الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً﴾، هذا جواب لليهود حين قالوا: ما نعرف ديناً شراً من دينكم. كما حكينا [[في سبب نزول الآية السابقة.]]، يقول الله تعالى لنبيه قل لليهود: هل أخبركم بشر مما نقمتم من إيماننا ثواباً، أي: جزاءً [[انظر:"تفسير البغوي" 3/ 75.]]، وقيل: شر من الذين طعنتم عليهم من المسلمين [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 446.]]، و (مثوبةً) نصب على التمييز [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 187، وانظر: "تفسير البغوي" 3/ 75.]]، ووزنها: مفعولة، كقولك: مَقُولة، ومَجُورة [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 292، "إعراب القرآن للنحاس" 1/ 507.]]، وهي بمعنى المصدر، وقد جاءت مصادر على مفعول، كالمعقول والميسور. وقيل: هي مَفْعُلة مثل: مَكْرُمة. مضى الكلام في المثوبة في غير هذا الموضع [[يحتمل عند قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ (103) سورة البقرة.]]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾، (من) يجوز أن يكون في موضع خفض بدلاً من (شر) والمعنى: أنبئكم بمن لعنه الله. ويجوز أن يكون رفعاً بالاستئناف. قاله الفراء [["معاني القرآن" 1/ 314، انظر: "معاني الزجاج" 2/ 187.]]، وقال الزجاج: من رفع رفع بإضمار "هو" كأن قائلاً قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنة الله، كما قال عز وجل: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ﴾ [الحج: 72] كأنه قال: هو النار [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 187.]]. وقال الفراء: لو نصبت (من) بوقوع الإنباء عليه، كما تقول: أنبأتك خبراً، وأنبأتك زيداً قائماً، جاز، والوجه الخفض [["معاني القرآن" 1/ 314.]]. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾، قال المفسرون: يعني بـ (القردة) أصحاب السبت وبـ (الخنازير) كفار مائدة عيسى [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 75، "زاد المسير" 2/ 387.]]، وروى الوالبي عن ابن عباس أن المسخين من أصحاب السبت؛ لأن شبابهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير [["تفسير البغوي" 3/ 75، انظر: "زاد المسير" 2/ 387.]]، وقوله تعالى: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾، قال الفراء: تأويله وجعل منهم القردة ومَن عبد الطاغوت [["معاني القرآن" 1/ 314.]]، فعلى هذا الموصول محذوف، وذلك لا يجوز عند البصريين، وقال الزجاج: (عَبَدَ) نسق على (لعنه الله)، المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 189.]]. قال ابن الأنباري: وتأخره بعد القردة والخنازير لا يُزيله عن معناه المعروف له، والعرب تقول: قد جعل منكم زيدٌ من بني [[في (ج)، (ش): (بنا).]] الدور، واتخذ الأموال والعقار، وعَلِمَ فنون العلم، فيردون "علم" على الفعل الملاصق لِمَنْ وإن تطاول الكلام. وقال أبو علي: قوله (عبد الطاغوت) عطف على مثال الماضي الذي في الصلة وهو قوله: (لعنه الله وغضب عليه)، وأفرد الضمير في (عَبَدَ) وإن كان المعنى على الكثرة؛ لأن الكلام محمول على لفظ (مَنْ) دون معناه [[الحجة 3/ 238.]]، قال ابن عباس في قوله: (وعبد الطاغوت): "يريد كفرهم بالله، وطاعنهم للشيطان، وهو الطاغوت" [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 75.]]، قال الزجاج: تأويل (عبد الطاغوت) أطاعة فيما سول له وأغواه (به) [[ليس في (ش).]]. فلما أطاعوه طاعة المعبود جُعِلَ ذلك عبادة [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 187.]]، وقرأ حمزة (وعَبُدَ) بضم الباء (الطاغوتِ) بالكسر [[الحجة 3/ 236، انظر: "معاني الزجاج" 2/ 187.]]. قال الفراء: وكان أصحاب عبد الله يقرأون: (وعَبُدَ الطاغوتِ) على (فَعَل) ويضيفونها إلي الطاغوت، ويفسرونها: خدم الطاغوت [["معاني القرآن" 1/ 314.]]. قال الزجاج: وهذه القراءة ليس بالوجه، لأن (عَبُدَ) على: فَعُلَ، وليس هذا من أمثلة الجمع [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 187، 188.]]، وقال أبو بكر: عَبُدَ معناه عَبْدٌ، فضمت الباء للمبالغة، كقولهم للفَطِن فَطُنٌ، وللحَذِر: حَذُرٌ. يضمون العين للمبالغة. قال أوس بن حُجْر: أبني لُبَينَى إنَّ أُمَّكُمُ ... أَمةٌ وإن أباكُمُ عَبُدُ [[البيت في: "معاني القرآن" للفراء 1/ 315، و"تفسير الطبري" 6/ 294، "تهذيب اللغة" 3/ 2302 (عبد)، "اللسان" 5/ 2778 (عبد).]] أراد عبداً فضم الباء [["الزاهر" لأبي بكر بن الأنباري 1/ 374، انظر: "معاني الزجاج" 2/ 188.]]، قال الفراء: وذلك إنما يجوز في ضرورة الشعر، فأما في القراءة فلا [["معاني القرآن" 1/ 315.]]. وقال نُصيَر الرازي [[لم أقف على ترجمة له.]]: عَبُدَ وهم ممن قرأه، ولسنا نعرف ذلك في العربية [[من "تهذيب اللغة" 3/ 2302 (عبد).]]، قال أبو إسحاق: ووجه قراءة حمزة: أن الاسم على: فَعُلَ، كما تقول: رجل حَذُر، وتأويله أنه مبالغ في الحذر، فتأويل: (عَبُدَ) أن بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وكأن اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع، كما تقول للقوم: منكم عَبُدُ العصا، تريد عَبِيدُ العصا [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 188.]]. وتتبع أبو علي هذا القول فشرحه وزاده بيانًا فقال: حجة حمزة أنه يحمله على ما عمل فيه جعل، كأنه: وجعل منهم عَبُدَ الطاغوت، وليس عَبُدَ لفظ جمع؛ لأنه ليس في أبنية المجموع شيء على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد، ومعناه الجمع، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ﴾ [النحل: 18] كذلك قوله: (وعبُدَ الطاغوت) جاء على: فَعُلَ، لأن هذا البناء يراد به المبالغة نحو: يَقُظ ونَدُس، فكأن تأويله أنه قد ذهب في عبادة الطاغوت والتذلل له كل مذهب، وجاء هذا البناء في (عبُدَ) لأنه في الأصل صفة وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، وذلك لا يزيل عنه كونه صفة، كالأبرق والأبطح، فإنهما استعملا استعمال الأسماء حتى جمعا جمعها وهو: الأبارق والأباطح، كالأجادل في جمع الأجدل، ونحوه، ثم لم يُزِل عنه ذلك حكم الصفة، يدلك على ذلك تركهم لصرفه كتركهم صرف "أحمر"، إذ لم يخرج "العبد" عن أن يكون صفة لم يمتنع أن يُبنى بناء الصفات على: فَعُل، نحو: لَفُظ [[هكذا في (ج) و (ش)، وفي الحجة: "يقظ".]] [[الحجة 3/ 236 - 238 بتصرف.]]. وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾، أي: أهل هذه الصفة [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 290، "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 189.]]. ﴿شَرٌّ مَكَانًا﴾ من المؤمنين [[انظر: "زاد المسير" 2/ 390.]]. قال ابن عباس: "لأن مكانهم سقر" [[انظر: "تفسير الوسيط" 2/ 205.]]. ولا شر في مكان المؤمنين حتى يقال: اليهود شر مكانًا منهم، ولكن هذا على الإنصاف في الخطاب، والمظاهرة في الحجاج، كأنه مبني على كلام الخصم، وكذلك قوله: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً﴾ لأنهم قالوا: لا نعرف أهل دين شرًا منكم، فقيل لهم: شر منهم من كان بهذه الصفة، ومن كان بهذه الصفة فهو شر مكانًا ممن جعلتموهم شرًّا، ووصفتموهم به [[انظر: "تفسير الوسيط" 2/ 205، "زاد المسير" 2/ 390.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 60] قال الزجاج: أي: عن قصد السبيل [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 189.]]. وقال ابن عباس: "يعني دين الحنيفية" [[لم أقف عليه.]]. قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية عير المسلمون أهل الكتاب وقالوا: يا إخوان القردة والخنازير، فنكسوا رؤوسهم وافتضحوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب