الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ:"قل"، يا محمد، لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار="هل أنبئكم"، يا معشر أهل الكتاب، بشر من ثواب ما تنقِمون منا من إيماننا بالله وما أنزل إلينا من كتاب الله، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟ [[انظر تفسير"مثوبة" فيما سلف ٢: ٤٥٨، ٤٥٩.]]
* * *
[و"مثوبة"، تقديرها مفعولة"] ، غير أن عين الفعل لما سقطت نقلت حركتها إلى"الفاء"، [[كان في المطبوعة: "غير أن العين لما سكنت نقلت حركتها إلى الفاء ... "، سقط صدر الكلام، فغير ما كان في المخطوطة، فأثبت ما أثبته بين القوسين، استظهارًا من إشتقاق الكلمة. والذي كان في المخطوطة: "غير أن الفعل لما سقط نقلت حركتها إلى الفاء"، سقط أيضًا صدر الكلام الذي أثبته بين القوسين، وسقط أيضًا"عين" من قوله: "عين الفعل". وأخشى أن يكون سقط من الكلام غير هذا. انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٧٠، وذلك قراءة من قرأ"مثوبة" (بفتح فسكون ففتح) .]] وهي"الثاء" من"مثوبة"، فخرجت مخرج"مَقُولة"، و"مَحُورة"، و"مَضُوفة"، [[في المطبوعة: "محوزة" بالحاء والزاي وفي المخطوطة: "محوره ومصرفه" غير منقوطة. والصواب ما أثبت. ويأتي في بعض الكتب كالقرطبي ٦: ٢٤٣"مجوزة" بالجيم والزاي، وكل ذلك خطأ، صوابه ما أثبت. و"المحورة" من"المحاورة"، مثل" المشورة" و"المشاورة" يقال: "ما جاءتني عنه محورة"، أي: ما رجع إليّ عنه خبر. وحكى ثعلب: "اقض محورتك"، أي الأمر الذي أنت فيه. ويقال فيها أيضًا: "محورة" (بفتح الميم وسكون الحاء) ومنه قول الشاعر: لِحَاجَةِ ذي بَثٍّ ومَحْوَرةٍ لَهُ، ... كَفَى رَجْعُهَا مِنْ قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ]]
كما قال الشاعر: [[هو أبو جندب الهذلي.]]
وَكنْتُ إذَا جَارِي دَعَا لِمَضُوفةٍ ... أُشَمِّر حَتَّى يَنْصُفَ السَّاقُ مِئْزَرِي [[أشعار الهذليين ٣: ٩٢، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٧٠، واللسان (ضيف) (نصف) وغيرها كثير، وبعده: وَلَكِنَّنيِ جَمْرُ الغَضَا من وَرَائِهِ ... يُخَفِّرُنِي سَيْفِي إذَا لَمْ أُخَفَّرِ
أَبَى النَّاسُ إلا الشَّرَّ مِنِّي، فَدَعْهُمُ ... وَإيّايَ مَا جَاءُوا إلَيَّ بِمُنْكَرِ
إذَا مَعْشَرٌ يَوْمًا بَغَوْنِي بَغَيْتُهُمُ ... بِمُسْقِطَةِ الأحْبَالِ فَقْمَاءَ قِنْطِرِ
و"المضوفة" و"المضيفة" و"المضافة": الأمر يشفق منه الرجل. وبها جميعًا روى البيت."ضاف الرجل وأضاف": خاف. و"نصف الإزار ساقه": إذا بلغ نصفها. يريد بذلك اجتهاده في الدفاع عمن استجار به. وقوله: "ولكني جمر الغضا ... "، يقول: أتحرق في نصرته تحرقًا كأنه لهب باق من جمر الغضا. وقوله: "يخفرني سيفي ... ". يقول: سيفي خفيري إذا لم أجد لي خفيرًا ينصرني. وقوله: "مسقطة الأحبال": يريد: أعمد إليهم بداهية تسقط الحبالي من الرعب. و"فقماء". وصف للداهية المنكرة، يذكر بشاعة منظرها يقال: "امرأة فقماء": وهي التي تدخل أسنانها العليا إلى الفم، فلا تقع على الثنايا السفلى، وهي مع ذلك مائلة الحنك. و"قنطر" هي الداهية، وجاء بها هنا وصفًا، وكأن معناها عندئذ أنها داهية تطبق عليه إطباقًا، كالقنطرة التي يعبر عليها تطبق على الماء. ولم يذكر أصحاب اللغة هذا الاشتقاق، وإنما هو اجتهاد مني في طلب المعنى.
وكان صدر البيت الشاهد في المخطوطة: "وكنت إذا جاي دعالم"، ولم يتم البيت، وأتمته المطبوعة.]]
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٢٢٠ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله"، يقول: ثوابًا عند الله.
١٢٢٢١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله" قال:"المثوبة"، الثواب،"مثوبة الخير"، و"مثوبة الشر"، وقرأ: ﴿خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ [سورة الكهف: ٤٤] . [[في المطبوعة والمخطوطة: "شر ثوابا"، وليس في كتاب الله آية فيها"شر ثوابا"، فأثبت آية الكهف التي استظهرت أن يكون قرأها ابن زيد في هذا الموضع. ونقل السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٩٥، وكتب: "وقرئ: بشر ثوابًا"، ولم أجد هذه القراءة الشاذة، فلذلك استظهرت ما أثبت. هذا، وقد سقط من الترقيم رقم: ١٢٢٢٢ سهوا.]]
* * *
وأما"مَنْ" في قوله:"من لعنه الله"، فإنه في موضع خفض، ردًّا على قوله:"بشرّ من ذلك". فكأن تأويل الكلام، إذ كان ذلك كذلك: قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله، بمن لعنه الله.
ولو قيل: هو في موضع رفع، لكان صوابًا، على الاستئناف، بمعنى: ذلك من لعنه الله= أو: وهو من لعنه الله.
ولو قيل: هو في موضع نصب، لم يكن فاسدًا، بمعنى: قل هل أنبئكم من لعنه الله [[انظر هذا كله في معاني القرآن للفراء ١: ٣١٤.]] = فيجعل"أنبئكم" عاملا في"من"، واقعًا عليه. [[في المطبوعة: "فيجعل"أنبئكم" على ما في"من" واقعًا عليه"، وفي المخطوطة: "فيجعل"أنبئكم" علامًا فيمن واقعًا عليه"، وكلاهما فاسد، وصواب قراءة ما أثبت، ولكن أخطأ الناسخ كعادته في كتابته أحيانًا. و"الوقوع" التعدي، كما سلف مرارًا، انظر فهارس المصطلحات في الأجزاء السالفة.]]
* * *
وأما معنى قوله:"من لعنه الله"، فإنه يعني: من أبعده الله وأسْحَقه من رحمته [[انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف ٩: ٢١٣، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] ="وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير"، يقول: وغضب عليه، وجعل منهم المُسوخَ القردة والخنازير، غضبًا منه عليهم وسخطًا، فعجَّل لهم الخزي والنكال في الدنيا. [[انظر تفسير"غضب الله" فيما سلف ١: ١٨٨، ١٨٩/٢: ١٣٨، ٣٤٥/٧: ١١٦/٩: ٥٧.]]
* * *
وأما سبب مَسْخ الله من مَسخ منهم قردة، فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر بقيته إن شاء الله في مكان غير هذا. [[انظر ما سلف ٢: ١٦٧- ١٧٢/٨: ٤٤٧، ٤٤٨/ وما سيأتي في التفسير ٩: ٦٣- ٧٠ (بولاق) .]]
* * *
وأما سبب مسخ الله من مَسخ منهم خنازير، فإنه كان فيما:-
١٢٢٢٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن عُمرَ بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، قال: حدِّثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير، كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل، وكان فيها مَلِك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة، إلا أنّ تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به، فجعلت تدعو إلى الله، [[في المخطوطة: "تدعوا الله" بحذف"إلى"، والصواب ما في المطبوعة، بدليل ما سيأتي بعد. وأما قوله: "واستجمعوا على الهلكة" فإنه يعني: قد أشرفت جمعاتهم على الهلاك بكفرهم.]] حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم: إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله، وأن تنادوا قومكم بذلك، فاخرجوا فإني خارجة. فخرجت، وخرج إليها ذلك الملك في الناس، فقتل أصحابها جميعًا، وانفلتت من بينهم. قال: ودعت إلى الله حتى تجمَّع الناس إليها، حتى إذا رضيت منهم، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، وأصيبوا جميعًا وانفلتت من بينهم. ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت، فأصيبوا جميعًا، وانفلتت من بينهم، فرجعت وقد أيست، وهي تقول: سبحان الله، لو كان لهذا الدين وليٌّ وناصرٌ، لقد أظهره بَعْدُ! قال: فباتت محزونة، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازيرَ، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعزَّ دينه وأمر دينه! قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يديْ تلك المرأة. [[الأثر: ١٢٢٢٣-"عمر بن كثير بن أفلح، مولى أبي أيوب الأنصاري"، روى عن كعب بن مالك، وابن عمر، وسفينة، وغيرهم. وذكره ابن حبان في الثقات، في أتباع التابعين. وقال ابن سعد: "كان ثقة، له أحاديث". وقال ابن أبي حاتم: "روى عنه محمد بن بشر العبدي، وحماد بن خالد الخياط، وأبو عون الزيادي"، غير أن أبا عون قال: "عمرو بن كثير بن أفلح"، وهو وهم منه". وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا"عمرو بن كثير"، فتابعت ابن أبي حاتم. وهو مترجم في التهذيب"عمر"، وابن أبي حاتم ٣/١/١٣٠.]]
١٢٢٢٤ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وجعل منهم القردة والخنازير"، قال: مسخت من يهود.
١٢٢٢٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وللمسخ سبب فيما ذكر غير الذي ذكرناه، سنذكره في موضعه إن شاء الله. [[لم أعرف مكانه فيما سيأتي من التفسير، فإذا عثرت عليه أثبته إن شاء الله. ولعل منه ما سيأتي في الآثار رقم: ١٢٣٠١- ١٢٣٠٤. وانظر رقم: ٧١١٠.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة الحجاز والشأم والبصرة وبعض الكوفيين: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت، بمعنى:"عابد"، فجعل"عبد"، فعلا ماضيًا من صلة المضمر، ونصب"الطاغوتَ"، بوقوع"عبَدَ" عليه.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين: ﴿وَعَبُدَ الطَّاغُوتَ﴾ بفتح"العين" من"عبد" وضم بائها، وخفض"الطاغوت" بإضافة"عَبُد" إليه. وعنوا بذلك: وخدَمَ الطاغوت.
١٢٢٢٦ - حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثني حمزة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب أنه قرأ: ﴿وَعُبَدَ الطَّاغُوتِ﴾ يقول: خدم= قال عبد الرحمن: وكان حمزة كذلك يقرأها.
١٢٢٢٧ - حدثني ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن الأعمش: أنه كان يقرأها كذلك.
* * *
وكان الفَرَّاء يقول: إن تكن فيه لغة مثل"حَذِرٍ" و"حَذُر"، و"عجِلٍ"، و"وعَجُلٍ"، فهو وجه، والله أعلم= وإلا فإن أراد قول الشاعر: [[هو أوس بن حجر.]]
أَبَنِي لُبَيْنَى إنَّ أُمَّكُمُ ... أَمَةٌ وَإنَّ أَبَاكُمُ عَبُدُ [[ديوانه، القصيدة: ٥، البيت: ٤، ومعاني القرآن للفراء ١: ٣١٤، ٣١٥، واللسان (عبد) ، وقد مضى منها بيت فيما سلف ص: ٢٧٥، وقبل البيت: أَبَنِي لُبَيْنِيَ لَسْتُ مُعْترِفًا ... لِيَكُونَ أَلأَمَ مِنْكُمُ أَحَدُ]]
فإن هذا من ضرورة الشعر، وهذا يجوز في الشعر لضرورة القوافي، وأما في القراءة فلا. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣١٤، ٣١٥.]]
* * *
وقرأ ذلك آخرون: ﴿وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ﴾ ذكر ذلك عن الأعمش.
* * *
وكأنَّ من قرأ ذلك كذلك، أراد جمع الجمع من"العبد"، كأنه جمع"العبد""عبيدًا"، ثم جمع"العبيد""عُبُدًا"، مثل:"ثِمَار وُثُمر". [[كان الأجود أن يقول: "كأنه جمع العبد عبادًا، ثم جمع العباد عبدًا، مثل ثمار وثمر"، وهو ظاهر مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٣١٤.]]
* * *
وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرأه: [[في المطبوعة: "أنه يقرؤه" بحذف"كان"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ﴿وَعُبِدَ الطَّاغُوتُ﴾ .
١٢٢٢٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن قال: كان أبو جعفر النحويّ يقرأها: ﴿وَعُبِدَ الطَّاغُوتُ﴾ ، كما يقول:"ضُرِب عبدُ الله".
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا معنى لها، لأن الله تعالى ذكره، إنما ابتدأ الخبر بذمّ أقوام، فكان فيما ذمَّهم به عبادُتهم الطاغوت. وأما الخبر عن أن الطاغوت قد عُبد، فليس من نوع الخبر الذي ابتدأ به الآية، ولا من جنس ما ختمها به، فيكون له وجه يوجَّه إليه في الصحة. [[في المطبوعة: "من الصحة"، والصواب ما في المخطوطة.]]
* * *
وذكر أن بُريدة الأسلمي كان يقرأه: ﴿وعابد الطاغوت﴾ . [[في المخطوطة: "وعابد الشيطان"، وهو خطأ لا شك فيه، صححته المطبوعة، وانظر القراءات الشاذة لابن خالويه: ٣٤.]]
١٢٢٢٩ - حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شيخ بصري: أن بريدة كان يقرأه كذلك.
* * *
ولو قرئ ذلك: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، بالكسر، كان له مخرج في العربية صحيح، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الحجة من القرأة بخلافها. ووجه جوازها في العربية، أن يكون مرادًا بها"وعَبَدَة الطاغوت"، ثم حذفت"الهاء" للإضافة، كما قال الراجز: [[لم أعرف الراجز.]]
قَامَ وُلاهَا فَسَقَوْهُ صَرْخَدَا [[معاني القرآن للفراء ١: ٣١٤، وقوله: "صرخد" جعلها الخمر الصرخدية نفسها. وأما أصحاب اللغة، فيقولون: "صرخد"، موضع بالشأم، من عمل حوران، تنسب إليه الخمر الجيدة.]]
يريد: قام وُلاتها، فحذف"التاء" من"ولاتها" للإضافة. [[انظر ما سلف جميعه في معاني القرآن للفراء ١: ٣١٤، ٣١٥.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأما قراءة القرأة، فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما، وهو: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، بنصب"الطاغوت" وإعمال"عبد" فيه، وتوجيه"عبد" إلى أنه فعل ماض من"العبادة".
والآخر: ﴿وعبد الطاغوت﴾ ، على مثال"فَعُلٍ"، وخفض"الطاغوت" بإضافة"عَبُدٍ" إليه.
فإذ كانت قراءة القرأة بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التي هي أصح مخرجًا في العربية منهما، فأولاهما بالصواب من القراءة، قراءة من قرأ ذلك ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت، لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب وابن مسعود: ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، بمعنى: والذين عبدوا الطاغوت= ففي ذلك دليل واضحٌ على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به: ومَن عبد الطاغوت، وأن النصب بـ"الطاغوت" أولى، على ما وصفت في القراءة، لإعمال"عبد" فيه، إذ كان الوجه الآخر غير مستفيض في العرب ولا معروف في كلامها.
على أن أهل العربية يستنكرون إعمال شيء في"مَنْ" و"الذي" المضمرين مع"مِنْ" و"في" إذا كفت"مِنْ" أو"في" منهما ويستقبحونه، حتى كان بعضهم يُحيل ذلك ولا يجيزه. وكان الذي يحيل ذلك يقرأه: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ ، فهو على قوله خطأ ولحن غير جائز.
وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبح. فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحة. وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام، قد اختاروا القراءة بها، وإعمال و"جعل" في"مَنْ"، وهي محذوفة مع"مِن".
ولو كنا نستجيز مخالفة الجماعة في شيء مما جاءت به مجمعة عليه، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين، غير أن ما جاء به المسلمون مستفيضًا فيهم لا يتناكرونه، [[في المطبوعة: "فهم لا يتناكرونه"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فلا نستجيز الخروجَ منه إلى غيره. فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين اللتين ذكرنا أنهم لم يعدُوهما.
* * *
وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا، فتأويل الآية: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت.
* * *
وقد بينا معنى"الطاغوت" فيما مضى بشواهده من الروايات وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. [[انظر تفسير"الطاغوت" فيما سلف ٥: ٤١٦- ٤١٩/٨: ٤٦١-٤٦٥، ٥٠٧- ٥١٣، ٥٤٦.]]
* * *
وأما قوله:"أولئك شر مكانًا وأضلُّ عن سواء السبيل"، فإنه يعني بقوله:"أولئك"، هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره، وهم الذين وصفَ صفتهم فقال:"من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت"، وكل ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم="شر مكانًا"، في عاجل الدنيا والآخرة عند الله ممن نَقَمتم عليهم، يا معشر اليهود، إيمانَهم بالله، وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب، وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء="وأضل عن سواء السبيل"، يقول تعالى ذكره: وأنتم مع ذلك، أيها اليهود، أشد أخذًا على غير الطريق القويم، وأجورُ عن سبيل الرشد والقصد منهم. [[انظر تفسير"الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة.
= وتفسير"سواء السبيل" فيما سلف ١٠: ١٢٤، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
* * *
قال أبو جعفر: وهذا من لَحْنِ الكلام. [["اللحن" هنا بمعنى التعريض والإيماء، عدولا عن تصريح القول. قال ابن بري: "للحن ستة معان: الخطأ في الإعراب، واللغة، والغناء، والفطنة، والتعريض، والمعنى".]] وذلك أن الله تعالى ذكره إنما قصد بهذا الخبر إخبارَ اليهود الذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه، بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم، واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير، خطابًا منه لهم بذلك، تعريضًا بالجميل من الخطاب، ولَحَن لهم بما عَرَفوا معناه من الكلام بأحسن اللحن، [[أي: عرض لهم بأحسن التعريض والإيماء.]] وعلَّم نبيه ﷺ من الأدب أحسنه فقال له: قل لهم، يا محمد، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزئون منهم، شرٌّ، أم من لعنه الله؟ وهو يعني المقولَ ذلك لهم.
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَیۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِیرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق