الباحث القرآني

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الصراط المستقيم، وهو في حكم تكرير العامل، كأنه قيل: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، كما قال: (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) لمن آمن منهم. فإن قلت: ما فائدة البدل؟ وهلا قيل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم؟ قلت: فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير، والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره: صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك ثنيت ذكره مجملا أوّلا، ومفصلا ثانيا، وأوقعت فلانا تفسيراً وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل، فكأنك قلت: من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع. والذين أنعمت عليهم: هم المؤمنون، وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام [[قال محمود رحمه اللَّه: وأطلق الانعام ليشمل كل إنعام. قال أحمد رحمه اللَّه: إن إطلاق الانعام يفيد الشمول كقوله: إن إطلاق الاستعانة يتناول كل مستعان فيه، وليس بمسلم فان الفعل لا عموم لمصدره، والتحقيق أن الإطلاق إنما يقتضى إبهاما وشيوعا، والنفس إلى المبهم أشوق منها إلى المقيد لتعلق الأمل مع الإبهام لكل نعمة تخطر بالبال]] لأنّ من أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه. وعن ابن عباس: هم أصحاب موسى قبل أن يغيروا، وقيل هم الأنبياء. وقرأ ابن مسعود: (صراط من أنعمت عليهم) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بدل من الذين أنعمت عليهم، على معنى أنّ المنعم عليهم: هم الذين سلموا من غضب اللَّه والضلال، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب اللَّه والضلال. فإن قلت: كيف صح أن يقع (غير) صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف؟ قلت: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لا توقيت فيه كقوله: وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنى [[ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمة قلت لا يعنيني غضبان ممتلئ على إهابه ... إنى وربك سخطه يرضيني لرجل من بنى سلول، ويسبني صفة للئيم وإن قرن بأل، لأنه ليس المراد لئيما بعينه بدليل مقام التمدح فأل فيه للعهد الذهني لا الخارجي، ومدخولها في المعنى كالنكرة، فجاز وصفه بالجملة وإن كانت لا يوصف بها إلا النكرة، وهذا يفيد اتصافه بالسب دائما لا حال المرور فقط وهو المراد، وكان الظاهر أن يقول: فأمضى ثم أقول، ولكن أتى بالماضي دلالة على تحقق ذلك منه، وروى: فأعف ثم أقول: أى أكف عنه وعن مكافأته، ويحتمل أنه أراد صررت على صبغه الماضي بالمضارع لحكايه الحال، هذا والظاهر أن الجملة حالية، أى: أمر على اللئيم حال كونه يسبني وأنا أسمع فأعرض عنه وأقول إنه لا يقصدني بذلك السب الذي سمعته منه، وليس المراد وصفه بالسب الدائم، لأنه لا يظهر مع تخصيص السب بوقوعه على ضمير المار، على أنه يمكن جعل الحال لازمة فتفيد الدوام. هو غضبان ممتلئ جلده غضبا على لكن لا أبالى بذلك، فانى وحق ربك غضبه يرضيني، فليدم عليه وليزدد منه، والإهاب: الجلد قبل دبغه بل وقبل سلخه كما هنا.]] ولأنّ المغضوب عليهم والضالين خلاف المنعم عليهم، فليس في- غير- إذاً الإبهام الذي يأبى عليه أن يتعرّف، وقرئ بالنصب على الحال وهي قراءة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير. وذو الحال الضمير في عليهم، والعامل أنعمت، وقيل المغضوب عليهم: هم اليهود لقوله عز وجل: (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) . والضالون: هم النصارى لقوله تعالى: (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) . فإن قلت: ما معنى غضب اللَّه؟ قلت: هو إرادة الانتقام [[قال محمود رحمه اللَّه: «ومعنى الغضب من اللَّه تعالى إرادة الانتقام ... الخ» قال أحمد: أدرج في هذا ما يقتضى عنده وجوب وعيد العصاة، وليس مذهب أهل السنة، بل الأمر عندهم في المؤمن العاصي موكول إلى المشيئة: فمنهم من أراد اللَّه تعالى عقوبته والانتقام منه فيقع ذلك لا محالة، ومنهم من أراد العفو عنه وإثابته فضلا منه تعالى، على أن المغضوب عليهم والضالين واقعان على الكفار، ووعيدهم واقع لا محالة ومراد، واللَّه الموفق. أقول: قال الزمخشري رحمه اللَّه: الغضب من اللَّه تعالى إرادة الانتقام من العصاة الخ لا يدل على ما فسره، فان وجوب وعيد العصاة لا يعلم منه. والغضب من اللَّه عند أهل السنة والمعتزلة: عبارة عما ذكره الزمخشري رحمه اللَّه، إلا أن عند أهل السنة أن اللَّه تعالى إن شاء عذب صاحب الكبيرة وإن شاء غفر له، وعند المعتزلة وجوب عذابه فعند المعتزلة ظاهر أن الغضب عبارة عن إرادة الانتقام، وعند أهل السنة: إن غفر له فلا غضب، وإن لم يغفر له فغضبه عبارة عما ذكره.]] من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده- نعوذ باللَّه من غضبه، ونسأله رضاه ورحمته. فإن قلت: أى فرق بين (عليهم) الأولى و (عليهم) الثانية؟ قلت: الأولى محلها النصب على المفعولية، والثانية محلها الرفع على الفاعلية. فإن قلت: لم دخلت لَا في وَلَا الضَّالِّينَ؟ قلت: لما في- غير- من معنى النفي، كأنه قيل: لا المغضوب عليهم ولا الضالين. وتقول: أنا زيداً غير ضارب، مع امتناع قولك: أنا زيداً مثل ضارب لأنه بمنزلة قولك أنا زيداً لا ضارب. وعن عمر وعلى رضى اللَّه عنهما أنهما قرءا: وغير الضالين. وقرأ أيوب السختياني: ولا الضألين- بالهمز، كما قرأ عمرو بن عبيد: (ولا جأن) وهذه لغة من جدّ في الهرب من التقاء الساكنين. ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأبة، ودأبة. آمين: صوت سمى به الفعل الذي هو استجب، كما أنّ «رويد، وحيهل، وهلم» أصوات سميت بها الأفعال التي هي «أمهل، وأسرع، وأقبل» . وعن ابن عباس: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن معنى آمين [[أخرجه الثعلبي من رواية أبى صالح عنه بإسناد واه]] فقال: «افعل» وفيه لغتان: مدّ ألفه، وقصرها. قال: وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْداً قالَ آمِينَا [[يا رب إنك ذو من ومغفرة ... ببت بعافية ليل المحبينا الذاكرين الهوى من بعد ما رقدوا ... الساقطين على الأيدى المكبينا يا رب لا تسلبنى حبها أبداً ... ويرحم اللَّه عبداً قال آمينا لقيس بن معاذ الملوح مجنون لبلى العامرية، اشتد وجده بها، فأخذه أبوه إلى الكعبة ليدعو اللَّه عسى أن يشفيه، فأخذ بحلقة بابها وقال ذلك. والدعاء لليل المحبين مجاز عقلى، وهو في الحقيقة لهم، وبين أن رقادهم ليس على المعتاد بقوله: الساقطين على الأيدى، المكيين على الوجوه حيرة وسكرة، ثم دعا بأن يديم اللَّه حبها، ودعا لمن يؤمن على دعائه بأن يقول: آمين، وهو اسم فعل، أى استجب يا اللَّه هذا الدعاء، وهو بالمد، ويجوز قصره.]] وقال: أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ ما بَيْننَا بُعْدَا [[تباعد عنى فطحل إذ دعوته ... أمين فزاد اللَّه ما بيننا بعدا لجبير كان قد سأل فطحلا الأسدى فأعرض عنه فدعا عليه، ويروى تباعد منى فطحل وأبى، وأمين: بقصر الهمزة على اللغة العربية الأصلية، وأما بالمد فقيل أعجمي لأنه ليس في لغة العرب فاعيل. وقيل: أصله بالقصر فأشبعت همزته: اسم فعل بمعنى استجب، ورتبته بعد ما بعده. قدمه حرصا على طلب الاجابة ووقوع الدعاء مجابا من أول وهلة. والفاء للسببية عما قبلها، أى: حيثما تباعد عنى فزد ما بيننا بعداً يا اللَّه، وبعداً: يجوز أن يكون تمييزاً، وأن يكون منقولا.]] وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لقني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب [[لم أجده هكذا. وفي الدعاء لابن أبى شيبة من رواية أبى ميسرة أحد كبار التابعين قال: «أقرأ جبريل عليه السلام النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاتحة الكتاب فلما قال وَلَا الضَّالِّينَ قال له قل: آمين. فقال آمين» قلت وعند أبى داود عن أبى زهير قال «آمين مثل الطابع على الصحيفة» وروى ابن مردويه عن أبى هريرة مرفوعا «آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين» وهو في الدعاء للطبراني]] وقال: إنه كالختم على الكتاب» ، وليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف. وعن الحسن: لا يقولها الإمام لأنه الداعي. وعن أبى حنيفة رحمه اللَّه مثله، والمشهور عنه وعن أصحابه أنه يخفيها. وروى الإخفاء عبد اللَّه بن مغفل وأنس عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [[لم أجده عن واحد منهما]] . وعند الشافعي يجهر بها. وعن وائل بن حجر أنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا قرأ: ولا الضالين، قال آمين ورفع بها صوته [[أخرجه أبو داود من رواية حجر بن عنبسة عنه. وإسناده حسن]] . وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» أنه قال لأبىّ بن كعب: «ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها؟ [[أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم من رواية عبد الحميد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة. ورواه مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن: أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نادى أبى بن كعب- فذكره» وهو مرسل لأن أبا سعيد هذا تابعي. وهذا الحديث قد أخرجه البخاري من وجه آخر عن أبى سعيد بن المعلى «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مر به وهو يصلى، فدعاه- فذكر الحديث» ووهم صاحب جامع الأصول فجعلهما واحدا فأخطأ. لأن الأول مكي مولى تابعي. والثاني أنصارى مدنى من أنفسهم. صحابى. قال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك صدر منه صلى اللَّه عليه وسلم لأبى بن كعب مرة، ولسعيد بن المعلى مرة أخرى]] قلت: بلى يا رسول اللَّه. قال: «فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وعن حذيفة بن اليمان أنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إنّ القوم ليبعث اللَّه عليهم العذاب حتما مقضيا [[أخرجه الثعلبي من رواية أبى معاوية عن أبى مالك الأشجعى عن ربعي عنه. قلت: إلا أن دون أبى معاوية من لا يحتج به. وله شاهد في مسند الدارمي عن ثابت بن عجلان قال «كان يقال إن اللَّه ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا سمع تعليم الصبيان بالحكمة صرف ذلك عنهم» يعنى بالحكمة: القرآن، وحديث أبى بن كعب رضى اللَّه عنه في فضائل القرآن سورة سورة. أخرجه الثعلبي من طرق عن أبى بن كعب رضى اللَّه عنه كلها ساقطة. وأخرجه ابن مردويه من طريقين. وأخرجه الواحدي في الوسيط. وله قصة ذكرها الخطيب ثم ابن الصلاح عمن اعترف بوضعه. ولهذا روى عن أبى عصمة أنه وضعه.]] فيقرأ صبّى من صبيانهم في الكتاب (الحمد للَّه رب العالمين) فيسمعه اللَّه تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب