الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦٠] ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ وجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ وعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾
﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ﴾ المُخاطَبُ بِكافِ الجَمْعِ أهْلُ الكِتابِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ، أوِ الكُفّارُ مُطْلَقًا، أوِ المُؤْمِنُونَ. والمُشارُ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ الفاسِقُونَ. وتَوْحِيدُ اسْمِ الإشارَةِ لِكَوْنِهِ يُشارُ بِهِ إلى الواحِدِ وغَيْرِهِ، أوْ لِتَأْوِيلِهِ بِالمَذْكُورِ ونَحْوِهِ. وفي الكَلامِ مُقَدَّرٌ؛ أيْ: بِشَرٍّ مِن حالِ هَؤُلاءِ. وقِيلَ: المُشارُ إلَيْهِ المُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ هم أهْلُ الكِتابِ، يَعْنِي أنَّ السَّلَفَ شَرٌّ مِنَ الخَلَفِ. وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ إشارَةً إلى المَنقُومِ.
وقَدْ جَوَّدَ في إيضاحِهِ العَلّامَةُ أبُو السُّعُودِ بِقَوْلِهِ: لَمّا أُمِرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِإلْزامِهِمْ وتَبْكِيتِهِمْ، بِبَيانِ أنَّ مَدارَ نَقْمِهِمْ لِلدِّينِ إنَّما هو اشْتِمالُهُ عَلى مَن يُوجِبُ ارْتِضاءَهُ عَنْهم أيْضًا، وكُفْرَهم بِما هو مُسَلَّمٌ لَهم - أُمِرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَقِيبَهُ بِأنْ يُبَكِّتَهم بِبَيانِ أنَّ الحَقِيقَ بِالنَّقْمِ والعَيْبِ حَقِيقَةً، ما هم عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ المُحَرَّفِ.
ويَنْعِي عَلَيْهِمْ في ضِمْنِ البَيانِ جِناياتِهِمْ وما حاقَ بِهِمْ مِن تَبِعاتِها وعُقُوباتِها، عَلى مِنهاجِ التَّعْرِيضِ؛ لِئَلّا يَحْمِلَهُمُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ عَلى رُكُوبِ (p-٢٠٥٢)مَتْنِ المُكابَرَةِ والعِنادِ. ويُخاطِبُهم قَبْلَ البَيانِ بِما يُنْبِئُ عَنْ عِظَمِ شَأْنِ المُبَيَّنِ، ويَسْتَدْعِي إقْبالَهم عَلى تَلَقِّيهِ مِنَ الجُمْلَةِ الِاسْتِفْهامِيَّةِ المُشَوِّقَةِ إلى المُخْبَرِ بِهِ، والتَّنْبِئَةِ المُشْعِرَةِ بِكَوْنِهِ أمْرًا خَطِيرًا، لِما أنَّ النَّبَأ هو الخَبَرُ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ وخَطَرٌ. وحَيْثُ كانَ مَناطُ النِّقَمِ شَرِيَّةَ المَنقُومِ حَقِيقَةً أوِ اعْتِقادًا، وكانَ مُجَرَّدُ النَّقْمِ غَيْرَ مُقَيِّدٍ لِشَرِّيَّتِهِ البَتَّةَ، قِيلَ: (بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ) ولَمْ يَقُلْ: بِأنْقَمَ مِن ذَلِكَ، تَحْقِيقًا لِشَرِّيَّةِ ما سَيُذْكَرُ وزِيادَةَ تَقْرِيرٍ لَها. وقِيلَ: إنَّما قِيلَ ذَلِكَ، لِوُقُوعِهِ في عِبارَةِ المُخاطَبِينَ، حَيْثُ «أتى نَفَرٌ مِنَ اليَهُودِ فَسَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ دِينِهِ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أُومِنُ بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنا» .. - إلى قَوْلِهِ -: (ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) . فَحِينَ سَمِعُوا ذِكْرَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، قالُوا: لا نَعْلَمُ شَرًّا مِن دِينِكم». وإنَّما اعْتُبِرَ الشَّرِّيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلى الدِّينِ - وهو مُنَزَّهٌ عَنْ شائِبَةِ الشَّرِّيَّةِ بِالكُلِّيَّةِ - مُجاراةً مَعَهم عَلى زَعْمِهِمُ الباطِلِ المُنْعَقِدِ عَلى كَمالِ شَرِّيَّتِهِ، لِيُثْبِتَ أنَّ دِينَهم شَرٌّ مِن كُلِّ شَرٍّ. أيْ: هَلْ أُخْبِرُكم بِما هو شَرٌّ في الحَقِيقَةِ مِمّا تَعْتَقِدُونَهُ شَرًّا، وإنْ كانَ في نَفْسِهِ خَيْرًا مَحْضًا؟ انْتَهى.
وقَوْلُهُ: ﴿مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: جَزاءً ثابِتًا عِنْدَ اللَّهِ. قالَ الرّاغِبُ: الثَّوابُ ما رَجَعَ إلى الإنْسانِ مِن جَزاءِ أعْمالِهِ. سُمِّيَ بِهِ بِتَصَوُّرِ أنَّ ما عَمِلَهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ولَمْ يَقُلْ: يَرَ جَزاءَهُ. والثَّوابُ يُقالُ في الخَيْرِ والشَّرِّ، لَكِنَّ الأكْثَرَ المُتَعارَفَ في الخَيْرِ. وكَذا المَثُوبَةُ، وهي مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْناهُ. وعَلى اخْتِصاصِها بِالخَيْرِ اسْتُعْمِلَتْ هُنا في العُقُوبَةِ عَلى طَرِيقَةِ:
؎تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وجِيعُ
(p-٢٠٥٣)فِي التَّهَكُّمِ. ونَصَبَها عَلى التَّمْيِيزِ مِن (بِشَرٍّ)
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ وجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ﴾ بَدَلٌ مِن: (شَرٍّ) عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: بِشَرٍّ مِن أهْلِ ذَلِكَ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ، أوْ بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ دِينُ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ، أوْ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ. أيْ: هو مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وهُمُ اليَهُودُ، أبْعَدَهُمُ اللَّهُ مِن رَحْمَتِهِ وسَخِطَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ وانْهِماكِهِمْ في المَعاصِي بَعْدَ وُضُوحِ الآياتِ ومَسْخِ بَعْضِهِمْ قِرَدَةً وخَنازِيرَ، وهم أصْحابُ السَّبْتِ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وعَبَدَ الطّاغُوتَ﴾ عُطِفَ عَلى صِلَةِ (مَن) والمُرادُ مِنَ الطّاغُوتِ: العِجْلُ، أوِ الكَهَنَةُ وكُلُّ مَن أطاعُوهُ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ: المَلْعُونُونَ المَمْسُوخُونَ: ﴿شَرٌّ مَكانًا﴾ إثْباتُ الشَّرارَةِ لِلْمَكانِ كِنايَةٌ عَنْ إثْباتِها لِأهْلِهِ، كَقَوْلِهِمْ: (سَلامٌ عَلى المَجْلِسِ العالِي) و(المَجْدُ بَيْنَ بُرْدَيْهِ) كَأنَّ شَرَّهم أثَّرَ في مَكانِهِمْ أوْ عَظُمَ حَتّى صارَ مُتَجَسِّمًا! وقِيلَ: المُرادُ بِالمَكانِ مَحَلُّ الكَوْنِ والقَرارِ الَّذِي يَؤُولُ أمْرُهم إلى التَّمَكُّنِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿شَرٌّ مَكانًا﴾ وهو مَصِيرُهُمْ، يَعْنِي جَهَنَّمَ.
﴿وأضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ أيْ: أكْثَرُ ضَلالًا عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى عَلاماتِ كَمالِ شَرِّهِمْ وضَلالِهِمْ بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَیۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِیرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق