الباحث القرآني

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ قال ابن عباس [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 130 من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وقد تقدم في المقدمة بيان بطلان هذا الطريق وذكرنا هناك كلام ابن حبان وابن حجر.]] والمفسرون [[انظر: "الطبري" 18/ 86 - 87، الثعلبي 3/ 73 ب.]]: يعني بالكذب على عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. قال المبرد: الإفك أسوأ الكذب وأقبحه. وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه [[ذكر هذا المعني الزمخشري 3/ 52، والبغوي 6/ 22 من غير نسبة لأحد. قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" 1/ 118 (أفك): الهمزة والفاء والكاف أصل واحد يدل على قلب الشيء وصرفه عن جهته، وأفك الرجل إذا كذب، والإفك: الكذب، وأفكت الرجل عن الشيء، إذا صرفته عنه. اهـ. وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 396 - 397 (أفك)، و"الصحاح" للجوهري 4/ 1572 - 1573 (أفك).]]. ومعنى القلب في هذا الحديث أن عائشة كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة وشرف السبب والنسب لا الرمي والقذف، فالذين رموها بالسوء قد [[في جميع النسخ: (فقد).]] قلبوا الأمر عن وجهه [[ذكر البغوي 6/ 22 هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.]]، فهو [[في جميع النسخ: (هو)، والتصويب من "الوسيط" للواحدي.]] إفك قبيح وكذب ظاهر. ومثله الأفيكة، والعرب تقول عند العجب من كذب إنسان: يا للأفيكة بكسر اللام وفتحها [[من قوله: (والعرب إلى هنا)، ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" 10/ 396 "أفك" من رواية أبي عبيد عن الكسائي مع تقدم وتأخير.]]. وقوله: ﴿عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ أي: جماعة منكم أيها المؤمنون. والذين ذكروا منهم مسمَّى في الآثار [[انظر في ذلك: الطبري 18/ 86 - 87، ابن أبي حاتم 7/ 22 أ - ب "الدر المنثور" للسيوطي 6/ 156 - 157.]]: حسَّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة [[هو: مسطح بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، المطلبي، المهاجري، البدري. كان اسمه عوفًا وأما مسطح فهو لقبه. شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله -ﷺ-. توفي سنة 34 هـ وهو ابن ست وخمسين سنة. "طبقات ابن سعد" 3/ 53، "الاستيعاب" 4/ 1472، "أسد الغابة" 4/ 354، "سير أعلام النبلاء" 1/ 187، "الإصابة" 3/ 388.]]، وحمنة بنت جحش [[هي: حمنة بنت جحش بن رياب الأسدية، أخت أم المؤمنين زينب، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله -ﷺ-. كانت من المبايعات وشهدت أحدًا فكانت تسقي العطشى وتحمل الجرحى وتداويهم. وقتل عنها يوم أحد زوجها مصعب بن عمير، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له أولادًا منهم محمد بن طلحة المعروف بالسَّجَّاد. "طبقات ابن سعد" 8/ 241، "الاستيعاب" 4/ 1813، "أسد الغابة" 5/ 428، "الإصابة" 4/ 266.]] أخت عبد الله بن جحش الأسدي، والمنافق عبد الله بن أبي. ذكرت عائشة رضي الله عنها هؤلاء [[ذكرتهم عائشة في الحديث الذي رواه عنها البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير - باب: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ الآية، 8/ 452 - 453، ومسلم في "صحيحه" كتاب: التوبة - باب: في حديث الإفك 4/ 2129 - 2138 وغيرهما.]]، وذكرهم المفسرون: فقال ابن عباس: أربعة منكم [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 130 من رواية عطاء. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 150 وعزاه للطبراني. وروى الطبري 18/ 86 من طريق ابن جريج عن ابن عباس ذكر هؤلاء الأربعة بأسمائهم وفيه انقطاع. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 157 ونسبه أيضًا لابن المنذر.]]. وسمّاهم مقاتل بأسمائهم [[انظر: "تفسير مقاتل" 2/ 35 ب ووقع فيه: وجميلة بنت جحش. وهو تصحيف.]]. وقوله: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ لا تحسبوا الإفك شرًا لكم. قال مقاتل: لأنكم تؤجرون على ما قيل لكم من الأذى [["تفسير مقاتل" 2/ 35 ب.]]. ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لأن الله يأجركم ويُظهر [[في (أ): (وتظهر).]] براءتكم. والمخاطب بقوله [[في (أ): (لقول له).]] (لَّكُمْ) عائشة وصفوان [[هو: صفوان بن المعطل السلمي، الذكواني، أبو عمرو. أول مشاهده المريسيع، وكان في الساقة يومئذ، وكان من سادات المسلمين، قتل -رضي الله عنه- شهيدًا في غزو الروم سنة 60 هـ. انظر: "الاستيعاب" 2/ 725،"أسد الغابة" 3/ 26، "سير أعلام النبلاء" 1/ 545، "البداية والنهاية" 8/ 146، "الإصابة" 2/ 184.]] فيما ذكر أهل التفسير [[ذكره الثعلبي 3/ 73 ب. ورواه ابن أبي حاتم 7/ 22 أعن سعيد بن جبير. وذكره الماوردي 4/ 79 وعزاه ليحيى بن سلام، وذكره ابن الجوزي 6/ 18 وعزاه للمفسرين.]]. وعلى هذا خوطبا مخاطبة الجمع. وقال أبو إسحاق: قوله (لَّكُمْ) يعني هي وصفوان ومن بسببها [[في (أ): (إلى)، والمثبت من باقي النسخ والزَّجاج.]] من النبي -ﷺ- وأبي بكر [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 34. وليس فيه ذكر صفوان.]]. ويكون الخطاب لكل من رُمي بسبب، وذلك أن من سبّ عائشة فقد سبَّ النبي -ﷺ- وسب أبا بكر. وهذا هو قول ابن عباس في رواية عطاء فقال: يريد خيرٌ لرسول الله، وبراءة لسيدة النساء أم المؤمنين، وخير لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وأم عائشة [[هي: أم رُومان بنت عامر بن عويمر الكنانية. واختلف في اسمها، فقيل: زينب، وقيل: دَعْد. أسلمت أم رومان قديمًا وبايعت وهاجرت إلى المدينة. وهي أم عبد الرحمن وعائشة. وكانت امرأة صالحة. توفيت في عهد النبي -ﷺ- سنة ست من الهجرة، وقيل بعد ذلك. "طبقات ابن سعد" 8/ 276، "الاستيعاب" 4/ 1935، "أسد الغابة" 5/ 483، "الإصابة" 4/ 432.]]، ولصفوان بن المعطل [[رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 23/ 130 من رواية عطاء.]]. وقوله ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ يعني من العصبة الكاذبة ﴿مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ جزاء ما اجترح من الذنب [[الثعلبي 3/ 73 ب، والطبري 18/ 87.]]. قال مقاتل: على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة وصفوان [["تفسير مقاتل" 2/ 36 أ.]]. وقوله ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ قال الفراء [[(الفراء) ساقط من (ظ)، (ع).]]: اجتمع القراء على كسر الكاف، وقرأ حميد الأعرج بضم الكاف [[ذكر هذه القراءة عن حميد: ابن خالويه في "الشواذ" ص 101، وابن جني في "المحتسب" 2/ 103 - 104، والثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 73 ب - 74 أ، وابن عطية في "المحرر" 10/ 457، والقرطبي 12/ 200، وأبو حيان 6/ 437. وبها قرأ يعقوب الحضرمي. انظر: "إرشاد المبتدئ وتذكرة المنتهي في القراءات العشر" للقلانسي ص 1460، "المبسوط في القراءات العشر" لابن مهران ص 266، "النشر" لابن الجزري 2/ 331.]]، وهو وجه جيِّد؛ لأن العرب تقول: تولى فلان عظم كذا، يريدون أكبره [[في (ع): (لكبره).]] [["معاني القرآن" للفراء 2/ 247.]]. قال الأزهري: قاس [[في (ع): (قال).]] الفراء الكبر على العظم، وكلام العرب على غيره، أخبرني المنذري، عن الحرَّاني، عن ابن السكيت قال: كبر الشيء معظمه بالكسر، وأنشد [[المنشد هو ابن السكيت كما في "تهذيب اللغة" للأزهري.]] لقيس بن الخطيم: تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدًا تكادُ تنغرف [[البيت في "ديوانه" ص 57، و"المفضَّليات" ص 788، و"تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 209، و "جمهرة اللغة" لابن دريد 2/ 394، و"لسان العرب" 5/ 129 (كبر). قال البطليوسي في "الاقتضاب" 3/ 199: وصف امرأة نشأت بين رفاهية ونعمة، فهي تنام لجلالة شأنها وأن لها من يكفيها المؤنة، فإذا قامت قامت في سكون وضعف، وكادت تنغرف؛ لرقة خصرها وثقل ردفها. اهـ. ومعنى تنغرف: قيل تَتَثَنَّى، وقيل: تنقصف من ذفّة خصرها. وانغرف العظم: انكسر. "لسان العرب" لابن منظور 9/ 264 (غرف).]] ومن أمثالهم: "كبر سياسة الناس في المال". قال [[القائل هو ابن السكيت.]]: وأما الكبر بالضمَّ فهو أكبر [[في (أ)، (ع): (أكثر)، والمثبت من (ظ)، "تهذيب اللغة".]] ولد [[في (أ): (وكذا).]] الرجل. يقال: الولاء للكبر [["تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 214 (كبر) مع تصرف وزيادة.]]. ونحو هذا قال أبو عمرو بن العلاء، وخطَّأ من (ضمَّ) الكاف [[ذكر الثعلبي 3/ 74 أقول أبي عمرو وتخطئته. وقال النحاس في "معاني القرآن" 4/ 509: قيل لأبي عمرو بن العلاء: أنقرأ "والذي تولى كبْره"؟ فقال: لا. إنَّما الكبر في النسب.]]. وقال الكسائي: الذي سمعناه بكسر الكاف، وأظن الضَّم لغة [[روى الأزهري هذا القول في "تهذيب اللغة" 10/ 210 (كبر) عن المنذري، عن ابن اليزيدي، عن أبي زيد في قوله "والذي تولى كبره"، فذكره بنحوه. وقبل هذه الرواية ذكر الأزهري نصًا عن الكسائي، وبعد الرواية ذكر نصًا آخر عن الكسائي من رواية أبي عبيد. فاحتمال خطأ الواحدي في نسبة هذا القول وارد. والله أعلم. وقد ذكر الثعلبي 3/ 74 أعن الكسائي أنه قال: هما لغتان. يعني الضم والكسر.]]. وقال أبو عبيدة: الكِبْر -بالكسر-: مصدر الكبير، وكبره معظمه. وبالضم مصدر الكبير في السن، فرقوا بينهما فقالوا: كبر قومه بالضم. وجعلها قوم بالضَّم [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 64 مع اختلاف يسير وتصرّف.]]. وقال الليث: الكِبْر: الإثم الكبير، وكبر كل شيء عظمه [[قول الليث فى "تهذيب اللغة" للأزهري 10/ 214 كبر. وهو في "العين" 5/ 361 (كبر) بنصّه.]]. فمن قرأ (كبره) قال: إثمه وخطاه، ومن قرأ بالضم قال: عظم هذا القذف [[انظر: "المحتسب" لابن جني 2/ 105، "البحر المحيط" 6/ 437، "الدر المصون" 8/ 389.]]. واختار الزَّجَّاج هذا القول وحكاه [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 34 - 35.]]. ومعنى ﴿تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ استبد بمعظمه وانفرد به. قال الضحاك: قام بإشاعة الحديث وإذاعته [[ذكره عنه البغوي 6/ 22. وروى الطبري 18/ 87، وابن أبي حاتم 7/ 22 أ، عنه قال: الذي بدأ بذلك. وانظر: "الدر المنثور" 6/ 158.]]. وهو معنى [[(معني) ساقطة من (أ).]] قول ابن عباس في رواية عطاء [[روى الطبري في "الكبير" 23/ 130 من طريق عطاء، عن ابن عباس، قال في قوله "والذي تولى كبره" قال: إشاعته. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 150 وعزاه للطبراني.]]. والذي تولى كبره مختلف فيه: فقال عطاء، عن ابن عباس: هو عبد الله بن أبي [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 130 من رواية عطاء عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 150 للطبراني.]]. وهو قول مجاهد [[رواه الطبري في "تفسيره" 18/ 89، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 22 أ، و"الطبراني الكبير" 23/ 138. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 158 ونسبه أيضًا للفريابي وعبد بن حميد.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 36 أ.]]، والسدي [[ذكره عنه ابن الجوزي في "زاد المسير" 6/ 19.]]. ورواية عروة عن عائشة، روى عنها في حديث الإفك أنَّها قالت: ثم ركبتُ، وأخذ صفوان بالزمام، فمررنا بملأ من المنافقين -وكانت عادتهم أن ينزلوا مُنْتَبِذين [[منتبذين: يعني متُنَحِّين. "لسان العرب" لابن منظور 3/ 512 (نبذ).]] من الناس- فقال عبد الله بن أبي رئيسهم: من هذه؟ قالوا: عائشة. قال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقود بها. قالت: وهو الذي تولى كبره [[ذكر الثعلبي 3/ 74 أهذه الرواية -بهذا اللفظ- من رواية ابن أبي مليكة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.]]. وقوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ يعني من العصبة الكاذبة. ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن عباس: يريد في الدنيا الجلد. جلده رسول الله -ﷺ- ثمانين جلدة وفي الآخرة يُصيره الله إلى النار [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 137 من رواية عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وهذه الرواية باطلة كما تقدم. وروى الطبراني في "الكبير" 23/ 124 - 129 من حديث ابن عمر وأبي اليسر الأنصاري أن رسول الله -ﷺ- ضرب عبد الله بن أبي حدّين. لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 240 عن حديث ابن عمر: وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذّاب. وقال أيضًا عن حديث أبي اليسر 6/ 280: وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذَّاب. وذكر ابن حجر في "الفتح" 8/ 479 أثرين آخرين في حدّ عبد الله بن أبي، لكنَّهما مرسلان. وذهب آخرون إلى أنَّه لم يحدّ، قال القرطبي في "تفسيره" 12/ 201: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أنَّ الذي حدَّ حسان ومسطح وحمنة، ولم يُسمع بحدِّ لعبد الله بن أبيّ. اهـ. وبهذا القول قال القاضي عياض وابن القيم وجماعة. قال ابن القيم في "زاد المعاد" 3/ 263: ولم يحدّ الخبيث عبد الله بن أبي مع أنَّه == رأس أهل الإفك، فقيل: لأنَّ الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة، والخبيث ليس أهلًا لذلك، وقد وعده الله العذاب العظيم، فيكفيه ذلك عن الحدّ. وقيل: بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه، ويخرجه في قوالب من لا ينسب إليه. وقيل: الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو ببينة وهو لم يقر بالقذف، ولا شهد به عليه أحد، فإنه إنّما كان يذكره بين أصحابه، ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين. وقيل: بل ترك حدّه لمصلحة هي أعظم من إقامته، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه، وتكلّمه بما يوجب قلته مرارًا، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام، فإنَّه كان مطاعًا فيهم، رئيسًا عليهم، فلم تؤمن الفتنة في حدِّه. ولعله ترك لهذه الوجوه كلها. اهـ. ولعل أقرب الوجوه هو الأخير، يدل عليه ما في "صحيح البخاري" كتاب "التفسير" 8/ 453 - 454 من حديث عائشة في قصة الإفك وفيه أن النبي -ﷺ- قام على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ .. الحديث. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام رجل فقال لسعد: كذبت لعمر الله لنقتلنّه .. فتساور الحيّان الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا، ورسول الله -ﷺ- قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله -ﷺ- يخفضّهم حتى سكتوا وسكت.]]. وقال قوم الذي تولى كبره هو [[في (أ): (فهو)، وهي ساقطة من (ع).]] حسان بن ثابت [[قال ابن كثير في "تفسيره" 3/ 272: وهو قول غريب، ولولا أنّه وقع في "صحيح البخاري" يعنى الرواية التي سيسوقها الواحدي بعد ذكره لهذا القول. ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة. فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنَّه كان يذب عن رسول الله -ﷺ-.]]. روي عن مسروق قال: كنت عند عائشة فدخل حسان بن ثابت فألقي له وسادة فلما خرج قلت لعائشة: تدعين هذا الرجل يدخل عليكم وقد قال ما قال وأنزل الله -عز وجل- فيه ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾! فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ ولعل الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره. وقالت: إنّه كان يدفع عن رسول الله -ﷺ- [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 74 أبهذا اللفظ من رواية أبي الضحى، عن مسروق. ورواه بنحوه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 8/ 515، والبخاري في التفسير سورة النور 8/ 85 ومسلم في الفضائل باب: فضائل حسان بن ثابت -رضي الله عنه- ج 4/ 1932، والطبري في "تفسيره" 18/ 88، وابن أبي حاتم 7/ 22 ب، والطبراني في "المعجم الكبير" 23/ 135، 136 وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 157 - 158 ونسبه أيضًا لابن المنذر وابن مردويه.]]. والقول هو الأول؛ لما روي عن الشَّعبي: أنه قيل لعائشة: إن حسان بن ثابت هو الذي تولى كبره؟. فقالت [[في (أ)، (ع): (قالت).]]: [معاذ الله] [[ساقط من (ع).]]! سمعت رسول الله -ﷺ- يقول [[(يقول) ساقط من (أ).]]: "إن الله ليؤيد حسان بروح القدس في شعره" [[لم أجده بهذا اللفظ. لكن أخرج الطبري في "تفسيره" 18/ 88 من طريق الشعبي عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة .. وفيه. قيل: أليس الله يقول: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 11]؟ قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ قالت: "أليس قد ذهب بصره، وكنّع بالسيف". وقد أخرج أبو داود في "سننه" كتاب: الأدب- باب: ما جاء في الشعر 13/ 357، والترمذي في "جامعه" كتاب: الأدب - باب: ما جاء في إنشاد الشعر 8/ 137 واللفظ له، والحاكم في "مستدركه" 3/ 487 من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -ﷺ-: "إن الله يؤيد حسَّان بروح القدس ما يفاخر -أو ينافح- عن رسول الله -ﷺ- ".]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب