الباحث القرآني

(p-٥٠)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾، صِفَةٌ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، ولَكَ في عَلَيْهِمْ ضَمُّ الهاءِ، وكَسْرُها، تَقُولُ: ”اَلَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ“، و”عَلَيْهم“، وعَلى هاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ مُعْظَمُ القُرّاءِ، ويَجُوزُ: ”عَلَيْهِمُو“، بِالواوِ، والأصْلُ في هَذِهِ الهاءِ - في قَوْلِكَ: ”ضَرَبْتُهُو يا فَتى“، و”مَرَرْتُ بِهُو يا فَتى“، أنْ يُتَكَلَّمَ بِها في الوَصْلِ بِواوٍ، فَإذا وقَفْتَ قُلْتَ: ”ضَرَبْتُهُ“، و”مَرَرْتُ بِهِ“، وزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أنَّ الواوَ زِيدَتْ عَلى الهاءِ في المُذَكَّرِ، كَما زِيدَتِ الألِفُ في المُؤَنَّثِ في قَوْلِكَ: ”ضَرَبْتُها“، و”مَرَرْتُ بِها“، لِيَسْتَوِيَ المُذَكَّرُ، والمُؤَنَّثُ، في بابِ الزَيادَةِ، والقَوْلُ في هَذِهِ الواوِ عِنْدَ أصْحابِ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلِ، أنَّها إنَّما زِيدَتْ لِخَفاءِ الهاءِ، وذَلِكَ أنَّ الهاءَ تَخْرُجُ مِن أقْصى الحَلْقِ، والواوَ بَعْدَ الهاءِ، أخْرَجَتْها مِنَ الخَفاءِ إلى الإبانَةِ، فَلِهَذا زِيدَتْ، وتَسْقُطُ في الوَقْفِ، كَما تَسْقُطُ الضَّمَّةُ، والكَسْرَةُ، في قَوْلِكَ: ”أتانِي زَيْدٌ“، و”مَرَرْتُ بِزَيْدٍ“، إلّا أنَّها واوُ وصْلٍ، فَلا تَثْبُتُ، لِئَلّا يَلْتَبِسَ الوَصْلُ بِالأصْلِ، فَإذا قُلْتَ: ”مَرَرْتُ بِهُو يا فَتى“، فَإنْ شِئْتَ قُلْتَ: ”مَرَرْتُ بِهِي“، فَقَلَبْتَ الواوَ ياءً، لِانْكِسارِ ما قَبْلَها، أعْنِي الياءَ المُنْكَسِرَةَ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: بَيْنَ الكَسْرَةِ والواوِ الهاءُ، قِيلَ: اَلْهاءُ لَيْسَتْ بِحاجِزٍ حَصِينٍ، فَكَأنَّ الكَسْرَةَ تَلِي الواوَ، ولَوْ كانَتِ الهاءُ حاجِزًا حَصِينًا ما زِيدَتِ الواوُ عَلَيْها، وقَدْ قُرِئَ: ”فَخَسَفْنا بِهِي وبِدارِهِي الأرْضَ“، و”بِهُو وبِدارِهُو الأرْضَ“، مِن قِراءَةِ أهْلِ الحِجازِ، فَإنْ قُلْتَ: ”فُلانٌ عَلَيْهِ مالٌ“، فَلَكَ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: إنْ شِئْتَ كَسَرْتَ (p-٥١)الهاءَ، وإنْ شِئْتَ أثْبَتَّ الياءَ، وكَذَلِكَ في الضَّمِّ، إنْ شِئْتَ ضَمَمْتَ الهاءَ، وإنْ شِئْتَ أثْبَتَّ الواوَ، فَقُلْتَ: ”عَلَيْهِ“، و”عَلَيْهِي“، و”عَلَيْهُ“، و”عَلَيْهُو مالٌ“، وأمّا قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ”إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ“، وقَوْلُهُ: ”إلّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِمًا“، فالقِراءَةُ بِالكَسْرِ بِغَيْرِ ياءٍ في ”عَلَيْهِ“، وهي أجْوَدُ هَذِهِ الأرْبَعَةِ، ولا يَنْبَغِي أنْ يُقْرَأ بِما يَجُوزُ إلّا أنْ تَثْبُتَ بِهِ رِوايَةٌ صَحِيحَةٌ، أوْ يَقْرَأ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ القُرّاءِ، فَمَن قالَ: ”عَلَيْهُ مالٌ“، بِالضَّمِّ، فالأصْلُ فِيهِ: ”عَلَيْهُو مالٌ“، ولَكِنْ حُذِفَ الواوُ لِسُكُونِها، وسُكُونِ الياءِ، واجْتِماعِ ثَلاثَةِ أحْرُفٍ مُتَجانِسَةٍ، وتُرِكَ الضَّمَّةُ لِتَدُلَّ عَلى الواوِ، ومَن قالَ: ”عَلَيْهُو“، فَإنَّما أثْبَتَ الواوَ عَلى الأصْلِ، ويَجْعَلُ الهاءَ حاجِزًا، وهَذا أضْعَفُ الوُجُوهِ، لِأنَّ الهاءَ لَيْسَتْ بِحاجِزٍ حَصِينٍ، ومَن قالَ: ”عَلَيْهِ مالٌ“، فَإنَّما قَدَّرَ ”عَلَيْهِي مالٌ“، فَقَلَبَ الواوَ ياءً لِلْياءِ الَّتِي قَبْلَها، ثُمَّ حَذَفَ الياءَ لِسُكُونِها، وسُكُونِ الياءِ الَّتِي قَبْلَها، كَما قُلِبَتِ الواوُ في قَوْلِهِ: ”مَرَرْتُ بِهِ يا فَتى“، ومَن قالَ: ”عَلَيْهِي مالٌ“، فالحُجَّةُ في إثْباتِ الياءِ كالحُجَّةِ في إثْباتِ الواوِ، ألا تَرى أنَّ ”عَلَيْهِي مالٌ“، أجْوَدُ مِن ”عَلَيْهُو مالٌ“ ؟ وأجْوَدُ اللُّغاتِ ما في القُرْآنِ، وهو قَوْلُهُ: ”عَلَيْهِ قائِمًا“، والَّذِي يَلِيهِ في الجَوْدَةِ: ”عَلَيْهُ مالٌ“، بِالضَّمِّ، ثُمَّ يَلِي هَذا ”عَلَيْهِي مالٌ“، ثُمَّ ”عَلَيْهُو مالٌ“، بِإثْباتِ الواوِ، وهي أرْدَأُ الأرْبَعَةِ، فَأمّا قَوْلُهُمْ: ”عَلَيْهم“، فَأصْلُ الهاءِ فِيما وصَفْنا أنْ تَكُونَ مَعَها ضَمَّةٌ، إلّا أنَّ الواوَ قَدْ سَقَطَتْ، وإنَّما تُكْسَرُ الهاءُ لِلْياءِ الَّتِي قَبْلَها، وإنَّما يَكُونُ ما قَبْلَ مِيمِ (p-٥٢)الإضْمارِ مَضْمُومًا، فَإنَّما أتَتْ هَذِهِ الضَّمَّةُ لِمِيمِ الإضْمارِ، وقُلِبَتْ كَسْرَةً لِلْياءِ، وإنَّما كَثُرَ ”عَلَيْهِمْ“، في القُرْآنِ، و”عَلَيْهم“، ولَمْ يَكْثُرْ ”عَلَيْهِمِي“، و”عَلَيْهُمُو“، لِأنَّ الضَّمَّةَ الَّتِي عَلى الهاءِ مِن ”عَلَيْهم“، لِلْمِيمِ، فَهي أقْوى في الثُّبُوتِ، ألا تَرى أنَّ هَذِهِ الضَّمَّةَ تَأْتِي عَلى المِيمِ في كُلِّ ما لِحِقَتْهُ المِيمُ، نَحْوَ ”عَلَيْكم“، و”بِكم“، و”مِنكم“ ؟ ولا يَجُوزُ في ”عَلَيْكم“، ”عَلَيْكِمْ“، بِكَسْرِ الكافِ، لِأنَّ الكافَ حاجِزٌ حَصِينٌ بَيْنَ الياءِ والمِيمِ، فَلا تُقْلَبُ كَسْرَةً، وقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ العَرَبِ: ”عَلَيْكِمْ“، و”بِكِمْ“، بِكَسْرِ الكافِ، ولا يُلْتَفَتُ إلى هَذِهِ الرِّوايَةِ، وأنْشَدُوا: ؎وَإنْ قالَ مَوْلاهم عَلى جُلِّ حادِثٍ ∗∗∗ مِنَ الدَّهْرِ رُدُّوا بَعْضَ أحْلامِكِمْ رَدُّوا بِكَسْرِ الكافِ، وهَذِهِ لُغَةٌ شاذَّةٌ، والرِّوايَةُ الصَّحِيحَةُ: ”فَضْلَ أحْلامِكم“، وعَلى الشُّذُوذِ أنْشَدَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ، فَأمّا ”عَلَيْهِمُو“، فَأصْلُ الجَمْعِ أنْ يَكُونَ بِواوٍ، ولَكِنَّ المِيمَ اسْتُغْنِيَ بِها عَنِ الواوِ، والواوُ تَثْقُلُ عَلى ألْسِنَتِهِمْ، حَتّى إنَّهُ لَيْسَ في أسْمائِهِمُ اسْمٌ آخِرُهُ واوٌ (p-٥٣)قَبْلَها حَرَكَةٌ، فَلِذَلِكَ حُذِفَتِ الواوُ، فَأمّا مَن قَرَأ: ”عَلَيْهُمُو ولا الضّالِّينَ“، فَقَلِيلٌ، ولا يَنْبَغِي أنْ يُقْرَأ إلّا بِالكَثِيرِ، وإنْ كانَ قَدْ قَرَأ بِهِ قَوْمٌ، فَإنَّهُ أقَلُّ مِنَ الحَذْفِ بِكَثِيرٍ في لُغَةِ العَرَبِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، فَيُخْفَضُ ”غَيْرِ“، عَلى وجْهَيْنِ: عَلى البَدَلِ مِن ”اَلَّذِينَ“، كَأنَّهُ قالَ: ”صِراطَ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ“، ويَسْتَقِيمُ أنْ يَكُونَ ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، مِن صِفَةِ ”اَلَّذِينَ“، وإنْ كانَ ”غَيْرِ“، أصْلُهُ أنْ يَكُونَ في الكَلامِ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ، تَقُولُ: ”مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِكَ“، فَغَيْرُكَ صِفَةٌ لِـ”رَجُلٍ“، كَأنَّكَ قُلْتَ: ”مَرَرْتُ بِرَجُلٍ آخَرَ“، ويَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: ”مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَيْسَ بِكَ“، وإنَّما وقَعَ هَهُنا صِفَةً لِـ”اَلَّذِينَ“، لِأنَّ ”اَلَّذِينَ“، هَهُنا لَيْسَ بِمَقْصُودِ قَصْدِهِمْ، فَهو بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ: ”إنِّي لَأمُرُّ بِالرَّجُلِ مِثْلِكَ فَأُكْرِمُهُ“، ويَجُوزُ نَصْبُ ”غَيْرِ“، عَلى ضَرْبَيْنِ: عَلى الحالِ، وعَلى الِاسْتِثْناءِ، فَكَأنَّكَ قُلْتَ: ”إلّا المَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ“، وحَقُّ ”غَيْرُ“، مِنَ الإعْرابِ في الِاسْتِثْناءِ النَّصْبُ، إذا كانَ ما بَعْدَ ”إلّا“ مَنصُوبًا، فَأمّا الحالُ فَكَأنَّكَ قُلْتَ فِيها: ”صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ“ . وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلا الضّالِّينَ﴾، (p-٥٤)فَإنَّما عَطَفَ بِـ”اَلضّالِّينَ“، عَلى ”اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ“، وِإنَّما جازَ أنْ يَقَعَ ”لا“، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا الضّالِّينَ﴾، لِأنَّ مَعْنى ”غَيْرِ“، مُتَضَمِّنٌ مَعْنى النَّفْيِ، يُجِيزُ النَّحْوِيُّونَ: ”أنْتَ زَيْدًا غَيْرُ ضارِبٍ“، لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ: ”أنْتَ زَيْدًا لا تَضْرِبُ“، ولا يُجِيزُونَ: ”أنْتَ زَيْدًا مِثْلُ ضارِبٍ“، لِأنَّ زَيْدًا مِن صِلَةِ ”ضارِبٍ“، فَلا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وقَوْلُ القائِلِينَ، بَعْدَ الفَراغِ مِن ”اَلْحَمْدِ“، ومِنَ الدُّعاءِ ”آمِينَ“، فِيهِ لُغَتانِ، تَقُولُ العَرَبُ: ”أمِينَ“، و”آمِينَ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎تَباعَدَ عَنِّي فُطْحُلٌ إذْ دَعَوْتُهُ ∗∗∗ أمِينَ فَزادَ اللَّهُ ما بَيْنَنا بُعْدا وَقالَ الشّاعِرُ أيْضًا: ؎يا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أبَدًا ∗∗∗ ويَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قالَ آمِينا وَمَعْناهُ: اَللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وهُما مَوْضُوعانِ في مَوْضِعِ اسْمِ الِاسْتِجابَةِ، كَما أنَّ قَوْلَنا: ”صَهْ“، مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ ”سُكُوتًا“، وحَقُّهُما مِنَ الإعْرابِ الوَقْفُ، لِأنَّهُما بِمَنزِلَةِ الأصْواتِ، إذْ كانا غَيْرَ مُشْتَقَّيْنِ مِن فِعْلٍ، إلّا أنَّ النُّونَ فُتِحَتْ فِيهِما لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، فَإنْ قالَ قائِلٌ: ألا كُسِرَتِ النُّونُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ؟ قِيلَ: اَلْكَسْرَةُ تَثْقُلُ بَعْدَ الياءِ، ألا تَرى أنَّ ”أيْنَ“، و”كَيْفَ“، فُتِحَتا لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، ولَمْ تُكْسَرا لِثِقَلِ الكَسْرَةِ بَعْدَ الياءِ؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب