وما علمت، فلمّا كان مساء ذلك اليوم خرجتُ لبعض حاجتي، ومعي أُمُّ مِسْطَح، فعثَرتْ، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فقلت: أي أُمّ، تَسُبِّين ابنَك؟! فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فقلتُ لها: أيْ أم، تسبين ابنكِ؟! ثم عثرت الثالثة، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فانتَهَرْتُها، فقالت: واللهِ، لم أسُبَّه إلا فيكِ. فقلت: فِيَّ؛ أي شأني؟! فبَقَرَت لي الحديث، فقلتُ: وقد كان هذا؟! قالت: نعم، والله. فرجعت إلى بيتي كأنّ الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا، ووعكت، فقلتُ لرسول الله ﷺ: أرسِلْني إلى بيت أبي. فأرسل معي الغلام، فدخلت الدارَ، فوجدت أمَّ رَوْمان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك، يا بنية؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مِنِّي، فقالت: يا بُنَيَّة، خفضي عليك الشأن، فإنّه -واللهِ- لقَلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حَسَدْنها، وقيل فيها. قلت: وقد علم به أبي؟ فقالت: نعم. قلت: ورسول الله ﷺ؟ قالت: نعم. فاسْتَعْبَرْتُ وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكِر مِن شأنها. ففاضت عيناه، فقال: أقسمتُ عليك -أي بنية- إلا رجعتِ إلى بيتك. فرجعتُ. ولقد جاء رسول الله ﷺ بيتي، فسأل عني خادمي، فقالت: لا، واللهِ، ما علمتُ عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاةُ فتأكلُ خميرَها أو عجينها. وانتهرها بعضُ أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله ﷺ. حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله! ما علمتُ عليها إلا ما يعلم الصائِغُ على تِبْرِ الذهب الأحمر. وبلغ الأمرُ إلى ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله! واللهِ، ما كشفتُ كَنَف أُنثى قَطُّ. قالت عائشة: فقُتِل شهيدًا في سبيل الله. قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل عَلَيَّ رسولُ الله ﷺ وقد صَلّى العصرَ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعدُ، يا عائشة، إن كنتِ قارفتِ سوءًا أو ظلمتِ فتوبي إلى الله؛ فإنّ الله يقبل التوبة عن عباده». قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي مِن هذه المرأة أن تذكر شيئًا؟! فوعظ رسولُ الله ﷺ، فالتفتُّ إلى أبي، فقلتُ: أجبه. قال: ماذا أقول؟ فالتفتُّ إلى أمي، فقلتُ: أجيبيه. قالت: أقول ماذا؟ فلمّا [لم] يجيباه تشهدتُ، فحمدت الله، وأثنيت عليه، ثم قلت: أما بعد، فواللهِ، لئن قلتُ لكم: إني لم أفعل. واللهُ يشهد إني لصادقة؛ ما ذاك بنافعي عندكم، وقد تكلمتُم به، وأُشْرِبَتْه قلوبُكم، وإن قلت: إني فعلت. واللهُ يعلم أني لم أفعل؛ لَتَقُولُنَّ: قد باءت به على نفسها. وإني -واللهِ- ما أجد لي ولكم مثلًا -والتَمَسْتُ اسم يعقوب فلم أقدر عليه- إلا أبا يوسف حين قال: ﴿فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون﴾ [يوسف:١٨]. وأُنزِل على رسول الله ﷺ مِن ساعته، فسكتنا، فرُفِع عنه وإنِّي لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه، ويقول: «أبشري، يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك». قالت: وقد كنت أشدَّ مِمّا كنتُ غضبًا، فقال لي أبواي: قومي إليه. فقلت: واللهِ، لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غَيَّرتموه. وكانت عائشةُ تقول: أمّا زينب ابنة جحش فعصمها الله لدينها؛ فلم تقل إلا خيرًا، وأما أختها حَمْنَة فهلكت في مَن هلك. وكان الذي تَكَلَّم فيه مسطح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد الله بن أُبَيّ، وهو الذي كان يَسْتَوْشِيهِ[[يَسْتَوْشِيه: يستخرج الحديث بالبحث عنه. النهاية (وشا).]] ويجمعه، وهو الذي كان تَوَلّى كبره منهم هو وحَمْنَة. قال: فحلف أبو بكر ألّا ينفع مِسْطَحًا بنافعةٍ أبدًا؛ فأنزل الله: ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم﴾ يعني: أبا بكر، ﴿والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين﴾ يعني: مسطحًا. إلى قوله: ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ قال أبو بكر: بلى، يا ربنا، إنّا لَنُحِبُّ أن تغفر لنا. وعاد له بما كان يصنع[[أخرجه البخاري ٩/١١٣-١١٤ (٧٣٧٠) مختصرًا، ومعلقًا في ٦/١٠٧-١٠٩ (٤٧٥٧). وأخرجه بهذا السياق الترمذي ٥/٣٩٨-٤٠٢ (٣٤٥٤)، وابن جرير ١٧/٢٠٦-٢٠٩. قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن عروة».]]. (١٠/٦٧٣)
٥٢٥٢٥- عن أم رَوْمان، قالت: بينا أنا عند عائشة إذ دخلت عليها امرأةٌ من الأنصار، فقالت: فعل الله بابنها وفعل. فقالت عائشة: ولِم؟ قالت: إنّه كان في مَن حدَّث الحديث. قالت عائشة: وأيُّ حديث؟ قالت: كذا وكذا. قلت: وقد بلغ ذاك رسولَ الله ﷺ؟ قالت: نعم. قلت: وأبا بكر؟ قالت: نعم. فخَرَّتْ عائشةُ مغشِيًّا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حُمًّى بنافِضٍ[[بنافِضٍ: برعدةٍ شديدةٍ، كأنها نفضتها: أي: حرّكتها. النهاية (نفض).]]، فقُمْتُ، فدَثَّرْتُها، وجاء النبيُّ ﷺ، فقال: «ما شأنُ هذه؟». قلتُ: يا رسول الله، أخذتها حُمًّى بنافِض. قال: «فلعلَّه مِن حديث تُحُدِّث به؟». قالت: واستوت عائشةُ قاعدةً، فقالت: واللهِ، لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه: ﴿والله المستعان على ما تصفون﴾ [يوسف:١٨]. وخرج رسول الله ﷺ، فأنزل الله عذرها، فرجع رسول الله ﷺ معه أبو بكر، فدخل، فقال: «يا عائشة، إنّ الله قد أنزل عُذرَكِ». فقالت: بحمد الله لا بحمدك. فقال لها أبو بكر: أتقولين هذا لرسول الله ﷺ؟! قالت: نعم. قالت: وكان في مَن حَدَّث الحديث رجلٌ كان يَعُولُه أبو بكر، فحلف أبو بكر: أن لا يَصِلَه. فأنزل الله: ﴿ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة﴾ إلى آخر الآية. قال أبو بكر: بلى. فوصله[[أخرجه البخاري ٤/١٥٠ (٣٣٨٨)، ٥/١٢٠-١٢١ (٤١٤٣)، ٦/٧٦-٧٧ (٤٦٩١)، ٦/١٠٥ (٤٧٥١)، وأحمد ٤٤/٦٢٩-٦٣١ (٢٧٠٧١) بتمامه.]]. (١٠/٦٧٤)
٥٢٥٢٦- عن أبي هريرة، قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا أراد سفرًا أقْرَعَ بين نسائه، فأصاب عائشةَ القرعةُ في غزوة بني المُصْطَلِق، فلمّا كان في جوف الليل انطلقت عائشةُ لحاجتها، فانْحَلَّت قِلادتها، فذهبتُ في طلبها، وكان مِسْطَحُ يتيمًا لأبي بكر وفي عياله، فلمّا رجعت عائشة لم تَرَ العسكر، وكان صفوان بن المُعَطِّل السُّلَمِي يَتَخَلَّف عن الناس، فيصيب القدح والجراب والإداوَة فيحمله، فنظر فإذا عائشةُ، فغطّى وجهَه عنها، ثم أدنى بعيره منها، فانتهى إلى العسكر، فقالوا قولًا، وقالوا فيه، قال ... ثم ذكر الحديث حتى انتهى: وكان رسولُ الله ﷺ يجيء، فيقوم على الباب، فيقول: «كيف تِيكم؟». حتى جاء يومًا، فقال: «أبْشِري، يا عائشة، قد أنزل اللهُ عُذْرَكِ». فقالت: بحمد اللهِ، لا بحمدكَ. وأنزل في ذلك عشر آيات: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، فحَدَّ رسول الله ﷺ مِسْطَحًا، وحَمْنَة، وحسّان[[أخرجه البزار (٢٦٦٣ - كشف). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/٢٤٠: «رواه البزار، وفيه محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات».]]. (١٠/٦٧٥)
٥٢٥٢٧- عن عبد الله بن عباس: أنّ النبي ﷺ كان إذا سافر جاء ببعض نسائه، وسافر بعائشة، وكان لها هَوْدَج، وكان الهَوْدَج له رجالٌ يحملونه ويضعونه، فعَرَّسَ رسولُ الله ﷺ وأصحابُه، وخرجت عائشةُ للحاجة، فباعَدَتْ، فلم يعلم بها، فاستيقظ النبيُّ ﷺ، والناسُ قد ارتحلوا، وجاء الذين يحملون الهودجَ، فحملوه، لا يعلموا إلا أنها فيه، فساروا، وأقبلت عائشةُ، فوجدت النبيَّ ﷺ والناسَ قد ارتحلوا، فجلست مكانها، فاستيقظ رجلٌ مِن الأنصار يُقال له: صفوان بن مُعَطِّل، وكان لا يقرب النساء، فتقرَّب منها ومعه بعيرٌ له، فلمّا رآها -وكان قد عرفها وهي صغيرة- قال: أُمُّ المؤمنين! ولَوى وجهَه، وحملها، ثم أخذ بخِطام الجمل، وأقبل يقوده حتى لحق الناسَ، والنبيُّ ﷺ قد نزل وفَقَد عائشة، فأكثروا القولَ، وبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فشَقَّ عليه حتى اعتزلها، واستشار فيها زيدَ بن ثابت وغيرَه، فقال: يا رسول الله، دعها، لعلَّ الله أن يُحْدِث لك فيها. فقال علي بن أبي طالب: النساءُ كثير. وخرجت عائشةُ ليلةً تمشي في نساء، فعثرت أمُّ مِسْطَح، فقالت: تَعِسَ مِسْطَح. قالت عائشة: بِئْس ما قلتِ. فقالت: إنّكِ لا تدري ما يقول. فأخبرتها، فسقطت عائشةُ مغشيًّا عليها، ثم أنزل الله: ﴿إن الذين جاءوا بالافك﴾ الآيات. وكان أبو بكر يُعطِي مِسطحًا ويَصِلُه ويَبَرُّه، فحلف أبو بكر لا يعطيه؛ فنزل: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم﴾ الآية، فأمره النبيُّ ﷺ أن يأتيها ويبشرها، فجاء أبو بكر فأخبرها بعُذْرِها وما أنزل الله فيها، فقالت: لا بحمدك، ولا بحمد صاحبك[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٢٣ (١٦٢). قال الهيثمي في المجمع ٩/٢٣٦-٢٣٧ (١٥٢٩٩): «وفيه إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك».]]. (١٠/٦٧٦)
٥٢٥٢٨- عن ابن عمر، قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أراد سفرًا أقْرَع بين نسائه ثلاثًا، فمَن أصابته القُرْعَة خرج بها معه، فلمّا غزا بني المُصْطَلِق أقرَعَ بينهنَّ، فأصابت عائشةَ وأمَّ سلمة، فخرج بهما معه، فلمّا كانوا في بعض الطريق مال رحل أمِّ سلمة، فأناخوا بعيرَها لِيُصْلِحوا رحلها، وكانت عائشة تريد قضاء حاجة، فلمّا أبركوا إبلهم قالت عائشة: فقلت في نفسي: إلى ما يصلح رحل أم سلمة أقضي حاجتي. قالت: فنزلت مِن الهَوْدَج، ولم يعلموا بنزولي، فأتيت جَوْبَةً[[الجَوْبَة: الحُفْرة المسْتَديرة الواسِعَةُ. النهاية (جوب).]]، فانقطعت قلادتي، فاحتبست في جمعها ونِظامها، وبعث القومُ إبلهم، ومضوا، وظنوا أنِّي في الهودج، فخرجت ولم أرَ أحدًا، فاتبعتهم حتى أعييت، فقلت في نفسي: إنّ القوم سيفقدوني، فيرجعون في طلبي. فقُمتُ على بعض الطريق، فمر بي صفوان بن المُعَطِّل، وكان سأل النبيَّ ﷺ أن يجعله على السّاقَةِ، فجعله، وكان إذا رحل الناسُ قام يُصَلِّي، ثُمَّ اتَّبَعَهُم، فما سقط منهم مِن شيء حمله حتى يأتي به أصحابَه، قالت عائشة: فلمّا مَرَّ بي ظَنَّ أني رجل، فقال: يا نَوْمانُ، قُمْ؛ فإنّ الناس قد مضوا. فقلت: إني لست رجلًا، أنا عائشة. قال: إنّا لله وإنا اليه راجعون. ثم أناخ بعيرَه، فعقل يديه، ثم ولّى عَنِّي، فقال: يا أُمَّه، قومي فاركبي، فإذا ركبتُ فآذِنيني. قالت: فركبتُ، فجاء حتى حَلَّ العِقال، ثم بعث جمله، فأخذ بخِطام الجمل. قال ابن عمر: فما كلَّمها كلامًا حتى أتى بها رسولَ الله ﷺ، فقال عبد الله بن أبي بن سلول المنافق: فَجَرَ بِها، وربِّ الكعبة. وأعانه على ذلك حسّان بن ثابت، ومِسْطَح بن أثاثة، وحَمْنَةُ، وشاع ذلك في العسكر، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فكان في قلب النبي ﷺ مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة، وأشاع عبدُ الله بن أُبَيٍّ هذا الحديثَ في المدينة، واشْتَدَّ ذلك على رسول الله ﷺ. قالت عائشةُ: فدخلتْ ذاتَ يومٍ أمُّ مِسْطَح، فرأتني وأنا أريد المذهب، فحملت معي السَّطْلَ وفيه ماءٌ، فوقع السطل منها، فقالت: تَعِس مِسْطَح. قالت لها عائشة: سبحان الله! تَسُبِّين رجلًا مِن أهل بدر، وهو ابنُكِ؟ قالت لها أم مسطح: إنّه سال بكِ السَّيْلُ وأنتِ لا تدرين! وأخبَرَتْها بالخبر. قالت: فلمّا أخبرتني أخذتني الحُمّى، فتَقَلَّص ما كان، ولم أجد المذهب. قالت عائشة: وقد كنت أرى مِن النبي ﷺ قبل ذلك جفوةً، ولم أدرِ مِن أيِّ شيء هو، فلما حدثتني أمُّ مِسْطَحٍ علمتُ أنّ جفوةَ رسول الله ﷺ كانت لِما أخبرتني أمُّ مسطح، فقلتُ للنبيِّ ﷺ: أتأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟ قال: «اذهبي». فخرجت عائشةُ حتى أتت أباها، فقال لها: ما لكِ؟ قلت: أخرجني رسول الله ﷺ مِن بيته. قال لها أبو بكر: فأخرجك رسول الله ﷺ من بيته وآويك أنا؟! واللهِ، لا آويك حتى يأمر رسول الله ﷺ. فأمره رسولُ الله ﷺ أن يؤويها، فقال لها أبو بكر: واللهِ، ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط، فكيف وقد أعزَّنا اللهُ بالإسلام؟ فبَكَتْ عائشةُ، وأمُّها أمُّ رَومان، وأبو بكر، وعبد الرحمن، وبكى معهم أهل الدار، وبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فصعد المنبر، فحَمِد الله، وأثنى عليه، فقال: «أيها الناسُ، مَن يعذرني مِمَّن يؤذيني؟». فقام إليه سعد بن معاذ، فسَلَّ سيفَه، وقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن يكن مِن الأوسِ أتيتُك برأسه، وإن يكن مِن الخزرج أمرتَنا بأمرك فيه. فقام سعدُ بن عبادة، فقال: كذبتَ، واللهِ، ما تقدر على قتله، إنّما طلبتنا بذُحُولٍ[[ذُحُول: جمع ذَحْل، وهو الثأْر. وقيل: طَلب مكافأَة بِجِناية جُنِيَت عليك أو عداوة أُتِيَت إليك. وقيل: هو العداوة والحقد. اللسان (ذحل).]] كانت بيننا وبينكم في الجاهلية. فقال هذا: قال الأوس. وقال هذا: قال الخزرج. فاضطربوا بالنِّعال والحجارة، وتلاطموا، فقام أسيد بن حُضَير، فقال: فيمَ الكلام؟ هذا رسول الله يأمرنا بأمره، فينفُذُ عن رغم أنف مَن رغِم. ونزل جبريلُ وهو على المنبر، فلمّا سُرِّي عنه تلا عليهم ما نزل به جبريل: ﴿وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات:٩] إلى آخر الآيات. فصاح الناس: رضينا بما أنزل الله. وقام بعضُهم إلى بعض، فتلازموا، وتصايحوا، فنزل النبيُّ ﷺ عن المنبر، وانتظر الوحيُ في عائشة، فبعث النبيُّ ﷺ إلى علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وبريرة، وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يَعْدُ عَلِيًّا، وأسامةَ بعد موت أبيه زيد. فقال لعلي: «ما تقول في عائشة؟ فقد أهمني ما قال الناس». قال: يا رسول الله، قد قال الناس، وقد حلَّ لك طلاقُها. وقال لأسامة: «ما تقول أنت؟». قال: سبحان الله! ما يَحِلُّ لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم. فقال لبريرة: «ما تقولين، يا بريرة؟». قالت: واللهِ، يا رسول الله، ما علِمْتُ على أهلِكَ إلا خيرًا، إلا أنها امرأة نَؤُوم، تنام حتى تجيءَ الدّاجِنُ فتأكل عجينها، وإن كان شيءٌ مِن هذا ليخبرنك اللهُ. فخرج ﷺ حتى أتى منزلَ أبي بكر، فدخل عليها، فقال لها: «يا عائشة، إن كنتِ فعلتِ هذا الأمرَ فقولي لي حتى أستغفرَ اللهَ لكِ». فقالت: واللهِ، لا أستغفر الله منه أبدًا، إن كنتُ قد فعلتُه فلا غَفَرَ الله لي، وما أجد مَثَلي ومَثَلُكم إلا مَثَلَ أبي يوسف -وذهب اسم يعقوب مِن الأسف-، قال: ﴿انما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ [يوسف:٨٦]. فبينا رسول الله ﷺ يُكَلِّمها إذ نزل جبريلُ بالوحي، فأخذتِ النبيَّ ﷺ نعسةٌ، فسُرِّي وهو يتبسم، فقال: «يا عائشةُ، إنّ الله قد أنزل عذركِ». فقالت: بحمد الله، لا بحمدك. فتلا عليها سورةَ النور إلى الموضع الذي انتهى خبرُها وعذرُها وبراءتُها، فقال رسول الله ﷺ: «قُومي إلى البيت». فقامت، وخرج رسول الله ﷺ إلى المسجد، فدعا أبا عبيدة بن الجراح، فجمع الناس، ثم تلا عليهم ما أنزل الله من البراءة لعائشة، وبعث إلى عبد الله بن أُبَيٍّ، فجيء به، فضربه النبيُّ ﷺ حَدَّيْن، وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة، فضُرِبوا ضربًا وجيعًا، ووَجَأَ[[الوَجْءُ: اللَّكْزُ. ووَجَأَه باليَدِ والسِّكِّينِ وجْأً: ضَربَه. ووَجَأَ في عُنُقِه كذلك. اللسان (وجأ).]] في رقابهم. قال ابن عمر: إنّما ضرب رسولُ الله ﷺ عبد الله بن أُبَيٍّ حَدَّيْن؛ لأنّه مَن قذف أزواج النبي ﷺ فعليه حَدّان. فبعث أبو بكر إلى مِسْطَح: لا وصَلْتُك بدرهمٍ أبدًا، ولا عطفتُ عليك بخير أبدًا. ثم طرده أبو بكر، وأخرجه من منزله، فنزل القرآن: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم﴾ إلى آخر الآية. فقال أبو بكر: أما إذ نزل القرآن يأمرني فيك لأُضاعِفَنَّ لك. وكانت امرأة عبد الله بن أُبَيٍّ مُنافقة معه؛ فنزل القرآن: ﴿الخبيثات﴾ يعني: امرأة عبد الله ﴿للخبيثين﴾ يعني: عبد الله، ﴿والخبيثون للخبيثات﴾ يعني: عبد الله وامرأته، ﴿والطيبات﴾ يعني: عائشة وأزواج النبي ﷺ ﴿للطيبين﴾ يعني: النبي ﷺ[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٢٥-١٢٨ (١٦٤). قال الهيثمي في المجمع ٩/٢٣٧-٢٤٠ (١٥٣٠٠): «وفيه إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، وهو كذاب».]]٤٦٠٥. (١٠/٦٧٦)
٥٢٥٢٩- عن أبي اليَسَر الأنصاري، أنّ النبيَّ ﷺ قال لعائشة: «يا عائشةُ، قد أنزل اللهُ عذرَكِ». قالت: بحمد الله، لا بحمدك. فخرج رسول الله ﷺ من عند عائشة، فبعث إلى عبد الله بن أُبَيٍّ، فضربه حَدَّيْن، وبعث إلى مسطح وحمنة فضربهم[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٢٤ (١٦٣). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال الهيثمي في المجمع ٦/٢٧٩-٢٨٠ (١٠٦٨٣): «وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذاب».]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٣٠- عن عائشة -من طريق عمرة- قالت: لَمّا نزل عُذري قام رسولُ الله ﷺ على المِنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمَر برجلين وامرأة، فضُرِبوا حَدَّهُم[[أخرجه أحمد ٤٠/٧٦-٧٧ (٢٤٠٦٦)، وابن ماجه ٣/٥٩٩ (٢٥٦٧)، وأبو داود ٦/٥٢٣-٥٢٤ (٤٤٧٤)، والترمذي ٥/٤٠٣ (٣٤٥٥). قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق».]]. (١٠/٦٩٣)
٥٢٥٣١- عن عائشة -من طريق الأسود- قالت: أنزل الله عذري، وكادتِ الأُمَّة تهلك في سَبَبِي، فلمّا سُرِّيَ عن رسول الله ﷺ وعَرَج الملَكُ قال رسول الله ﷺ لأَبي: «اذهب إلى ابنتك، فأخبِرها أنّ الله قد أنزل عُذْرَها مِن السماء». قالت: فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر، فقال: أبشِري، يا بنية، بأبي وأمي؛ فإنّ الله قد أنزل عذركِ. قلتُ: بحمد الله، لا بحمدك، ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك. ثم دخل رسول الله ﷺ، فتناول ذراعي، فقلت بيده هكذا، فأخذ أبو بكر النَّعْلَ ليعلوني بها، فمَنَعَتْهُ أُمِّي، فضحك رسول الله ﷺ، فقال: «أقسمتُ لا تفعل»[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١١٨-١١٩ (١٥٣) بنحوه مطولًا. قال الهيثمي في المجمع ٩/٢٣٠-٢٣١ (١٥٢٩٧): «فيه أبو سعد البقال، فيه ضعف وقد وُثِّق».]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٣٢- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- قال: نزلت ثمان عشرة آية متواليات بتكذيب مَن قذف عائشة، وببراءتها، ويُؤَدِّب فيها المؤمنين[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٣-٢٥٤٤.]]. (١٠/٦٩٢)
٥٢٥٣٣- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: جلد النبيُّ ﷺ حَسّان بن ثابت، وعبد الله بن أُبَيّ، ومِسْطَح، وحمنةُ بنتُ جَحْش، كلُّ واحد منهم ثمانين جلدة في قذف عائشة، ثم تابوا من بعد ذلك، غير عبد الله بن أُبَيٍّ رأس المنافقين، مات على نفاقه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٥٨، والطبراني في الكبير ٢٣/١٥٢ (٢٢٨) مرسلًا.]]. (ز)
٥٢٥٣٤- عن الحكم بن عتيبة، قال: لَمّا خاض الناسُ في أمر عائشةَ أرسل رسولُ الله ﷺ إلى عائشة، فقال: «يا عائشةُ، ما يقول الناس؟». فقالت: لا أعتذر مِن شيء قالوه حتى ينزل عذري من السماء. فأنزل الله فيها خمس عشرة آية من سورة النور، ثم قرأ حتى بلغ: ﴿الخبيثات للخبيثين﴾[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٦٠ (٢٥١). قال الهيثمي في المجمع ٧/٨١-٨٢ (١١٢٢٤): «رواه الطبراني مرسلًا، ورجاله رجال الصحيح؛ إن كان سليمان المبهم سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، والظاهر أنه هو». وقال السيوطي في لباب النقول ص١٤٣: «مرسل، صحيح الإسناد».]]٤٦٠٦. (١٠/٦٩١)
٥٢٥٣٥- عن ابن عون، قال: كان ابنُ سيرين رُبَّما ذكر أمَّ المؤمنين، فيقول: نزل فيها عشر آيات. ثم قرأ: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم...﴾[[أخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٤٤٤.]]. (ز)
٥٢٥٣٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالإفْكِ﴾ يعني: بالكذب ﴿عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾، وذلك أنّ النبي ﷺ انطلق غازِيًا، وانطلقتْ معه عائشةُ بنت أبي بكر زوجُ النبيِّ ﷺ، ومع النبي ﷺ يومئذ رفيق له يُقال له: صفوان بن مُعَطِّل، مِن بني سليم، وكان النبيُّ ﷺ إذا سار ليلًا مكث صفوان في مكانه حتى يُصبِح، فإن سقط مِن المسلمين شيء مِن متاعهم حمله إلى العَسْكَر، فعرفه، فإذا جاء صاحِبُه دفعه إليه. وأنّ عائشة ﵂ لَمّا نُودِي بالرحيل ذاتَ ليلة ركبت الرَّحل، فدخلتْ هَوْدَجَها، ثم ذكرت حُلِيًّا كان لها نسيته في المنزل، فنزلت لتأخذ الحُلِيَّ، ولا يشعرُ بها صاحبُ البعير، فانبعث، فسار مع المعسكر، فلما وجدت عائشةُ -رضى الله عنها- حليها، وكان جَزْعًا ظَفاريًّا، لا ذهب فيه، ولا فضة، ولا جوهر، فإذا البعير قد ذهب، فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل، ثم سار في إثْر النبي ﷺ وأصحابه، فإذا هو بعائشة ﵂ قد غَطَّت وجهها تبكي، فقال صفوان: مَن هذا؟ فقالت: أنا عائشة. فاسْتَرْجَع، ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنُكِ، يا أُمِّ المؤمنين؟ فحدَّثَتْه بأمر الحُلِيِّ، فحملها على بعيره، ونزل النبيُّ ﷺ، ففقد عائشة، فلم يجدها، فلبثوا ما شاء الله، ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أُبَيٍّ، وحسّان بن ثابت، ومِسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وحَمْنَة بنت جَحْش أخت عبد الله بن جحش الأسدي[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٧.]]. (ز)
٥٢٥٣٧- عن مقاتل بن حيان، نحوه، وفيه: أنّ النبي ﷺ لَمّا بلغه قولُ أهل الإفك -وكان شديد الغيرة- قال: «لا تدخلُ عائشةُ رحلي». فخرجت تبكي حتى أتت أباها، فقال: أنا أحقُّ أن أُخْرِجَكِ. فانطلقت تجول لا يُؤويها أحدٌ حتى أنزل الله عُذرَها. وفيه أيضًا: فنزلت ثماني عشرة آية متوالية كَذَّبَتْ مَن قذف عائشة: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا﴾ إلى قوله: ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[[أخرجه الحاكم في الإكليل -كما في الفتح لابن حجر ٨/٤٦٣-٤٦٥-. عقَّب ابن حجر على الأثر بقوله: «وإنما ذكرته مع ظهور نكارته لإيراد الحاكم له في الإكليل، وتبعه بعض مَن تأخر غير متأمل؛ لما فيه من النكارة والمخالفة للحديث الصحيح من عدة أوجه، فهو باطل».]]. (ز)
٥٢٥٣٨- قال مقاتل بن سليمان: ... ضرب النبيُّ ﷺ عبد الله بن أُبَيّ، وحسان بن ثابت، ومسطح، وحمنة بنت جحش، كل واحد منهم ثمانين في قذف عائشة[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٩٣.]]. (ز)
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ١١﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٥٢٥٣٩- عن عائشة -من طرقٍ- قالت: واللهِ، ما كنتُ أرجو أن ينزل فِيَّ كتابُ الله، ولا أطمع فيه، ولكني كنت أرجو أن يرى رسولُ الله ﷺ رؤيا، فيذهبُ ما في نفسه، وقد سأل الجاريةَ الحبشيةَ، فقالت: واللهِ، لعائشة أطيب مِن طيب الذهب، ولكنها ترقد حتى تدخل الشاةُ فتأكل عجينها، واللهِ، لئن كان ما يقول الناسُ حقًّا ليخبرنَّك اللهُ. فعجب الناسُ مِن فقهها[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٧-٢٠٤ مطولًا، وابن مردويه -كما في فتح الباري ٨/٤٥٦-.]]. (١٠/٦٩١)
٥٢٥٤٠- عن عائشة، قالت: لَمّا رُمِيتُ بما رُمِيت به هممتُ أن آتي قَلِيبًا فأطرحَ نفسي فيه[[أخرجه البزار (٢٦٦٤ - كشف)، والطبراني ٢٣/١٢١، وفي الأوسط (٥٨٢)، وابن مردويه -كما في فتح الباري ٨/٤٥٦-.]]. (١٠/٦٩٢)
٥٢٥٤١- عن عائشة: أنّه لَمّا نزل عذرها قَبَّلَ أبو بكر رأسها، فقالت: ألا عذرتني؟ فقال: أيُّ سماء تُظِلُّني، وأيُّ أرض تُقِلُّني؛ إن قلتُ ما لا أعلم[[أخرجه البزار (٢٦٦٥ - كشف).]]. (١٠/٦٩٢)
٥٢٥٤٢- عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: تفاخرت عائشةُ وزينب، فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي. وقالت عائشة: وأنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المُعَطِّل. فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. قالت: قُلتِ كلمة المؤمنين[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٤-١٩٥.]]. (١٠/٦٩٣)
٥٢٥٤٣- عن عبد الله بن عباس: أنّه دخل على عائشة قبل موتها، وهي مَغْلُوبة[[مَغْلُوبة: شَدِيدَة الوجع، قد غلبها المرض، أي: أضعفها عن التَّصَرُّف. تفسير غريب ما في الصحيحين للميورقي ص١٦٢.]]، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخيرٍ إن اتقيتُ. قال: فأنت بخير؛ زوج رسول الله ﷺ، ولم ينكح بِكرًا غيرك، ونزل عذرك من السماء[[أخرجه البخاري (٤٧٥٣، ٤٧٥٤). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١٠/٦٩٣)
٥٢٥٤٤- عن عائشة، قالت: خِلالٌ لي تِسعٌ لم تكن لأحدٍ إلا ما آتى الله مريمَ: جاء الملَك بصورتي إلى رسول الله ﷺ، وتزوجني وأنا ابنة سبع سنين، وأُهديت اليه وأنا ابنة تسع، وتزوجني بِكْرًا، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت مِن أحبِّ الناس إليه، ونزل فِيَّ آياتٌ مِن القرآن كادت الأمةُ تهلك فيها، ورأيت جبريلَ ولم يره أحدٌ مِن نسائه غيري، وقُبِض في بيتي لم يَلِه أحدٌ غير الملَك إلا أنا[[أخرجه الحاكم ٤/١٠.]]. (١٠/٦٩٣)
٥٢٥٤٥- عن عائشة، قالت: فُضِّلتُ على نساء النبي ﷺ بعشرٍ. قيل: ما هُنَّ، يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بِكْرًا قطُّ غيري، ولم ينكح امرأةً أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي مِن السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وقال: تَزَوَّجْها؛ فإنّها امرأتك. وكنت أغتسل أنا وهو مِن إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحدٍ مِن نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد مِن نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحيُ وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقَبض الله نفسَه وهو بين سَحْري[[السَّحْر: أعلى الصدر. النهاية (سحر).]] ونَحْري، ومات في الليلة التي كان يدور عَلَيَّ فيها، ودُفِن في بيتي[[أخرجه ابن سعد ٨/٦٣-٦٤.]]. (١٠/٦٩٤)
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ١١﴾ - تفسير آيات قصة الإفك مجموعة
٥٢٥٤٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج عن عطاء، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك-: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾ يريد: إنّ الذين جاءوا بالكذب على عائشة أم المؤمنين أربعة منكم، ﴿لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم﴾ يريد: خيرًا لرسول الله ﷺ، وبراءة لسيدة نساء المؤمنين، وخيرًا لأبي بكر، وأم عائشة، وصفوان بن المعطل، ﴿لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره﴾ يريد: إشاعتَه ﴿منهم﴾ يريد: عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، ﴿له عذاب عظيم﴾ يريد: في الدنيا؛ جلده رسول الله ﷺ ثمانين، وفي الآخرة مصيره إلى النار، ﴿لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا أفك مبين﴾ وذلك أنّ رسول الله ﷺ استشار فيها أسامةَ وبريرةَ وأزواجَ النبي ﷺ، فقالوا خيرًا، وقالوا: هذا كذب عظيم، ﴿لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء﴾ لكانوا هم والذين شهدوا كاذبين، ﴿فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون﴾ يريد: الكذب بعينه، ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ يريد: فلولا ما منَّ الله به عليكم وستركم ... ﴿هذا بهتان عظيم﴾ يريد [بالبهتان]: الافتراء، مثل قوله في مريم: ﴿بهتانا عظيما﴾ [النساء:١٥٦]، ﴿يعظكم الله أن تعودوا لمثله﴾ يريد: مسطحًا، وحمنة، وحسان، ﴿ويبين الله لكم الآيات﴾ التي أنزلها في عائشة، والبراءة لها، ﴿والله عليم﴾ بما في قلوبكم مِن الندامة فيما خضتم به، ﴿حكيم﴾ حَكَم في القذف ثمانين جلدة، ﴿ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة﴾ يريد: بعد هذا ﴿في الذين آمنوا﴾ يريد: المحصنين والمحصنات من المصدقين؛ ﴿لهم عذاب أليم﴾ وجيع ﴿في الدنيا﴾ يريد: الحد، ﴿و﴾في ﴿الآخرة﴾ العذاب في النار، ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ سوء ما دخلتم فيه، وما فيه من شدة العذاب، وأنتم لا تعلمون شدة سخط الله على من فعل هذا، ﴿ولولا فضل الله عليكم﴾ يريد: لولا ما تفضل الله به عليكم، ﴿ورحمته﴾ يريد: مسطحًا، وحمنة، وحسان، ﴿وأن الله رؤوف رحيم﴾ يريد: من الرحمة رؤوف بكم حيث ندمتم ورجعتم إلى الحق، ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ يريد: صَدَّقوا بتوحيد الله، ﴿لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ يريد: الزلّات؛ ﴿فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر﴾ يريد بالفحشاء: عصيان الله. والمنكر: كل ما يكره الله، ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ يريد: ما تفضل الله به عليكم ورحمكم؛ ﴿ما زكي منكم من أحد أبدا﴾ يريد: ما قبل توبة أحد منكم أبدًا، ﴿ولكن الله يزكي من يشاء﴾ فقد شئتُ أن أتُوبَ عليكم، ﴿والله سميع عليم﴾ يريد: سميع لقولكم، عليم بما في أنفسكم مِن الندامة في التوبة، ﴿ولا يأتل﴾ يريد: ولا يحلف ﴿أولو الفضل منكم والسعة﴾ يريد: ولا يحلف أبو بكر ألّا يُنفِق على مِسْطَح ﴿أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا﴾ فقد جعلت فيك -يا أبا بكر- الفضل، وجعلت عندك السعة والمعرفة بالله، فتعطف -يا أبا بكر- على مسطح، فله قرابة، وله هجرة ومسكنة ومشاهد رضيتها منه يوم بدر، ﴿ألا تحبون﴾ يا أبا بكر ﴿أن يغفر الله لكم﴾ يريد: فاغفِر لمسطح، ﴿والله غفور رحيم﴾ يريد: فإنِّي غفور لمن أخطأ، رحيم بأوليائي، ﴿ان الذين يرمون المحصنات﴾ يريد: العفائف ﴿الغافلات المؤمنات﴾ يريد: المُصَدِّقات بتوحيد الله وبرسله. وقد قال حسان بن ثابت في عائشة: حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحُوم الغَوافِل[[الحصان: العفيفة. والرزان: الرزينة الثابتة التي لا يستخفها الطيش. وما تزن: ما ترمى وتتهم. بريبة: بتهمة وشك. وتصبح غرثى: جائعة. من لحوم الغوافل: جمع غافلة، وهي التي غفل قلبها عن الشر؛ يريد: أنها لا تغتاب الناس. ينظر: شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري لعبد الرحمن البرقوقي ص٣٢٤.]] فقالت عائشة: لكنَّك لست كذلك. ﴿لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾ يقول: أخرجهم من الإيمان. مثل قوله في سورة الأحزاب [٦١] للمنافقين: ﴿ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا﴾، ﴿والذي تولي كبره﴾ يريد: كِبَر القَذْفِ وإشاعته؛ عبد الله بن أبي سلول الملعون، ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ يريد: أنّ الله ختم على ألسنتهم، فتَكَلَّمت الجوارح، و[شهدت] على أهلها، وذلك أنهم قالوا: تعالوا نحلف بالله ما كنا مشركين. فختم الله على ألسنتهم، فتكلمت الجوارح بما عملوا، ثم شهدت ألسنتهم عليهم بعد ذلك، ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق﴾ يريد: يجازيهم بأعمالهم بالحق، كما يجازي أولياءه بالثواب كذلك يجازي أعداءَه بالعقاب. كقوله في الحمد: ﴿مالك يوم الدين﴾ يريد: يوم الجزاء، ﴿ويعلمون﴾ يريد: يوم القيامة ﴿ان الله هو الحق المبين﴾ وذلك أنّ عبد الله بن أبي كان يشك في الدنيا، وكان رأس المنافقين، فذلك قوله: ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق﴾، ويعلم ابن سلول ﴿أن الله هو الحق المبين﴾ يريد: انقطع الشك، واستيقن حيث لا ينفعه اليقين، ﴿الخبيثات للخبيثين﴾ يريد: أمثال عبد الله بن أبي، ومَن شك في الله، ويقذف مثل سيدة نساء العالمين، ﴿والطيبات للطيبين﴾ عائشة طَيَّبها اللهُ لرسوله؛ أتى بها جبريل في سَرَقَةٍ[[سَرَقَة: قِطعة من جَيِّد الحَرِيرِ. النهاية (سرق).]] من حرير قبل أن تُصَوَّر في رَحِم أُمِّها، فقال له: عائشة بنت أبي بكر زوجتُك في الدنيا، وزوجتك في الجنة؛ عِوَضًا من خديجة. وذلك عند موتها، فسُرَّ بها رسولُ الله ﷺ، وقَرَّ بها عَيْنًا، ﴿والطيبون للطيبات﴾ يريد: رسول الله ﷺ، طَيَّبه اللهُ لنفسه، وجعله سيِّد ولد آدم، والطيبات يريد: عائشة، ﴿أولئك مبرؤن مما يقولون﴾ يريد: بَرَّأها الله مِن كذب عبد الله بن أبي، ﴿لهم مغفرة﴾ يريد: عصمة في الدنيا، ومغفرة في الآخرة، ﴿ورزق كريم﴾ يريد: رزق الجنة، وثواب عظيم[[أخرجه الطبراني ٢٣/١٣٠-١٣٣.]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٤٧- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك﴾: الكذب، ﴿عصبة منكم﴾ يعني: عبد الله بن أبي المنافق، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ﴿لاتحسبوه شرا لكم﴾ يقول لعائشة وصفوان: لا تحسبوا الذي قيل لكم مِن الكذب شرا لكم، ﴿بل هو خير لكم﴾ لأنّكم تؤجرون على ذلك، ﴿لكل امرىء منهم﴾ يعني: مَن خاض في أمر عائشة ﴿ما اكتسب من الإثم﴾ على قدر ما خاض فيه مِن أمرها، ﴿والذي تولى كبره﴾ يعني: عظمه ﴿منهم﴾ يعني: القَذَفَة، وهو ابن أُبيٍّ رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما بَرِئَتْ مِنهُ، وما بَرِئَ منها ﴿له عذاب عظيم﴾ وفي هذه الآية عِبرةٌ عظيمة لجميع المسلمين إذا كانت فيهم خطيئة، فمَن أعان عليها بفِعْل أو كلام، أو عَرَّض بها، أو أعجبه ذلك، أو رضي؛ فهو في تلك الخطيئة على قدر ما كان منه، وإذا كان خطيئة بين المسلمين فمَن شهد وكره فهو مثل الغائب، ومَن غاب ورضي فهو مثل شاهد، ﴿لولا إذ سمعتوه﴾ قذفَ عائشة وصفوان؛ ﴿ظن المؤمنون والمؤمنات﴾ لأنّ منهم حَمْنة بنت جحش، يعني: هلّا كذَّبتم به ﴿بأنفسهم خيرا﴾ هلّا ظنَّ بعضُهم ببعضٍ خيرًا أنهم لم يَزْنوا، ﴿وقالوا هذا إفك مبين﴾ ألا قالوا: هذا القذفُ كذبٌ بيِّن، ﴿لولا جاءوا عليه﴾ يعني: على القذف ﴿بأربعة شهداء﴾، ﴿فأولئك﴾ يعني: الذي قذفوا عائشة ﴿عند الله هم الكاذبون﴾ في قولهم، ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة﴾ مِن تأخُّر العقوبة؛ ﴿لمسكم فيما أفضتم فيه﴾ يعني: في ما قلتم مِن القذف ﴿عذاب عظيم﴾، ﴿تلقونه بألسنتكم﴾ وذلك حين خاضوا في أمرِ عائشة، فقال بعضهم: سمعت فلانًا يقول كذا وكذا. وقال بعضهم: بلى، كان كذا وكذا. فقال: ﴿تلقونه بالسنتكم﴾ يقول: يرويه بعضُكم عن بعض، ﴿وتقولون بأفواهكم﴾ يعني: بألسنتكم مِن قذفها ﴿ما ليس لكم به علم﴾ يعني: مِن غير أن تعلموا أنّ الذي قلتم مِن القذف حقٌّ، ﴿وتحسبونه هينا﴾ يعني: تحسبون أنّ القذف ذنب هيِّن، ﴿وهو عند الله عظيم﴾ يعني: في الوِزْر، ﴿لولا اذ سمعتموه﴾ يعني: القذف؛ ﴿قلتم ما يكون﴾ يعني: ألا قلتم: ما يكون؛ ما ينبغي ﴿لنا أن نتكلم بهذا﴾ ولم تره أعينُنا! ﴿سبحانك هذا بهتان عظيم﴾ يعني: ألا قلتم: هذا كذب عظيم. مثل ما قال سعدُ بن معاذ الأنصاري؛ وذلك أنّ سعدًا لَمّا سمع قول مَن قال في أمر عائشة قال: سبحانك! هذا بهتان عظيم. والبهتان: الذي يبهت فيقول ما لم يكن، ﴿يعظكم الله أن تعودوا لمثله﴾ يعني: القذف؛ ﴿ان كنتم مؤمنين﴾ يعني: مُصَدِّقين، ﴿ويبين الله لكم الآيات﴾ يعني: ما ذُكِر مِن المواعظ، ﴿أن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة﴾ يعني: تَفْشُو، ويظهر الزنا؛ ﴿لهم عذاب أليم في الدنيا﴾ بالحدِّ، ﴿و﴾في ﴿الآخرة﴾ عذاب النار، ﴿ولولا فضل الله﴾ الآيةَ؛ لعاقبكم بما قلتم لعائشة، ﴿وأن الله رؤوف رحيم﴾ حين عفا عنكم فلم يعاقبكم، ﴿ومن يتبع خطوات الشيطان﴾ يعني: تزيينه؛ ﴿فانه يأمر بالفحشاء﴾ يعني: بالمعاصي، ﴿والمنكر﴾ ما لا يُعْرَف، مثل ما قيل لعائشة، ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ يعني: نعمته؛ ﴿ما زكا﴾ ما صلح، ﴿ولكن الله يزكي﴾ يُصلِح ﴿من يشاء﴾، فلما أنزل الله عذر عائشة وبرَّأها، وكذَّب الذين قذفوها؛ حلف أبو بكر أن لا يَصِل مسطحَ بن أثاثة بشيء أبدًا؛ لأنه كان في مَنِ ادَّعى على عائشة مِن القذف، وكان مسطح من المهاجرين الأولين، وكان ابنَ خالة أبي بكر، وكان يتيمًا في حِجْره فقيرًا، فلمّا حلف أبو بكر ألا يصله نزلت في أبي بكر: ﴿ولا يأتل﴾ أي: ولا يحلف ﴿أولو الفضل منكم﴾ يعني: في الغنى؛ أبا بكر الصديق، ﴿والسعة﴾ يعني: في الرزق، ﴿أن يؤتوا أولي القربى﴾ يعني: مسطح بن أثاثة قرابة أبي بكر وابن خالته، ﴿والمساكين﴾ يعني: لأنّ مسطحًا كان فقيرًا، ﴿والمهاجرين في سبيل الله﴾ يعني: لأنّ مِسطحًا كان من المهاجرين، ﴿وليعفوا وليصفحوا﴾ يعني: ليتجاوزوا عن مِسطح، ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم﴾ فقال النبي ﷺ لأبي بكر: «أما تحب أن يغفر الله لك؟». قال: بلى، يا رسول الله. قال: «فاعفُ واصفح». فقال أبو بكر: قد عفوتُ وصفحتُ، لا أمنعه معروفًا بعد اليوم. ﴿ان الذين يرمون المحصنات﴾ يعني: يقذفون بالزِّنا الحافظات لفروجهن العفائف، ﴿الغافلات﴾ يعني: عن الفواحش، يعني: عائشة، ﴿المؤمنات﴾ يعني: الصادقات؛ ﴿لعنوا﴾ يعني: جُلِدوا ﴿في الدنيا والآخرة﴾ يُعَذَّبون بالنار، يعني: عبد الله بن أبي؛ لأنه منافق له عذاب عظيم، ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم﴾ قال: مَن قذف عائشة يوم القيامة، ﴿يومئذ﴾ يعني: في الآخرة ﴿يوفيهم الله دينهم الحق﴾ حسابهم العدل، لا يظلمهم، ﴿ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ يعني: العدل المبين، ﴿الخبيثات﴾ يعني: السيء من الكلام؛ قذفُ عائشة ونحوه ﴿للخبيثين﴾ مِن الرجال والنساء، يعني: الذين قذفوها، ﴿والخبيثون﴾ يعني: مِن الرجال والنساء ﴿للخبيثات﴾ يعني: السيء مِن الكلام؛ لأنه يليق بهم الكلام السيء، ﴿والطيبات﴾ يعني: الحسن مِن الكلام ﴿للطيبين﴾ مِن الرجال والنساء، يعني: الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرًا، ﴿والطيبون﴾ من الرجال والنساء ﴿للطيبات﴾ للحسن من الكلام؛ لأنه يليق بهم الكلام الحسن، ﴿أولئك﴾ يعني: الطيبين مِن الرجال والنساء ﴿مبرؤون ما يقولون﴾ هم بُرآء من الكلام السيء، ﴿لهم مغفرة﴾ يعني: لذنوبهم، ﴿ورزق كريم﴾ يعني: حسنًا في الجنة. فلمّا أنزل اللهُ عُذْرَ عائشة ضمَّها رسولُ الله ﷺ إلى نفسه، وهي مِن أزواجه في الجنة[[أخرجه مفرقًا الطبراني في الكبير ٢٣/١٣٤ (١٧١)، ٢٣/١٣٥ (١٧٤)، ٢٣/١٣٨ (١٨٤)، ٢٣/١٣٩ (١٨٧)، ٢٣/١٤٠ (١٩١)، ٢٣/١٤١ (١٩٤)، ٢٣/١٤٢ (١٩٧)، ٢٣/١٤٤ (٢٠٤)، ٢٣/١٤٥ (٢٠٦، ٢١٠)، ٢٣/١٤٦ (٢١٤)، ٢٣/١٤٧ (٢١٧)، ٢٣/١٤٨ (٢١٩)، ٢٣/١٥٠ (٢٢٥)، ٢٣/١٥٢ (٢٢٨)، ٢٣/١٥٥ (٢٣٧)، ٢٣/١٥٦ (٢٣٩)، ٢٣/١٦١ (٢٥٤)، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٣-٢٥٦٥ (١٤٢٠٧، ١٤٢٠٨، ١٤٢٠٩، ١٤٢١١، ١٤٢١٦، ١٤٢١٧، ١٤٢٢٠، ١٤٢٢٣، ١٤٢٢٧، ١٤٢٢٨، ١٤٢٣١، ١٤٢٣٣، ١٤٢٣٦، ١٤٢٣٩، ١٤٢٤١، ١٤٢٤٢، ١٤٢٤٦، ١٤٢٤٩، ١٤٢٥١، ١٤٢٦٠، ١٤٢٦٤، ١٤٢٦٦، ١٤٢٦٨، ١٤٢٧٠، ١٤٢٧٣، ١٤٢٧٤، ١٤٢٧٦، ١٤٢٧٧، ١٤٢٨٠، ١٤٢٨١، ١٤٢٨٢، ١٤٢٨٣، ١٤٢٩٠، ١٤٢٩١، ١٤٢٩٤، ١٤٢٩٦، ١٤٣٠٢، ١٤٣٠٧، ١٤٣١٠، ١٤٣١٥، ١٤٣١٨، ١٤٣١٩، ١٤٣٢٢، ١٤٣٢٥، ١٤٣٢٨، ١٤٣٢٩، ١٤٣٣٢، ١٤٣٣٦، ١٤٣٤٠).]]. (١٠/٦٩٠)
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ﴾ - تفسير
٥٢٥٤٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج عن عطاء، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك-: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، يريد: إن الذين جاءوا بالكذب على عائشة أم المؤمنين[[أخرجه الطبراني ٢٣/١٣٠-١٣٣ مطولًا، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٤٩- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- ﴿إن الذين جاءوا بالإفك﴾: الكذب[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٣٤، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٥٠- عن مقاتل بن حيان، مثل ذلك[[علَّقه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤.]]. (ز)
٥٢٥٥١- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد- في قوله: ﴿الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، قال: الذين قالوا لعائشة الإفك والبهتان[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٠، وإسحاق البستي في تفسيره ص٤٣٤.]]. (ز)
٥٢٥٥٢- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: هذا في شأن عائشة وما أُذِيع عليها أنّها كانت مع رسول الله في سفر، فأخذ الناس في الرحيل، وانقطعت قلادة لها، فطلبتها في المنزل، ومضى الناس، وقد كان صفوان بن معطل تخلَّف عن المنزل قبل ذلك، ثم أقبل، فوجد الناس قد ارتحلوا، وهو على بعيره، وإذا هو بعائشة، فجاء ببعيره، وولّاها ظهرَه حتى ركبت، ثم قاد بها، فجاء وقد نزل الناس. فتكلم بذلك قومٌ، واتَّهموها[[أخرجه يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
٥٢٥٥٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك﴾، يعني: بالكذب[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٧.]]. (ز)
٥٢٥٥٤- قال يحيى بن سلّام: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك﴾ بالكذب[[تفسير يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
﴿عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡۚ﴾ - تفسير
٥٢٥٥٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج عن عطاء، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك-: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، يريد: إنّ الذين جاءوا بالكذب على عائشة أم المؤمنين أربعةٌ منكم[[أخرجه الطبراني مطولًا ٢٣/١٣٠-١٣٣، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٥٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج- قال: الذين افتروا على عائشة: حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش، وعبد الله بن أُبي[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٠. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٠/٦٩٥)
٥٢٥٥٧- عن عروة بن الزبير -من طريق هشام بن عروة-: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن الذين جاءوا بالإفك، فكتب إليه أنه لم يُسَمَّ منهم إلا حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش في آخرين لا عِلْم لي بهم[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٠. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٠/٦٩٥)
٥٢٥٥٨- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- ﴿عصبة منكم﴾: يعني: عبد الله بن أبي المنافق، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٣٤، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤، ومضى مطولًا في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٥٩- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيج- في قوله: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، قال: أصحابُ عائشة؛ عبد الله بن أُبي بن سلول، ومسطح، وحسان[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٠، وإسحاق البستي في تفسيره ص٤٣٢، والطبراني ٢٣/١٣٤. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٠/٦٩٥)
٥٢٥٦٠- عن مقاتل بن حَيّان -من طريق بُكَيْر بن معروف-: قوله: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم﴾، والعصبة منهم: عبد الله بن أُبَيٍّ في نَفَر معه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤.]]. (ز)
٥٢٥٦١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿عصبة منكم﴾ ... عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٧.]]. (ز)
٥٢٥٦٢- قال يحيى بن سلّام: ﴿عصبة منكم﴾: جماعة منكم ... بلغنا: أنّ عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وحسان بن ثابت، ومِسطحًا، وحمنة ابنة جحش هم الذين تكلَّموا في ذلك. ثم شاع ذلك في الناس، فزعموا أنّ رسول الله لَمّا أنزل الله عذرها جلد كلَّ واحد منهما الحدَّ ...، ﴿عصبة منكم﴾ يعني: هؤلاء[[تفسير يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
﴿لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ﴾ - تفسير
٥٢٥٦٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج عن عطاء، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك-: ﴿لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم﴾، يريد: خيرًا لرسول الله ﷺ، وبراءة لسيدة نساء المؤمنين، وخيرًا لأبي بكر، وأم عائشة، وصفوان بن المعطل[[أخرجه الطبراني مطولًا ٢٣/١٣٠-١٣٣، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٦٤- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: ﴿لاتحسبوه شرا لكم﴾ يقول لعائشة وصفوان: لا تحسبوا الذي قيل لكم من الكذب شرًّا لكم، ﴿بل هو خير لكم﴾ لأنّكم تُؤجَرون على ذلك[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤، وآخره في المطبوع بلفظ: لكنكم تجزون على ذلك، ومضى مطولًا بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٦٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿لا تحسبوه شرا لكم﴾ لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم مِن الأذى، ﴿بل هو خير لكم﴾ حين أُمِرتُم بالتَّثَبُّت والعِظَة[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٩.]]٤٦٠٧. (ز)
٥٢٥٦٦- عن مقاتل بن حيان -من طريق بُكَيْر بن معروف-: ﴿لا تحسبوه شر لكم﴾ لأنّكم تُؤجَرون على ما قيل لكم من الإفك. قوله: ﴿بل هو خير لكم﴾ يعني بالخير: العِظة، والتَّثَبُّت، والبَيِّنة؛ فكان ذلك خيرًا لهم[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤.]]. (ز)
٥٢٥٦٧- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم﴾، قال: الشرُّ لكم بالإفك الذي قالوا، الذي تكلموا به كان شرًا لهم، وكان فيهم مَن لم يقله إنما سمعه، فعاتبهم الله، فقال أول شيء: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم﴾. ثم قال: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩١.]]. (ز)
٥٢٥٦٨- قال يحيى بن سلّام: ثم قال: ﴿لا تحسبوه شرا لكم﴾ يعني: عائشة وصفوان، يعني: ما قيل فيهما، ﴿بل هو خير لكم﴾[[تفسير يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
﴿لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ﴾ - آثار متعلقة بالآية
٥٢٥٦٩- عن [سفيان] بن عيينة -من طريق سلمة بن عفان- قال: لَأن يُقال فيك الشرُّ وليس فيك؛ خيرٌ من أن يُقال فيك الخير وهو فيك. ثم تلا: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم﴾[[أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٧/٢٨٤-٢٨٥.]]. (ز)
﴿لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ﴾ - تفسير
٥٢٥٧٠- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: ﴿لكل امرىء منهم﴾ يعني: مَن خاض في أمر عائشة ﴿ما اكتسب من الإثم﴾ على قدر ما خاض فيه مِن أمرها[[أخرجه الطبراني في الكبير ٢٣/١٣٥ (١٧٤)، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٧١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم﴾ على قَدْر ما خاض فيه مِن أمْر عائشة، وصفوان بن المعطل السُّلَمي[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٩.]]. (ز)
٥٢٥٧٢- قال يحيى بن سلّام: ﴿لكل امرئ منهم﴾ يعني: الذين قالوا ما قالوا ﴿ما اكتسب من الإثم﴾ على قدر ما أشاع[[تفسير يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
﴿وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ١١﴾ - قراءات
٥٢٥٧٣- عن مسروق، قال: في قراءة عبد الله [بن مسعود]: (والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهُمْ لَهُ عَذابٌ ألِيمٌ)[[عزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وابن مردويه. وقراءة (عَذابٌ ألِيمٌ) مكان ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ شاذة.]]. (١٠/٦٩٩)
﴿وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ١١﴾ - تفسير الآية
٥٢٥٧٤- عن علقمة بن وقاص، وغيره أيضًا، قالوا: قالت عائشة: كان الذي تولى كِبْره الذي يجمعهم في بيته: عبد الله بن أُبي بن سلول[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٥.]]. (ز)
٥٢٥٧٥- عن عائشة -من طريق عروة- قالت: كان الذين تَكَلَّموا فيه: المنافق عبد الله بن أُبي بن سلول، وكان يَسْتَوْشِيه، ويجمعه، وهو الذي تولّى كِبْرَه، ومِسْطحًا، وحسان بن ثابت، وحمنة[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٥ دون ذكر حمنة، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٤.]]. (ز)
٥٢٥٧٦- عن الحسن بن علي الحلواني، ثنا الشافعي، ثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان، الذي تولى كبره مَن هو؟ قال: عبد الله بن أُبي. قال: كذبت، هو علِيٌّ. قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول.= (ز)
٥٢٥٧٧- فدخل الزهري، فقال: يا ابن شهاب، مَن الذي تولى كبره؟ فقال له: ابن أُبي. قال: كذبت، هو علي. قال: أنا أكذبُ لا أبا لَكَ؟! واللهِ، لو نادى منادٍ مِن السماء: أنّ الله أحل الكذب. ما كذبتُ.= (ز)
٥٢٥٧٨- حدثني عروة، وسعيد، وعبيد الله، وعلقمة، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أُبي[[أخرجه يعقوب بن شيبة في مسنده -كما في فتح الباري ٧/٤٣٧-.]]. (١٠/٦٩٦)
٥٢٥٧٩- عن الزهري، قال: كنتُ عند الوليد بن عبد الملك، فقال: ﴿الذي تولى كبره منهم﴾: علِيٌّ. فقلت: لا، حدثني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره عبد الله بن أُبَيّ. قال: فقال لي: فما كان جرمه؟ قلت: حدثني شيخان مِن قومكِ؛ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنهما سمعا عائشة تقول: كان مُسِيئًا في أمري[[أخرجه البخاري (٤٧٤٩) مختصرًا، والطبراني ٢٣/١٣٧ مختصرًا، وابن مردويه -كما في فتح الباري ٨/٤٥١-، والبيهقي في الدلائل ٤/٧٢ واللفظ له. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٠/٦٩٥)
٥٢٥٨٠- عن عائشة -من طريق الشعبي- أنّها قالتْ: ما سمعتُ بشيء أحسنَ من شِعر حسان، وما تَمَثَّلْتُ به إلا رجوتُ له الجنةَ، قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: هجوت محمدًا وأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالــــده وعــرضي لعرض محمد منكم وِقاء أتشتمه ولست له بكفو فشرُّكما لخيركما الفداء لساني صارِم لا عيب فيه وبحري لا تُكَدِّره الدِّلاء فقيل: يا أم المؤمنين، أليس هذا لغوًا؟ قالت: لا، إنّما اللغوُ ما قيل عند النساء. قيل: أليس الله يقول: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾؟ قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره، وكُسِعَ بالسيف؟ وتعني: الضربة التي ضربها إياه صفوان بن المعطل حين بلغه عنه أنه تكلَّم في ذلك، فعلاه بالسيف، وكاد يقتله[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٣.]]٤٦٠٨. (١٠/٦٩٧)
٥٢٥٨١- عن مسروق، قال: دخل حسانُ بن ثابت على عائشة، فشبَّب، وقال: حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ قالت: لكنك لست كذلك. قلت: تَدَعِين مثل هذا يدخلُ عليكِ، وقد أنزل الله: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾؟! فقالت: وأي عذاب أشدُّ مِن العَمى؟! ولفظ ابن مردويه: أوَلَيس في عذابٍ؟ قد كُفَّ بَصَرُه[[أخرجه ابن أبي شيبة ٨/٥١٥-٥١٦، والبخاري (٤١٤٦، ٤٧٥٦)، ومسلم (٢٤٨٨)، وابن جرير ١٧/١٩٤، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٥، والطبراني ٢٣/١٣٥-١٣٦. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه.]]. (١٠/٦٩٦)
٥٢٥٨٢- عن محمد بن سيرين: أنّ عائشة كانت تَأْذَنُ لحسان بن ثابت، وتُلقِي له الوسادة، وتقول: لا تقولوا لحسانَ إلا خيرًا؛ فإنّه كان يرُدُّ عن النبي ﷺ، وقد قال الله: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾، وقد عَمِي، والعَمى عذاب عظيم، واللهُ قادِرٌ على أن يجعله ذلك، ويغفر لحسان، ويدخله الجنة[[أخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٤٤٢. وعزاه السيوطي إلى ابن سعد، وعبد بن حميد.]]. (١٠/٦٩٨-٦٩٩)
٥٢٥٨٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جريج عن عطاء، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك-: ﴿لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره﴾ كِبَر القَذْفِ وإشاعَته، ﴿منهم﴾ يريد: عبد الله بن أُبَيِّ بن سلول، ﴿له عذاب عظيم﴾ يريد: في الدنيا؛ جَلَدَه رسولُ الله ﷺ ثمانين، وفي الآخرة مصيره إلى النار[[أخرجه الطبراني مطولًا ٢٣/١٣٠-١٣٣، ومضى بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٨١)
٥٢٥٨٤- عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار-: ﴿والذي تولى كبره﴾ يعني: عِظَمَه ﴿منهم﴾ يعني: القَذَفَة، وهو ابن أُبَيّ رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما بَرِئَتْ منه، وما بَرِىء منها. ﴿له عذاب عظيم﴾ وفي هذه الآية عبرة عظيمة لجميع المسلمين إذا كانت فيهم خطيئة، فمَن أعان عليها بفِعْل أو كلام، أو عَرَّض بها، أو أعجبه ذلك، أو رضي؛ فهو في تلك الخطيئة على قَدْر ما كان منه، وإذا كان خطيئة بين المسلمين فمَن شَهِد وكَرِه فهو مثل الغائب، ومَن غاب ورَضِي فهو مثل شاهد[[أخرجه ابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٥، والطبراني في الكبير ٢٣/١٣٨ (١٨٤)، ومضى مطولًا بتمامه في تفسير آيات قصة الإفك مجموعة.]]. (١٠/٦٩٠)
٥٢٥٨٥- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- ﴿والذي تولى كبره﴾، قال: هو عبد الله بن أُبي بن سلول، وهو بدأه[[تفسير مجاهد ص٤٩٠، وأخرجه ابن جرير ١٧/١٩٦، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٥، والطبراني ٢٣/١٣٨. وعلَّقه يحيى بن سلام ١/٤٣٢ بنحوه. وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد، بلفظ: عبد الله بن أبي بن سلول يذيعه.]]. (١٠/٦٩٨)
٥٢٥٨٦- عن الضَّحاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- ﴿والذي تولى كبره منهم﴾، يقول: الذي بدأ بذلك[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩١، وإسحاق البستي في تفسيره ص٤٤١، وابن أبي حاتم ٨/٢٥٤٥.]]٤٦٠٩. (١٠/٦٩٨)
٥٢٥٨٧- عن قتادة بن دعامة، قال: ذُكِرَ لنا: أنّ الذي تولى كبره رجلان مِن أصحاب النبي ﷺ؛ أحدهما من قريش، والآخر من الأنصار؛ عبد الله بن أبي بن سلول، ولم يكن شر قط إلا وله قادة ورؤساء في شرهم[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٠/٦٩٨)
٥٢٥٨٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قال: ﴿والذي تولى كبره منهم﴾ رجلان؛ أحدُهما من قريش اسمه: مِسْطَح، والآخر من الأنصار[[أخرجه يحيى بن سلام ١/٤٣٣.]]. (ز)
٥٢٥٨٩- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾، قال: الذي تولى كبره حسّان بن ثابت، ومِسْطح بن أثاثة[[أخرجه الطبراني ٢٣/١٣٨ (١٨٥).]]. (ز)
٥٢٥٩٠- عن هشام بن عروة -من طريق أبان العطار- في الذين جاءوا بالإفك: يزعمون أنّه كان كبر ذلك عبد الله بن أبي بن سلول، أحد بني عوف بن الخزرج. وأُخْبِرت: أنه كان يحدث به عنهم، فيقرُّه، ويسمعه، ويستوشيه[[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٦.]]. (ز)
٥٢٥٩١- قال عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، في قوله: ﴿والذي تولى كبره﴾: بدأه[[علَّقه يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]. (ز)
٥٢٥٩٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿والذي تولى كبره منهم﴾ يعني: عظمه منهم، يعني: مِن العُصْبَة، وهو عبد الله بن أُبَيٍّ رأس المنافقين، وهو الذى قال: ما بَرِئَتْ منه، وما بَرِئ منها. ﴿له عذاب عظيم﴾ أي: شديد. ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت خطيئة، فمن أعلن عليها بفعل، أو كلام، أو عرَّض، أو أعجبه ذلك، أو رضي به؛ فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم، والذى تولى كبره -يعني: الذى ولِي الخطيئة بنفسه- فهو أعظمُ إثْمًا عند الله، وهو المأخوذ به، قال: فإذا كانت خطيئةٌ بين المسلمين فمن شَهِد وكَرِه فهو مثل الغائب، ومَن غاب ورضي فهو كمن شَهِد[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/١٨٩.]]. (ز)
٥٢٥٩٣- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب-: أمّا الذي تولى كبره منهم فعبد الله بن أبي بن سلول الخبيث، هو الذي ابتدأ هذا الكلام، وقال: امرأةُ نبيِّكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقود بها![[أخرجه ابن جرير ١٧/١٩٦.]]. (ز)
٥٢٥٩٤- قال يحيى بن سلّام: ﴿له عذاب عظيم﴾، قال بعضهم: هو مِسْطَح، فذهب بصره، وهو العذاب العظيم. وقال بعضهم: عبد الله بن أُبَيّ بن سلول المنافق له عذاب عظيم؛ جهنم[[تفسير يحيى بن سلام ١/٤٣٢.]]٤٦١٠. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.