الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ أزْواجِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَهُ، قالَتْ عائِشَةُ: فَأقْرَعُ بَيْنَنا في غَزْوَةٍ غَزاها فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَما نَزَلَ الحِجابُ، فَأنا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنا حَتّى إذا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن غَزْوَتِهِ تِلْكَ وقَفَلَ ودَنَوْنا مِنَ المَدِينَةِ قافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتّى جاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى رَحْلِي فَإذا عِقْدٌ لِي مِن جَزْعِ ظَفارِ قَدِ انْقَطَعَ، فالتَمَسْتُ عِقْدِي وحَبَسَنِي ابْتِغاؤُهُ، وأقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وهم يَحْسَبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّساءُ إذْ ذاكَ خِفافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما تَأْكُلُ المَرْأةُ (p-٦٦٤)العُلْقَةَ مِنَ الطَّعامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنازِلَهُمْ، ولَيْسَ بِها داعٍ ولا مُجِيبٌ، فَأمَمْتُ مَنزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أنَّهم سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ. فَبَيْنا أنا جالِسَةٌ في مَنزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوانِيُّ مِن وراءِ الجَيْشِ فادَّلَجَ، فَأصْبَحَ عِنْدَ مَنزِلِي فَرَأى سَوادَ إنْسانٍ نائِمٍ، فَأتانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ يَرانِي قَبْلَ الحِجابِ، فاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وجْهِي بِجِلْبابِي، واللَّهِ ما كَلَّمَنِي كَلِمَةً، ولا سَمِعْتُ مِنهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجاعِهِ حَتّى أناخَ راحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلى يَدَيْها، فَرَكِبْتُها فانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرّاحِلَةَ حَتّى أتَيْنا الجَيْشَ بَعْدَما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ فِيَّ مَن هَلَكَ. وكانَ الَّذِي تَوَلّى الإفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحابِ الإفْكِ لا أشْعُرُ (p-٦٦٥)بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، وهو يَرِيبُنِي في وجَعِي أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أرى مِنهُ حِينَ أشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَذاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، ولا أشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتّى خَرَجْتُ بَعْدَما نَقِهْتُ وخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وهو مُتَبَرَّزُنا، وكُنّا لا نَخْرُجُ إلّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذَلِكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنا، وأمْرُنا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغائِطِ؛ فَكُنّا نَتَأذّى بِالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَها عِنْدَ بُيُوتِنا، فانْطَلَقْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ، فَأقْبَلْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنا مِن شَأْنِنا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِها فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَها: بِئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا! قالَتْ: أيْ هَنَتاهُ، أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟! قُلْتُ: وما قالَ؟ فَأخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، فازْدَدْتُ مَرَضًا عَلى مَرَضِي. فَلَمّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي ودَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ ثُمَّ قالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: أتَأْذَنُ لِي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ؟ قالَتْ: وأنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِما، قالَتْ: فَأذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجِئْتُ أبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتاهْ ما يَتَحَدَّثُ النّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَواللَّهِ لَقَلَّما كانَتِ امْرَأةٌ (p-٦٦٦)قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها ولَها ضَرائِرُ إلّا أكْثَرْنَ عَلَيْها. فَقُلْتُ سُبْحانَ اللَّهِ، ولَقَدْ تَحَدَّثَ النّاسُ بِهَذا؟! فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، ولا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتّى أصْبَحْتُ أبْكِي. فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ، وأُسامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُما في فِراقِ أهْلِهِ، فَأمّا أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأشارَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَراءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهم في نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أهْلُكَ ولا نَعْلَمُ إلّا خَيْرًا. وأمّا عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّساءُ سِواها كَثِيرٌ، وإنْ تَسْألِ الجارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَرِيرَةَ فَقالَ: أيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأيْتِ مِن شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ قالَتْ بَرِيرَةُ: لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إنْ رَأيْتُ عَلَيْها أمْرًا أغْمِصُهُ أكْثَرَ مِن أنَّها جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنامُ عَنْ عَجِينِ أهْلِها فَتَأْتِي الدّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقالَ وهو عَلى المِنبَرِ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أذاهُ في أهْلِ بَيْتِي؟ فَواللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي إلّا خَيْرًا، ولَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ عَلى أهْلِي إلّا مَعِي، فَقامَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ الأنْصارِيُّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أنا أعْذِرُكَ مِنهُ، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْنا عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن (p-٦٦٧)إخْوانِنا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنا فَفَعَلْنا أمْرَكَ، فَقامَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صالِحًا ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ فَقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ ولا تَقْدِرُ عَلى قَتْلِهِ. فَقامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وهو ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عَنِ المُنافِقِينَ، فَتَثاوَرَ الحَيّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ، حَتّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ قائِمٌ عَلى المِنبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخَفِّضُهم حَتّى سَكَتُوا وسَكَتَ. فَمَكَثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، ولا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأصْبَحَ أبَوايَ عِنْدِي، وقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا لا أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ولا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وأبَوايَ يَظُنّانِ أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي. فَبَيْنَما هُما جالِسانِ عِنْدِي وأنا أبْكِي، فاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ، فَأذِنْتُ لَها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنا نَحْنُ عَلى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، ولَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ فِيَّ ما قِيلَ قَبْلَها، وقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحى إلَيْهِ في شَأْنِي بِشَيْءٍ، فَتَشَهَّدَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، فَإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذا وكَذا، فَإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فَإنَّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ إلى اللَّهِ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتّى ما أُحِسُّ (p-٦٦٨)مِنهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأبِي: أجِبْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . قالَ واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ! فَقُلْتُ لِأُمِّي: أجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . قالَتْ: ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ! فَقُلْتُ وأنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: إنِّي واللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذا الحَدِيثَ حَتّى اسْتَقَرَّ في أنْفُسِكم وصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكم: إنِّي بَرِيئَةٌ. واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكم بِأمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي مِنهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لَكم مَثَلًا إلّا قَوْلَ أبِي يُوسُفَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] [ يُوسُفَ: ١٨ ] . ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فاضْطَجَعْتُ عَلى فِراشِي، وأنا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَراءَتِي، ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأمْرٍ يُتْلى، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في النَّوْمِ رُؤْيا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِها. قالَتْ: فَواللَّهِ ما رامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَجْلِسَهُ ولا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ حَتّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحاءِ عِنْدَ الوَحْيِ حَتّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنهُ مِثْلُ الجُمانِ مِنَ العَرَقِ، وهو في يَوْمٍ شاتٍ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَلَمّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُرِّيَ عَنْهُ وهو يَضْحَكُ، فَكانَتْ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِها أنْ قالَ: أبْشِرِي يا عائِشَةُ، أمّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأكِ. فَقالَتْ أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ. فَقُلْتُ: لا واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ ولا (p-٦٦٩)أحْمَدُ إلّا اللَّهَ الَّذِي أنْزَلَ بَراءَتِي، وأنْزَلَ اللَّهُ ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ العَشْرَ الآياتِ كُلَّها. فَلَمّا أنْزَلَ اللَّهُ هَذا في بَراءَتِي قالَ أبُو بَكْرٍ وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ بْنِ أُثاثَةَ لِقَرابَتِهِ مِنهُ وفَقْرِهِ: واللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أبَدًا بَعْدَ الَّذِي قالَ لِعائِشَةَ ما قالَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ﴾ [النور: ٢٢] إلى قَوْلِهِ ﴿رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢] قالَ أبُو بَكْرٍ: بَلى واللَّهِ، إنِّي أُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وقالَ: واللَّهِ لا أنْزِعُها مِنهُ أبَدًا. قالَتْ عائِشَةُ: وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْألُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أمْرِي فَقالَ: يا زَيْنَبُ ماذا عَلِمْتِ أوْ رَأيْتِ؟ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، ما عَلِمْتُ إلّا خَيْرًا. قالَتْ: وهي الَّتِي كانَتْ تُسامِينِي مِن أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَعَصَمَها اللَّهُ بِالوَرَعِ، وطَفِقَتْ أُخْتُها حَمْنَةُ تُحارِبُ لَها فَهَلَكَتْ في مَن هَلَكَ مِن أصْحابِ الإفْكِ» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «لَمّا ذُكِرَ مِن شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وما عَلِمْتُ بِهِ قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وأثْنى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ، أشِيرُوا عَلَيَّ في أُناسٍ أبَنُوا أهْلِي، وايْمُ اللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي مِن سُوءٍ، وأبَنُوهم بِمَن واللَّهِ (p-٦٧٠)ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَطُّ، ولا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إلّا وأنا حاضِرٌ، ولا غِبْتُ في سَفَرٍ إلّا غابَ مَعِي. فَقامَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ فَقالَ: ائْذَنْ لِي يا رَسُولَ اللَّهِ أنْ نَضْرِبَ أعْناقَهم. وقامَ رَجُلٌ مِن بَنِي الخَزْرَجِ، وكانَتْ أُمُّ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ مِن رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقالَ: كَذَبْتَ، أما واللَّهِ أنْ لَوْ كانُوا مِنَ الأوْسِ ما أحْبَبْتَ أنْ تُضْرَبَ أعْناقُهم. حَتّى كادَ أنْ يَكُونَ بَيْنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ شَرٌّ في المَسْجِدِ، وما عَلِمْتُ. فَلَمّا كانَ مَساءُ ذَلِكَ اليَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حاجَتِي، ومَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ وقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: أيْ أُمِّ، تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟! فَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتِ الثّانِيَةَ فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَها: أيْ أُمِّ، أتَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثَرَتِ الثّالِثَةَ فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فانْتَهَرْتُها، فَقالَتْ: واللَّهِ ما أسُبُّهُ إلّا فِيكِ. فَقُلْتُ: في أيِّ شَأْنِي؟! قالَتْ: فَبَقَرَتْ لِي الحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وقَدْ كانَ هَذا! قالَتْ: نَعَمْ، واللَّهِ. فَرَجَعْتُ إلى بَيْتِي كَأنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لا أجِدُ مِنهُ قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، ووُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أرْسِلْنِي إلى بَيْتِ أبِي. فَأرْسَلَ مَعِي الغُلامَ، فَدَخَلْتُ الدّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومانَ في السُّفْلِ، وأبا بَكْرٍ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ، فَقالَتْ أُمِّي: ما جاءَ بِكِ يا بُنَيَّةُ؟ فَأخْبَرْتُها، وذَكَرْتُ لَها الحَدِيثَ، وإذا هو لَمْ يَبْلُغْ (p-٦٧١)مِنها مِثْلَ ما بَلَغَ مِنِّي، فَقالَتْ: يا بُنَيَّةُ خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإنَّهُ واللَّهِ لَقَلَّما كانَتِ امْرَأةٌ حَسْناءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها لَها ضَرائِرُ إلّا حَسَدْنَها وقِيلَ فِيها. قُلْتُ: وقَدْ عَلِمَ بِهِ أبِي؟ قالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قالَتْ: نَعَمْ. فاسْتَعْبَرْتُ وبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وهو فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقالَ لِأُمِّي: ما شَأْنُها؟ قالَتْ: بَلَغَها الَّذِي ذُكِرَ مِن شَأْنِها. فَفاضَتْ عَيْناهُ وقالَ: أقْسَمْتُ عَلَيْكِ أيْ بُنَيَّةُ إلّا رَجَعْتِ إلى بَيْتِكِ. فَرَجَعْتُ. ولَقَدْ جاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتِي فَسَألَ عَنِّي خادِمَتِي فَقالَتْ: لا واللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْها عَيْبًا إلّا أنَّها كانَتْ تَرْقُدُ حَتّى تَدْخُلَ الشّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَها أوْ عَجِينَها، وانْتَهَرَها بَعْضُ أصْحابِهِ فَقالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . حَتّى أسْقَطُوا لَها بِهِ، فَقالَتْ: سُبْحانَ اللَّهِ! ما عَلِمْتُ عَلَيْها إلّا ما يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلى تِبْرِ الذَّهَبِ الأحْمَرِ. وبَلَغَ الأمْرُ إلى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثى قَطُّ. قالَتْ عائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا في سَبِيلِ اللَّهِ. قالَتْ: وأصْبَحَ أبَوايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزالا حَتّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، (p-٦٧٢)وقَدْ صَلّى العَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وقَدِ اكْتَنَفَنِي أبَوايَ عَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمالِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثْنى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، إنْ كُنْتِ قارَفْتِ سُوءًا أوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إلى اللَّهِ، فَإنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِن عِبادِهِ. قالَتْ: وقَدْ جاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ فَهي جالِسَةٌ بِالبابِ، فَقُلْتُ: ألا تَسْتَحِي مِن هَذِهِ المَرْأةِ أنْ تَذْكُرَ شَيْئًا؟! فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فالتَفَتُّ إلى أبِي فَقُلْتُ: أجِبْهُ، قالَ: فَماذا أقُولُ؟ فالتَفَتُّ إلى أُمِّي فَقُلْتُ: أجِيبِيهِ. قالَتْ: أقُولُ ماذا؟ فَلَمّا لَمْ يُجِيباهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وأثْنَيْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: أمّا بَعْدُ، فَواللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكم: إنِّي لَمْ أفْعَلْ واللَّهُ يَشْهَدُ إنِّي لَصادِقَةٌ، ما ذاكَ بِنافِعِي عِنْدَكم وقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وإنْ قُلْتُ: إنِّي فَعَلْتُ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي لَمْ أفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ: قَدْ باءَتْ بِهِ عَلى نَفْسِها، وإنِّي واللَّهِ ما أجِدُ لِي ولَكم مَثَلًا- والتَمَسْتُ اسْمَيَعْقُوبَ فَلَمْ أقْدِرْ عَلَيْهِ- إلّا أبا يُوسُفَ حِينَ قالَ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] [ يُوسُفَ: ١٨ ] . وأُنْزِلَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن ساعَتِهِ، فَسَكَتْنا فَرُفِعَ عَنْهُ، وإنِّي لَأتَبَيَّنُ السُّرُورَ في وجْهِهِ وهو يَمْسَحُ جَبِينَهُ ويَقُولُ: أبْشِرِي يا عائِشَةُ، فَقَدْ أنْزَلَ اللَّهُ بَراءَتَكِ. قالَتْ: وكُنْتُ أشَدَّ ما كُنْتُ غَضَبًا، فَقالَ لِي أبَوايَ: قُومِي إلَيْهِ. فَقُلْتُ: واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ ولا أحْمَدُهُ ولا أحْمَدُ كُما، ولَكِنْ أحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أنْزَلَ بَراءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَما أنْكَرْتُمُوهُ ولا غَيَّرْتُمُوهُ. وكانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ: أمّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَها اللَّهُ بِدِينِها؛ فَلَمْ تَقُلْ إلّا خَيْرًا، وأمّا أُخْتُها حَمْنَةُ (p-٦٧٣)فَهَلَكَتْ في مَن هَلَكَ. وكانَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ مِسْطَحٌ، وحَسّانُ بْنُ ثابِتٍ، والمُنافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وهو الَّذِي كانَ يَسْتَوْشِيهِ ويَجْمَعُهُ، وهو الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم هو وحَمْنَةُ. قالَتْ: فَحَلَفَ أبُو بَكْرٍ ألّا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنافِعَةٍ أبَدًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي أبا بَكْرٍ ﴿والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي مِسْطَحًا. إلى قَوْلِهِ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢] قالَ أبُو بَكْرٍ: بَلى؛ واللَّهِ يا رَبَّنا إنّا لَنُحِبُّ أنْ تَغْفِرَ لَنا. وعادَ لَهُ بِما كانَ يَصْنَعُ» . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وأحْمَدُ، والبُخارِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أُمِّ رُومانَ قالَتْ: «بَيْنا أنا عِنْدَ عائِشَةَ إذْ دَخَلَتْ عَلَيْنا امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ فَقالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِابْنِها وفَعَلَ. فَقالَتْ عائِشَةُ: ولِمَ؟ قالَتْ: إنَّهُ كانَ في مَن حَدَّثَ الحَدِيثَ. قالَتْ عائِشَةُ: وأيُّ حَدِيثٍ؟ قالَتْ: كَذا وكَذا. قالَتْ: وقَدْ بَلَغَ ذاكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وبَلَغَ أبا بَكْرٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ عائِشَةُ مَغْشِيًّا عَلَيْها، فَما أفاقَتْ إلّا وعَلَيْها حُمّى بِنافِضٍ، فَقُمْتُ فَدَثَّرْتُها، وجاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقالَ: ما شَأْنُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، (p-٦٧٤)أخَذَتْها حُمّى بِنافِضٍ. قالَ: لَعَلَّهُ في حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ؟ قالَتْ: فاسْتَوَتْ لَهُ عائِشَةُ قاعِدَةً فَقالَتْ: واللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَكم لا تُصَدِّقُونِي، ولَئِنِ اعْتَذَرْتُ إلَيْكم لا تَعْذِرُونِي، فَمَثَلِي ومَثَلُكم كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وبَنِيهِ ﴿واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] . وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَها، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَهُ أبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ فَقالَ: يا عائِشَةُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ عُذْرَكِ. فَقالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ. فَقالَ لَها أبُو بَكْرٍ: أتَقُولِينَ هَذا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قالَتْ: وكانَ في مَن حَدَّثَ الحَدِيثَ رَجُلٌ كانَ يَعُولُهُ أبُو بَكْرٍ، فَحَلَفَ أبُو بَكْرٍ أنْ لا يَصِلَهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] إلى آخِرِ الآيَةِ. قالَ أبُو بَكْرٍ: بَلى. فَوَصَلَهُ» . . وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ، فَأصابَ عائِشَةَ القَرْعَةُ في غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، فَلَمّا كانَ في جَوْفِ اللَّيْلِ انْطَلَقَتْ عائِشَةُ لِحاجَتِها فانْحَلَّتْ قِلادَتُها، فَذَهَبَتْ في طَلَبِها، وكانَ مِسْطَحٌ يَتِيمًا لِأبِي بَكْرٍ وفي عَيالِهِ، فَلَمّا رَجَعَتْ عائِشَةُ لَمْ تَرَ العَسْكَرَ، وكانَ صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ يَتَخَلَّفُ عَنِ النّاسِ، فَيُصِيبُ القَدَحَ والجِرابَ والإداوَةَ فَيَحْمِلُهُ، فَنَظَرَ فَإذا عائِشَةُ، فَغَطّى وجْهَهُ عَنْها، ثُمَّ أدْنى بَعِيرَهُ مِنها، فانْتَهى إلى العَسْكَرِ فَقالُوا قُولًا، وقالُوا فِيهِ: (p-٦٧٥)قالَ: ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ حَتّى انْتَهى وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجِيءُ فَيَقُومُ عَلى البابِ فَيَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ حَتّى جاءَ يَوْمًا فَقالَ: أبْشِرِي يا عائِشَةُ، قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ، فَقالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ. وأُنْزِلَ في ذَلِكَ عَشْرُ آياتٍ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ فَحَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِسْطَحًا وحَمْنَةَ وحَسّانَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا سافَرَ جاءَ بِبَعْضِ نِسائِهِ، وسافَرَ بِعائِشَةَ وكانَ لَها هَوْدَجٌ، وكانَ الهَوْدَجُ لَهُ رِجالٌ يَحْمِلُونَهُ ويَضَعُونَهُ فَعَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ، وخَرَجَتْ عائِشَةُ لِلْحاجَةِ فَباعَدَتْ، فَلَمْ يُعْلَمْ بِها فاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ﷺ والنّاسُ قَدِ ارْتَحَلُوا، وجاءَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الهَوْدَجَ، فَحَمَلُوهُ لا يَعْلَمُونَ إلّا أنَّها فِيهِ، فَسارُوا وأقْبَلَتْ عائِشَةُ فَوَجَدَتِ النَّبِيَّ ﷺ والنّاسَ قَدِ ارْتَحَلُوا، فَجَلَسَتْ مَكانَها فاسْتَيْقَظَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ يُقالُ لَهُ: صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ. وكانَ لا يَقْرَبُ النِّساءَ فَتَقَرَّبَ مِنها ومَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ، فَلَمّا رَآها وكانَ قَدْ عَرَفَها وهي صَغِيرَةٌ- قالَ: أُمُّ المُؤْمِنِينَ! ولَوى وجْهَهُ وحَمَلَها، ثُمَّ أخَذَ بِخِطامِ الجَمَلِ، وأقْبَلَ يَقُودُهُ حَتّى لَحِقَ النّاسَ، والنَّبِيُّ ﷺ قَدْ نَزَلَ وفَقَدَ عائِشَةَ فَأكْثَرُوا القَوْلَ، وبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَشَقَّ عَلَيْهِ حَتّى اعْتَزَلَها، واسْتَشارَ فِيها زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ وغَيْرَهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْها لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُحْدِثَ لَكَ فِيها. فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: النِّساءُ (p-٦٧٦)كَثِيرٌ، وخَرَجَتْ عائِشَةُ لَيْلَةً تَمْشِي في نِساءٍ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، قالَتْ عائِشَةُ: بِئْسَ ما قُلْتِ. فَقالَتْ: إنَّكِ لا تَدْرِي ما يَقُولُ. فَأخْبَرَتْها، فَسَقَطَتْ عائِشَةُ مَغْشِيًّا عَلَيْها، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ الآياتِ. وكانَ أبُو بَكْرٍ يُعْطِي مِسْطَحًا ويَصِلُهُ ويَبَرُّهُ، فَحَلَفَ أبُو بَكْرٍ لا يُعْطِيهِ، فَنَزَلَ: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ﴾ [النور: ٢٢] الآيَةَ. فَأمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يَأْتِيَها ويُبَشِّرَها، فَجاءَ أبُو بَكْرٍ فَأُخْبِرَها بِعُذْرِها وما أنْزَلَ اللَّهُ فِيها، فَقالَتْ: لا بِحَمْدِكَ ولا بِحَمَدِ صاحِبِكَ» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ عُمَرَ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ ثَلاثًا، فَمَن أصابَتْهُ القُرْعَةُ خَرَجَ بِها مَعَهُ، فَلَمّا غَزا بَنِي المُصْطَلِقِ، أقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأصابَتْ عائِشَةَ وأُمَّ سَلَمَةَ فَخَرَجَ بِهِما مَعَهُ، فَلَمّا كانُوا في بَعْضِ الطَّرِيقِ مالَ رَحْلُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأناخُوا بَعِيرَها لِيُصْلِحُوا رَحْلَها، وكانَتْ عائِشَةُ تُرِيدُ قَضاءَ حاجَةٍ، فَلَمّا أبْرَكُوا إبِلَهم قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلْتُ في نَفْسِي: إلى ما يُصْلَحُ رَحْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أقْضِي حاجَتِي. قالَتْ: فَنَزَلْتُ مِنَ (p-٦٧٧)الهَوْدَجِ ولَمْ يَعْلَمُوا بِنُزُولِي، فَأتَيْتُ جَوْبَةَ فانْقَطَعَتْ قِلادَتِي فاحْتَبَسْتُ في جَمْعِها ونِظامِها، وبَعَثَ القَوْمُ إبِلَهم ومَضَوْا، وظَنُّوا أنِّي في الهَوْدَجِ، فَخَرَجْتُ ولَمْ أرَ أحَدًا، فاتَّبَعْتُهم حَتّى أعْيَيْتُ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: إنَّ القَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ في طَلَبِي، فَقُمْتُ عَلى بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَمَرَّ بِي صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ وكانَ سَألَ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يَجْعَلَهُ عَلى السّاقَةِ فَجَعَلَهُ، وكانَ إذا رَحَلَ النّاسُ قامَ يُصَلِّي ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ، فَما سَقَطَ مِنهم مِن شَيْءٍ حَمَلَهُ، حَتّى يَأْتِيَ بِهِ أصْحابَهُ، قالَتْ عائِشَةُ: فَلَمّا مَرَّ بِي ظَنَّ أنِّي رَجُلٌ فَقالَ: يا نَوْمانُ، قُمْ فَإنَّ النّاسَ قَدْ مَضَوْا. فَقُلْتُ: إنِّي لَسْتُ رَجُلًا، أنا عائِشَةُ. فَقالَ: إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ. ثُمَّ أناخَ بَعِيرَهُ فَعَقَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ ولّى عَنِّي فَقالَ: يا أُمَّهْ: قُومِي فارْكَبِي، فَإذا رَكِبْتِ فَآذِنِينِي. قالَتْ: فَرَكِبْتُ فَجاءَ حَتّى حَلَّ العِقالَ، ثُمَّ بَعَثَ جَمَلَهُ فَأخَذَ بِخِطامِ الجَمَلِ قالَ ابْنُ عُمَرَ: فَما كَلَّمَها كَلامًا حَتّى أتى بِها رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ المُنافِقُ: فَجَرَ بِها ورَبِّ الكَعْبَةِ. وأعانَهُ عَلى ذَلِكَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ، ومِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ، وحَمْنَةُ، وشاعَ ذَلِكَ في العَسْكَرِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَكانَ في قَلْبِ النَّبِيِّ ﷺ مِمّا قالُوا حَتّى رَجَعُوا إلى المَدِينَةِ، وأشاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ هَذا الحَدِيثَ في المَدِينَةِ، واشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَتْ عائِشَةُ: فَدَخَلَتْ ذاتَ يَوْمٍ أُمُّ مِسْطَحٍ فَرَأتْنِي وأنا أُرِيدُ المَذْهَبَ فَحَمَلَتْ (p-٦٧٨)مَعِي السَّطْلَ وفِيهِ ماءٌ، فَوَقَعَ السَّطْلُ مِنها فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. قالَتْ لَها عائِشَةُ: سُبْحانَ اللَّهِ، تَسُبِّينَ رَجُلًا مِن أهْلِ بَدْرٍ وهو ابْنُكِ؟ قالَتْ لَها أُمُّ مِسْطَحٍ: إنَّهُ سالَ بِكِ السَّيْلُ وأنْتِ لا تَدْرِينَ! وأخْبَرَتْها بِالخَبَرِ، قالَتْ: فَلَمّا أخْبَرَتْنِي أخَذَتْنِي الحُمّى فَتَقَلَّصَ ما كانَ ولَمْ أجِدِ المَذْهَبَ. قالَتْ عائِشَةُ: وقَدْ كُنْتُ أرى مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ جَفْوَةً ولَمْ أدْرِ مِن أيِّ شَيْءٍ هُوَ، فَلَمّا حَدَّثَتْنِي أُمُّ مِسْطَحٍ عَلِمْتُ أنَّ جَفْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كانَتْ لِما أخْبَرَتْنِي أُمُّ مِسْطَحٍ فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أتَأْذَنُ لِي أنْ أذْهَبَ إلى أهْلِي؟ قالَ: اذْهَبِي، فَخَرَجَتْ عائِشَةُ حَتّى أتَتْ أباها فَقالَ لَها: ما لَكِ؟ قالَتْ: أخْرَجَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن بَيْتِهِ. قالَ لَها أبُو بَكْرٍ: فَأخْرَجَكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن بَيْتِهِ وآوِيكِ أنا؟ واللَّهِ لا آوِيكِ حَتّى يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يُؤْوِيَها، فَقالَ لَها أبُو بَكْرٍ: واللَّهِ ما قِيلَ لَنا هَذا في الجاهِلِيَّةِ قَطُّ، فَكَيْفَ وقَدْ أعَزَّنا اللَّهُ بِالإسْلامِ فَبَكَتْ عائِشَةُ وأُمُّها أُمُّ رُومانَ وأبُو بَكْرٍ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وبَكى مَعَهم أهْلُ الدّارِ. وبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ واثَّنى عَلَيْهِ فَقالَ: أيُّها النّاسُ، مَن يَعْذِرُنِي مِمَّنْ يُؤْذِينِي؟ فَقامَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ فَسَلَّ سَيْفَهُ وقالَ: (p-٦٧٩)يا رَسُولَ اللَّهِ أنا أعْذِرُكَ مِنهُ، إنْ يَكُنْ مِنَ الأوْسِ أتَيْتُكَ بِرَأْسِهِ، وإنْ يَكُنْ مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنا بِأمْرِكَ فِيهِ. فَقامَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ فَقالَ: كَذَبْتَ واللَّهِ ما تَقْدِرُ عَلى قَتْلِهِ إنَّما طَلَبْتَنا بِذُحُولٍ كانَتْ بَيْنَنا وبَيْنَكم في الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ هَذا: قالالأوْسُ. وقالَ هَذا: قالَ الخَزْرَجُ. فاضْطَرَبُوا بِالنِّعالِ والحِجارَةِ، وتَلاطَمُوا، فَقامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقالَ: فِيمَ الكَلامُ؟ هَذا رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُنا بِأمْرِهِ فَيَنْفُذُ عَنْ رَغْمِ أنْفِ مَن رَغِمَ. ونَزَلَ جِبْرِيلُ وهو عَلى المِنبَرِ، فَلَمّا سُرِّيَ عَنْهُ تَلا عَلَيْهِمْ ما نَزَلْ بِهِ جِبْرِيلُ: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] [ الحُجُراتِ: ٩] إلى آخِرِ الآياتِ، فَصاحَ النّاسُ: رَضِينا بِما أنْزَلَ اللَّهُ. وقامَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ فَتَلازَمُوا وتَصالَحُوا، فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ المِنبَرِ، وانْتَظَرَ الوَحْيَ في عائِشَةَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وأُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ وبَرِيرَةَ، وكانَ إذا أرادَ أنْ يَسْتَشِيرَ في أمْرِ أهْلِهِ لَمْ يَعْدُ عَلِيًّا وأُسامَةَ بَعْدَ مَوْتِ أبِيهِ زَيْدٍ: فَقالَ لِعَلِيٍّ: ما تَقُولُ في عائِشَةَ فَقَدْ أهَمَّنِي ما قالَ النّاسُ؟ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قالَ النّاسُ وقَدْ حَلَّ لَكَ طَلاقُها. وقالَ لِأُسامَةَ: ما تَقُولُ أنْتَ؟ قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ، ما يَحِلُّ لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا، سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ، فَقالَ لِبَرِيرَةَ: ما تَقُولِينَ يا (p-٦٨٠)بَرِيرَةُ؟ قالَتْ: واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِكَ إلّا خَيْرًا، إلّا أنَّها امْرَأةٌ نَؤُمُّ تَنامُ حَتّى تَجِيءَ الدّاجِنُ فَتَأْكُلَ عَجِينَها، وإنْ كانَ شَيْءٌ مِن هَذا لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى أتى مَنزِلَ أبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْها فَقالَ لَها: يا عائِشَةُ، إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ هَذا الأمْرَ فَقُولِي لِي حَتّى أسْتَغْفِرَ اللَّهَ لَكِ. فَقالَتْ: واللَّهِ لا أسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنهُ أبَدًا، إنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُهُ فَلا غَفَرَ اللَّهُ لِي، وما أجِدُ مَثَلِي ومَثَلَكم إلّا مَثَلَ أبِي يُوسُفَ - وذَهَبَ اسْمُ يَعْقُوبَ مِنَ الأسَفِ قالَ: ﴿إنَّما أشْكُو بَثِّي وحُزْنِي إلى اللَّهِ وأعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٨٦] [ يُوسُفَ: ٨٦]، فَبَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَلِّمُها إذْ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ فَأخَذَتِ النَّبِيَّ ﷺ نَعْسَةٌ فَسُرِّيَ وهو يَتَبَسَّمُ فَقالَ: يا عائِشَةُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ عُذْرَكِ. فَقالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ، فَتَلا عَلَيْها سُورَةَ النُّورِ إلى المَوْضِعِ الَّذِي انْتَهى خَبَرُها وعُذْرُها وبَراءَتُها، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُومِي إلى البَيْتِ. فَقامَتْ. وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المَسْجِدِ فَدَعا أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ فَجَمَعَ النّاسَ ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ ما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ البَراءَةِ لِعائِشَةَ، وبَعَثَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَجِيءَ بِهِ فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ حَدَّيْنِ، وبَعَثَ إلى حَسّانَ ومِسْطَحٍ وحَمْنَةَ، فَضُرِبُوا ضَرْبًا وجِيعًا ووَجَأ في رِقابِهِمْ. قالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّما ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ (p-٦٨١)ابْنَ أُبَيٍّ» حَدَّيْنِ؛ لِأنَّهُ مَن قَذَفَ أزْواجَ النَّبِيِّ ﷺ فَعَلَيْهِ حَدّانِ. فَبَعَثَ أبُو بَكْرٍ إلى مِسْطَحٍ: لا وصْلَتُكَ بِدِرْهَمٍ أبَدًا، ولا عَطَفْتُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ أبَدًا، ثُمَّ طَرَدَهُ أبُو بَكْرٍ وأخْرَجَهُ مِن مَنزِلِهِ، فَنَزَلَ القُرْآنُ: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أما إذْ نَزَلَ القُرْآنُ يَأْمُرُنِي فِيكَ لَأُضاعِفَنَّ لَكَ. وكانَتِ امْرَأةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مُنافِقَةً مَعَهُ، فَنَزَلَ القُرْآنُ: ﴿الخَبِيثاتُ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي امْرَأةَ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ: ﴿والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ وامْرَأتَهُ: ﴿والطَّيِّباتُ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي عائِشَةَ وأزْواجَ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي اليَسَرِ الأنْصارِيِّ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِعائِشَةَ: يا عائِشَةُ قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ. قالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن عِنْدِ عائِشَةَ فَبَعَثَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ وبَعَثَ إلى مِسْطَحٍ وحَمْنَةَ فَضَرَبَهم» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ يُرِيدُ: إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالكَذِبِ عَلى عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أرْبَعَةٌ مِنكم: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكم بَلْ هو خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (p-٦٨٢)يُرِيدُ: خَيْرًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وبَراءَةً لِسَيِّدَةِ نِساءِ المُؤْمِنِينَ، وخَيْرًا لِأبِي بَكْرٍ وأُمِّ عائِشَةَ وصَفْوانَ بْنِ المُعَطَّلِ: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ﴾ يُرِيدُ إشاعَتَهُ ( ﴿مِنهُمْ﴾ ) يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ: ﴿لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ يُرِيدُ في الدُّنْيا؛ جَلْدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَمانِينَ وفي الآخِرَةِ مَصِيرُهُ إلى النّارِ: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] وذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَشارَ فِيها أُسامَةَ وبَرِيرَةَ وأزْواجَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا خَيْرًا، وقالُوا: هَذا كَذِبٌ عَظِيمٌ: ﴿لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ١٣] لَكانُوا هم والَّذِينَ شَهِدُوا كاذِبِينَ: ﴿فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] يُرِيدُ الكَذِبَ بِعَيْنِهِ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ [النور: ١٤] يُرِيدُ: فَلَوْلا ما مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكم وسَتَرَكم: ﴿هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] يُرِيدُ بِالبُهْتانِ الِافْتِراءَ، مِثْلَ قَوْلِهِ في مَرْيَمَ ( ﴿بُهْتانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] ) [ النِّساءِ: ١٥٦ ]: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبَدًا﴾ [النور: ١٧] يُرِيدُ مِسْطَحًا وحَمْنَةَ وحَسّانَ: ﴿ويُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ [النور: ١٨] الَّتِي أنْزَلَها في عائِشَةَ والبَراءَةَ لَها: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ [النور: ١٨] بِما في قُلُوبِكم مِنَ النَّدامَةِ فِيما خُضْتُمْ بِهِ: ﴿حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٨] حَكَمَ في القَذْفِ ثَمانِينَ جَلْدَةً: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ﴾ [النور: ١٩] يُرِيدُ بَعْدَ هَذا: ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النور: ١٩] يُرِيدُ المُحْصَنِينَ (p-٦٨٣)والمُحْصَناتِ مِنَ المُصَدِّقِينَ: ﴿لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [النور: ١٩] وجِيعٌ ( ﴿فِي الدُّنْيا﴾ [النور: ١٩] ) يُرِيدُ الحَدَّ، وفي الآخِرَةِ العَذابُ في النّارِ: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩] سُوءَ ما دَخَلْتُمْ فِيهِ، وما فِيهِ مِن شِدَّةِ العَذابِ، وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ شِدَّةَ سَخَطِ اللَّهِ عَلى مَن فَعَلَ هَذا. ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النور: ٢٠] يُرِيدُ: لَوْلا ما تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكم: ﴿ورَحْمَتُهُ﴾ [النور: ٢٠] يُرِيدُ مِسْطَحًا وحَمْنَةَ وحَسّانَ: ﴿وأنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٠] يُرِيدُ: مِنَ الرَّحْمَةِ رَءُوفٌ بِكم حَيْثُ نَدِمْتُمْ ورَجَعْتُمْ إلى الحَقِّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ: صَدَقُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ: ﴿لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ: الزَّلّاتِ: ﴿فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ بِالفَحْشاءِ عِصْيانَ اللَّهِ، والمُنْكَرِ كُلَّ ما يَكْرَهُ اللَّهُ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ ما تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكم ورَحِمَكم: ﴿ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ: ما قَبِلَ تَوْبَةَ أحَدٍ مِنكم أبَدًا ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشاءُ﴾ [النور: ٢١] فَقَدْ شِئْتُ أنْ أتُوبَ عَلَيْكم: ﴿واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢١] يُرِيدُ سَمِيعٌ لِقَوْلِكم عَلِيمٌ بِما في أنْفُسِكم مِنَ النَّدامَةِ في التَّوْبَةِ. ﴿ولا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] يُرِيدُ: ولا يَحْلِفْ: ﴿أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] (p-٦٨٤)يُرِيدُ: ولا يَحْلِفْ أبُو بَكْرٍ ألّا يُنْفِقَ عَلى مِسْطَحٍ: ﴿أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢] فَقَدْ جَعَلْتُ فِيكَ يا أبا بَكْرٍ الفَضْلَ، وجَعَلْتُ عِنْدَكَ السَّعَةَ والمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ، فَتَعَطَّفْ يا أبا بَكْرٍ عَلى مِسْطَحٍ، فَلَهُ قَرابَةٌ ولَهُ هِجْرَةٌ ومَسْكَنَةٌ ومُشاهِدُ رَضِيتُها مِنهُ يَوْمَ بَدْرٍ: ﴿ألا تُحِبُّونَ﴾ [النور: ٢٢] يا أبا بَكْرٍ: ﴿أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢] يُرِيدُ: فاغْفِرْ لِمِسْطَحٍ: ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢] يُرِيدُ: فَإنِّي غَفُورٌ لِمَن أخْطَأ، رَحِيمٌ بِأوْلِيائِي. ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ [النور: ٢٣] يُرِيدُ: . العَفائِفَ ﴿الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ﴾ [النور: ٢٣] يُرِيدُ: المُصَدِّقاتِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وبِرُسُلِهِ، وقَدْ قالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ في عائِشَةَ: ؎حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحُومِ الغَوافِلِ فَقالَتْ عائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. ﴿لُعِنُوا في الدُّنْيا والآخِرَةِ ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] يَقُولُ: أخْرَجَهم مِنَ الإيمانِ، مِثْلُ قَوْلِهِ في سُورَةِ الأحْزابِ لِلْمُنافِقِينَ: ﴿مَلْعُونِينَ أيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيلا﴾ [الأحزاب: ٦١] [ الأحْزابِ: ٦١ ] .: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ﴾ يُرِيدُ: كِبَرَ القَذْفِ وإشاعَتِهِ؛ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ المَلْعُونُ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] (p-٦٨٥)يُرِيدُ: أنَّ اللَّهَ خَتَمَ عَلى ألْسِنَتِهِمْ فَتَكَلَّمَتِ الجَوارِحُ وشَهِدَتْ عَلى أهْلِها؛ وذَلِكَ أنَّهم قالُوا: تَعالَوْا نَحْلِفْ بِاللَّهِ ما كُنّا مُشْرِكِينَ. فَخَتَمَ اللَّهُ عَلى ألْسِنَتِهِمْ فَتَكَلَّمَتِ الجَوارِحُ بِما عَمِلُوا، ثُمَّ شَهِدَتْ ألْسِنَتُهم عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] يُرِيدُ: يُجازِيهِمْ بِأعْمالِهِمْ بِالحَقِّ، كَما يُجازِي أوْلِياءَهُ بِالثَّوابِ، كَذَلِكَ يَجْزِي أعْداءَهُ بِالعِقابِ كَقَوْلِهِ في الحَمْدِ: ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] يُرِيدُ: يَوْمَ الجَزاءِ: ﴿ويَعْلَمُونَ﴾ [النور: ٢٥] يُرِيدُ: يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] وذَلِكَ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كانَ يَشُكُّ في الدُّنْيا، وكانَ رَأْسَ المُنافِقِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] ويَعْلَمُ ابْنُ سَلُولَ: ﴿أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] يُرِيدُ: انْقَطَعَ الشَّكُّ واسْتَيْقَنَ حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ اليَقِينُ، ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] يُرِيدُ: أمْثالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ومَن شَكَّ في اللَّهِ ويَقْذِفُ مِثْلَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ: ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] عائِشَةُ طَيَّبَها اللَّهُ لِرَسُولِهِ، أتى بِها جِبْرِيلُ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ قَبْلَ أنْ تُصَوَّرَ في رَحِمِ أُمِّها فَقالَ لَهُ: عائِشَةُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ زَوْجَتُكَ في الدُّنْيا، وزَوْجَتُكَ (p-٦٨٦)فِي الجَنَّةِ عِوَضًا مِن خَدِيجَةَ، وذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِها، فَسُرَّ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقَرَّ بِها عَيْنًا. ﴿والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ [النور: ٢٦] يُرِيدُ: رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَيَّبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وجَعَلَهُ سَيِّدَ ولَدِ آدَمَ: والطَّيِّباتُ يُرِيدُ: عائِشَةَ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦] يُرِيدُ: بَرَّأها اللَّهُ مِن كَذِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ [النور: ٢٦] يُرِيدُ: عِصْمَةً في الدُّنْيا ومَغْفِرَةً في الآخِرَةِ ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: ٢٦] يُرِيدُ: رِزْقَ الجَنَّةِ، وثَوابٌ عَظِيمٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ الكَذِبِ ﴿عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ المُنافِقَ وحَسّانَ بْنَ ثابِتٍ ومِسْطَحَ بْنَ أُثاثَةَ وحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ يَقُولُ لِعائِشَةَ وصَفْوانَ: لا تَحْسَبُوا الَّذِي قِيلَ لَكم مِنَ الكَذِبِ: ﴿شَرًّا لَكم بَلْ هو خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لِأنَّكم تُؤْجَرُونَ عَلى ذَلِكَ: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهُمْ﴾ يَعْنِي مَن خاضَ في أمْرِ عائِشَةَ ﴿ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ﴾ عَلى قَدْرِ ما خاضَ فِيهِ مِن أمْرِها: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ﴾ يَعْنِي عُظْمَهُ ( مِنهم ) يَعْنِي القَدْفَةَ وهو (p-٦٨٧)ابْنُ أُبَيٍّ رَأْسُ المُنافِقِينَ، وهو الَّذِي قالَ: ما بَرِئَتْ مِنهُ وما بَرِئَ مِنها: ﴿لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ . وفي هَذِهِ الآيَةِ عِبْرَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ إذا كانَتْ فِيهِمْ خَطِيئَةٌ، فَمَن أعانَ عَلَيْها بِفِعْلٍ أوْ كَلامٍ أوْ عَرَّضَ بِها أوْ أعْجَبَهُ ذَلِكَ أوْ رَضِيَ، فَهو في تِلْكَ الخَطِيئَةِ عَلى قَدْرِ ما كانَ مِنهُ، وإذا كانَ خَطِيئَةٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ فَمَن شَهِدَ وكَرِهَ فَهو مِثْلُ الغائِبِ، ومَن غابَ ورَضِيَ فَهو مِثْلُ شاهِدٍ، ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢] قَذْفَ عائِشَةَ وصَفْوانَ: ﴿ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ﴾ [النور: ١٢] لِأنَّ مِنهم حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، يَعْنِي: هَلّا كَذَّبْتُمْ بِهِ: ﴿بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] هَلّا ظَنَّ بَعْضُهم بِبَعْضٍ خَيْرًا أنَّهم لَمْ يَزْنُوا: ﴿وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] ألا قالُوا: هَذا القَذْفُ كَذِبٌ بَيِّنٌ: ( ﴿لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ﴾ [النور: ١٣] ) يَعْنِي عَلى القَذْفِ: ( ﴿بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ١٣] )، ( ﴿فَأُولَئِكَ﴾ [النور: ١٣] ) يَعْنِي الَّذِينَ قَذَفُوا عائِشَةَ: ﴿عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] في قَوْلِهِمْ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ [النور: ١٤] مِن تَأخُّرِ العُقُوبَةِ: ﴿لَمَسَّكم في ما أفَضْتُمْ فِيهِ﴾ [النور: ١٤] يَعْنِي فِيما قُلْتُمْ مِنَ القَذْفِ: ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤] ﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكُمْ﴾ [النور: ١٥] وذَلِكَ حِينَ خاضُوا في أمْرِ عائِشَةَ فَقالَ بَعْضُهم: سَمِعْتُ فُلانًا يَقُولُ كَذا وكَذا. (p-٦٨٨)وقالَ بَعْضُهم: بَلْ كانَ كَذا وكَذا. فَقالَ: ﴿تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكُمْ﴾ [النور: ١٥] يَقُولُ: يَرْوِيهِ بَعْضُكم عَنْ بَعْضٍ: ﴿وتَقُولُونَ بِأفْواهِكُمْ﴾ [النور: ١٥] يَعْنِي بِألْسِنَتِكم مِن قَذْفِها: ﴿ما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾ [النور: ١٥] يَعْنِي مِن غَيْرِ أنْ تَعْلَمُوا أنَّ الَّذِي قُلْتُمْ مِنَ القَذْفِ حَقٌّ: ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ [النور: ١٥] تَحْسَبُونَ أنَّ القَذْفَ ذَنْبٌ هَيِّنٌ: ﴿وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥] يَعْنِي مِنَ الوِزْرِ: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢] يَعْنِي القَذْفَ: ﴿قُلْتُمْ ما يَكُونُ﴾ [النور: ١٦] يَعْنِي: ألا قُلْتُمْ: ( ﴿ما يَكُونُ﴾ [النور: ١٦] ) ما يَنْبَغِي ( ﴿لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا﴾ [النور: ١٦] ) ولَمْ تَرَهُ أعْيُنُنا: ﴿سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] يَعْنِي ألا قُلْتُمْ: هَذا كَذِبٌ عَظِيمٌ مِثْلَ ما قالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ الأنْصارِيُّ؛ وذَلِكَ أنَّ سَعْدًا لَمّا سَمِعَ قَوْلَ مَن قالَ في أمْرِ عائِشَةَ قالَ: ﴿سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] . والبُهْتانُ الَّذِي يَبْهَتُ فَيَقُولُ ما لَمْ يَكُنْ ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبَدًا﴾ [النور: ١٧] يَعْنِي القَذْفَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ١٧] يَعْنِي مُصَدِّقِينَ: ﴿ويُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ [النور: ١٨] يَعْنِي ما ذُكِرَ مِنَ المَواعِظِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ﴾ [النور: ١٩] تُفْشُوَ ويَظْهَرَ الزِّنى: ﴿لَهم عَذابٌ ألِيمٌ في الدُّنْيا﴾ [النور: ١٩] بِالحَدِّ، وفي الآخِرَةِ عَذابُ النّارِ. ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ﴾ [النور: ٢٠] الآيَةَ لَعاقَبَكم بِما قُلْتُمْ لِعائِشَةَ: ﴿وأنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٠] حِينَ عَفا فَلَمْ يُعاقِبْكم: ﴿ومَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ [النور: ٢١] يَعْنِي تَزْيِينَهُ: ﴿فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ﴾ [النور: ٢١] يَعْنِي بِالمَعاصِي: ﴿والمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] ما لا يُعْرَفُ، (p-٦٨٩)مِثْلُ ما قِيلَ لِعائِشَةَ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ [النور: ٢١] يَعْنِي نِعْمَتَهُ: ﴿ما زَكا﴾ [النور: ٢١] ما صَلَحَ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي﴾ [النور: ٢١] يُصْلِحُ: ﴿مَن يَشاءُ﴾ [النور: ٢١]، فَلَمّا أنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ عائِشَةَ وأبْرَأها وكَذَّبَ الَّذِينَ قَذَفُوها حَلَفَ أبُو بَكْرٍ أنْ لا يَصِلَ مِسْطَحَ بْنَ أُثاثَةَ بِشَيْءٍ أبَدًا؛ لِأنَّهُ كانَ في مَنِ ادَّعى عَلى عائِشَةَ مِنَ القَذْفِ، وكانَ مِسْطَحٌ مِنَ المُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ، وكانَ ابْنَ خالَةِ أبِي بَكْرٍ، وكانَ يَتِيمًا في حِجْرِهِ فَقِيرًا، فَلَمّا حَلَفَ أبُو بَكْرٍ ألّا يَصِلَهُ نَزَلَتْ في أبِيٍ بَكْرٍ: ﴿ولا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] أيْ ولا يَحْلِفْ: ﴿أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي: في الغِنى، يَعْنِي أبا بَكْرٌ الصِّدِّيقَ: ﴿والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي في الرِّزْقِ: ﴿أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي مِسْطَحَ بْنَ أُثاثَةَ قَرابَةَ أبِي بَكْرٍ، وابْنَ خالَتِهِ: ﴿والمَساكِينَ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي: لِأنَّ مِسْطَحًا كانَ فَقِيرًا: ﴿والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي: لِأنَّ مِسْطَحًا كانَ مِنَ المُهاجِرِينَ: ﴿ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي لِيَتَجاوَزُوا عَنْ مِسْطَحٍ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢] فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأبِي بَكْرٍ: أما تُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكَ؟ قالَ: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: فاعْفُ واصْفَحْ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ عَفَوْتُ وصَفَحْتُ، لا أمْنَعُهُ مَعْرُوفًا بَعْدَ اليَوْمِ. ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ [النور: ٢٣] يَعْنِي يَقْذِفُونَ بِالزِّنى الحافِظاتِ لِفُرُوجِهِنَّ العَفائِفَ: ﴿الغافِلاتِ﴾ [النور: ٢٣] يَعْنِي عَنِ الفَواحِشِ، يَعْنِي عائِشَةَ: ﴿المُؤْمِناتِ﴾ [النور: ٢٣] يَعْنِي الصّادِقاتِ: ﴿لُعِنُوا﴾ [النور: ٢٣] يَعْنِي جُلِدُوا: ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ [النور: ٢٣] يُعَذِّبُونَ بِالنّارِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لِأنَّهُ مُنافِقٌ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ. (p-٦٩٠): ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] قالَ: مَن قَذَفَ عائِشَةَ يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ [النور: ٢٥] يَعْنِي في الآخِرَةِ: ﴿يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] حِسابَهُمُ العَدْلَ لا يَظْلِمُهم: ﴿ويَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] يَعْنِي: العَدْلَ المُبِينَ: ﴿الخَبِيثاتُ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي السَّيِّئَ مِنَ الكَلامِ قَذْفَ عائِشَةَ ونَحْوَهُ، ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، يَعْنِي الَّذِينَ قَذَفُوها: ﴿والخَبِيثُونَ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ: ﴿لِلْخَبِيثاتِ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي السَّيِّئَ مِنَ الكَلامِ لِأنَّهُ يَلِيقُ بِهِمُ الكَلامُ السَّيِّئُ: ﴿والطَّيِّباتُ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي الحَسَنَ مِنَ الكَلامِ: ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، يَعْنِي الَّذِينَ ظَنُّوا بِالمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ خَيْرًا: ﴿والطَّيِّبُونَ﴾ [النور: ٢٦] مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ: ﴿لِلطَّيِّباتِ﴾ [النور: ٢٦] لِلْحَسَنِ مِنَ الكَلامِ لِأنَّهُ يَلِيقُ بِهِمُ الكَلامُ الحَسَنُ: ﴿أُولَئِكَ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي الطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ: ﴿مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦] هم بُرَآءُ مِنَ الكَلامِ السَّيِّئِ: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي لِذُنُوبِهِمْ: ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: ٢٦] يَعْنِي حَسَنًا في الجَنَّةِ، فَلَمّا نَزَلَ عُذْرُ عائِشَةَ ضَمَّها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى نَفْسِهِ وهي مِن أزْواجِهِ في الجَنَّةِ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «أنْزَلَ اللَّهُ عُذْرِي وكادَتِ الأُمَّةُ تَهْلَكُ في سَبَبِي، فَلَمّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وعَرَجَ المَلَكُ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأبِي: اذْهَبْ إلى ابْنَتِكَ فَأخْبِرْها أنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ عُذْرَها مِنَ (p-٦٩١)السَّماءِ. فَأتانِي أبِي وهو يَعْدُو يَكادُ أنْ يَعْثُرَ فَقالَ: أبْشِرِي يا بُنَيَّةُ بِأبِيٍّ وأُمِّي، فَإنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ عُذْرَكِ، قُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ ولا بِحَمَدِ صاحِبِكَ الَّذِي أرْسَلَكَ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَناوَلَ ذِراعِي، فَقُلْتُ بِيَدِهِ هَكَذا، فَأخَذَ أبُو بَكْرٍ النَّعْلَ لِيَعْلُوَنِي بِها فَمَنَعَتْهُ أُمِّي، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: أقْسَمْتُ لا تَفْعَلْ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «واللَّهِ ما كُنْتُ أرْجُو أنْ يَنْزِلَ فِيَّ كِتابُ اللَّهِ، ولا أطْمَعُ فِيهِ، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُؤْيا فَيَذْهَبُ ما في نَفْسِهِ، وقَدْ سَألَ الجارِيَةَ الحَبَشِيَّةَ فَقالَتْ: واللَّهِ لَعائِشَةُ أطْيَبُ مِن طِيبِ الذَّهَبِ، ولَكِنَّها تَرْقُدُ حَتّى تَدْخُلَ الشّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَها، واللَّهِ لَئِنْ كانَ ما يَقُولُ النّاسُ حَقًّا لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ، فَعَجِبَ النّاسُ مِن فِقْهِها» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قالَ: «لَمّا خاضَ النّاسُ في أمْرِ عائِشَةَ أرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى عائِشَةَ فَقالَ: يا عائِشَةُ ما يَقُولُ النّاسُ؟ فَقالَتْ: لا أعْتَذِرُ مِن شَيْءٍ قالُوهُ حَتّى يَنْزِلَ عُذْرِي مِنَ السَّماءِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيها خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِن سُورَةِ ”النُّورِ“ ثُمَّ قَرَأ حَتّى بَلَغَ: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور»: ٢٦] . (p-٦٩٢)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: نَزَلَتْ ثَمانِيَ عَشْرَةَ آيَةً مُتَوالِياتٍ بِتَكْذِيبِ مَن قَذَفَ عائِشَةَ وبِبَراءَتِها. وأخْرَجَ البَزّارُ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمّا رُمِيتُ بِما رُمِيتُ بِهِ هَمَمْتُ أنْ آتِيَ قَلِيبًا فَأطْرَحَ نَفْسِي فِيهِ. وأخْرَجَ البَزّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عائِشَةَ، أنَّهُ لَمّا نَزَلَ عُذْرُها قَبَّلَ أبُو بَكْرٍ رَأْسَها فَقالَتْ: ألا عَذَرَتْنِي؟ فَقالَ: أيُّ سَماءٍ تُظِلُّنِي وأيُّ أرْضٍ تُقِلُّنِي إنْ قُلْتُ ما لا أعْلَمُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «لَمّا نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّماءِ جاءَنِي النَّبِيُّ ﷺ فَأخْبَرَنِي بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ لا بِحَمْدِكَ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «لَمّا نَزَلَ عُذْرِي قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (p-٦٩٣)عَلى المِنبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وتَلا القُرْآنَ، فَلَمّا نَزَلَ أمَرَ بِرَجُلَيْنِ وامْرَأةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهم» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ قالَ: تَفاخَرَتْ عائِشَةُ وزَيْنَبُ فَقالَتْ زَيْنَبُ: أنا الَّتِي نَزَلَ تَزْوِيجِي. وقالَتْ عائِشَةُ: وأنا الَّتِي نَزَلَ عُذْرِي في كِتابِهِ حِينَ حَمَلَنِي ابْنُ المُعَطَّلِ. فَقالَتْ لَها زَيْنَبُ: يا عائِشَةُ، ما قُلْتِ حِينَ رَكِبْتِيها؟ قالَتْ: قُلْتُ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ. قالَتْ: قُلْتِ كَلِمَةَ المُؤْمِنِينَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهُ دَخَلَ عَلى عائِشَةَ قَبْلَ مَوْتِها وهي مَغْلُوبَةٌ فَقالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قالَتْ: بِخَيْرٍ إنِ اتَّقَيْتُ. قالَ: فَأنْتِ بِخَيْرٍ، زَوْجُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ولَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، ونَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّماءِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: خِلالٌ لِي تِسْعٌ لَمْ تَكُنْ (p-٦٩٤)لِأحَدٍ إلّا ما آتى اللَّهُ مَرْيَمَ؛ جاءَ المَلَكُ بِصُورَتِي إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وتَزَوَّجَنِي وأنا ابْنَةُ سَبْعِ سِنِينَ، وأُهْدِيتُ إلَيْهِ وأنا ابْنَةُ تِسْعٍ، وتَزَوَّجَنِي بِكْرًا، وكانَ يَأْتِيهِ الوَحْيُ وأنا وهو في لِحافٍ واحِدٍ، وكُنْتُ مِن أحَبِّ النّاسِ إلَيْهِ، ونَزَلَ فِيَّ آياتٌ مِنَ القُرْآنِ كادَتِ الأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيها، ورَأيْتُ جِبْرِيلَ ولَمْ يَرَهُ أحَدٌ مِن نِسائِهِ غَيْرِي، وقُبِضَ في بَيْتِي لَمْ يَلِهِ أحَدٌ غَيْرُ المَلَكِ إلّا أنا» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: فُضِّلَتْ عَلى نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ بِعَشْرٍ، قِيلَ: ما هُنَّ يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ؟ قالَتْ: لَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا قَطُّ غَيْرِي، ولَمْ يَنْكِحِ امْرَأةً أبَواها مُهاجِرانِ غَيْرِي، وأنْزَلَ اللَّهُ بَراءَتِي مِنَ السَّماءِ، وجاءَهُ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي مِنَ السَّماءِ في حَرِيرَةٍ وقالَ: تَزَوَّجْها فانَّها امْرَأتُكَ، وكُنْتُ أغْتَسِلُ أنا وهو مِنِ إناءٍ واحِدٍ، ولَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِأحَدٍ مِن نِسائِهِ غَيْرِي، وكانَ يُصَلِّي وأنا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، ولَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأحَدٍ مِن نِسائِهِ غَيْرِي، وكانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ وهو مَعِي، ولَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وهو مَعَ أحَدٍ مِن نِسائِهِ غَيْرِي، وقَبَضَ اللَّهُ نَفْسَهُ وهو بَيْنُ سَحْرِي ونَحْرِي، وماتَ في اللَّيْلَةِ الَّتِي كانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيها، ودُفِنَ في بَيْتِي» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ قالَ: (p-٦٩٥)أصْحابُ عائِشَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ومِسْطَحُ وحَسّانُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلى عائِشَةَ حَسّانُ ومِسْطَحٌ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ: أنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوانَ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْألُهُ عَنِ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أنَّهُ لَمْ يُسَمَّ مِنهم إلّا حَسّانُ ومِسْطَحٌ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ في آخَرِينَ لا عِلْمَ لِي بِهِمْ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ فَقالَ: الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم عَلِيٌّ، فَقُلْتُ: لا، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وعَلْقَمَةُ بْنُ وقّاصٍ وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كُلُّهم سَمِعَ عائِشَةَ تَقُولُ: الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قالَ: فَقالَ لِي: فَما كانَ جُرْمُهُ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي شَيْخانِ مِن قَوْمِكَ: أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وأبُو بَكْرِ (p-٦٩٦)بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ أنَّهُما سَمِعا عائِشَةَ تَقُولُ: كانَ مُسِيئًا في أمْرِي. وقالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ في ”مُسْنَدِهِ“ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الحَلْوانِيِّ حَدَّثَنا الشّافِعِيُّ: حَدَّثَنا عَمِّيٌّ قالَ: " دَخَلَ سُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ عَلى هِشامِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ فَقالَ لَهُ: يا سُلَيْمانُ، الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مَن هو ؟ قالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. قالَ: كَذَبْتَ، هو عَلِيٌّ. قالَ: أمِيرُ المُؤْمِنِينَ أعْلَمُ بِما يَقُولُ. فَدَخَلَ الزُّهْرِيُّ فَقالَ: يا ابْنَ شِهابٍ مَنِ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ ؟ فَقالَ لَهُ: ابْنُ أُبَيٍّ. قالَ: كَذَبْتَ، هو عَلِيٌّ، قالَ: أنا أكْذِبُ، لا أبا لَكَ؟ واللَّهِ لَوْ نادى مُنادٍ مِنَ السَّماءِ أنَّ اللَّهَ أحَلَّ الكَذِبَ ما كَذَبْتُ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وسَعِيدٌ وعُبَيْدُ اللَّهِ وعَلْقَمَةُ عَنْ عائِشَةَ أنَّ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وابْنُ مَسْرُوقٍ قالَ: دَخَلَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ عَلى عائِشَةَ فَشَبَّبَ وقالَ: ؎حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحُومِ الغَوافِلِ (p-٦٩٧)قالَتْ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قُلْتُ: تَدَّعِينَ مِثْلَ هَذا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وقَدْ أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ فَقالَتْ: وأيُّ عَذابٍ أشَدُّ مِنَ العَمى؟ ولَفْظُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ: أوَلَيْسَ في عَذابٍ؟ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِن طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عائِشَةَ، أنَّها قالَتْ: ما سَمِعْتُ بِشَيْءٍ أحْسَنَ مِن شَعْرِ حَسّانَ، وما تَمَثَّلْتُ بِهِ إلّا رَجَوْتُ لَهُ الجَنَّةَ، قَوْلُهُ لِأبِي سُفْيانَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: ؎هَجَوْتَ مُحَمَّدًا وأجَبْتُ عَنْهُ ∗∗∗ وعِنْدَ اللَّهِ في ذاكَ الجَزاءُ ؎فَإنَّ أبِي ووالِدَهُ وعِرْضِي ∗∗∗ لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكم وِقاءُ ؎أتَشْتَمُهُ ولَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ∗∗∗ فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُما الفِداءُ ؎لِسانِي صارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ∗∗∗ وبَحْرِي لا تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ فَقِيلَ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ ألَيْسَ هَذا لَغْوًا؟ قالَتْ: لا، إنَّما اللَّغْوُ ما قِيلَ عِنْدَ النِّساءِ، قِيلَ: ألَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ قالَتْ: ألَيْسَ قَدْ أصابَهُ عَذابٌ ألِيمٌ، ألَيْسَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وكُسِعَ (p-٦٩٨)بِالسَّيْفِ؟ وتَعْنِي الضَّرْبَةُ الَّتِي ضَرَبَها إيّاهُ صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ حِينَ بَلَغَهُ عَنْهُ أنَّهُ تَكَلَّمَ في ذَلِكَ، فَعَلاهُ بِالسَّيْفِ وكادَ يَقْتُلُهُ. وأخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تَأْذَنُ لِحَسّانَ بْنِ ثابِتٍ، وتَدْعُو لَهُ بِالوِسادَةِ وتَقُولُ: لا تُؤْذُوا حَسّانَ فَإنَّهُ كانَ يَنْصُرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِلِسانِهِ، وقالَ اللَّهُ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وقَدْ عَمِيَ، واللَّهُ قادِرٌ أنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ العَذابَ العَظِيمَ عَماهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهُمْ﴾ يَقُولُ: الَّذِي بَدَأ بِذَلِكَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ﴾ قالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ يُذِيعُهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ رَجُلانِ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، أحَدُهُما مِن قُرَيْشٍ والآخَرُ مِنَ الأنْصارِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ (p-٦٩٩)ابْنُ سَلُولَ، ولَمْ يَكُنْ شَرٌّ قَطُّ إلّا ولَهُ قادَةٌ ورُؤَساءُ في شَرِّهِمْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تَأْذَنُ لِحَسّانَ بْنِ ثابِتٍ، وتُلْقِي لَهُ الوِسادَةَ وتَقُولُ، لا تَقُولُوا لِحَسّانَ إلّا خَيْرًا؛ فَإنَّهُ كانَ يَرُدُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وقَدْ عَمِيَ، والعَمى عَذابٌ عَظِيمٌ، واللَّهُ قادِرٌ عَلى أنْ يَجْعَلَهُ ذَلِكَ ويَغْفِرَ لِحَسّانَ ويُدْخِلَهُ الجَنَّةَ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: في قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ( والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ ألِيمٌ ) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب