الباحث القرآني

(p-١٠٠١). خَبَرُ إنَّ مِن قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ هو عُصْبَةٌ ومِنكم صِفَةٌ لِعُصْبَةٍ، وقِيلَ: هو ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ وتَكُونُ عُصْبَةٌ بَدَلًا مِن فاعِلِ جاءُوا. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا أنْسَقُ في المَعْنى وأكْثَرُ فائِدَةً مِن أنْ يَكُونَ الخَبَرُ عُصْبَةً، وجُمْلَةُ لا تَحْسَبُوهُ، وإنْ كانَتْ طَلَبِيَّةً، فَجَعْلُها خَبَرًا يَصِحُّ بِتَقْدِيرٍ كَما في نَظائِرِ ذَلِكَ، والإفْكُ أسْوَأُ الكَذِبِ وأقْبَحُهُ، وهو مَأْخُوذٌ مَن أفَكَ الشَّيْءَ إذا قَلَبَهُ عَنْ وجْهِهِ. فالإفْكُ هو الحَدِيثُ المَقْلُوبُ، وقِيلَ: هو البُهْتانُ وأجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ المُرادَ بِما في الآيَةِ ما وقَعَ مِنَ الإفْكِ عَلى عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وإنَّما وصَفَهُ اللَّهُ بِأنَّهُ إفْكٌ؛ لِأنَّ المَعْرُوفَ مِن حالِها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - خِلافُ ذَلِكَ، قالَ الواحِدِيُّ: ومَعْنى القَلْبِ في هَذا الحَدِيثِ الَّذِي جاءَ بِهِ أُولَئِكَ النَّفَرُ أنَّ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - كانَتْ تَسْتَحِقُّ الثَّناءَ بِما كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الحَصانَةِ وشَرَفِ النَّسَبِ والسَّبَبِ لا القَذْفَ، فالَّذِينَ رَمَوْها بِالسُّوءِ قَلَبُوا الأمْرَ عَنْ وجْهِهِ، فَهو إفْكٌ قَبِيحٌ وكَذِبٌ ظاهِرٌ، والعُصْبَةُ هُمُ الجَماعَةُ مِنَ العَشَرَةِ إلى الأرْبَعِينَ، والمُرادُ بِهِمْ هُنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ رَأْسُ المُنافِقِينَ، وزَيْدُ بْنُ رَفاعَةَ وحَسّانُ بْنُ ثابِتٍ ومِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ومَن ساعَدَهم. وقِيلَ: العُصْبَةُ مِنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشَرَةِ، وقِيلَ: مِن عَشَرَةٍ إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، وأصْلُها في اللُّغَةِ الجَماعَةُ الَّذِي يَتَعَصَّبُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، وجُمْلَةُ ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ إنْ كانَتْ خَبَرًا لَ ( إنَّ ) فَظاهِرٌ، وإنْ كانَ الخَبَرُ ( عُصْبَةٌ ) كَما تَقَدَّمَ فَهي مُسْتَأْنَفَةٌ، خُوطِبَ بِها النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وعائِشَةُ وصَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ الَّذِي قُذِفَ مَعَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وتَسْلِيَةٌ لَهم. والشَّرُّ ما زادَ ضُرُّهُ عَلى نَفْعِهِ، والخَيْرُ ما زادَ نَفْعُهُ عَلى ضُرِّهِ، وأمّا الخَيْرُ الَّذِي لا شَرَّ فِيهِ فَهو الجَنَّةُ، والشَّرُّ الَّذِي لا خَيْرَ فِيهِ فَهو النّارُ، ووَجْهُ كَوْنِهِ خَيْرًا لَهم أنَّهُ يَحْصُلُ لَهم بِهِ الثَّوابُ العَظِيمُ مَعَ بَيانِ بَراءَةِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وصَيْرُورَةِ قِصَّتِها هَذِهِ شَرْعًا عامًّا ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ﴾ أيْ بِسَبَبِ تَكَلُّمِهِ بِالإفْكِ ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ قَرَأ الحَسَنُ والزَّهْرِيُّ وأبُو رَجاءٍ وحُمَيْدٌ الأعْرَجُ ويَعْقُوبُ وابْنُ أبِي عُلَيَّةَ ومُجاهِدٌ وعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِضَمِّ الكافِ. قالَ الفَرّاءُ: وهو وجْهٌ جَيِّدٌ؛ لِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: فُلانٌ تَوَلّى عَظِيمَ كَذا وكَذا أيْ: أكْبَرَهُ، وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها. قِيلَ هُما لُغَتانِ، وقِيلَ: هو بِالضَّمِّ مُعْظَمُ الإفْكِ، وبِالكَسْرِ البُداءَةُ بِهِ، وقِيلَ: هو بِالكَسْرِ الإثْمُ. فالمَعْنى: إنَّ الَّذِي تَوَلّى مُعْظَمَ الإفْكِ مِنَ العُصْبَةِ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ أوْ فِيهِما. واخْتُلِفَ في هَذا الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِن عُصْبَةِ الإفْكِ مَن هو مِنهم ؟ فَقِيلَ هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وقِيلَ: هو حَسّانُ، والأوَّلُ هو الصَّحِيحُ. وقَدْ رَوى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ وغَيْرُهُ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - جَلَدَ في الإفْكِ رَجُلَيْنِ وامْرَأةً، وهم مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ وحَسّانُ بْنُ ثابِتٍ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ» . وقِيلَ: جَلَدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وحَسّانَ بْنَ ثابِتٍ وحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ ولَمْ يَجْلِدْ مِسْطَحًا، لِأنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالقَذْفِ، ولَكِنْ كانَ يَسْمَعُ ويَشِيعُ مِن غَيْرِ تَصْرِيحٍ. وقِيلَ: لَمْ يَجْلِدْ أحَدًا مِنهم. قالَ القُرْطُبِيُّ: المَشْهُورُ مِنَ الأخْبارِ والمَعْرُوفِ عِنْدَ العُلَماءِ أنَّ الَّذِينَ حُدُّوا: حَسّانُ ومِسْطَحٌ وحَمْنَةُ. ولَمْ يُسْمَعْ بِحَدِّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، ويُؤَيِّدُ هَذا ما في سُنَنِ أبِي داوُدَ عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: لَمّا نَزَلَ عُذْرِي، قامَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ وتَلا القُرْآنَ، فَلَمّا نَزَلَ مِنَ المِنبَرِ أمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ والمَرْأةِ فَضُرِبُوا حَدَّهم، وسَمّاهم: حَسّانُ، ومِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ، وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. واخْتَلَفُوا في وجْهِ تَرْكِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِجَلْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقِيلَ لِتَوْفِيرِ العَذابِ العَظِيمِ لَهُ في الآخِرَةِ، وحَدَّ مَن عَداهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَكْفِيرًا لِذَنْبِهِمْ كَما ثَبَتَ عَنْهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في الحُدُودِ أنَّهُ قالَ: «إنَّها كَفّارَةٌ لِمَن أُقِيمَتْ عَلَيْهِ» وقِيلَ: تَرَكَ حَدَّهُ تَألُّفًا لِقَوْمِهِ واحْتِرامًا لِابْنِهِ، فَإنَّهُ كانَ مِن صالِحِي المُؤْمِنِينَ وإطْفاءً لِنائِرَةِ الفِتْنَةِ، فَقَدْ كانَتْ ظَهَرَتْ مَبادِيها مَن سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ ومَن مَعَهُ كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ. ثُمَّ صَرَفَ سُبْحانَهُ الخِطابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ومَن مَعَهُ إلى المُؤْمِنِينَ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ فَقالَ: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ لَوْلا هَذِهِ هي التَّحْضِيضِيَّةُ تَأْكِيدًا لِلتَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ ومُبالَغَةٌ في مُعاتَبَتِهِمْ أيْ: كانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَمِعُوا مَقالَةَ أهْلِ الإفْكِ أنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلى أنْفُسِهِمْ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ يَبْعُدُ فِيهِمْ، فَهو في أُمِّ المُؤْمِنِينَ أبْعَدُ. قالَ الحَسَنُ: مَعْنى بِأنْفُسِهِمْ بِأهْلِ دِينِهِمْ؛ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: ولِذَلِكَ يُقالُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهم بَعْضًا إنَّهم يَقْتُلُونَ أنْفُسَهم. قالَ المُبَرِّدُ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكم﴾ [البقرة: ٥٤] قالَ النَّحّاسُ: بِأنْفُسِهِمْ بِإخْوانِهِمْ، فَأوْجَبَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلى المُسْلِمِينَ إذا سَمِعُوا رَجُلًا يَقْذِفُ أحَدًا ويَذْكُرُهُ بِقَبِيحٍ لا يَعْرِفُونَهُ بِهِ أنْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ ويُكَذِّبُوهُ. قالَ العُلَماءُ: إنَّ في الآيَةِ دَلِيلًا عَلى أنَّ دَرَجَةَ الإيمانِ والعَفافِ لا يُزِيلُها الخَبَرُ المُحْتَمَلُ وإنْ شاعَ ﴿وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ أيْ قالَ المُؤْمِنُونَ عِنْدَ سَماعِ الإفْكِ هَذا إفْكٌ ظاهِرٌ مَكْشُوفٌ. وجُمْلَةُ ﴿لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ مِن تَمامِ ما يَقُولُهُ المُؤْمِنُونَ أيْ: وقالُوا هَلّا (p-١٠٠٢)جاءَ الخائِضُونَ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ يَشْهَدُونَ عَلى ما قالُوا ﴿فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولَئِكَ﴾ أيِ الخائِضُونَ في الإفْكِ ﴿عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ أيْ في حُكْمِ اللَّهِ تَعالى هُمُ الكاذِبُونَ الكامِلُونَ في الكَذِبِ. ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ هَذا خِطابُ السّامِعِينَ، وفِيهِ زَجْرٌ عَظِيمٌ ولَوْلا هَذِهِ هي لِامْتِناعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ ﴿لَمَسَّكم في ما أفَضْتُمْ فِيهِ﴾ أيْ بِسَبَبِ ما خُضْتُمْ فِيهِ مِن حَدِيثِ الإفْكِ، يُقالُ أفاضَ في الحَدِيثِ، وانْدَفَعَ وخاضَ. والمَعْنى: لَوْلا أنِّي قَضَيْتُ عَلَيْكم بِالفَضْلِ في الدُّنْيا بِالنِّعَمِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الإمْهالُ والرَّحْمَةُ في الآخِرَةِ بِالعَفْوِ، لَعاجَلْتُكم بِالعِقابِ عَلى ما خُضْتُمْ فِيهِ مِن حَدِيثِ الإفْكِ. وقِيلَ: المَعْنى: لَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم لَمَسَّكُمُ العَذابُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ مَعًا، ولَكِنْ بِرَحْمَتِهِ سَتَرَ عَلَيْكم في الدُّنْيا ويَرْحَمُ في الآخِرَةِ مَن أتاهُ تائِبًا. ﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكُمْ﴾ الظَّرْفُ مَنصُوبٌ بِمَسَّكم أوْ بِأفَضْتُمْ، قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ مِنَ التَّلَقِّي، والأصْلُ تَتَلَقَّوْنَهُ فَحَذَفَ إحْدى التّاءَيْنِ. قالَ مُقاتِلٌ ومُجاهِدٌ: المَعْنى يَرْوِيهِ بَعْضُكم عَنْ بَعْضٍ. قالَ الكَلْبِيُّ: وذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ مِنهم يَلْقى الرَّجُلَ فَيَقُولُ بَلَغَنِي كَذا وكَذا ويَتَلَقَّوْنَهُ تَلَقِّيًا. قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ يُلْقِيهِ بَعْضُكم إلى بَعْضٍ. وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ السُّمَيْفِعِ بِضَمِّ التّاءِ وسُكُونِ اللّامِ وضَمِّ القافِ، مِنَ الإلْقاءِ، ومَعْنى هَذِهِ القِراءَةِ واضِحٌ. وقَرَأ أُبَيٌّ وابْنُ مَسْعُودٍ ( تَتَلَقَّوْنَهُ ) مِنَ التَّلَقِّي، وهي كَقِراءَةِ الجُمْهُورِ: وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وعائِشَةُ وعِيسى بْنُ عُمَرَ ويَحْيى بْنُ يَعْمُرَ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِفَتْحِ التّاءِ وكَسْرِ اللّامِ وضَمِّ القافِ وهَذِهِ القِراءَةُ مَأْخُوذَةٌ مِن قَوْلِ العَرَبِ ولَقَ يَلِقُ ولْقًا: إذا كَذَبَ. قالَ ابْنُ سِيدَهْ: جاءُوا بِالمُتَعَدِّي شاهِدًا عَلى غَيْرِ المُتَعَدِّي. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وعِنْدِي أنَّهُ أرادَ يَلْقُونَ فِيهِ فَحَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ فاتَّصَلَ الضَّمِيرُ. قالَ الخَلِيلُ وأبُو عَمْرٍو: أصْلُ الوَلْقِ الإسْراعُ، يُقالُ جاءَتِ الإبِلُ تَلِقُ أيْ: تُسْرِعُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لَمّا رَأوْا جَيْشًا عَلَيْهِمْ قَدْ طَرَقَ جاءُوا بِأسْرابٍ مِنَ الشّامِ ولَقَ وقالَ آخَرُ: ؎جاءَتْ بِهِ عِيسٌ مِنَ الشّامِ تَلِقُ قالَ أبُو البَقاءِ أيْ: يُسْرِعُونَ فِيهِ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وهَذِهِ اللَّفْظَةُ أيْ تَلْقُونَهُ عَلى القِراءَةِ الأخِيرَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الوَلْقِ، وهو الإسْراعُ بِالشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ كَعَدَدٍ في إثْرِ عَدَدٍ، وكَلامٍ في إثْرِ كَلامٍ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وأبُو جَعْفَرٍ ( تَأْلِقُونَهُ ) بِفَتْحِ التّاءِ وهَمْزَةٍ ساكِنَةٍ ولامٍ مَكْسُورَةٍ وقافٍ مَضْمُومَةٍ مِنَ الألْقِ وهو الكَذِبُ، وقَرَأ يَعْقُوبُ ( تِيلَقُونَهُ ) بِكَسْرِ التّاءِ مِن فَوْقٍ بَعْدَها ياءٌ تَحْتِيَّةٌ ساكِنَةٌ ولامٌ مَفْتُوحَةٌ وقافٌ مَضْمُومَةٌ، وهو مُضارِعُ ولِقَ بِكَسْرِ اللّامِ، ومَعْنى ﴿وتَقُولُونَ بِأفْواهِكم ما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾ أنَّ قَوْلَهم هَذا مُخْتَصٌّ بِالأفْواهِ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ واقِعًا في الخارِجِ مُعْتَقَدًا في القُلُوبِ، وقِيلَ: إنَّ ذِكْرَ الأفْواهِ لِلتَّأْكِيدِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] ونَحْوِهِ، والضَّمِيرُ في تَحْسَبُونَهُ راجِعٌ إلى الحَدِيثِ الَّذِي وقَعَ الخَوْضُ فِيهِ والإذاعَةُ لَهُ ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ أيْ شَيْئًا يَسِيرًا لا يَلْحَقُكم فِيهِ إثْمٌ، وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ أيْ: عَظِيمُ ذَنْبِهِ وعِقابِهِ. ﴿ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا﴾ هَذا عِتابٌ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ أيْ: هَلّا إذْ سَمِعْتُمْ حَدِيثَ الإفْكِ قُلْتُمْ تَكْذِيبًا لِلْخائِضِينَ فِيهِ المُفْتَرِينَ لَهُ ما يَنْبَغِي لَنا ولا يُمْكِنُنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا الحَدِيثِ ولا يَصْدُرُ ذَلِكَ مِنّا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَكَ هَذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾ التَّعَجُّبُ مِن أُولَئِكَ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ، وأصْلُهُ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتّى اسْتُعْمِلَ في كُلِّ مُتَعَجَّبٍ مِنهُ، والبُهْتانُ هو أنْ يُقالَ في الإنْسانِ ما لَيْسَ فِيهِ أيْ: هَذا كَذِبٌ عَظِيمٌ لِكَوْنِهِ قِيلَ في أُمِّ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -، وصُدُورُهُ مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا مِن مِثْلِها. ثُمَّ وعَظَ سُبْحانَهُ الَّذِي خاضُوا في الإفْكِ. ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبَدًا﴾ أيْ يَنْصَحُكُمُ اللَّهُ، أوْ يُحَرِّمُ عَلَيْكم، أوْ يَنْهاكم كَراهَةً أنْ تَعُودُوا، أوْ مِن أنْ تَعُودُوا، أوْ في أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِ هَذا القَذْفِ مُدَّةَ حَياتِكم ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فَإنَّ الإيمانَ يَقْتَضِي عَدَمَ الوُقُوعِ في مَثَلِهِ ما دُمْتُمْ، وفِيهِ تَهْيِيجٌ عَظِيمٌ وتَقْرِيعٌ بالِغٌ. ﴿ويُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ في الأمْرِ والنَّهْيِ لِتَعْمَلُوا بِذَلِكَ وتَتَأدَّبُوا بِآدابِ اللَّهِ وتَنْزَجِرُوا عَنِ الوُقُوعِ في مَحارِمِهِ ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بِما تُبْدُونَهُ وتُخْفُونَهُ حَكِيمٌ في تَدْبِيراتِهِ لِخَلْقِهِ. ثُمَّ هَدَّدَ سُبْحانَهُ القاذِفِينَ ومَن أرادَ أنْ يَتَسامَعَ النّاسَ بِعُيُوبِ المُؤْمِنِينَ وذُنُوبِهِمْ. فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ يُحِبُّونَ أنْ تَفْشُوَ الفاحِشَةُ وتَنْتَشِرَ، مِن قَوْلِهِمْ شاعَ الشَّيْءُ يَشِيعُ شُيُوعًا وشَيْعًا وشَيَعانًا: إذا ظَهَرَ وانْتَشَرَ، والمُرادُ بِالَّذِينَ آمَنُوا المُحْصَنُونَ والعَفِيفُونَ، أوْ كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الإيمانِ، والفاحِشَةُ هي فاحِشَةُ الزِّنا والقَوْلُ السَّيْءُ ﴿لَهم عَذابٌ ألِيمٌ في الدُّنْيا﴾ بِإقامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِمْ والآخِرَةِ بِعَذابِ النّارِ ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ﴾ جَمِيعَ المَعْلُوماتِ ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ إلّا ما عَلَّمَكم بِهِ وكَشَفَهُ لَكم، ومِن جُمْلَةِ ما يَعْلَمُهُ اللَّهُ عِظَمُ ذَنَبِ القَذْفِ، وعُقُوبَةُ فاعِلِهِ. ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ هو تَكْرِيرٌ لِما تَقَدَّمَ تَذْكِيرًا لِلْمِنَّةِ مِنهُ سُبْحانَهُ عَلى عِبادِهِ بِتَرْكِ المُعاجَلَةِ لَهم ﴿وأنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ومِن رَأْفَتِهِ بِعِبادِهِ أنْ لا يُعاجِلَهم بِذُنُوبِهِمْ، ومِن رَحْمَتِهِ لَهم أنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِمِثْلِ هَذا الإعْذارِ والإنْذارِ، وجُمْلَةُ: وأنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى فَضْلِ اللَّهِ، وجَوابُ لَوْلا مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ أيْ: لَعاجَلَكم بِالعُقُوبَةِ. ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ الخُطُواتُ جَمْعُ خُطْوَةٍ، وهي ما بَيْنَ القَدَمَيْنِ، والخَطْوَةُ بِالفَتْحِ المَصْدَرُ أيْ: لا تَتْبَعُوا مَسالِكَ الشَّيْطانِ ومَذاهِبَهُ ولا تَسْلُكُوا طَرائِقَهُ الَّتِي يَدْعُوكم إلَيْها. قَرَأ الجُمْهُورُ خُطُواتِ بِضَمِّ الخاءِ والطّاءِ، وقَرَأ عاصِمٌ والأخْفَشُ بِضَمِّ الخاءِ وإسْكانِ الطّاءِ ﴿ومَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ قِيلَ جَزاءُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أُقِيمَ مَقامَهُ ما هو عِلَّةٌ لَهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَقَدِ ارْتَكَبَ (p-١٠٠٣)الفَحْشاءَ والمُنْكِرَ لِأنَّ دَأْبَهُ أنْ يَسْتَمِرَ آمِرًا لِغَيْرِهِ بِهِما، والفَحْشاءُ ما أفْرَطَ قُبْحُهُ، والمُنْكِرُ ما يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ، وضَمِيرُ إنَّهُ لِلشَّيْطانِ، وقِيلَ: لِلشَّأْنِ، والأوْلى أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى مَن يَتَّبِعُ خُطُواتِ الشَّيْطانِ؛ لِأنَّ مَنِ اتَّبَعَ الشَّيْطانَ صارَ مُقْتَدِيًا بِهِ في الأمْرِ بِالفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ بَيانَهُ وجَوابُ لَوْلا هو قَوْلُهُ: ﴿ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا﴾ أيْ لَوْلا التَّفَضُّلُ والرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ ما طَهَّرَ أحَدٌ مِنكم نَفْسَهُ مِن دَنَسِها ما دامَ حَيًّا. قَرَأ الجُمْهُورُ زَكى بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ الأعْمَشُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وأبُو جَعْفَرٍ بِالتَّشْدِيدِ أيْ ما طَهَّرَهُ اللَّهُ. وقالَ مُقاتِلٌ أيْ: ما صَلُحَ. والأوْلى تَفْسِيرُ زَكا بِالتَّطَهُّرِ والتَّطْهِيرِ، وهو الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. قالَ الكِسائِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ مُعْتَرِضٌ، وقَوْلُهُ: ﴿ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا﴾ جَوابٌ لِقَوْلِهِ أوَّلًا وثانِيًا ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ. وقِراءَةُ التَّخْفِيفِ أرْجَحُ لِقَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشاءُ﴾ أيْ مِن عِبادِهِ بِالتَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ والرَّحْمَةِ لَهم ﴿واللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لِما يَقُولُونَهُ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ وفِيهِ حَثٌّ بالِغٌ عَلى الإخْلاصِ، وتَهْيِيجٌ عَظِيمٌ لِعِبادِهِ التّائِبِينَ، ووَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَن يَتَبِّعُ الشَّيْطانَ ويُحِبُّ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في عِبادِ اللَّهِ المُؤْمِنِينَ، ولا يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِزَواجِرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ. وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأهْلُ السُّنَنِ وغَيْرُهم حَدِيثَ عائِشَةَ الطَّوِيلَ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ بِألْفاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ وطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. حاصِلُهُ أنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هو ما وقَعَ مِن أهْلِ الإفْكِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم في شَأْنٍ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -، وذَلِكَ أنَّها خَرَجَتْ مِن هَوْدَجِها تَلْتَمِسُ عِقْدًا لَها انْقَطَعَ مِن جَزْعٍ، فَرَحَلُوا وهم يَظُنُّونَ أنَّها في هَوْدَجِها، فَرَجَعَتْ وقَدِ ارْتَحَلَ الجَيْشُ والهَوْدَجُ مَعَهم، فَأقامَتْ في ذَلِكَ المَكانِ ومَرَّ بِها صَفْوانُ بْنُ المُعَطَّلِ، وكانَ مُتَأخِّرًا عَنِ الجَيْشِ، فَأناخَ راحِلَتَهُ وحَمَلَها عَلَيْها، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ أهْلُ الإفْكِ قالُوا ما قالُوا، فَبَرَّأها اللَّهُ مِمّا قالُوهُ. هَذا حاصِلُ القِصَّةِ مَعَ طُولِها وتَشَعُّبِ أطْرافِها فَلا نُطَوُّلُ بِذِكْرٍ ذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وأحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأهْلُ السُّنَنِ الأرْبَعِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَما نَزَلَ عُذْرِي قامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَلى المِنبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وتَلا القُرْآنَ، فَلَمّا نَزَلَ أمَرَ بِرَجُلَيْنِ وامْرَأةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهم» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ووَقَعَ عِنْدَ أبِي داوُدَ تَسْمِيَتُهم: حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ، ومِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ، وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلى عائِشَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ومِسْطَحٌ وحَسّانُ وحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَقالَ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم عَلِيٌّ، فَقُلْتُ لا، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وعَلْقَمَةُ بْنُ وقّاصٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهم سَمِعَ عائِشَةَ تَقُولُ: الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، قالَ فَقالَ لِي: فَما كانَ جِرْمُهُ ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي شَيْخانِ مِن قَوْمِكِ أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وأبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ أنَّهُما سَمِعا عائِشَةَ تَقُولُ: كانَ مُسِيئًا في أمْرِي. وقالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ في مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحُلْوانِيُّ، حَدَّثَنا الشّافِعِيُّ، حَدَّثَنا عَمِّي قالَ: دَخَلَ سُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ عَلى هِشامِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ فَقالَ لَهُ: يا سُلَيْمانُ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مَن هو ؟ قالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. قالَ: كَذَبْتَ هو عَلِيٌّ. قالَ: أمِيرُ المُؤْمِنِينَ أعْلَمُ بِما يَقُولُ، فَدَخَلَ الزُّهْرِيُّ فَقالَ: يا ابْنَ شِهابٍ مَنِ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ ؟ فَقالَ: ابْنُ أُبَيٍّ. قالَ: كَذَبْتَ هو عَلِيٌّ. قالَ: أنا أكْذِبُ ؟ لا أبا لَكَ، واللَّهِ لَوْ نادى مُنادٍ مِنَ السَّماءِ أنَّ اللَّهَ قَدْ أحَلَّ الكَذِبَ ما كَذَبْتُ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وسَعِيدٌ وعَبْدُ اللَّهِ وعَلْقَمَةُ عَنْ عائِشَةَ أنَّ الَّذِي تَوَلّى كِبْرُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: دَخَلَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ عَلى عائِشَةَ فَشَبَّبَ وقالَ: ؎حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ∗∗∗ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحُومِ الغَوافِلِ قالَتْ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قُلْتُ: تَدَّعِينَ مِثْلَ هَذا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وقَدْ أنْزَلَ اللَّهُ ﴿والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهم لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ فَقالَتْ: وأيُّ عَذابٍ أشَدُّ مِنَ العَمى ؟ . وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرٍ عَنْ بَعْضِ الأنْصارِ أنَّ امْرَأةَ أبِي أيُّوبَ قالَتْ لَهُ حِينَ قالَ أهْلُ الإفْكِ ما قالُوا: ألا تَسْمَعُ ما يَقُولُ النّاسُ في عائِشَةَ ؟ قالَ: بَلى وذَلِكَ الكَذِبُ، أكُنْتِ أنْتِ فاعِلَةَ ذَلِكَ يا أُمَّ أيُّوبَ ؟ قالَتْ لا واللَّهِ، قالَ: فَعائِشَةُ واللَّهِ خَيْرٌ مِنكِ وأطْيَبُ، إنَّما هَذا كَذِبٌ وإفْكٌ باطِلٌ، فَلَمّا نَزَلَ القُرْآنُ ذَكَرَ اللَّهُ مَن قالَ مِنَ الفاحِشَةِ ما قالَ مِن أهْلِ الإفْكِ. ثُمَّ قالَ: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ أيْ كَما قالَ أبُو أيُّوبَ وصاحِبَتُهُ. وأخْرَجَ الواقِدِيُّ والحاكِمُ وابْنُ عَساكِرٍ عَنْ أفْلَحَ مَوْلى أبِي أيُّوبٍ أنَّ أُمَّ أيُّوبَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبَدًا﴾ قالَ: يُحَرِّجُ اللَّهُ عَلَيْكم. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في الأدَبِ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: القائِلُ الفاحِشَةَ والَّذِي شَيَّعَ بِها في الإثْمِ سَواءٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا﴾ قالَ: ما اهْتَدى أحَدٌ مِنَ الخَلائِقِ لِشَيْءٍ مِنَ الخَيْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب