الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾: (صراط) بدل من (الصراط) الأول [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 164، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 124، "تفسير ابن عطية" 1/ 121، "البيان في غريب القرآن" 1/ 39، "الكشاف" 1/ 68، وقال الزجاج: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ صفة لقوله ﴿الصراط المستقيم﴾، "معاني القرآن" 1/ 12.]]، وهو بدل الشيء من نفسه في المعنى [["البيان" 1/ 39، "الكشاف" 1/ 68.]]؛ لأن ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ هو ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ بعينه، وهو كقولك: جاءني أبوك زيد، فزيد هو الأب بعينه، وهو من بدل (المعرفة من المعرفة)، وللبدل باب معروف يذكر فيه وجوهه [[مكانه كتب (النحو).]].
وقوله: ﴿الَّذِينَ﴾ النحويون يسمون (الذي والتي) وتثنيتهما، وجمعهما: الأسماء الموصولة، والأسماء النواقص، والأسماء المبهمة، وذلك لأنها [[في (ب): (أنها).]] أسماء لا تتم إلا بصلاتها، إما من مبتدأ وخبر [[في (ب): (مبتداء لخير).]]، أو فعل وفاعل، أو ظرف، أو شرط وجزاء [[انظر: "الأصول في النحو" لابن السراج 2/ 266، "شرح جمل الزجاجي" لابن عصفور 1/ 179، "التبصرة والتذكرة" للصيمري 1/ 517.]] كقولك: جاءني الذي أبوه منطلق، والذي قام أبوه، والذي عندك، والذي إن تأته يأتك. ولا بد أن يكون في صلة (الذي) ضمير يرجع [[في (ب): (ترجع).]] إليه، وإلا فسد الكلام [[ويسمى (العائد) انظر: "الأصول في النحو" 2/ 266، "شرح جمل الزجاجي" 1/ 181، 182، "أوضح المسالك" ص 31، "شرح ابن عقيل" 1/ 153، ومحل مثل هذِه المباحث كتب النحو.]]. و (الذين) لا يظهر فيه الإعراب [[في (ج): (إعراب).]]، تقول [[من قوله (تقول ...) اختلف الخط في نسخة (ب) وفي هامشها تنبيه على ذلك.]] في الرفع والنصب والجر: (الذين) وكذلك (الذي) وإنما منع الإعراب؛ لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء، و (الذين) من المبهمات لا تتم إلا بصلاتها، فلذلك منعت الإعراب [[من قوله (والذين لا يظهر فيه الإعراب ....) وكذا الكلام الآتي بعده أخذه عن الزجاج بتصرف يسير في العبارة. "معاني القرآن" 1/ 34.]].
فإن قيل فلم أعربته في التثنية؟. قيل: إن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإذا ثنيته بطل شبه الحرف؛ لأن حروف المعاني لا تثنى [[أخذ الزجاج بقول الكوفيين أن تثنية (اللذين) تثنية حقيقية وأنه معرب، وعند البصريين أن تثنيته ليست على حد تثنية (زيد) و (عمرو) فهي صيغة مرتجلة على حد التثنية فهي تثنية لفظية لا معنوية. انظر: ("الإنصاف") ص 539، "البيان في غريب القرآن" 1/ 39.]].
فإن قيل: فلم منعته الإعراب في الجمع؟ قيل: الجمع الذي ليس على حد [[في (ب): (جمع).]] التثنية كالواحد، ألا ترى أنك تقول في جمع [[في (ب): (الجمع).]] هذا: هؤلاء، فتجعله اسما واحدا للجمع [[في (ب): (للجميع).]]. فكذلك قوله [[في (ب): (قول).]]: ﴿الَّذِينَ﴾ إنما هو اسم لجمع، فبنيته كما بنيت [[في (ب): (فثنيته كما ثنيت).]] الواحد، ونظير (الذي) (هذا)، فإنك لا تعربه ثم تعرب (هذين) ثم تترك الإعراب في (هؤلاء) [[عن "معاني القرآن" للزجاج، 1/ 34.]].
قال أبو إسحاق: وأصل (الذي)، (لذ) على وزن (عم)، كذلك قال سيبويه والخليل والأخفش [["معاني القرآن" للزجاج، 1/ 34، وهذا قول جمهور البصريين، انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 121، ("الإنصاف") ص 535.]].
وأما الألف واللام فيه [[أي: في (الذي).]]، فقال أبو الفتح الموصلي [[هو أبو الفتح عثمان بن جني سبقت ترجمته في الدراسة. نقل الواحدي عنه من كتاب "سر صناعة الإعراب" 1/ 353.]]: (الألف واللام) في (الذي) و (التي) وبابهما [[في (ج): (وبائهما).]] زيادة، ويدل على زيادتهما وجود أسماء موصولة مثلها معراة من (الألف واللام)، وهي مع ذلك معرفة، وتلك: (من) و (ما) و (أي) [[مثل أبو الفتح لـ (من وما وأي) ثم قال: (فتعرف هذِه الأسماء التي هي أخوات الذي والتي بغير اللام، وحصول ذلك لها بما تبعها من صلاتها دون اللام يدل على أن (الذي) إنما تعرفه ...)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 353.]]. ويدل على ما قلنا: أن (الذي) إنما تعرفه [[في (ب): (يعرفه).]] بصلته دون (اللام) التي فيه، فبان أن [[عند أبي الفتح (وأن اللام ..)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 353.]] (اللام) زائدة، إلى أنها [[في (ب): (أن زيادتها).]] زيادة لازمة لا يجوز [[في (أ)، (ج): (تجوز) وأثبت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.]] حذفها [[(لا يجوز حذفها) ليست عند أبي الفتح، 1/ 353.]].
فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى زيادة (اللام) [[عند أبي الفتح (في الذي والتي ونحوها)، 1/ 353.]] حتى إنها لما زيدت لزمت؟ قيل: إن (الذي) [[في (أ)، (ج): (الذين) واخترت ما في (ب) لأنه موافق لما عند أبي الفتح، وعبارته: (والجواب: أن (الذي) إنما وقع ... الخ)، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 353.]] إنما وقع في الكلام توصلا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات. ألا ترى أنها تجري أوصافا على النكرات، نحو [[عند أبي الفتح: (في نحو قولك ...)، 1/ 353.]]: مررت برجل أبوه زيد، ونظرت إلى غلام قامت أخته. فلما أريد مثل هذا في المعرفة لم يمكن أن يقول [[(يقول) في جميع النسخ، وعند أبي الفتح (تقول) 1/ 353. وهذا أصوب.]]: مررت بزيد أبوه كريم، على أن تكون الجملة وصفا لزيد [[حذف الواحدي بعض كلام أبي الفتح ونصه: (... وصفا لزيد، لأنه قد ثبت أن الجملة نكرة، ومحال أن توصف المعرفة بالنكرة، فجرى هذا في الامتناع مجرى امتناعهم أن يقولوا: مررت بزيد كريم، على الوصف، فإذا كان الوصف جملة نحو: مررت برجل أبوه كريم، لم يمكن إذا أرادوا وصف المعرفة بنحو ذلك أن يدخلوا اللام على الجملة ....)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 353 - 354.]]، ولم يمكن [[في (ب): (يكن).]] إذا أرادوا وصف المعرفة بالجمل أن يدخلوا اللام على الجملة، لأن اللام من خواص الأسماء، فجاؤوا بـ (الذي) متوصلين به إلى وصف المعارف بالجمل، وجعلوا [[في (ب): (فجعلوا).]] الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة لـ (الذي) فقالوا: مررت بزيد الذي أبوه منطلق، فألزموا (اللام) هذا الموضع لما أرادوا التعريف للوصف، ليعلموا أن الجملة قد صارت وصفا لمعرفة [[في (ب): (للمعرفه).]]). [[إلى هنا ما نقله عن أبي الفتح. "سر صناعة الإعراب" 1/ 354.]] وبيان ما ذكرنا [[هذا من كلام أبي الحسن الواحدي يبين فيه ما سبق ذكره عن (الألف واللام) في الاسم الموصول على لفظ الآية وهي قوله ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فيربط إيراد هذِه المسألة النحوية بتفسير الآية.]] من الآية أن معنى قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ صراط القوم الذين أنعمت عليهم، ولو أريد وصف القوم (بأنعمت عليهم) لم يسهل، لأنه يصلح وصفا للنكرة [[و (القوم) معرفة.]]، فيصح في الكلام أن يقول: [[في (ج): (تقول).]] (صراط قوم أنعمت عليهم) فلا يصلح أن يكون وصفا للمعرفة، فلما أريد ذلك [[أي: وصف المعرفة.]] توصلوا إلى ذلك بـ (الذي).
جاءوا [[الكلام من هنا لأبي الفتح، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 354.]] بالحرف الذي وضع للتعريف [[وهو (اللام) كما في "سر صناعة الإعراب" 1/ 354.]]، فأولوه (الذي) [[(فأولوه الذي) ساقط من (ب).]] ليحصل لهم بذلك لفظ التعريف الذي قصدوه، ويطابق اللفظ المعنى الذي حاولوه [[انظر بقية كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" 1/ 354، وانظر: "أصول النحو" لابن السراج 1/ 261، 262.]].
وقوله تعالى: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، إنعام الله تعالى: مَنُّه [[في (ب): (منته).]] وعطاؤه، و (النعمة) بالكسر اسم من أنعم الله عليه إنعاما ونعمة، أقيم الاسم مقام الإنعام، كما يقال: أنفق إنفاقا ونفقة [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" مادة (نعم) 4/ 3615.]].
وقوله تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ يجوز كسر (الهاء) فيه وضمه [[قرأ حمزة ويعقوب من العشرة (عليهم) بضم الهاء وقرأ الباقون (عليهم) بكسر الهاء مع اختلافهم في الميم، والأكثر بسكونها. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 108، 109، "الغاية" لابن مهران ص 77، "الحجة" للفارسي 1/ 57، "التيسير" ص 40، 41، "الإقناع" 2/ 595، "النشر" 1/ 272، "إتحاف فضلاء البشر" ص 123.]]. فمن كسر فلأن الياء أخت الكسرة وبعضها، على معنى أنها تتولد من الكسرة، ألا ترى أن (الياء) كسرة مشبعة، كما أن (الواو) ضمة مشبعة، والألف فتحة مشبعة، وإذا كان كذلك فلو انكسر ما قبل (الهاء) وجب كسرها نحو: (بهم) و (من دونهم) وكذلك (عليهم وفيهم) وذلك أن إتباع (الياء) التي هي أخت الكسرة بالكسرة أولى من إتباعه بالضمة، لثقل الانتقال من الكسرة إلى الضمة. ألا ترى أنه ليس في كلامهم (فِعُل)، ولأن هذِه (الهاء) في (عليهم) هي التي في (عليه) وفي (عليه) كسر، لأن الأصل كان (عليهو [[في (ب): (علهو) وفي (ج): (عليه وكقولك).]]) كقولك [[في (ب): (كقوله).]] ضربته [[انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي 1/ 59، 60، 61، "حجة القراءات" لابن زنجله ص 82.]].
زعم [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 13، وانظر: "الكتاب" 4/ 189.]] سيبويه أن [[في (ب): (إلى أن) بزيادة (إلى).]] (الواو) زيدت على (الهاء) في المذكر، كما زيدت (الألف) في [[في (ب): (على). وفي "معاني القرآن" 1/ 13 للزجاج: (... كما زيدت الألف في المؤنث في قولك: ضربتها ومررت بها ...).]] المؤنث ليستويا في باب الزيادة.
قال الزجاج: و [[(الواو) ساقطة من (ب).]] القول في هذِه (الواو [[في "معاني القرآن" 1/ 13 للزجاج: (والقول في هذِه (الواو) عند أصحاب سيبويه والخليل أنها إنما زيدت لخفاء (الهاء) ...) 1/ 13.]]) أنها زيدت لخفاء (الهاء)، وذلك أن (الهاء) تخرج من أقصى الحلق [[انظر: "الكتاب" 4/ 433، "سر صناعة الإعراب" 1/ 46.]]، و (الواو) حرف مد ولين، تخرج [[في (ب): (يخرج).]] من طرف الشفتين [[في "معاني القرآن": (.. و (الواو) بعد (الهاء) أخرجتها من الخفاء إلى الإبانة، فلهذا زيدت، وتسقط في الوقف ...) 1/ 13. وانظر: "الكتاب" 4/ 433، "سر صناعة الإعراب" 1/ 48.]]، فإذا زيدت (الواو) بعد (الهاء) أخرجتها من الخفاء، وتسقط في [[في (ب): (من).]] الوقف، كما تسقط الضمة والكسرة، ولأنها (واو [[في "معاني القرآن": (كما تسقط الضمة والكسرة في قولك: أتاني زيد، ومررت بزيد، إلا أنها (واو وصل)، فلا تثبت؛ لئلا يلتبس الوصل بالأصل ...)، وفي الهامش: عبارة ك: (.... ولأنها واو (وصل) ...) كما عند المؤلف ولعله أصوب.]] وصل) فلو ثبتت لالتبس [[في (ب): (لالتبست). وهذا أحسن للسياق.]] بالأصل. فإذا قلت: مررت به، قلبت [[في "المعاني": (فإذا قلت: مررت بهو يا فتى، فإن شئت قلت: مررت بهي، فقلبت الواو ياء ...)، 1/ 13.]] الواو (ياء) لانكسار ما قبلها [[في (ج): (بما قبلها).]] أعني (الباء) [[(الباء) كذا في جميع النسخ. وفي "معاني القرآن": (أعني (الياء) المنكسرة. فإن قال قائل: بين الكسرة والواو (الهاء)، قيل: (الهاء) ليست بحاجز حصين، فكأن ... الخ 1/ 13 ولعل ما في "المعاني" خطأ مطبعي.]]، و (الهاء) لا يعتد به حاجزا حصينا لخفائه، فكأن [[في (ج): (وكان).]] الكسرة تلي (الواو)، ولو كانت (الهاء) حاجزا حصينا ما زيدت (الواو) عليها.
وبهذه [[في (ب): (وهذِه).]] العلة كسرت الهاء في (عليه) وكان الأصل (عليهو) [[في (ب): (علهو).]] فقلبت [[في (ج): (فقلبت الواو بالياء).]] الواو (ياء) [[فتكون (عليهى) انظر: "معاني القرآن" 1/ 14.]] للياء التي قبلها ثم حذفت [[في (ب): (حذف).]] لسكونها، وسكون الياء قبل الهاء، والهاء ليس بحاجز، فإذا كسر في (عليه) أقر على الكسر في (عليهم) إذ [[في (ج): (اذا).]] كانت العلة واحدة [[انتهى ما نقله من الزجاج، وآخر كلامه نقله بمعناه. انظر: "معاني القرآن" 1/ 13، 14.]]. ومن ضم (الهاء) فقال: كان الأصل (عليهو) فحذفت الواو لسكونها وسكون (الياء) وبقيت الضمة لتدل على الواو [[ذكره الزجاج، انظر: "معاني القرآن" 1/ 14، "الحجة" لأبي علي 1/ 60، "حجة القراءات" ص 81، "الحجة" لابن خالويه ص 63، "الكشف" لمكي 1/ 35.]].
وأما حمزة [[هو حمزة بن حبيب بن عمارة، الكوفي، التيمي بالولاء، وقيل: من صميمهم، الزيات أحد القراء السبعة (80 - 156 هـ)، انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" 1/ 111، "غاية النهاية" 1/ 261.]] فإنه يقرأ: (عليهم) و (إليهم) و (لديهم) بالضم في هذِه الثلاثة [[انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 108، "الحجة" لأبي علي الفارسي 1/ 57.]] وحجته [[ما سبق إنما هو حجة لحمزة في قراءته بالضم نقله الواحدي عن الزجاج، ثم نقل مزيدا == من الاحتجاج لقراءته بالضم من "الحجة" لأبي علي، حيث قال: (وحجة من قرأ (عليهم) -وهو قول حمزة- أنهم قالوا: ضم الهاء هو الأصل، وذلك أنها إذا انفردت من حروف تتصل بها قيل: (هم فعلوا). والواو هي القراءة القديمة، ولغة قريش، وأهل الحجاز، ومن حولهم من فصحاء اليمن. قالوا: وأما خص حمزة هذِه الحروف الثلاثة بالضم -، وهي: (عليهم) و (إليهم) و (لديهم) - لأنهن إن أولاهن ظاهرا صارت ... الخ ما ذكره المؤلف عنه. "الحجة" 1/ 60، وانظر: "الكشف" لمكي 1/ 35.]]: أن هذِه الحروف إن وليهن ظاهر صارت (ياءاتهن) ألفات، نحو: على زيد، وإلى عمرو، ولدى بكر [[في (ب): (آل زيد وآل عمر وكذا بكر) تصحيف.]]، ولا يجوز كسر (الهاء) إذا كان قبلها ألف [[انظر: "الحجة"، 1/ 60.]]، فلما كان الأصل في هذِه (الياءات) الألف اعتبره حمزة فيها الأصل [[فضم الهاء، ولم يكسرها.]] دون الرسم والخط [[انظر: "الحجة"، 1/ 83.]].
فإن قيل: ينقض هذا بالواحد والتثنية [[فلم يحصل الضم في الواحد والتثنية فيقال: عليه وعليهما بالكسر، كما سيأتي.]]؟ قلنا: لا ينقض، لأنه أراد أن يخالف بين بناء الواحد والتثنية، وبين بناء الجمع، وذلك أن الجمع يخالفهما في البناء في أكثر الأمر، ألا ترى أنك تقول: رجل ورجلان، وحمار وحماران، ثم تقول في الجمع: رجال وحمر، فاتفق بناء الواحد والتثنية، وخالف بناء الجمع بناءها، فلهذا ضم الهاء في (عليهم ولديهم وإليهم [[في (ب): (عليهم وإليهم ولديهم).]]) ولم يضم في (عليه وعليهما).
وأما من [[في (ب): (في).]] ضم من القراء كل هاء قبلها (ياء) ساكنة نحو: فيهم ويأتيهم [[وهي قراءة يعقوب من العشرة، انظر: "الغاية" ص 77، "النشر" 1/ 272، "إتحاف فضلاء البشر" ص 123، وهذا مخالف لنهج المؤلف في القراءات حيث ذكر قراءة عشرية، وعادته أن يذكر السبع فقط.]]، فحجته إجماعهم على ضمها إذا كان قبلها حرف ساكن سوى الياء، نحو (عنهم ومنهم) فكذلك الياء. هذا هو الكلام في (الهاء).
فأما (الميم) فأهل [[في (ج): (فإن أهل).]] الحجاز يضمون (ميم) كل جمع حتى يلحقوا بها (واوا) [[في (ب): (واو) بدون تنوين.]] في اللفظ [[قراءة ابن كثير: يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 108، "الحجة" 1/ 57، "الكشف" 1/ 39.]]، وحجتهم: أن أصلها أن تكون مقرونة (بواو) في اللفظ والخط، لأن أكثر جموع المذكورين بالواو في الفعل [[في (ج): (في الاسم والفعل).]] والاسم، نحو: فعلوا [[في (ب): (يفعلوا).]] [[(الواو) ساقطة من (ج).]] ويفعلون ومسلمون وصالحون، فعاملوا المكني معاملة الأسماء الظاهرة المجموعة و [[(الواو) ساقطة من (ب).]] الأفعال من إلحاق الواو بها [[انظر: "الحجة" 1/ 104، 133، "الكشف" 1/ 39، "حجة القراءات" ص 81، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 13، 14، "المحتسب" 1/ 44، "البيان" 1/ 39.]].
والدليل على أن الأصل فيه ما ذكرنا، إجماعهم على إثبات الواو في اللفظ بعد الميم عند اتصاله بالمكني [[انظر: "الحجة" 1/ 106، "حجة القراءات" ص 81.]]، كقوله: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هود: 28] و ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ﴾ [هود: 92].
وأما من أسكن الميم [[وعليه أكثر القراء كما سبق، وانظر: "الكشف" 1/ 40.]]، فحجته: خط المصاحف، وذلك أن هذِه الواوات حذفت من الخط اقتصارًا على الميم، واكتفاءً بها من علامة الجمع كما حذفت ياء الإضافة من الأسماء والأفعال اقتصارا على الكسرة والنون التي قبلها [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 14، "الحجة" 1/ 80، 82، "الحجة" لابن خالويه ص 63، "الكشف" 1/ 40.]].
وقال ابن السراج [[هو أبو بكر محمد بن السري سبقت ترجمته في الدراسة، وقد نقل عنه أبو علي في "الحجة" كثيرا، لأنه أول من بدأ في بيان حجج القراءات السبع التي جاءت في كتاب ابن مجاهد. ولم يتم الكتاب، وألف أبو علي كتاب "الحجة" وأتم ما شرع به ابن السراج وضمن أبو علي كتابه كلام ابن السراج. انظر مقدمة "الحجة" ص 7.]]: إنما أسكنوا لأنه قد أمن اللبس، إذ كانت (الألف) في التثنية قد دلت على الاثنين، ولا (ميم) في الواحد، فلما لزمت (الميم) الجمع حذفوا (الواو) وأسكنوا (الميم) طلبا للتخفيف، إذ كان لا يشكل [["الحجة" 1/ 59، 60.]].
وروى ورش [[هو عثمان بن سعيد القبطي، مولى آل الزبير بن العوام، كنيته: أبو سعيد، وقيل غير ذلك. أحد القراء المشهورين، وأشهر رواة نافع، أحد السبعة ولادته ووفاته (110 - 197 هـ). انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" 1/ 152، "غاية النهاية" 1/ 502.]] عن نافع [[نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء، كنيته أبو رويم، وقيل غير ذلك. أحد القراء السبعة الذين اعتمدهم ابن مجاهد في كتابه، مات سنة تسع وستين ومائة، وقيل غير ذلك، وانظر ترجمته في "معرفة القراء" 1/ 107، "غاية النهاية" 2/ 330.]] ضم الميم ووصلها بواو إذا [[في (ب): (وإذا).]] استقبلها همزة [[قراءة نافع كسر الهاء، وأما الميم فالمشهور عنه الإسكان، وروى عنه الضم وروى ورش عن نافع أن الميم إذا لقيها همزة ألحق بها واوا. انظر: "السبعة" ص 108، 109، "الحجة" للفارسي 1/ 58، "الكشف" 1/ 39.]]، ومذهبه حذف الهمزة ونقل حركتها [إلى الساكن قبلها، فلما احتاج إلى تحريك الميم حركها [[في (ج): (حركتها).]]] [[مابين المعقوفين ساقط من (ب).]] بالحركة التي كانت لها في الأصل وهي (الضمة)، فلما أشبع ضمتها تولدت منها (واو)، فاحتاج إلى مدها لاستقبال الهمزة إياها [[انظر: "الحجة" للفارسي 1/ 107، "الكشف" 1/ 39.]].
وأيضا فإنه لو نقل فتحة الهمزة إلى ميم الجمع عند استقبال الهمزة المفتوحة نحو: ﴿عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ﴾ [[ووردت الآية في (ب) ﴿عليهم أنذرتهم أم لم﴾ وهو تصحيف.]] [البقرة: 6] وما أشبهه، لأشبه التثنية، فلما مدها عند الهمزة المفتوحة ولم ينقل حركتها إليها مخافة الالتباس فعل ذلك به عند الهمزة المضمومة والمكسورة؛ لئلا يختلف الطريق عليه [[في (ب): (إليه).]].
وكان حمزة والكسائي يضمان [[في (ج): (يضمون).]] (الهاء) و (الميم) عند ألف الوصل [[في (ج): (لوصل).]] نحو: ﴿عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [البقرة: 61] و ﴿إِإِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ [يس: 14] و ﴿مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ﴾ [القصص: 23] وحجتهما أنه لما احتيج إلى تحريك (الميم) لالتقاء الساكنين كان تحريكها بحركة الأصل، وهي الضم أولى [[في (ب): (أولا).]]، ثم أتبعت الهاء ضمة الميم استثقالًا للخروج من الكسر إلى الضم [[انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 82، "الكشف" 1/ 37، قال أبو علي الفارسي في "الحجة" (تحريك حمزة الميم في (عليهم ولديهم وإليهم) خاصة بالضم مستقيم حسن، وذلك أنه يضم (الهاء) في هذِه الأحرف ولا يكسرها فإذا ضمها لم يكن في تحريك الميم إلى الضم ولم يجز الكسر ..)، ثم أخذ يحتج لموافقة الكسائي له في ذلك، "الحجة" 1/ 117، 118.]].
وكان أبو عمرو [[زبان بن العلاء، أحد السبعة سبقت ترجمته.]] يكسرها عند ألف الوصل؛ لأنه يكسر الميم على أصل تحريك الساكن بالكسر إذا لقيه ساكن آخر، ويكسر الهاء بتبع الكسر لثقل الضم بعد الكسر [[انظر: "الحجة" لأبي علي 1/ 110، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 82.]].
وأما من كسر (الهاء) وضم (الميم) عند ألف الوصل [[وهي قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر. انظر: "السبعة" ص 108، 109، "الحجة" لأبي علي 1/ 58.]]، فإنه يقول: لما احتجت إلى حركة الميم رددته إلى أصله، فضممت وتركت الهاء على كسرها، لأنه لم تأت ضرورة تحوج [[في (ج): (تخرج).]] إلى ردها إلى الأصل [[انظر: "الحجة" لأبي علي 1/ 108، "حجة القراءات" ص 82.]].
فأما التفسير: فقال ابن عباس: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7]: هم قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا نعم الله عز وجل [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 1/ 31/ ب، وذكره ابن عطية في "تفسيره" وقال: حكاه مكي وغيره عن فرقة من المفسرين، وقال ابن عباس: أصحاب موسى قبل أن يبدلوا. "تفسير ابن عطية" 1/ 122، وانظر: "لباب التفاسير" للكرماني 1/ 98 (رسالة دكتوراه).]].
وقال عكرمة: أنعمت عليهم بالثبات على الإيمان والاستقامة [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 31/ ب.]].
وقيل: هم الذين ذكرهم الله في قوله [[ذكره الثعلبي في "الكشف" ولم يعزه لأحد 1/ 31/ ب، وذكر الطبري بسنده عن ابن عباس: يقول: (طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك). "تفسير الطبري" 1/ 76، (قال شاكر: الخبر ضعيف الإسناد) "تفسير الطبري" 1/ 178، أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 31، وذكره السيوطي في "الدر" 1/ 42، قال ابن عطية في "تفسيره": هو قول ابن عباس وجمهور المفسرين 1/ 121، وانظر: "تفسير القرطبي" 1/ 129.]] سبحانه: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: 69].
وقال ابن جرير: في الآية اختصار، معناه: صراط الذين أنعمت عليهم بالهداية إلى الصراط. والعرب تحذف من الكلام إذا كان في الباقي دليل عليه [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 76. وذكر الواحدي كلام ابن جرير بالمعنى.]]. وستمر بك أشباه لهذا كثيرة.
وقوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ (غير) [[قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (غير) بخفض (الراء). وروي عن ابن كثير النصب والرفع. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 111، "الحجة" للفارسي 1/ 142، "البحر المحيط" 1/ 29.]] ينخفض على ضربين [[ذكره أبو علي في "الحجة" عن أبي بكر بن السراج، حيث قال: (قال أبو بكر في "الحجة" في الجر: إنهم قالوا: ينخفض على ضربين ..)، والكلام كله بنصه في "الحجة" 1/ 142، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 112.]]: على البدل من (الذين)، ويستقيم أن يكون صفة (الذين). و (غير) نكرة، وجاز [[في (ج): (ويجوز).]] أن يقع هاهنا صفة لـ (الذين)، لأن الذين هاهنا ليس بمقصود قصدهم [[أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، لأن (الذين) مع كونه معرفة فهو قريب من النكرة == لأنه عام. انظر؛ "معاني القرآن" للفراء 1/ 7، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 16، "البحر" 1/ 29.]]، فهو بمنزلة قولك: إني لأمرُّ بالرجل مثلك فأكرمه.
ويجوز (النصب) على ضربين: على الحال، والاستثناء [[نسب ابن مجاهد (القول بالنصب على الاستثناء) إلى الأخفش، وقال: هذا غلط. ابن مجاهد ص 112، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 125، "البحر" 1/ 29.]]، أما الاستثناء: فكأنك قلت: إلا المغضوب عليهم، وهو [[قوله: (وهو استثناء الشيء ... إلى قوله إذا كان ما بعد (إلا) منصوبا) ليس من كلام ابن السراج وما قبله وما بعده كله لابن السراج، انظر: "الحجة" 1/ 142.]] استثناء الشيء من غير جنسه، وحق (غير) في الاستثناء النصب إذا كان ما بعد (إلا) منصوبا [[انظر: "الأصول" لابن السراج 1/ 284، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 125، "البحر" 1/ 29.]].
وأما الحال: فكأنك قلت: (صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم).
قال ابن السراج [[هذا وما قبله بنصه مما نسبه أبو علي الفارسي في "الحجة"، لأبي بكر محمد بن سهل بن السراج، فالكلام كله لابن السراج، نقل الواحدي أوله بدون عزو ثم عزا آخره له، وهذا يلاحظ على منهج الواحدي في العزو. انظر: "الحجة" 1/ 142، 143.]]: ويجوز عندي النصب على [[في "الحجة": (قال: ويجوز عندي النصب أيضا على (أعني) ....) فذكر: (أيضا) لأنه عطفه على كلام قبله، ذكر فيه وجوها أخرى للنصب. انظر 1/ 143.]] (أعنى). وقد حكي عن الخليل نحو هذا، أنه أجازه على وجه [[في "الحجة": (.. على وجه الصفة والقطع من الأول ...) 1/ 143.]] القطع من الأول، كما يجيء المدح. ولمن نصب أن يقول [[في "الحجة": (.. ومما يحتج به لمن يفتح أن يقال: (غير) تكره، فكره أن يوصف به المعرفة) 1/ 143.]]: (غير) نكرة وكرهت أن أصف بها المعرفة.
والاختيار الكسر [[هذا من كلام أبي بكر بن السراج واختياره حيث قال: (والاختيار الذي لا خفاء به الكسر، ألا ترى أن ابن كثير قد اختلف عنه ...) وقد اختصر الواحدي كلام ابن السراج. انظر: "الحجة" 1/ 143.]]. ولا يلزم وصف المعرفة بالنكرة؛ لأن حكم كل مضاف إلى معرفة [[في (ب): (معرفته).]] أن يكون معرفة، وإنما تنكرت (غير) و (مثل) مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك أنك إذا قلت: رأيت غيرك، فكل شيء يرى سوى المخاطب هو غيره [[في "الحجة": (فكل شيء ترى سوى المخاطب فهو غيره) وفي الهامش: ط: (تراه)، انظر: "الحجة" 1/ 143.]]، وكذلك إذا قال: رأيت مثلك، فما هو مثله لا يحصى، يجوز أن يكون مثله في خلقه، وخلقه، وفي جاهه، وفي نسبه، وفي علمه، فإنما صارا [[أي: (غير) و (مثل).]] نكرتين من أجل المعنى. فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد، وأردت إثباته ونفي ضده، وعلم السامع [[في "الحجة": (... وعلم ذلك السامع فوصفته بغير ....)، 1/ 144.]] ذلك الضد فوصفته بـ (غير) وأضفت (غير [[في (أ): (غيرا).]]) إلى ضده، فهو معرفة، وذلك نحو قولك: عليك بالحركة غير السكون، فغير السكون معرفة، وهو [[في "الحجة" (وهي) 1/ 144.]] الحركة، فكأنك كررت الحركة تأكيدا.
وكذلك قوله: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ فغير المغضوب عليهم، هم الذين أنعم عليهم، لأن من أنعم عليه بالإيمان، فهو غير مغضوب عليه، فهو مساو له في معرفته، ومتى كانت (غير) بهذِه الصفة، وقصد هذا القصد فهي معرفة [[في "الحجة": (.. فالذين أنعم عليهم لا عقيب لهم إلا المغضوب عليهم، فكل من أنعم عليه بالإيمان فهو غير مغضوب عليه، وكل من لم يغضب عليه فقد أنعم عليه. فغير المغضوب عليهم هم الذين أنعم عليهم، فهو مساو له في معرفته. هذا الذي يسبق إلى أفئدة الناس وعليه كرمهم. فمتى كانت (غير) بهذِه الصفة وقصد بها هذا القصد، فهي معرفة ...) فالواحدي نقل كلام ابن السراج بتصرف واختصار. انظر: "الحجة" 1/ 144.]]. وكذلك لو عرف إنسان بأنه مثلك في ضرب من الضروب لقيل فيه [[في (أ)، (ج): (منه) وما في (ب) موافق لما في "الحجة" 1/ 144.]]: قد جاء مثلك، لكان معرفة، إذا أردت المعروف بشبهك [[في (ج): (يشبهك).]]، والمعرفة والنكرة بمعانيهما [[جاء في "الحجة" بعده: (فكل شيء خلص لك بعينه من سائر أمته فهو معرفة ...)، 1/ 144.]]. ومن جعل (غير) بدلا استغنى عن هذا الاحتجاج [[في ب: (الاحتياج).]]، لأن النكرة قد تبدل من المعرفة)، انتهى كلام ابن السراج [[في (ب): (ابن الشهاب السراج) تصحيف. وفي "الحجة": (انتهت الحكاية عن أبي بكر) 1/ 144.]].
قال صاحب [[أبو علي الفارسي، "الحجة" 1/ 145.]] "الحجة": أما الخفض في [[في (ب): (من غير).]] (غير) فعلى البدل أو الصفة، والفصل بين البدل والصفة في قول سيبويه [[نص كلام أبي علي (.. والفصل بين البدل في تقدير تكرير العامل، وليس كالصفة ولكن كأنه في التقدير من جملتين بدلالة تكرير حرف الجر ... الخ)، فلم يرد ذكر قوله: (في قول سيبويه) وقد ورد ذكر سيبويه في كلام أبي علي بعد هذا الموضع. انظر: "الحجة" 1/ 145، "الكتاب" 2/ 14، 386.]] إن البدل في تقدير تكرير العامل، بدلالة [[في (ج): (بدلال).]] حرف الجر في قوله سبحانه: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [[الشاهد من الآية: قوله (لمن آمن) فهو بدل من (الذين استضعفوا) بإعادة حرف الجر وهي (اللام) بدل البعض من الكل، لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن، هذا على عود الضمير في (منهم) إلى (الذين استضعفوا) فإن عاد الضمير إلى (قومه) كان بدل كل من المستضعفين، انظر: "فتح القدير" 2/ 321.]] فهو يفارق الصفة من هذا الوجه [[قوله: (فهو يفارق الصفة من هذا الوجه) ليس في "الحجة" 1/ 145، والوجه المراد هو ما ذكره: من أن البدل في تقدير تكرير العامل.]].
وأيضًا [[نص كلام أبي علي في "الحجة" قال بعد أن ذكر الآية (.... وبدلالة بدل النكرة من المعرفة)، 1/ 145.]] فإن النكرة تبدل من المعرفة، والمظهر من المضمر [[في (ب): (المظهر).]]، وهذا مما لا يجوز في الصفة، لا يجوز وصف المعرفة بالنكره، ولا وصف المضمر بالظاهر [[قوله: (لا يجوز وصف المعرفة بالنكرة، ولا وصف المضمر بالمظهر) ليس في "الحجة" 1/ 145.]].
وكما أعيدت اللام الجارة في البدل [[في "الحجة" (في الاسم) 1/ 145.]]، فكذلك يكون العامل الناصب [[في "الحجة" (الرافع أو الناصب) 1/ 145.]] والرافع في تقدير التكرير. ويشترك البدل مع الصفة في أن كل واحد منهما تبيين [[في (ب): (يبين).]] للأول [[ذكر كلام أبي علي بمعناه انظر: "الحجة" 1/ 145.]].
فمن جعل [[انتقل إلى موضع آخر في "الحجة" 1/ 149.]] (غير) في الآية [[أي: قوله تعالى: ﴿غير المغضوب عليهم﴾.]] بدلا، كان تأويله بيِّنًا، وذلك أنه لا يخلو من أن يجعل (غير [[في "الحجة" (غيرا).]]) معرفة [[في (ب): (معرفة في الآية بدل أو نكره).]] أو نكرة. فإن جعله معرفة فبدل المعرفة من المعرفة سائغ [[في (ب): (شائع)، وفي "الحجة" (سائغ مستقيم كقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7،6]، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97] 1/ 149.]]، وإن جعله نكرة فبدل النكرة من المعرفة مشهور [[انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" 1/ 149.]].
وأما من قدر (غير) صفة و (الذين [[أي: في قوله ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7].]] فإنما جاز أن يصف (الذين) بـ (غير) [[كلام أبي علي: (وأما من قدر (غير) صفة لـ (الذين)، وقدره معرفة لما ذكره أبو بكر - يريد ابن السراج كما نقل كلامه فيما سبق- فإن وصفه لـ (الذين) بـ (غير) كوصفه له بالصفات المخصوصة، وقد حمله سيبويه على أنه وصف. ومن لم يذهب بـ (غير) هذا المذهب، ولم يجعله مخصوصا استجاز أن يصف (الذين) بـ (غير) من حيث لم يكن الذين مقصودا قصدهم ..)، 1/ 153، فاختصر الواحدي كلام أبي علي فقارن بينهما.]] من حيث لم يكن (الذين) مقصودا قصدهم [[أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم.]]. فصار مشابها للنكرة، من حيث اجتمع معه في أنه لم يرد به شيء معين.
ونظير ذلك مما دخله (الألف واللام)، فلم يختص بدخولهما عليه [[أي: لم يختص بواحد بعينه وإنما عرفته (ال) تعريف جنس. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 350.]]، لما لم يكن مقصودا قصده [[أي: ما دخله (الألف واللام) لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، فلم يختص بدخول (الألف واللام) عليه.]]، قولهم: قد أمر [[في (ج): (أصر).]] بالرجل مثلك فيكرمني [[في "الحجة" (.. فيكرمني، عند سيبويه، فوصف الرجل ..)، "الحجة" 1/ 154. وانظر: "الكتاب" 2/ 13، وتعليق عبد السلام هارون عليه.]]، فوصف الرجل بمثلك لما لم يكن معينا [[انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" 1/ 154 وما بعدها.]].
ومما [[في (ب): (وما غير).
أورد أبو علي الآية، بعد أن تكلم عن نصب (غير) بالاستثناء. وخرج الآية على الوجهين الرفع والنصب. انظر: "الحجة" 1/ 160.]] جاء (غير) فيه صفة [[في (ج): (لا يستوي المؤمنون القاعدون من المؤمنين) تصحيف في الآية.]] قوله: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: 95] فمن رفع (غير) [[كذا وردت بالنصب في جميع النسخ "الحجة" 1/ 160.]] كان وصفا للقاعدين، والقاعدون غير مقصود قصدهم [[أي: لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، وإنما المراد من اتصف بهذِه الصفة وهي القعود عن الجهاد وهو غير ذي ضرر.]]، كما كان قوله: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ كذلك. والتقدير: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء، والمجاهدون [[في (ب): (المجاهدين).]].
وأما من نصب (غير) على الاستثناء، فإن الفراء ينكر جواز [[أنكر الفراء ذلك رادا على أبي عبيدة فيما ادعاه: أن (غير) في قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ بمعنى (سوى) وأن (لا) في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ صلة. انظر كلام الفراء في "معاني القرآن" 1/ 8، وكذلك رد عليه الطبري ناقلا عن الفراء، انظر: "تفسير الطبري" == 1/ 81، وانظر: "مجاز القرآن" 1/ 25.
وأما أبو علي فيأخذ بقول أبي عبيدة كما سيأتي كلامه، ومنه قوله: (ومن جعل (غير) استثناء لم يمتنع على قوله دخول لا بعد الحرف العاطف ...) "الحجة" 1/ 163.]] ذلك، وقال: لو كان (غير) هاهنا منصوبا على الاستثناء كان بمعنى (سوى) فلم يجز أن يعطف عليه بقوله: (ولا [[يريد قوله ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾. انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 8، والطبري 1/ 79، 190.]]) لأن (لا) نفي وجحد، ولا يعطف بجحد إلا على جحد، ولا يجوز في الكلام استثناء يعطف عليه بجحد، كما تقول: [رأيت القوم إلا زيدا ولا عمرا، وإنما يعطف الجحد على الجحد، كما تقول:] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ما قام أبوك ولا أخوك [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 79.]].
ومن أجاز [[هذا من كلام أبي علي في "الحجة" 1/ 163.]] الاستثناء فإنه يقول: لا يمتنع دخول (لا) [[في (ب): (إلا) تصحيف.]] بعد الحرف العاطف [[كما في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾.]] لأن الاستثناء يشبه النفي، ألا ترى أن قولك: جاءني القوم إلا زيدا، بمنزلة قولك: جاءني القوم لا زيد. فيجوز أن تعطف [[في (ب): (يعطف) وفي "الحجة": (أن تدخل "لا") 1/ 163.]] بـ (لا) حملا على المعنى، ويجوز أن تجعلها زيادة في هذا الوجه [[هذا رأي أبي عبيدة، انظر: "مجاز القرآن" 1/ 25، دافع عنه أبو علي في وجه المنكرين له كالفراء. انظر: "الحجة" 1/ 163.]]، كما تجعلها زيادة في قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ [[استدل أبو علي بالآية على أن (لا) زائدة، وهذا ليس بالاتفاق فهناك من يقول ليست زائدة. انظر: "تفسير الطبري" 22/ 129.]] [فاطر: 22].
وإذا جاز دخول (لا) [[في (ب): (الا) تصحيف.]] مع الاستثناء لهذين الوجهين [[والوجهان هما:
1 - أن الاستثناء يشبه النفي، فتدخل (لا) حملا على المعنى.
2 - جعلها زيادة، انظر: "الحجة" 1/ 163.]] فلا وجه لقول من أنكره [[ممن أنكره الفراء.]].
وكذلك [[في (ب): (ولذلك).]] يجوز زيادة (لا) في قول من جعل (غير) حالا أو صفة أو بدلا. وقد دخلت (لا) زائدة في مواضع كثيرة في التنزيل وغيره، من ذلك قوله [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 137، "الكتاب" 1/ 390.]]: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ الآية [الحديد: 29]. والذين يجوزون زيادة (لا) يقولون: إنما تجوز إذا تقدمه نفي [[هذا قول الفراء. انظر: "معاني القرآن" 1/ 8، وكذا الطبري انظر: "تفسيره" 1/ 81. وقوله: (الذين يجوزون زيادة (لا) ... مع البيت بعده) لم يرد في كلام أبي علي الفارسي. انظر: "الحجة" 1/ 163، 164.]] كقوله:
ما كان يرضى رسول الله دينهم ... والطيبان أبو بكر ولا عمر [[البيت لجرير يهجو الأخطل، وقد استشهد الفراء بالبيت على جواز زيادة (لا) إذا تقدمها نفي. انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 8، وورد البيت في "تفسير الطبري" 1/ 82، "الأضداد" لابن الأنباري ص 215، "نقائض جرير والأخطل" ص 174، "ديوان جرير" ص 201.]]
وليس الأمر كذلك [[هذا رأي الواحدي كما هو رأي أبي عبيدة وأبي علي الفارسي حيث اتفقوا على جواز زيادة (لا) في الإيجاب. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 25 - 27، "الحجة" 1/ 164، والكلام منقول منها.]] فقد جاء زيادتهما في الإيجاب كما في النفي، قال ساعدة الهذلي [[هو ساعدة بن جؤية الهذلي، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم، وليست له صحبة. انظر ترجمته في "شرح أشعار الهذليين" للسكري 3/ 1097، "الإصابة" 2/ 4، "الخزانة" 3/ 86.]]:
أفعنك لا برق كأن وميضه ... غابٌ تشيَّمَه [[في (ب): (تسنمه) بالسين والنون، وفي (أ): (تشنيمه) على الروايتين، وقد وردت في "الحجة" (تسنمه) كما في (ب)، وأكثر المصادر (تشيمه).]] ضِرامٌ مثقَبُ [[قوله (أفعنك): عن ناحيتك، و (لا) زائدة، (تشيمه) أي: دخل في، و (الضرام): النار في الحطب الدقيق. ورد البيت في "شرح أشعار الهذليين" للسكري 3/ 1103، "الأضداد" لابن الأنباري ص 213، "الحجة" لأبي علي 1/ 164، "المخصص" 14/ 65، "اللسان" (شيم) 4/ 2380، "البحر المحيط" 4/ 273.]]
وأنشد أبو عبيدة:
ويلحينني في اللهو ألا أحبه ... وللهو داع دائب غير غافل [[البيت للأحوص، ومعنى قوله: (ويلحينني): يعذلنني، ورد البيت في "شعر الأحوص" ص 179، "جاز القرآن" 1/ 26، و"تفسير الطبري" 1/ 81، "الكامل" 1/ 80، "الأضداد" لابن الأنباري ص 214، "الحجة" لأبي علي 1/ 164.]]
وقال الله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ [[في (ب): (أن تسجد).]] [الأعراف: 12]، وفي الأخرى ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ [ص: 75] وهذا الحرف [[من "الحجة" 1/ 166.]] -أعني: (لا) - يدخل [[في (أ)، (ج): (تدخل) وفي "الحجة" (يدخل) 1/ 166.]] في النكرة على وجهين:
أحدهما: أن يكون [[في (ب): (تكون) بالتاء، وفي "الحجة" (يكون) 1/ 166.]] زائدًا كما ذكرنا في بيت الهذلي [[بيت الهذلي قوله: ويلحينني في اللهو ألا أحبه. البيت. وفي "الحجة": (كما مر في بيت == جرير) وبيت جرير الذي يعنيه هو قوله:
ما بال جهلك بعد الحلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين
انظر: "الحجة" 1/ 164، 166.]].
والآخر: أن يكون [[في (ب): (بالتاء) في كل المواضع، وكذا في "الحجة": (أن تكون غير زائده، فإذا لم تكن زائدة ..) 1/ 166.]] غير زائد، فإذا لم يكن زائدا كان على ضربين:
أحدهما: أن يكون (لا) مع الاسم بمنزلة اسم واحد نحو: خمسة عشر [[انظر: "الكتاب" 2/ 276.]]، وذلك نحو قولهم: (غضب من لا شيء، وجئت بلا مال) فـ (لا) مع الاسم المنكور في موضع جر بمنزلة خمسة عشر [[(عشر) ساقط من (ب)، (ج).]].
والآخر: ألا تعمل [[في (ب): (يعمل).]] (لا) في اللفظ، ويراد بها معنى النفي، فيكون صورتها صورة الزيادة، ومعنى النفي فيه مع ذلك صحيح، وذلك كقول النابغة:
أمسى ببلدة لا عمٍّ ولا خالِ [[البيت للنابغة الذبياني يرثي أخاه وصدره:
بعد ابن عاتكة الثاوي لدى أبوى ... ... ... ... ...
و (عاتكة): أمه، و (أبوى): اسم موضع، انظر: "ديوان النابغة" ص 151، "الحجة" لأبي علي 1/ 167، "الخزانة" 4/ 50، "معجم البلدان" 1/ 80.]]
وقال الشماخ [[اسمه معقل بن ضرار الغطفاني، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وله صحبة، شهد وقعة القادسية، وتوفي في زمن عثمان رضي الله عنهما. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص 195، "طبقات فحول الشعراء" 1/ 132، "الخزانة" 3/ 196.]]: إذا ما أدلجت وصفت يداها ... لها إدلاج ليلة لا هجوع [[(الإدلاج): السير من الليل، (وصفت يداها): أي أجادت السير. وصف الناقة في سيرها وجدها في السير، (ليلة لا هجوع): لا نوم فيها. ورد البيت في "ديوان الشماخ" ص 226، "الحجة" لأبي علي 1/ 168، وفي مادة (وصف) في "الصحاح" 4/ 1439، "أساس البلاغة" 2/ 511، "اللسان" 8/ 4850، " التاج" 12/ 523، وفي "الخزانة" 4/ 50. وبهذا البيت انتهى ما نقله عن "الحجة" 1/ 168.]]
وقال صاحب "النظم" [[هو أبو علي الحسن بن يحيى الجرجاني، سبق الحديث عنه في مصادر الواحدي.]]: دخلت (لا) في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ لمعنى من المعاني، وهو أنها منعت من ميل الوهم إلى غير ما نظم عليه الكلام، وذلك أن قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ معطوف على قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وفي (غير) تأويل جحد، فدخلت (لا) على الضالين، ليعلم أنها معطوفة على (غير)، ولو لم تدخل (لا) لاحتمل أن يكون قوله: (والضالين) منسوقا [[في (ب): (مسبوقا).]] على قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم والضالين}، فلما احتمل ذلك أدخل فيه (لا) ليحسم هذا الوهم [[انظر: "البحر المحيط" 1/ 29.]]، وهو كما قال:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر [[البيت لجرير يهجو الأخطل، وسبق تخريجه قريبا، والرواية هناك (دينهم) بدل (فعلهم).]]
أدخل (لا) [[(لا) ساقط من (ب).]] في قوله: (ولا عمر)؛ لأنه لو لم يدخل لاحتمل أن يكون انقطاع القصة عند تمام قوله: (ما كان يرضى رسول الله فعلهم)، ثم ابتدأ كلاما آخر على معنى المبتدأ وخبره، فيكون معناه حينئذ: (و [[(الواو) مكررة في (جـ).]] الطيبان أبو بكر وعمر) أي: أنهما هما الطيبان دون غيرهما. فلما دخلت (لا) علم أن عمر داخل في المعنى الذي أضيف إلى [[في (ب): (ان).]] رسول الله من أنه لا يرضى فعلهم على تأويل، ولا يرضى -أيضا- فعلهم الطيبان أبو بكر وعمر [[قوله: (وعمر) ساقط من (ب).]].
وأما معنى (الغضب) من الله تعالى فهو إرادة العقوبة، وتسمى العقوبة غضبا على التوسع [[بل نثبت الغضب لله كما أثبته لنفسه، ولا نؤوله بإرادة العقوبة، ومنهج السلف إثبات الصفات لله التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله ﷺ من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه، ولا يلزم من ثبوتها مشابهة الخلق. انظر: "الرسالة التدمرية" ص 31 - 33، "تفسير الطبري" 1/ 189.]]. وإنما لم يقل (المغضوبين) كما قال: (ولا الضالين) لأن كل فعل تعدى إلى المفعول بحرف الجر فإن جمعه وتثنيته وتأنيثه في المكنى المتصل بحرف الجر [[فلم يجمع فيقال (المغضوبين) لأنه لا يتعدى إلا بحرف الجر، فتعدى إلى الضمير بحرف الجر، وظهر جمعه في الضمير في قوله (عليهم). انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 125، "مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 13، "البيان في غريب القرآن" 1/ 41.]]، كقولك [[في (ب): (كقوله).]]: المأخوذ منه، والمأخوذ منهما، والمأخوذ منهم، والمأخوذ منهن. وكذلك تقول في: الممرور [[في (ب): (المروية) وفي (ج): (الممسدوريه).]] به، والمقعود [[في ب (المفعور).]] عليه، والمتوجه [[في (ص): (التوجه).]] إليه وما أشبهها [[في (ب): (وما أشبههما). ما أشبهها مما فعله لازم يتعدى لمفعوله بحرف الجر، فإن جمعه وتثنيته في الضمير بعده المتصل بحرف الجر.]].
والعلة فيه أن تمام الاسم عند ذكر المكنى، علامة التثنية والجمع والتأنيث تلحق [[في (ب): (بجلق).]] آخر الأسماء عند تمامها. وقال النحويون: هذا وأمثاله بمنزلة الفعل المقدم، نحو قولك: (ضرب أخواك، وضرب إخوتك) [[فتلحق علامة التثنية والجمع آخر الفاعل عند تقدم الفعل عليه.]]. و (عليهم) في الموضع رفع، لأنه بمنزلة اسم ما لم يسم فاعله [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 125، "المشكل" لمكي 1/ 13، "البيان" 1/ 41.]].
وقوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ أصل الضلال في اللغة الغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن إذا غاب، وضل الكافر: غاب عن المحجة [[ذكره الأزهري عن أبي عمرو. "تهذيب اللغة" (ضل) 3/ 2130، وانظر: "اللسان" (ضلل) 5/ 4604، وفي "اللسان" ضل الكافر إذا غاب عن الحجة، وكذا في "التهذيب".]]. ومن هذا قوله تعالى: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: 10] أي: غبنا فيها بالموت وصرنا ترابا وعظاما فضللنا في الأرض، ولم يتبين [[في (ب): (نبين).]] شيء من خلقنا، ويقال: أضللت الشيء إذا غيبته، [وأضللت الميت إذا غيبته] [[ما بين المعكوفين ساقط من (ب).]] في التراب ودفنته [[انظر: "تهذيب اللغة" (ضل) 3/ 2130، "تأويل مشكل القرآن" ص 457، "معجم مقاييس اللغة" (ضل) 3/ 356، "اللسان" (ضلل) 5/ 4602.]]. وقال المخبل [[المخبل: المجنون، وبه لقب الشاعر، واسمه ربيع بن ربيعة بن عوف، شاعر مخضرم، أدرك الإسلام، توفي في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 269، "طبقات فحول الشعراء" ص 61، "الإصابة" 1/ 491، "الخزانة" 6/ 93.]]: أضلت بنو قيس بن سعد عميدها ... وفارسها في الدهر قيس بن عاصم [[ورد البيت في "تهذيب اللغة" (ضل) 11/ 465، "اللسان" (ضلل) 4604، وقيس بن عاصم: هو قيس بن عاصم بن سنان بن خال بن منقر، سيد قومه ورد على النبي ﷺ فقال: "هذا سيد أهل الوبر". انظر: "الخزانة" 8/ 102.]]
فالضال هو الغائب عن الحق الزائغ عن الرشد، ويقال: ضَل يضِل، وضَل يضل لغتان، وضلِلنا وضلَلنا [[انظر: "معجم مقاييس اللغة" (ضل) 3/ 356، "اللسان" (ضلل) 5/ 2601، "القاموس" ص 1024.]].
فأما التفسير فروى عدي بن حاتم [[عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي، الأمير الشريف، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالجود، وفد على النبي ﷺ في وسط سنة تسع فأكرمه، له أحاديث، في وفاته أقوال، أشهرها سنة سبع وستين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 1/ 189، "جمهرة أنساب العرب" ص 402، "طبقات ابن سعد" 6/ 22، "الإصابة" 2/ 468، "سير أعلام النبلاء" 3/ 162.]] عن النبي ﷺ في تفسير ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ قال: اليهود، ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: النصارى [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 82 بسنده من طرق، قال أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري": إسناده صحيح، الطبري 1/ 185، 186، وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده في "تفسيره" 1/ 31، وقال: لا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا. "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 163، وأخرجه الثعلبي بسنده في "تفسيره" 1/ 32/ ب، وهو جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي في "سننه" (2953) أبواب تفسير القرآن، تفسير سورة الفاتحة، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد في "مسنده" 4/ 378.]].
وروي أن رسول الله ﷺ كان بوادي القرى [[واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كئير القرى، فتحها النبي ﷺ سنة سبع عنوة، ثم صولحوا على الجزية. انظر: "معجم البلدان" 5/ 345.]] على فرسه [[في (ب): (قرينه).]]، [فسأله رجل [[ما بين المعكوفين ساقط من (ب).]]] من بلقين [[كذا جاءت في "تفسير الثعلبي" 1/ 33/ أ، و"تفسير الطبري" (من بني القين) قال في "الصحاح": يقال لبني القين من بني أسد: (بلقين). "الصحاح" (قين) 6/ 2185.]] فقال: يا رسول [[في (ب): (لرسول الله ﷺ).]] الله، من هؤلاء الذين يقاتلونك؟ قال: "المغضوب عليهم" وأشار إلى اليهود، فقال: من هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال: "الضالون" وأشار إلى النصارى [[ذكره الثعلبي بسنده في "تفسيره" 1/ 33/ أ، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 80 بروايات مختلفة بعضها مرسلة وبعضها متصلة بإسناد صحيح. وانظر: "تفسير الطبري" مع تحقيق محمود شاكر 1/ 186، 187.
وأخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 77، وذكره ابن كثير موصولا في "تفسيره" 1/ 32، وانظر: "الدر" 1/ 42.]].
قال المفسرون: وتصديق هذا حكم الله عز وجل بالغضب على اليهود [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 79، 81، و"تفسير الثعلبي" 1/ 33/ أ، و"تفسير ابن عطية" 1/ 126، و"تفسير البغوي" 1/ 55، و"الكشاف" 1/ 71، و"تفسير القرطبي" 1/ 130، و"تفسير وابن كثير" 1/ 32.]] في قوله: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 60] وحكمه على النصارى بالضلال في قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ﴾ [المائدة: 77] الآية، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وغيرهم [[انظر أقوالهم في "تفسير الطبري" 1/ 80، 83، و"تفسير ابن عطية" 1/ 126، و"تفسير ابن كثير" 1/ 32، "الدر" 1/ 42 - 43. قال ابن أبي حاتم بعد أن ذكر قول ابن عباس: لا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا. "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 31، وللرازي أقوال في تفسير المغضوب عليهم والضالين، تخالف ما ورد بالنص، وما عليه جمهور المفسرين، انظر: "تفسيره" 1/ 261.]].
وهذا التفسير يوافق في ظاهر اللفظ قراءة من قرأ (غير) بالنصب على معنى الاستثناء [[قراءة (غير) بالنصب مروية عن ابن كثير، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 112، "الحجة" لأبي علي 1/ 142، قال في "البحر": وهي قراءة عمر وابن مسعود وعلي وعبد الله بن الزبير. "البحر" 1/ 29، واختلف في تخريجها، فيرى الزجاج والأخفش وبعض البصريين: أنه منصوب على الاستثناء، ونصره أبو علي الفارسي في "الحجة"، ومنعه الفراء، والأرجح: أنها حال من الضمير في (عليهم).
انظر: "تفسير الطبري" 1/ 78، "الحجة" 1/ 142، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 166، والفراء 1/ 8، والزجاج 1/ 16، "البحر" 1/ 29.]]، [كأنه استثنى] [[ما بين المعكوفين ساقط من (ب).]] اليهود والنصارى من الذين أنعم عليهم، وكأن المسلمين [[في (أ)، (ج): (المسلمون).]] سألوا أن يهديهم طريق المنعم عليهم لا طريق اليهود والنصارى. وهذِه قراءة شاذة [[ممن قال بشذوذها الطبري حيث قال: (وقد يجوز نصب (غير) في ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وإن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء ..) "تفسير الطبري" 1/ 78، وكذلك عدها عبد الفتاح القاضي من الشواذ، حيث ذكرها في كتابه "القراءات الشاذة" ص 19. وقراءة النصب مروية عن ابن كثير. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 112، "الحجة" لأبي علي 142، وقال في "الكشاف": (وهي قراءة رسول الله ﷺ وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير، "الكشاف" 1/ 71، وانظر: "البحر" 1/ 29. وأنكر بعضهم أن تكون منصوبة على الاستثناء، ورجحوا نصبها على الحال وعلى هذا حملها الطبري، انظر: "تفسيره" 1/ 78، وانظر: "الكشاف" 1/ 71، و"تفسير ابن كثير" 1/ 31.]].
وتصحيح هذا التفسير على القراءة المعروفة هو أن [[(أن) ساقط من (ب).]] المعنى: اهدنا صراط المنعم عليهم، الذين لم تغضب [[في (ب): (يغضب).]] عليهم ولم يضلوا [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 78، و"تفسير ابن كثير" 1/ 31.]]. فلما وصفوا بنفي الغضب عليهم والضلال كان في ضمن ذلك [[(ذلك) ساقط من (ب).]] إثباتهما لغيرهم، كما تقول في الكلام: أنا غير كاذب، يجوز أن تريد بنفي الكذب عنك إثباته لغيرك ممن تخاطبه، وفي هذا حجة للقائلين بالمفهوم وفحوى الخطاب [[في (ج): (فحو).
والخطاب عند الأصوليين منطوق ومفهوم، والمفهوم قسمان: مفهوم موافقة، وهو ما كان المسكوت عنه موافقا للمنطوق في الحكم ويسمى: فحوى الخطاب ولحن الخطاب، وهو حجة عند الأكثر.
ومفهوم مخالفة: وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفا للمنطوق في الحكم ويسمى دليل الخطاب، وهو أقسام، وفيه خلاف.
انظر: "المختصر في أصول الفقه" لابن اللحام ص 132.]]. ثم من المغضوب عليهم؟ ومن الضالون؟ [[في (ب): (فقد).]] قد بينه النبي ﷺ وذكره المفسرون [[سبق بيان ذلك.]].
{"ayah":"صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق