الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾، ﴿قُلْ﴾ يعني: يا محمد، ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ يا أهل الكتاب، أي: أخبركم بالأمر العظيم؛ لأن النبأ إنما يُراد به الشيء الهام العظيم، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص ٦٧]، وقال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ ١-٢]، بخلاف الخبر، الخبر قد يكون في أمور تافهة، لكن النبأ لا يكون إلا في أمور هامة، ولعل ذلك -والله أعلم- لأن أحد اشتقاقاته من النَّبْوة، والنَّبْوة بمعنى الارتفاع.
﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ﴾، المشار إليه صلاة المسلمين، التي اتخذها هؤلاء هزوًا ولعبًا، وقالوا: ما هذا العمل؟ ما هذا اللعب؟ يستهزئون، ومعلوم أن الاستهزاء بالعمل يستلزم الاستهزاء بالعامل.
فقال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾، ﴿مَثُوبَةً﴾ أي: عاقبة، وهي منصوبة على التمييز؛ لأنها مفسِّرة لما انبهم من التفضيل في قوله: ﴿بِشَرٍّ﴾؛ لأن أصل الشر (أشر) اسم تفضيل، والاسم المنصوب بعد اسم التفضيل المفسِّر له يسمى عندهم تمييزًا، مثل أن تقول: محمد أكثر منك علمًا، فـ (علمًا) هنا تمييز؛ لأنه مفسِّر للمبهَم من اسم التفضيل.
إذن ﴿مَثُوبَةً﴾ نعربها على أنها أيش؟ على أنها تمييز، والمثوبة بمعنى: العاقبة؛ لأنها من (ثاب، يثوب) إذا رجع، فهي بمعنى العاقبة والمآل.
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ وهذا هو المهم، المهم المنزلة عند الله عز وجل، لا عند الخلق، إذا كانت منزلتك عالية عند الله وخير فهذا هو المهم، وهذا هو المطلوب.
واعلم أنه متى كنت في منزلة عالية عند الله فسوف تكون في منزلة عالية عند الخلق، والعكس بالعكس، ولهذا جاء في الحديث: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مَؤُونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ»[[أخرجه الترمذي (٢٤١٤)، وابن حبان (٢٧٦) من حديث عائشة، واللفظ له.]].
﴿بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾، (من) هذه اسم موصول، وهي خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو من لعنه الله، هذا شر المثوبة عند الله من حصلت عليه هذه النكبات العظيمة.
﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ أي: طرده وأبعده عن رحمته، وهم اليهود والنصارى، لعنهم الله، قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة ٧٨]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٦)، ومسلم (٥٣١ / ٢٢) من حديث عائشة، وابن عباس.]]، فهم ملعونون، مطرودون من رحمة الله كما لُعِنَ إبليس، لكن هم يُرْجَى أن يؤمنوا، أما إبليس فلن يؤمن، هذا هو الفرق، وإلا هم ملعونون مطرودون عن رحمة الله عز وجل.
الثاني: ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة ٦٠] والغضب -غضب الرب عز وجل- أشد من لعنته؛ لأن الطرد والإبعاد عن الرحمة قد يصحبه غضب، وقد لا يصحبه، يكون المقصود حرمان هذا الإنسان من الجنة وإن لم يكن غضب، فالغضب أشد، ويدل على أن الغضب أشد قوله تبارك وتعالى في آيات اللعان، اللعان سببه؟
* طالب: اللعان سببه أن يرمي الرجل زوجته بالزنا.
* الشيخ: أحسنت، سببه أن الرجل يرمي زوجته بالزنا، وأنتم تعلمون أنه لا يمكن لأحد أن يرمي زوجته بزنا إلا وهو صادق؛ لأن هذا يُدَنِّس فراشه، ومن ثَمَّ صارت الشهادات قائمة مقام الشهود، غير الزوج لو رمى امرأته بالزنا، قلنا: إما أن تقيم أربعة شهود، وإلا حَدٌّ في ظهرك، الزوج ما يحتاج نقول له كذلك، نقول: لاعِن، إذا لم تقر الزوجة فلاعن، يُؤتَى بالرجل ويقول: اشهد أربع مرات أن الزوجة هذه قد زنت، فيقول، يشهد، في الخامسة يقول: وأن لعنة الله عليه، والضمير هنا يجب أن يكون ضمير متكلم عندما يتكلم به الزوج، لكن هذا من باب تحاشي الإضافة إلى ضمير المتكلم؛ لأن اللعنة ما هي على المتكلم، اللعنة على من؟ على الزوج..
إذا لم تقر لاعن، إذا لم تقر الزوجة فلاعن، يؤتى بالرجل ويقول: اشهد أربع مرات أن الزوجة هذه قد زنت، فيقول، يشهد، في الخامسة يقول: وأن لعنة الله عليها، والضمير هنا يجب أن يكون هنا ضمير متكلم عندما يتكلم به الزوج، لكن هذا من باب تحاشي الإضافة إلى ضمير المتكلم، لأن اللعنة ما هي على المتكلم، اللعنة على من؟ على الزوج، ولهذا يقول هو: علي، فيشهد خمس مرات أن زوجته زنت، وفي الخامسة يقول أيش؟ وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، هي تشهد برد كلام الزوج أربع مرات أنه كاذب وفي الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ومعلوم أن كذبها -على الزوجة- أشد من كذب الزوج؛ لأن الزوج أقرب منها إلى الصدق، وهي ربما تفعل هذا، يعني تشهد على أنه كاذب لدرء السمعة السيئة عنها وعن قومها، لكن الزوج لا يمكن أن يراعي هذا، ولهذا كان الغضب في جانبها واللعنة في جانب الزوج، وبه عرفنا أن الغضب أشد من اللعنة.
﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ إذن اليهود مغضوب عليهم؛ لأنهم علموا الحق أيش؟ ولم يعملوا به، النصارى الآية هذه تدل على أن النصارى مغضوب عليهم؛ لأن الخطاب مع من؟ مع أهل الكتاب، ولا شك أن النصارى بعد تكذيبهم لرسول الله ﷺ مغضوب عليهم، ولا فرق بينهم وبين اليهود، بل هم أخبث من اليهود بالنسبة للمسلمين، والحروب الصليبية إذا قرأها الإنسان عرف شدة عداوة النصارى للمسلمين، وهم الآن ردء لليهود في وقتنا الحاضر يناصرون اليهود ويدافعون عنهم، ولا تفتيش على أسلحتهم ولا إنكار على فعائلهم، وهذا شيء لا يخفى على العميان فضلًا عن المبصرين. إذن ﴿غَضِبَ عَلَيْهِ﴾ ينطبق في هذه الآية على من؟ على اليهود والنصارى؛ لأن اليهود بعد بعثة الرسول علموا الحق والنصارى بعد بعثة الرسول علموا الحق وأنكروه، فيكونون جميعًا تحت هذه المظلة؛ مظلة الغضب.
﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾: ﴿جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ وسبب جعل القردة هو أنهم تحيلوا على صيد الحيتان المحرم عليهم صيده في يوم السبت، فتحيلوا عليه ليلتقطوه يوم الأحد، يقول العلماء: يضعون شباكًا في يوم الجمعة، ويوم السبت -سبحان الله- ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرعًا على الماء طافحة من كثرتها، لكن لا يجوز أن يصطادوا؛ لأنه محرم عليهم، فكأنهم عجزوا عن تحمل هذا الحكم، ماذا فعلوا؟ تحيلوا، وضع الشباك يوم الجمعة تأتي الحيتان يوم السبت في ها الشبك، فإذا كان يوم الأحد أخذوها، الفعل ظاهره الإباحة؛ لأنهم لم يصطادوا يوم السبت، اصطادوا يوم الأحد، فلما كانت هذه الفعلة المحرمة شبيهة بالحلال مسخهم الله عز وجل قردة؛ لأنه شبيه بالإنسان، شوف الجزاء من جنس العمل، صاروا قردة، القردة هنا هل هم صاروا قردة معنًى أو حسًّا؟ حسًّا، صاروا قردة حسًّا، هذا الذي عليه جمهور المفسرين، وهو ظاهر القرآن، وإن كان بعض المعاصرين ذهب إلى أنهم كانوا قردة معنًى، أي صاروا مثل القرود، ليس عندهم أفكار بني آدم ولا عقول بني آدم، لكن يقال: الأصل هو أيش؟ الحقيقة، الأصل هو الحقيقة، والله على كل شيء قدير، الذي خلق الإنسان على هذا الوصف قادر على أن يقلبه على وصف آخر، ولهذا قال: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥] فصاروا قردة، لكن هل بقوا؟
الجواب: لا؛ لأن المقصود من كونهم قردة أن يكونوا عبرة ونكالًا، ولا يلزم من هذا أن تتسلسل الذرية، ولذلك قال أهل العلم: إنه لا نسل لمن مسخوا حيوانًا من أجل العقوبة، لا نسل لهم، من مات خلاص (...).
﴿الْخَنَازِيرَ﴾ أين هذا؟ هل في القرآن أن بني إسرائيل صاروا خنازير.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، غير الآية؟ نعم، نقول: هذه الآية جعل منهم خنازير، أما أن نعلم كيف كانوا أو بأي سبب ما هو لازم، إذا حكى الله عنهم أنهم صاروا خنازير فهم خنازير، ولعل -والله أعلم، ولا نقول على الله ما لا نعلم- لعل هؤلاء الذين قلبوا خنازير، لعل حيلهم كانت على الزنا؛ لأن المعروف أن الخنازير ليس لها غيرة إطلاقًا، الحيوان غير الخنزير يغار، ما أحد يجيء أنثاه إلا إذا كان غائبًا، لكن الخنزير ينزل من أنثاه ويقول لصاحبه: اصعد، نعم، يقولون: ليس له غيرة، وهذه من حكمة الله عز وجل أن حرم الخنزير؛ لأنه ليس له غيرة، فعلى كل حال إن صح هذا فالله أعلم ما ندري، المهم الآن نؤمن بأن الله جعل من أهل الكتاب أيش؟ قردة وخنازير.
يقول عز وجل: ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾: ﴿عَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ فيها قراءتان، الأولى: ﴿عَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ على أن ﴿عَبَدَ﴾ فعل ماض و﴿الطَّاغُوتَ﴾ مفعول به، وعلى هذا فتكون معطوفة على صلة الموصول وهو قوله: ﴿لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ أفهمتم؟ إذن ﴿عَبَدَ﴾ فعل ماض فيها ضمير مستتر يعود على من؟ قوله: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ و﴿الطَّاغُوتَ﴾؟ مفعول به، يعني: عبدَ الطاغوتَ.
﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ عبده عبادة بركوع وسجود وطاعة فيما يأمر.
والمراد بالطاغوت ما ذكره ابن القيم رحمه الله بتعريف من أجمع التعاريف؛ قال: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
كل إنسان يتجاوز الحد في عبادة أحد غير الله فهذا المعبود طاغوت، كل إنسان يتجاوز الحد في اتباع غير شريعة الله فقد اتخذه طاغوتًا، كل إنسان يتجاوز حده في طاعة سلطان أو أمير فقد اتخذه طاغوتًا. إذن الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، ولهذا ما تجاوز به العبد حده؛ لأن أصل الطاغوت من الطغيان، أصل الطاغوت من الطغيان.
فإن قال قائل: هذا المعبود كيف نسميه طاغوتًا؟ هذا المتبوع كيف نسميه طاغوتًا؟ هذا المطاع كيف نسميه طاغوتًا؟ قلنا: الطاغوت هنا بمعنى الطغيان، والطغيان ليس وصفًا للمفعول، ولكنه وصف للفاعل، للعابد الذي عبد غير الله، أو أطاع غير الله في معصية الله، أو اتبع غير رسول الله في معصية الله عز وجل.
فيها قراءة الثانية: ﴿وَعَبُدَ الطَّاغُوتِ﴾ لكن تكون على هذه القراءة (الطاغوت) بالجر على أن (عَبُدَ) اسم مفرد؛ كما يقال: السَّبْعُ والسَّبُعُ، فيقال: العبْدُ وأيش؟ والعبُدُ، فهما لغتان: عبْد وعبُد، وعلى هذا، على هذه القراءة نقول: ﴿عَبُدَ الطَّاغُوتِ﴾ وتكون معطوفة على أيش؟ على ﴿الْقِرَدَةَ﴾، يعني: وجعل منهم عبد الطاغوت.
وأهل الكتاب عبد الطاغوت باتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فإن الله قال عنهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة ٣١] قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، لسنا نعبدهم، فبين لهم أن طاعتهم في معصية الله هي عبادتهم[[أخرجه الترمذي (٣٠٩٥).]].
قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ الجملة هذه من أحسن ما يكون في تقرير أن هؤلاء شر من المسلمين في المكان، ولهذا لم تأت جوابًا من الرسول، بل جاءت جوابًا من الله عز وجل، أول الآية: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ﴾ يقول القائل: نعم نبئنا، فذكر الأوصاف، لكن الله قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ أي الموصوفون بهذه الصفات اللعنة والغضب والمسخ والرابع عبادة الطاغوت هؤلاء شر مكانًا، ممن؟ شر مكانًا من المؤمنين بالله الذين آمنوا بالله وآمنوا بما أنزل إليهم وما أنزل من قبل شر مكانًا؛ وذلك لأن هؤلاء مكانهم النار والعياذ بالله، وأولئك المؤمنون مأواهم الجنة.
فإن قال قائل: المعروف أن اسم التفضيل يشترك فيه المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى، فهل في الجنة شر؟ الجواب: لا، ليس فيها شر، لكن هذا كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» » شرها الآخر ما فيه شر «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا»[[أخرجه مسلم (٤٤٠ / ١٣٢) من حديث أبي هريرة.]]، وعكسه مثل قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤]، مع أن أصحاب النار ليس عندهم خير ولا حسن المقيل، فمثل هذا التفضيل يقول علماء البلاغة: هو تفضيل ليس في الطرف الآخر منه شيء، سواء كان في خير أو في شر.
قوله: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا﴾ هل المراد بالمكان ما يقابل الزمان أو المراد بالمكان المكانة والمنزلة أو الأمران؟ الأمران، فهم مكانهم شر لأنه النار، ومكانتهم شر لأنهم الأرذلون.
﴿وَأَضَلُّ﴾ هذه معطوفة على ﴿شَرٌّ﴾ يعني وأولئك أضل عن سواء السبيل، (أضل) اسم تفضيل منين؟
* الطالب: أضل (...).
* الشيخ: من الضلال نعم، يعني أشد ضلالًا عن سواء السبيل، أي عن الطريق المستوية المستقيمة، فهو يشبه إضافة الصفة إلى موصوفها، يعني أن السبيل السواء، هؤلاء شر مكانًا وأضل عن سواء السبيل.
وهل في المؤمنين ضلال؟ لا، لكن نقول فيها مثل ما قلنا في ﴿شَرٌّ مَكَانًا﴾. لا ضلال.
وقد يقول قائل: لعل هذا من باب التنزل مع الخصم؛ لأن الخصم يدعي أن المؤمنين شر مكانًا وأضل عن سواء السبيل، فيقال: أنتم شر مكانًا وأنتم أضل عن سواء السبيل، لكن ما قررناه أولًا واضح ما فيه إشكال أنه قد يأتي التفضيل بين شيئين ليس في أحدهما شيء من المعنى.
* طالب: (...).
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: (...)
* الشيخ: صدقت، ويشهد لصدقك قول الله تبارك وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧] وما وقع للسلف الصالح حيث قالوا: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف[[أخرجه البيهقي في الزهد الكبير (٨٠) عن إبراهيم بن أدهم. ]].
* طالب: (...) أن قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧] (...)؟
* الشيخ: هذا الحديث ضعيف، ثم لو صح لحمل على النصارى قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام.
* طالب: (...).
* الشيخ: من جهة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أما إذا قلنا: إن هذا أمر معنوي فقد يصيبه هذا. قد ينتكس -والعياذ بالله- ولا ينتفع بحق، وإذا قلنا: إنه حسي فكذلك أيضًا، أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» أَوْ «يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩١)، ومسلم (٤٢٧ / ١١٥) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: اقرأ آخر الآية؟ وين هذه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: النصارى أيوه النصارى اللي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أما نصارى الوقت الحاضر أبدًا، لو يسمعون السنّة من أولها إلى آخرها والقرآن من أوله إلى آخره ما فاضت أعينهم من الدمع.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا بأس أن يقول، لكن أنا عندي أنه ما هو مناسب، خصوصًا في مقام الدعوة، تجيء لواحد من اليهود مثلًا تقول: تعال يا أخ القردة والخنازير آمن بمحمد، ما يصير هذا، لكن على سبيل الخبر قد يقال بالجواز، عبد الله بن رواحة لما جمعهم ليخرص عليهم النخل قال: «إني جئتكم من أحب الناس إلي، وإنكم لأبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير»[[أخرجه ابن حبان (٥١٩٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦ / ١١٤) من حديث عبد الله بن عمر.]].
* الطالب: (...).
* الشيخ: قد يكون الآن مقام المناظرة بينهم وبين المسلمين ولا شك أن غيرهم أضل منهم، ولهذا أباح الله لنا من اليهود والنصارى ما لم يبح من غيرهم، أباح لنا نكاح نسائهم، وأباح لنا ذبائحهم مما يدل على أنهم أرفع مرتبة من المشركين والمجوس.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، من ذلك، أي من الصراط اللي اتخذوه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إنه أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو الظاهر، لكن فيها إشكال من جهة التركيب، وهو قوله: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ﴾ كيف جعل ﴿مِنْهُمُ﴾ بضمير الجمع مع أنه قال: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم ﴿مَنْ﴾ اسم موصول يجوز في ضميرها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أن يرد على لفظ أو على المعنى، صحيح.
* طالب: (...).
* الشيخ: هم على خطر، لكن إذا قلنا: إن القردة والخنازير أمر معنوي فلا إشكال، لكن إذا كان حسيًّا فيخشى أن يقع بهم ذلك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، وهابية نسبة إلى هذا المذهب، يظنون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ابتدع مذهبًا جديدًا، وهو صحيح هو مذهب جديد بالنسبة لهم ولشركهم، لكنه بالنسبة لأهل السنة أيش نقول؟ بالنسبة لأهل السنة ليس مستقلًّا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هو تنقيص لهذا المذهب، لا ما يريدون تنقيص الله أبدًا، يريدون تنقيص المذهب، لكن (...) ليس بغريب، الرسول وصفوه بأنه ساحر كذاب مجنون شاعر، بل قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢].
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة ٦١ - ٦٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ أكثر من قراءة؟
* طالب: قراءتان.
* الشيخ: قراءتان.
* الطالب: القراءة الأولى ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ على أن (عبدَ) في الماضي، والقراءة الثانية: ﴿وَعَبُدَ الطَّاغُوتِ﴾ ؛ لأن (عبد) اسم.
* الشيخ: اسم، يعني (عبُد) بمعنى (عبُد وعبْد) كلاهما واحد؛ كسبُع.
* الطالب: كسبع.
* الشيخ: سُبع، لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: كسبُعٍ وسبْعٍ، نعم.
* الشيخ: على قراءة الفعل: ﴿عَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ أين يكون هذا المعطوف على أي شيء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: معطوف على ﴿لَعَنَهُ اللَّهُ﴾. نعم يعني: من لعنه الله ومن عبد الطاغوت.
ذكرنا أن أجمع ما قيل في معنى الطاغوت؟
* طالب: كل ما تجاوز به العبد.
* الشيخ: كل ما تجاوز به العبد حده.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أو مطاع، من قال هذا؟
* الطالب: ابن القيم.
* الشيخ: ابن القيم رحمه الله.
* الشيخ: قوله: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا﴾، إعراب ﴿مَكَانًا﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: تمييز لأيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لما أبهم اسم التفضيل. هل هناك قاعدة في هذا الموضوع؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: تمييزًا له، مثل: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا﴾ [الكهف ٣٤] ﴿أَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف ٣٤] كذا.
قال الله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا﴾، ﴿إِذَا جَاءُوكُمْ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: عرض الخطاب بصيغة الاستفهام؛ لأن ذلك أمكن في النفس وأحضر للقلب ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ ومثله قوله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ [الشعراء ٢٢١] ومثله قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف ١٠٣].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء اليهود الذين سخروا من النبي ﷺ وأصحابه هم شر مكانًا وأضل عن سواء السبيل؛ لما اتصفوا به من الصفات المذكورة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العبرة بالمنزلة عند الله؛ لقوله: ﴿مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾.
ويتفرع على هذا: أنه ينبغي لنا ألا ننظر إلى منزلتنا عند الناس، وإنما ننظر إلى منزلتنا عند الله عز وجل، وإذا صححنا ذلك كفانا الله مؤونة الناس.
* ومن فوائد هذه الآية: أن اسم التفضيل قد يقع بين شيئين لا يشتركان في أصل المعنى؛ لقوله: ﴿بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً﴾؛ لأن المعنى: بأشر من ذلك، وكذلك في الخير: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ [الفرقان ٢٤] ولا خير في مستقر أهل النار.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن أولئك اليهود، بل أهل الكتاب عمومًا وصموا بهذه الصفات الأربع: اللعنة والغضب والمسخ وعبادة الطاغوت.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الغضب لله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾، وفي سورة الفاتحة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧]، والغضب صفة من صفات ذاته عز وجل، لكنه من الصفات الفعلية، وقولنا: من صفة ذاته لأن لا يقول قائل: إن الغضب هو الانتقام، والانتقام شيء منفصل عن ذات الله، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ أن الغضب صفة من صفات الله، ثابت لله حقيقة بلا تحريف، وفسره أهل التحريف بأن المراد به الانتقام أو إرادة الانتقام، فمن أثبت الإرادة قال: المراد به إرادة الانتقام، ومن لم يثبتها قال: المراد به الانتقام، ولكن هذا التفسير مردود:
أولًا: لمخالفته ظاهر اللفظ، والأصل في الأخبار أن تؤخذ على ظاهرها إلا بدليل صحيح.
ثانيًا: أنه مخالف لما عليه السلف، فلم يأت عن الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة حرف واحد يفسر الغضب بالانتقام أو إرادته.
وسكوتهم عن تفسيره بما يخالف الظاهر دليل على أيش؟ على إجماعهم على أن المراد به ظاهره، فيكون تفسيره بالانتقام أو إرادته مخالفًا لإجماع السلف، وهذه قاعدة نافعة تفيدك في كل صفات الله عز وجل.
ثالثًا: أنه يكذبه القرآن؛ لأنه يبطل هذا التفسير القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الزخرف ٥٥]، فإن معنى ﴿آسَفُونَا﴾ أي أغضبونا ﴿انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾، ومعلوم أن الجزاء غير الشرط، ﴿انْتَقَمْنَا﴾ جواب الشرط، و﴿آسَفُونَا﴾ فعل الشرط، وجواب الشرط يخالف الشرط بلا شك، فهذه الآية الكريمة ترد عليهم ذلك التفسير.
الرابع: أننا إذا تنزلنا وقلنا: إنه الإرادة -إرادة الانتقام أو الانتقام- فإن لازم ذلك أن يكون هناك غضب؛ لأن إرادة الانتقام أو الانتقام نفسه لا يكون إلا عن فعل شيء لا يرضاه المنتقم، وهذا يكون نتيجة للغضب، فهم مهما فروا لا بد أن يلزمه إثبات الغضب لله عز وجل.
هنا عبارة تذكر يذكرها حتى بعض المحققين يقولون: إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذه العبارة فيها حق وباطل، أما الحق فقولهم: طريقة السلف أسلم، وأما الباطل فقولهم: طريقة الخلف أعلم وأحكم؛ لأن هذه جملة الأخيرة تناقض الأولى تمامًا؛ لأنه كيف تكون السلامة مع الجهل أو السفه؛ لأن ضد العلم الجهل، وضد الحكمة السفه، فكيف يمكن أن يكون هناك سلامة بدون علم وحكمة، فمتى كانت طريقة السلف أسلم لزم أن تكون أعلم وأحكم. ويدل على هذا أن السلف والحمد لله مملوءة كتبهم بتفسير آيات الصفات وأحاديثها، لم يأت عنهم كلمة واحدة يقولون: والله لا نعرف هذا المعنى، لا نعرف معنى الآية، لا نعرف معنى الحديث، أبدًا، بل كانوا يقولون: المعنى معلوم والكيف مجهول، ويقولون: أمروها كما جاءت بلا كيف، فطريقة السلف إذن أسلم وأعلم وأحكم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: قدرة الله عز وجل على مسخ الإنسان قردًا وخنزيرًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾. وهل هذا الجعل جعل كوني أو جعل قدري؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: نعم، الكوني والقدري واحد، كوني أو شرعي؟ كوني، فقوله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ [البقرة ٦٥] هذا أمر كوني وليس أمرا شرعيًّا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن لا يستعصي على الإنسان طلب الشيء من الله عز وجل ما دام ليس في طلبه عدوان، يعني ولنضرب لهذا مثلًا برجل مريض بمرض السرطان، بعض الناس يقول: مرض السرطان مرض لا يرجى برؤه، وهذا هو الغالب لا شك، لكن بعض الناس ييئس ويقول كيف أدعو الله أن يبرئني من هذا المرض، والعادة أنه لا يبرأ منه، وهذا غلط عظيم؛ لأن الذي أوجد المرض قادر على رفعه، والذي خلقك ولم تكن شيئًا قادر على أن يعيدك كما كنت، ولهذا لما قال زكريا عليه الصلاة والسلام: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم ٨] قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ﴾ [مريم ٩] ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم ٩] فلا تيئس، الله على كل شيء قدير.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الله تعالى في العقوبة، حيث يجعل الجزاء من جنس العمل، وسيأتينا في قول اليهود: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة ٦٤] أنهم عوقبوا هم بأيش؟ بغل اليد، فالجزاء دائمًا يكون من جنس العمل، الجزء بالجزء والكل بالكل سواء في الثواب أو في العقاب، ففي الحديث عن النبي ﷺ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧١٥)، ومسلم (١٥٠٩ / ٢٢) من حديث أبي هريرة.]]، وهذا في الثواب، في العقاب، قال النبي ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠)، ومسلم (٢٤١ / ٢٧) من حديث عبد الله بن عمرو. ]]؛ لأن التفريط حصل في الأعقاب، توضأ الصحابة رضي الله عنهم على عجل، فكانوا يمسحون أقدامهم ولا يسبغون، فنادى عليه الصلاة والسلام: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَفِي النَّارِ»[[أخرجه البخاري (٥٧٨٧) من حديث أبي هريرة.]]، فهنا الجزاء كان جزئيًّا على قدر المخالفة.
هنا الحكمة في جعلهم القردة والخنازير سبق أن قلنا: إن القرد أقرب ما يكون للإنسان، والحيلة التي فعلوها أقرب ما تكون للحل والإباحة ولكنها محرمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل من عبد غير الله فقد عبد الطاغوت، يعني عبد عبادة الطاغوت.
فإن قال قائل: هل يشمل هذا ما جاء في الحديث: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ»[[أخرجه البخاري (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة.]]؟
قلنا: نعم، إذا جعل المال هو أكبر همه فإن هذا نوع من العبادة.
فإن قال قائل: على هذا التقدير يكون عيسى عليه الصلاة والسلام طاغوتًا؟ نسأل الله العافية.
الجواب: لا؛ لأن معنى عبد الطاغوت أي عبد عبادة الطاغوت، يعني الطغيان، فالطغيان الآن يعود على من؟ على العابد أو المعبود؟ على العابد، ولما أنزل الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٨، ٩٩] قال المشركون للرسول عليه الصلاة والسلام: إذن عيسى بن مريم في النار؛ لأنه ممن عبد من دون الله؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [[أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (٩٨٥)، والحاكم في المستدرك (٣٤٩٠) من حديث عبد الله بن عباس.]] [الأنبياء: ١٠١] وبين أن تمثيلهم بعيسى ما هو إلا جدل، قال: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف ٥٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من اتصف بهذه الصفات فهم شر الناس مكانًا؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا﴾.
* ومن فوائدها: أن من اتصف بهذه الصفات فهو أيضًا أضل الناس سبيلًا؛ لقوله: ﴿وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَیۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِیرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق