الباحث القرآني

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢]. إذا وقع عليهم القول يقول المفسر: (حق العذاب أن ينزل بهم في جملة الكفار)، وهذا تفسير منه على أن الضمير في قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ يعود إلى كفار مكة، ولهذا احتاج أن يقول: (في جملة الكفار) لأجل التوطئة لما بعده ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾. ويجوز أن يكون الضمير عائدًا إلى جميع الناس؛ أي: إذا وقع القول على الناس، ولا يكون المراد بالقول هنا القول بالعذاب، بل يجوز أن يكون المراد به: القول بانتهاء الدنيا، وتحمل الآية على الدابة التي تخرج في آخر الزمان، وهي من أشراط الساعة. وقوله: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ﴾ نكرها؛ لأنها غير معروفة فكأنها دابة منفردة في نوعها. وقوله: ﴿دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ﴾ هل هي متعلقة بـ(دابة) أو بـ(أخرجنا)؟ الظاهر أنها متعلقة بـ(دابة)؛ يعني: أخرجنا لهم دابة من الأرض لا من السماء. وقوله: ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ يعني: تكلم الناس، والكلام هنا بمعنى الحديث قال: (أي: تكلم الموجودين حين خروجها بالعربية)، يجوز أن تكون بالعربية أو بغيرها، على كل حال أنها تكلم الناس بكلام يعرفونه، هذا هو المتبادر من الكلام. ويرى بعض المفسرين أن المراد بالكلام هنا الجرح، تكلمهم؛ يعني: تجرحهم، أي: تخمشهم بأظفارها. قالوا: لأن الكلم يأتي بمعنى الجرح كقوله ﷺ: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَثْعَبُ دَمًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٠٣)، ومسلم (١٨٧٦ / ١٠٥) بنحوه، من حديث أبي هريرة.]]، ولكن هذا القول ليس بصحيح؛ لأن الأصل في الكلام هو النطق، ولا معنى لكونها تجرح الناس، لكن تكلمهم بماذا؟ قال: (من جملة كلامها عَنَّا ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ ) إلى آخره. قوله: (من جملة كلامها عَنَّا) أي: أنها تقول على لسان الله؛ لأن قوله: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ لا يستقيم أن يكون من كلام الدابة عن نفسها؛ إذ إنها -أي: الدابة- ليس لها آيات يجب الإيقان بها، وإنما الآيات التي يجب الإيقان بها لله، ولهذا يقول المؤلف هنا: (عَنَّا ﴿أَنَّ النَّاسَ﴾ أي: كفار مكة، وعلى قراءة فتح همزة أن تقدر الباء بعد تكلمهم) أي: تكلمهم بهذا الكلام ﴿كَانُوا بِآيَاتِنَا﴾. استفدنا من كلام المؤلف (وعلى قراءة فتح): أن الأصل الذي فسره بالكسر (إن الناس)، تكلمهم إن الناس يكون هذا مبتدأ الكلام، وعلى قراءة الفتح يكون على تقدير حرف الجر؛ أي: بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. وقول المؤلف: (إن المراد بالناس كفار مكة) هذا فيه نظر ظاهر، بل إن المراد بالناس الموجودون في ذلك الوقت، الذين وقع عليهم القول فأخرجت لهم الدابة تنذرهم، وأما كونه يقال: إن كفار مكة لا يوقنون، فلا حاجة إلى إخبارها عنهم، إخبار القرآن عنهم، أوكد من إخبار هذه الدابة عنهم، فكلام المؤلف هنا فيه نظر ظاهر، وليس بصواب أبدًا بل هو خطأ، فهي تكلم من؟ الناس الذين وقع عليهم القول حين خروجها تحذرهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، هذا ما مشى عليه المؤلف وأكثر المفسرين على أن كلام هذه الدابة: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ ولهذا احتاج إلى تقدير (أن). لكن ابن كثير استبعد هذا القول وقال: إنها تكلمهم تحدثهم بحديث مستقل ما بين في القرآن. ويكون قوله: ﴿أَنَّ النَّاسَ﴾ أو ﴿إِنَّ النَّاسَ﴾ هذا تعليل لقوله: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً﴾، يعني: فليست الدابة هي التي تقول للناس: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾؛ لأن هذا القول لا يمكن أن تنطق به الدابة؛ إذ إنه لا يصح أن يكون إلا من الله؛ لهذا أنكر هذا القول، مع أن ابن جرير رحمه الله تعالى اختاره، لكنه هو على أنه مختصر لابن جرير أنكر هذا، وقال: إنها تكلمهم بكلام لم يُبيّن، وأن قوله: ﴿أَنَّ النَّاسَ﴾ أو ﴿إِنَّ النَّاسَ﴾ ، بالفتح أو بالكسر الجملة تعليل؛ لقوله: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ﴾. وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ أيش معنى لا يوقنون؟ يقول: أي: (لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب)، وتفسير الإيقان بالإيمان فيه قصور، لكنه تقريبي؛ لأن الإيقان أبلغ من الإيمان وأخص منه، فهو درجة عالية أعلى من الإيمان، ولهذا يقال: أيقنت بكذا، أبلغ من قولك: آمنت به. وهذه الدابة أولًا نبحث فيها: هل هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان، والتي ذكرها النبي ﷺ من علامات الساعة، أو دابة أخرى؟ يرى بعض العلماء أنها هي الدابة التي تكون في آخر الزمان. ويرى آخرون: أنها دابة أخرى، ولهذا جاءت في الحديث معرّفة، وجاءت هنا منكّرة، فيقال: دابة والله أعلم بها، هل هي التي تكون من أشراط الساعة، أو أنها دابة مستقلة؟ لأننا لو نعلم أن الحديث بعد هذه الآية لقلنا: إن الدابة في الحديث للعهد الذهني؛ يعني: الدابة التي عرفتموها وتحدث الله عنها، وحينئذٍ تكون الدابة هنا هي الدابة هناك، ولكننا لا نعلم، ولهذا التوقف أوْلى هل هي هي أو غيرها؟ ثانيًا: هذه الدابة مبهمة من حيث المكان ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ﴾، لكن من أي مكان تُخرج؟ وردت أحاديث، لكنها ضعيفة أنها تخرج من مكة من أجياد ولا من الصفا[[أخرجه الطبري في التفسير (١٨ / ١٢١)، ونعيم بن حماد في الفتن (١٨٦٦) من حديث ابن عمر موقوفًا.]] ولا من مكان آخر، المهم أنها تخرج من مكة، ولكنها أحاديث ضعيفة لا يعتمد عليها في العقيدة. ثم هل هي تُخرج حقيقة من الأرض، تنشق عنها الأرض تخرج سواء من مكة أو غيرها، أو أن المراد بالإخراج هنا: إبرازها وإظهارها، وأنها دابة يعني كغيرها من الدواب، ثم تتبين بما يحصل لها من النطق، ويكون هذا كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ»[[أخرجه الترمذي (٢١٨١) من حديث أبي سعيد الخدري.]]؛ لأن السباع في آخر الزمان تكلم الإنس. هذه أيضًا محل توقف، ولذلك هذه الدابة نكرة لفظًا أيش بعد؟ ومعنى؛ يعني: نحن ما نعرفها تمامًا، وما وصفت بالقرآن أو بالسنة أوصافًا بحيث يجزم الإنسان بها. البحث الرابع: هذه الدابة هل هي من جنس الدواب، أو أنها دابة معينة على شكل معين؟ تكلموا فيها كلامًا طويلًا في هذا، وكل ما ذكروا إنما هو مأخوذ عن بني إسرائيل، ولا يمكن أن يصدق، غاية ما هنالك أنه يُذكر يحدّث به ولا يصدّق ولا يكذب، ولا يُعتمد عليه في العقيدة، ذكروا عن آذانها وذكروا عن عينها وعن رجلها، أشياء غريبة جدًّا. * طالب: مثل الدجال. * الشيخ: إي، المهم أننا نقول: نُبهم ما أبهمه الله، ولا نعين ما لم يُعينه الله ورسوله، وحسبنا أن نؤمن بأنه إذا وقع القول على الناس فسوف يُخرج الله لهم دابة من الأرض تحدّثهم، وتكون هذه الدابة آية على أن العذاب قد قرُب وقوعه منهم، هذا غاية ما يُستدل به من هذه الآية أو يُستدل عليه من هذه الآية. إذن: يكون قوله: ﴿أَنَّ النَّاسَ﴾ أو ﴿إِنَّ النَّاسَ﴾ . ليس من قول الدابة على هذا التقدير، بل هو من قول الله تعليل لقوله: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً﴾ يعني: يخرجها لأن الناس كانوا. وعليه فيكون مطابقة هذا التعليل للشرط في قوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ يكون مطابقته مطابقة السبب شو له؟ للمسبب، إذا كانوا لا يوقنون حينئذٍ وقع عليهم القول، وحينئذٍ أخرجت الدابة. * طالب: ذكرت قول المفسر أنه ذكر ﴿أَنَّ النَّاسَ﴾ من كلام الدابة، وقلتم إنه على لسان الله (...). * الشيخ: لا، يعني: عن الله، على لسان الدابة. * الطالب: طيب. هنا قوله: ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ يختل المعنى إذا تعلق بالدابة (...). * الشيخ: إي، يختلف المعنى، إذا قال: أخرجنا لهم دابة من الأرض، يمكن أن يكون ملكًا ينزل ويخرج من الأرض، ينزل بالأرض ثم يخرج منها؛ لأنه ما عيّن من أين يكون هذه الدابة، وأما إذا قلنا: دابة من الأرض فتتعين أن تكون من دواب الأرض. * طالب: يمكن أن نقول مثلًا: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً﴾ يعني كيس، وأنها تكلمهم بمعنى تكلفهم، ويكون المعنى: أن تسليط هذا النوع من الدابة (...)؟ * الشيخ: هذا بعيد، ولا يمكن أن يقال.. * الطالب: يعني أن الناس.. * الشيخ: أقول: يمكن يقال: إنهم إذا لم يوقنوا بآيات الله أن الله يسلط عليهم السباع تأكلهم وتجرحهم، لكن هذا بعيد، ولا رأيت هذا من كلام السلف، بل هو من كلام المتأخرين. قال: ﴿تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾. قوله: ﴿بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾. المراد بالآيات هنا الكونية والشرعية، لكن الكونية، ألم يوقن بها الكفار؟ لكنه إيقان لم ينفعهم، والشيء الذي لا ينفع يصح أن يُنفى لعدم الانتفاع به. قال: (وبخروجها) بخروج الدابة (ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يؤمن كافر) لماذا؟ لأنه قد وقع عليهم القول، وإذا صح هذا التفسير، فإن معنى ذلك أن هذه الدابة من أشراط الساعة؛ لأنه لا يكون الأمر كذلك إلا في آخر الزمان بعد أن «يَنْزِل عِيسَى وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنيِنَ، لَا يَحْصُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ وَلَا شَحْنَاءُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَتَقْبِضُ نَفْسَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٤٠ / ١١٦) من حديث عبد الله بن عمرو.]]. فهذا إذا كان هذا الذي فهمه المؤلف من هذه الآية بهذا الأمر، فإن هذه الدابة يكون خروجها بعد عيسى بن مريم؛ لأنه بعد ذلك يقول المؤلف: (أنه لا يؤمن كافر، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن المنكر). ولكن موقفي في هذا أن أقول: الله أعلم؛ يعني أن هذه المسألة من مسائل الغيب التي يتوقف الإنسان فيها إلا على ما يفيده ظاهر القرآن. فنقول: إيماننا بهذا أن نقول: إنه إذا وقع القول على الناس باستحقاق العذاب أخرج الله لهم هذه الدابة التي تكلمهم، ولا نزيد على هذا، ولا نقول: ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نقول: إنه لا يؤمن كافر؛ لأن ذلك أمر يحتاج إلى توقيف. ثم قال: (كما أوحى الله إلى نوح عليه الصلاة والسلام ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]، ﴿وَ﴾ اذكر ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾ جماعة ﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ وهم رؤساؤهم المتّبعون ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: 83]؛ أي: يجمعون برد آخرهم إلى أولهم ثم يساقون). قال: (واذكر يوم)، يستفاد من هذا التفسير أن يوم ظرف، وأن عامله محذوف، التقدير اذكر يوم، وهذا التركيب له نظائر في القرآن، ويكون تقديره على هذا كما قدر المؤلف هنا. وقوله: ﴿نَحْشُرُ﴾ بمعنى (نجمع). وقوله: ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾ الأمة: هي القبيلة أو الطائفة الكبيرة من الناس، والفوج أقل منهم، ولهذا يقول المؤلف: (وهم رؤساؤهم المتّبعون). وقوله: ﴿فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ﴾ (من) هذه لبيان الجنس؛ أي: فوجًا من المكذبين بآيات الله الكونية والشرعية أو إحداهما. (وهم) أي: الفوج (رؤساؤهم المتّبعون)، فهم يحشرون فيجمعون، ثم بعد ذلك يوزعون. والوزع: بمعنى (المنع)؛ أي: يُحبس أولهم حتى يجتمع به آخرهم، ولهذا قال: (برد آخرهم إلى أولهم) فيكونون زمرة واحدة (ثم يساقون) إلى الله تبارك وتعالى. فإذا (﴿جَاءُوا﴾ مكان الحساب ﴿قَالَ﴾ الله تعالى لهم: ﴿أَكَذَّبْتُمْ﴾ أنبيائي ﴿بِآيَاتِي﴾ ). * طالب: الوزع ما معناه؟ * الشيخ: الوزع بمعنى الجمع من باب الشيء إذا.. * الطالب: بمعنى (...). * الشيخ: يمكن يأتي بمعنى (...)، إلا هنا بمعنى الجمع؛ يعني يجمع الأول إلى الآخر. قال: (﴿أَكَذَّبْتُمْ﴾ أنبيائي ﴿بِآيَاتِي﴾ ) المؤلف قال: (أنبيائي)، يشير بذلك إلى أن مفعول كذبتم محذوف، وأن ﴿بِآيَاتِي﴾ حال من أنبيائي، ولكن هذا التقرير لا معنى له ولا داعي له؛ لأن التكذيب دائمًا يقع معموله مُعدّى بالباء، كذب بآيات الله، ما هو قال: كذب أنبياء الله بآيات الله؟ بل كذب بآياتي، والتكذيب هنا مضمّن معنى الجحد، فعليه نقول: لا حاجة إلى تقدير المؤلف أنبيائي، بل نقول: بآياتي جار ومجرور متعلق بكذبتم. ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ يعني: أنكرتموها وجحدتموها. (﴿وَلَمْ تُحِيطُوا﴾ مِن جهة تكذيبكم ﴿بِهَا عِلْمًا﴾ ) إلى آخره. ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا﴾ شوف المؤلف كيف حلها (مِن جهة تكذيبكم ﴿بِهَا عِلْمًا﴾ ) والإحاطة بالشيء بمعنى إدراكه من جميع الجوانب، وأصله مشتق من الحائط؛ لأنه يحيط بالمكان، فمعنى أحاط بالشيء: أدركه من جميع جوانبه. المؤلف فسر هنا الإدراك من جهة تكذيبهم؛ أي: أنكم كذبتم من غير أن يكون لديكم علم بالتكذيب؛ كذبتم بلا علم، ولكن يحتمل معنى آخر: أنكم كذبتم بالآيات قبل أن تدركوها، فيكون من البِدار بالشيء قبل أن يدركه. كما قال ابن القيم: ؎إِنَّ الْبِدَارَ بِرَدِّ شَيْءٍ لَمْ تُحِطْ ∗∗∗ عِلْمًا بِهِ سَبَبٌ إِلَى الْحِرْمَانِ الآن لدينا تفسيران: أحدهما: أن قوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾؛ أي: من جهة تكذيبكم، والمعنى على هذا: أنكم كذبتم بدون علم، فهمتم هذا المعنى، وهو الذي مشى عليه المؤلف، قال: (﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا﴾ من جهة تكذيبكم)، الآن إذا أتاك رجل بخبر وقلت: كذبت؛ لأن فلانًا الذي أخبرت به هو موجود عندي في تلك الساعة، الآن كذبت بعلم ولّا بغير علم؟ * طلبة: بعلم. * الشيخ: بعلم؛ يعني مثلًا قال لك: إن فلانًا رأيته في بُريدة مثلًا أمس، فقلت له: كذبت، فلان أمس عندي، فهنا كذبت بعلم، مفهوم؟ فإذا قال: رأيت فلانًا في بريدة أمس فقلت له: كذبت وأنا ما أدري، فقد كذبت بلا علم. الآن المؤلف ويش يقول؟ يقول: (من جهة تكذيبكم بها)؛ يعني: أنكم كذبتم بغير علم. فيه رأي آخر يقول: لا ﴿لَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾؛ يعني أنكم كذبتم بها من غير روية ومن غير تأمل، هذا المعنى؛ يعني أنكم رددتموها من أول وهلة، فيكون كقوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام ١١٠]، الفرق بين المعنيين ظاهر الآن، الفرق بينهما ظاهر والأقرب المعنى الثاني؛ لأن قوله: كذّبتم بآياتي والحال أنكم لم تحيطوا بها علما أبلغ من كونهم كذّبوا بعد أن ترووا، ولكن لم يجدوا لتكذيبهم دليلًا، فهم كذبوا من غير تروٍ، بل إنهم في الحقيقة وخصوصًا الرؤساء منهم يعلمون أن ما جاءت به الرسل فهو الحق، ولكن كذّبوا بشيء مثل ما قال الله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس ٣٩]، كذّبوا بشيء لم يحيطوا بعلمه، بل من أول وهلة، وهذا أشد في اللوم عليهم، فعليه الاستفهام في قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ [النمل ٨٤]، ويش هو له؟ للتوبيخ، الاستفهام للتوبيخ واللوم؛ لأن من كذب بالشيء بعد دراسته والإحاطة به، ثم يتبين له الكذب هذا ما يلام عليه، لكن من كذب لأول مرة بدون أن يحيط به علمًا، فهو دليل على أنه ليس بقابل إطلاقًا للحق. قال تعالى: ﴿أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يقول: (﴿أَمَّا﴾ فيه إدغام ما الاستفهامية) وين هو الإدغام؟ في أم التي للإضراب، وأصله أم بمعنى بل، ثم أدغم إحداهما في الأخرى. (و﴿ذَا﴾ موصول أي: ما الذي ﴿كُنتُمْ﴾ )، ويجوز أن نجعل (ذا) مركبة مع (ما)، وتكون ماذا كلها اسم استفهام، ولكن ليس هذا في كل مكان يجوز هذا وهذا، إنما في مثل هذا التركيب يجوز أن نجعل (ماذا) اسم استفهام جميعًا، وأن نجعل (ما) اسم استفهام و(ذا) اسمًا موصولًا؛ أي: ما الذي كنتم تعملون؟ وعلى هذا التقدير الأخير: يجب أن نقدر ضميرًا في قوله: ﴿تَعْمَلُونَ﴾، ليكون عائدًا إلى اسم الموصول، وعلى الأول لا حاجة لذلك، ونجعل (ماذا) مفعولًا مقدمًا لـ (تعملون). * طالب: (...). * الشيخ: لا، أصل (أم) منقطعة عن هذا، يعني (أم) لحالها مكتوبة وحدها، لكن أدغمت فبنيت.. * الطالب: (...) تجمع أم ماذا هنا لا تجمع. * الشيخ: لا (...) هي لا بد أن (ما) اسم استفهام على كل حال، لكن هل تقدر (ما) اسم استفهام و(ذا) اسمًا موصولًا وتحتاج إلى عائد يعود على الموصول في تعملون، أو نقدر (ماذا) جميعًا على أنها اسم استفهام. * الطالب: إعراب (...)؟ * الشيخ: لا، نقول: (أم) هذه حرف عطف بمعنى (بل)، والهمزة للاستفهام، نظيرها في القرآن: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة ٢١٩] فيها قراءتان: ﴿قُلِ الْعَفْوُ﴾ ، و﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾. كيف نعرب (ماذا ينفقون) على قراءة الرفع ﴿مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوُ﴾ ؟ * طالب: ينفق العفو. * الشيخ: إي، لكن كيف نعرب (ماذا) على قراءة الرفع؟ نعرب (ماذا): (ما) اسم استفهام، و(ذا) اسم موصول، لأجل إذا قلت: (ما) اسم استفهام، و(ذا) اسم موصول، صارت (ما) مبتدأ، و(الذي) خبره، والكل منهما مرفوع، ثم يأتي: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾؛ لأن الجواب مطابق للسؤال؛ أي: العفو الذي ينفقوه. أما على قراءة النصب ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ فيتعين أن تجعل (ماذا) كلها اسم استفهام، مفعول مقدم لـ(ينفقون)؛ لأجل أن تكون مطابقة للجواب؛ لأن الجواب منصوب فيكون السؤال كذلك منصوبًا، وهذا هو الذي يبيّن لك الفرق بين الإعرابين، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾. نقول: على هذه القراءة يجب أن نُعرب (ماذا) اسم استفهام مفعولًا مقدَّمًا لـ(ينفقون)، ويش لأجل؟ لأننا نعرف أن الجواب يكون مطابقًا للسؤال، فإذا كان السؤال منصوبًا كان الجواب منصوبًا، على قراءة الرفع ﴿قُلِ الْعَفْوُ﴾، نجعل (ما) استفهام مبتدأ، و(ذا) اسم موصول خبرها؛ يعني: ما الذي ينفقون؟ فيكون التقدير: الذي ينفقونه العفوُ، وتكون مرفوعة. * طالب: (...). * الشيخ: أيهم؟ * الطالب: ماذا ينفقون. * الشيخ: محذوف الذي ينفقونه. * طالب: (...) الآية ما نحتاج إلى ضمير؟ * الشيخ: إذا جعلناها اسمًا موصولًا، التقدير: ماذا كنتم تعملونه. ﴿أَمَّاذَا كُنتُمْ﴾ ماذا كنتم تعملون؛ يعني في الدنيا. فيكون الله تعالى وبخهم على أمرين: أمر يتعلق بالعقيدة وهو قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾. وأمر يتعلق بالعمل وهو قوله: ﴿مَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لأن ﴿مَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذه استفهام لإنكار ما يعملونه، فيكون في هذا توبيخًا على العقيدة والعمل، وسيكون إن شاء الله فيه فائدة مهمة لمسألة اختلف فيها الأصوليون نبحثها غدًا إن شاء الله. (﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ﴾ حق العذاب ﴿عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا﴾ أي: أشركوا ﴿فَهُمْ لا يَنطِقُونَ﴾ إذ لا حجة لهم). ﴿وَقَعَ الْقَوْلُ﴾ يعني: قول الله بالعذاب، فإن الله تبارك وتعالى يأمر بتعذيبهم إذا لم يجيبوا، وهذا السؤال -كما عرفتم- ليس سؤال استخبار واستعلام، ولكنه سؤال توبيخ وتقريع، حينئذٍ يقع عليهم القول، وهذا القول الذي وقع عليهم لم يظلموا به، ولكن هم الذين ظلموا، ولهذا قال: ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾؛ أي: بسبب، و(ما) هنا مصدرية؛ يعني أن الفعل بعدها يحول إلى مصدر، فيكون التقدير: بظلمهم، وقع القول عليهم بظلمهم. وقول المؤلف: (أي: أشركوا) ينبغي أن يقول: أن نفسّر الظلم بما هو أعم من الشرك؛ لأن الله سبحانه وتعالى وبّخهم على التكذيب، وعلى العمل المنحرف، فيكون الظلم الذي حصل منهم التكذيب والجحد الذي يتضمن الإشراك، وكذلك الفسوق والعصيان الذي حصل منهم كإيذاء الرسل وغير ذلك، فالأصح أن نجعل ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾؛ أي: بسبب ظلمهم ومنه الشرك. ﴿فَهُمْ لا يَنطِقُونَ﴾ الفاء مفرّعة على قوله: ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: بعد أن وقع عليهم القول استحقوا العذاب ما يستطيعون النطق، يقول المؤلف: (إذ لا حجة لهم). وهذا في آخر الأمر؛ لأنهم كانوا بالأول ينطقون ويدافعون، ولكنهم إذا رأوا أن جوارحهم شهدت عليهم حينئذٍ أمسكوا ما يستطيعون الآن، وإلا يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام ٢٣]، فهم يقولون: ما أشركنا، ويقولون أيضًا: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٧، ٢٨] فهم يتكلمون ويدافعون عن أنفسهم، ولكن ذلك لا ينفعهم، ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة ١٢] فالمهم أنهم يتكلمون. فقوله هنا: ﴿فَهُمْ لا يَنطِقُونَ﴾ هذا يكون الجمع بينه وبين الآيات الدالة على نطقهم، أن للقيامة أحوالًا؛ لأن يوم القيامة كم مقداره؟ مقداره خمسون ألف سنة، فالأحوال تتغير يكون الناطق فيه ساكتًا، ويكون الساكت فيه ناطقًا، وتتقلب الأحوال ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ [النور ٣٧] لما ترى، فهم في حال لا ينطقون، وفي حال ينطقون ويدافعون. ولكنهم مهما قالوا، ومهما فعلوا فإن لديهم شهودًا من أنفسهم ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤] اللسان ينطق بما قال، واليد تنطق بما فعلت، والرجل تنطق بما فعلت. وأبلغ من ذلك الجلود تشهد بما لمست، فجميع الذي فيه الإدراك والحاسة يشهد على هؤلاء بما فعلوه، وحينئذٍ ما يستطيعون أن يدافعوا، ما دام أن هذه الأشياء تشهد عليهم، إذن من يشهد لهم؟ فهم لا ينطقون. * طالب: يقاس عليه العمل؟ * الشيخ: الأعمال؟ * الطالب: العمل.. * الشيخ: يقاس في أيش؟ * الطالب: فيه آيات تدل على أنه.. * الشيخ: يحشرون يوم القيامة على وجوههم عميًا وبكمًا وصمًا. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، تتغير الأحوال، المتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، ولكنهم إذا دخلوا النار يصير ضرس الواحد منهم مثل أحد والعياذ بالله. قال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [النمل ٨٦]. ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ الرؤية هنا بصرية ولا علمية؟ * طالب: علمية. * الشيخ: علمية وبصرية أيضًا، لكن كونها علمية أعم؛ لأن من أبصر الشيء علمه، وليس كل من علم الشيء أبصره، فالأعمى يرى الليل؛ يعني يعلمه، والمبصر يراه بعينه وبصيرته. والهمزة هنا ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ للتقرير، تقرير هذه الرؤية التي لا ينكرها أحد. ﴿أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ﴾ فسر المؤلف (الجعل) هنا بالخلق، فيكون متعديًا بمفعول واحد، ويجوز أن يكون الجعل هنا بمعنى التصيير؛ يعني: أنا جعلنا الليل مظلمًا ليسكنوا فيه. ويدل على هذا قوله تعالى الذي بعده: ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ ليتصرفوا فيه، ويكون حذف من كل جملة ما دل عليه المذكور في الجملة الأخرى، ويسمى هذا في علم البديع بالاحتباك. الاحتباك: أن يُذكر في كل جملة ما حُذف من الأخرى مع التقابل. هنا نقول: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ﴾ مظلمًا ﴿لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ حذف من هذا (مظلمًا)، ذكر مقابله (مبصرًا)، وحُذف من قوله: ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ (ليتصرفوا فيه)، وذكر في مقابله (ليسكنوا فيه)، فيكون في الجملة احتباك. وهذا يكون استفدنا المعنى مع الاختصار، على هذا التقدير الذي ذكرنا يكون جعلنا ليست بمعنى (خلقنا)، بل بمعنى (صيّرنا) تنصب مفعولين؛ المفعول الأول (الليل)، والمفعول الثاني: محذوف تقديره (مظلمًا). ﴿لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ اللام هنا للتعليل، والسكون معناه هو القرار وعدم الحركة، ولذلك كان الليل محل السكون للخلق، ولكنه بإذن الله محل عمل لخلق آخرين. الهوام والسباع ما تعمل إلا في الليل؛ لأنها تختفي في النهار إما خوفًا من الناس، وإما رحمة من الله عز وجل بالخلق؛ لأنه لو كانت هذه السباع وهذه الهوام تفترش بالنهار أتعبت الناس، ولكنها -والحمد لله- ما تظهر إلا بالليل، إذا سكن الناس بدأ عملها بالتناوب، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بالخلق أن يكون هذا التبادل ليعيش الناس بسلام، حتى هي أيضًا أزين لها إذا كان ما تعيش إلا بالليل آمن لها، ما تعارض. فهنا المراد بالسكون؛ يعني الآدميين ومن أشبههم ممن سكونهم الليل، ولهذا كان الإنسان إذا أراد الصحة فليكن الليل سكنًا له، ولا سيما أول الليل، «فإن النبي ﷺ كَانَ يَكْرَهُ الْحَدِيثَ بَعْدَ الْعِشَاءِ»[[أخرجه ابن ماجه (٧٠٣)، وأحمد (٣٦٨٦) من حديث عبد الله بن مسعود. ]]. وقد ذكروا أن نوم الليل الساعة منه تقابل ساعات من النهار، هذه الثروة السكونية التي أضعناها الآن بما لا نفع فيه، بل بما فيه ضرر الآن، الآن الناس يعكفون على مشاهدة التلفزيون إلى نصف الليل تقريبًا، بينما إنه في الدول الغربية مع الأسف الشديد الكافرة الملحدة لا يتجاوز الساعة التاسعة من الليل، الساعة التاسعة مغلق التلفزيون؛ لأنهم يعلمون (...) وعلى عمّالهم، وعلى مثقفيهم، فهم لا يريدون الضرر بالأمة، يقولون: إذا أبقيناه إلى ما بعد التاسعة سهر الناس عليه، وكان في ذلك إنهاك للعمال، وكان في ذلك إهمال للطلبة، فلذلك نحن نغلقه من الساعة التاسعة حتى ينام الناس، وحتى لا نكون نحن تسببنا الناس في إرهاقهم. وحدثني بذلك عدة أناس من الذين جاؤوا من أوروبا، يقولون: أبدًا، ما يمكن يتجاوز الساعة التاسعة، اللهم عاد (...) إلا في الأشياء النادرة، لكن هذا هو برنامجهم. نحن الآن مع الأسف الشديد يقولون: إنه يبقى إلى فوق الثانية عشرة؛ يعني الثانية عشرة نصف الليل..، هذا مع ما يتطلب من الناحية الاقتصادية، كم يستهلك الناس من الكهرباء في هذه الساعة؟ تلفزيوناتهم، وكذلك أيضًا في أنوارهم؛ لأن المكان لا بد له من نور، يستهلك نور، يستهلك كهرباء في التلفزيون، كم يكلّف العالم؟ وكم يرهق المعدات أيضًا؟ هذا بقطع النظر عن المفاسد الأخرى البدنية، ولكن العبرة بمن بصّره الله تبارك وتعالى، فمثل هذا المسؤول الآن راعي البيت، أنه إذا كانت مثلًا الساعة التاسعة يأمر أهله بالنوم ويغلقه. * طالب: أو يكسره. * الشيخ: لا، الكسر لا (...) والنبي عليه الصلاة والسلام «كَرِهَ الْحَدِيثَ بَعْدَ الْعِشَاءِ»، كنا نسهر إلى نصف الليل أحيانًا أو إلى أكثر، وليس ليلة طارئة؛ حتى نقول: العوارض عوارض، بل هي دائمًا في الغالب. هؤلاء الذين يسهرون إلى ما بعد نصف الليل: أولًا: ربما لا يقومون لصلاة الفجر، وإذا قاموا نصفهم نوم يؤدونها بكل كلافة ومشقة، أو ينامون يمكن في نفس المسجد أو في نفس الصلاة، ثم إذا رجعوا إلى بيوتهم ينامون إلى متى؟ * طلبة: الظهر. * الشيخ: إلى الظهر؛ يعني: أول النهار اللي هو محل البركة، ومحل العمل يضيّع، والليل اللي هو محل السكون يضيّع السكون فيه، وهذا من نقص الوعي في المسلمين، هذا بالحقيقة يعتبر نقص وعي للمسلمين. يقولون عن الكفار: حدثني واحد قبل أمس، يقول: إن هناك عندهم عطلة السبت والأحد، السبت لأجل اليهود والأحد لأجل النصارى، لكن يقول: (...) ليلة الاثنين من غروب الشمس، وكل في محله، ما يمكن لأجل منين يكون الصباح وإذا هو مباشر لعمله، ما يمكن يتأخرون، يقول: غريب؛ يعني العوائل يبتغون يتنزهون باليومين ها دول عاد إلى المنتزهات، لكن ما يمكن إذا غابت ليلة الاثنين، غابت الشمس ليلة الاثنين، وإذا كل إنسان في محله، يكون متهيئًا للعمل. إذا قارنت حال هؤلاء بحال المسلمين اليوم، مع أن أحوالهم هذه هي التي يجب أن تكون للمسلمين، وجدت هذا السبب اللي جعلنا نتأخر، وجعلنا في هذا الذل، وجعل كثير من شبابنا ما هم مقتنعين بأحوالنا؛ يعني بعض الشباب الآن المنحرف قد يكون له عذر، يقول: أنتم تقولون الإسلام والإسلام، وين الإسلام؟ ما شفنا شيئًا! ولكن نقول: الذنب ذنب من؟ ذنب من ينتسبون للإسلام ليس ذنب الإسلام، ذنب من يقولون: نحن أهل الإسلام، وفي أهل الإسلام من لا يعرف أركان الإسلام، صدقوني بعض الناس المسلمين الآن اللي يقولون هم مسلمون، مكتوب على هويتهم مسلم، ما يعرف يتوضأ ولا يصلي، هذا موجود، ما يعرف يتوضأ ولا يصلي. إذن البيئة ويش تكون معناه؟ معنى هذا أن البيئة ما تتوضأ ولا تصلي، فأين الإسلام من قوم لا يتوضؤون ولا يصلون؟! هذا هو الذي أخّرنا، ولذلك أنا والله أحب دائمًا أن يكون لدى أهل العلم تطور في الحركة والعمل..
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب