الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١١] ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكم لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكم بَلْ هو خَيْرٌ لَكم لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ . ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ أيْ: بِأبْلَغِ ما يَكُونُ مِنَ الكَذِبِ، وقِيلَ هو البُهْتانُ لا تُشَهَّرُ بِهِ حَتّى يَفْجَأكَ. والمُرادُ بِهِ ما أفَكَ بِهِ الصِّدِّيقَةَ، أُمَّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ؟ فاللّامُ لِلْعَهْدِ ويَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى الجِنْسِ. قِيلَ: فَيُفِيدُ القَصْرَ، كَأنَّهُ لا إفْكَ إلّا هو. وفي لَفْظِ (المَجِيءِ ) إشارَةٌ إلى أنَّهم أظْهَرُوهُ مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ أصْلٌ: ﴿عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ أيْ: جَماعَةٌ مِنكم، خَبَرُ (إنَّ ) و(مِنكم ) نَعْتٌ لَها. وبِهِ أفادَ الخَبَرَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ (p-٤٤٦٠)مُسْتَأْنَفٌ، والهاءُ ضَمِيرُ الإفْكِ أوِ القَذْفِ. والخِطابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ولِآلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، ولِمَن ساءَهُ ذَلِكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. تَسْلِيَةً لَهم مِن أوَّلِ الأمْرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ هو خَيْرٌ لَكُمْ﴾ زِيادَةٌ في التَّسْلِيَةِ والتَّكْرِيمِ. أيْ: لا تَظُنُّوهُ يُلْحِقُ تُهْمَةً بِكم أوْ يُوقِعُ نَقِيصَةً فِيكم، بَلْ قَدْ جَرَّ لَكم خَيْرًا عَظِيمًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْنى كَوْنِهِ خَيْرًا لَهم، أنَّهُمُ اكْتَسَبُوا فِيهِ الثَّوابَ العَظِيمَ. لِأنَّهُ كانَ بَلاءً مُبِينًا ومِحْنَةً ظاهِرَةً. وأنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ ثَمانِي عَشْرَةَ آيَةً، كُلُّ واحِدَةٍ مِنها مُسْتَقِلَّةٌ، بِما هو تَعْظِيمٌ لِشَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَسْلِيَةٌ لَهُ، وتَنْزِيهٌ لِأُمِّ المُؤْمِنِينَ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْها، وتَطْهِيرٌ لِأهْلِ البَيْتِ، وتَهْوِيلٌ لِمَن تَكَلَّمَ في ذَلِكَ أوْ سَمِعَ بِهِ فَلَمْ تَمُجَّهُ أُذُناهُ. وعِدَّةُ ألْطافٍ لِلسّامِعِينَ والتّالِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وفَوائِدُ دِينِيَّةٌ وأحْكامٌ وآدابٌ لا تَخْفى عَلى مُتَأمِّلِيها ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ﴾ أيْ: جَزاؤُهُ، وذَلِكَ الذَّمُّ في الدُّنْيا إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والجَلْدُ ثَمانِينَ. ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَدُّ: ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ: قامَ بِعِظَمِهِ وإشاعَتِهِ، بَعْدَ ابْتِدائِهِ بِالخَوْضِ فِيهِ، وهو رَأْسُ المُنافِقِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، لِإمْعانِهِ في عَداوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وانْتِهازِهِ الفُرَصَ، وطَلَبِهِ سَبِيلًا إلى الغَمِيزَةِ. رَوى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: أمّا الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ الخَبِيثُ. هو الَّذِي ابْتَدَأ هَذِهِ الكَلامَ وقالَ: امْرَأةُ نَبِيِّكم باتَتْ مَعَ رَجُلٍ حَتّى أصْبَحَتْ، ثُمَّ جاءَ يَقُودُ بِها. والعَذابُ العَظِيمُ يَعُمُّ عَذابَيِ الدّارَيْنِ، كَما قُلْنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب