الباحث القرآني

(وإذا وقع القول عليهم) اختلف في معنى هذا الوقوع فقال قتادة: وجب الغضب عليهم، وقال مجاهد: حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقيل: حق العذاب عليهم، وقيل: وجب السخط، والمعاني متقاربة، وقيل المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة: وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها، وقيل: وقع القول بموت العلماء وذهاب العلم، ورفع القرآن، وذلك إذا لم يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، قاله ابن عمر وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً. وعن أبي العالية أنه فسر (وقع القول) بما أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، والحاصل أن المراد بـ (وقع) وجب وبـ (القول) مضمونه أو أطلق المصدر على المفعول، أي المقول وجواب الشرط قوله: (أخرجنا لهم دابة من الأرض) اختلف في هذه الدابة على أقوال فقيل: إنها فصيل ناقة صالح، يخرج عند اقتراب الساعة ويكون من أشراطها، وقيل: هي دابة مزغبة ذات شعر وقوائم طوال، يقال لها الجساسة وبه قال ابن عمرو. وفي التعبير عنها باسم الجنس وتأكيد إبهامه بالتنوين التفخيمي من الدلالة على غرابة شأنها وخروج أوصافها عن طور البيان ما لا يخفى، وقيل: هي دابة على خلقة بني آدم، رأسها في السحاب وقوائمها في الأرض، وقيل: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش. وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل إثنا عشر ذراعاً، ولعل ذلك هو الجساسة، وقيل: الثعبان، والمشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة، والمراد أنها هي التي تخرج في آخر الزمان، وقيل: هي دابة ما لها ذنب ولها لحية، وقيل: هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار، وفيه بعد. وعن ابن عباس قال: الدابة ذات وبر وريش؛ مؤلفة فيها من كل لون، لها أربع قوائم، تخرج بعقب من الحاج. وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره، وقد رجح القول الأول القرطبي في تفسيره، وقال: هو أصح الأقوال، واختلف في تعيينها وصفاتها اختلافاً كثيراً قد ذكرناه في كتاب التذكرة انتهى، واختلف من أي موضع تخرج، فقيل: من جبل الصفا بمكة، يتصدع فتخرج منه، قاله ابن عمرو، وقيل: تخرج من جبل أبي قبيس، وقيل: لها ثلاث خرجات، خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس؛ وتكثر الدماء؛ ثم تكمن، وتخرج في القرى، ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها، وقيل: تخرج من بين الركن والمقام، وقال ابن عباس تخرج من بعض أودية تهامة، وقيل: من مسجد الكوفة من حيث فار التنور، وقيل: من أرض الطائف؛ وقيل: من صخرة من شعب أجياد، قاله ابن عمرو، وقيل: من صدع في الكعبة، وقيل: من بحر سدوم قاله وهب بن منبه، واختلف في معنى قوله: (تكلمهم) فقيل: تكلم الموجودين ببطلان الأديان سوى دين الإسلام وقيل: تكلمهم بما يسوءهم، وقيل: تكلمهم بالعربية بقوله تعالى الآتي (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون)، قاله ابن عباس، أي بخروجها لأن خروجها من الآيات، وقال ابن عباس أيضاً: تكلمهم تحللهم، وعنه أنه سئل هو من التكليم باللسان، أو من الكلم وهو الجرح؟ فقال: كل ذلك والله تفعل، تكلم المؤمن وتكلم الكافر، أي: تجرحه، قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم؛ وتدل عليه قراءة أبي: تنبئهم. وقرئ بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم وهو الجرح، قال عكرمة: أي تسمهم وسماً، وقيل: تجرحهم، وقيل: قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم وهو الجرح، والتشديد للتكثير، قاله أبو حاتم. وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس ذلك حديثاً ولا كلاماً، ولكنها سمة تسم من أمرها الله به، فيكون خروجها من الصفا ليلة منى، فيصيحون بين رأسها وذنبها، لا يدحض داحض، ولا يجرح جارح حتى إذا فرغت مما أمرها الله به فهلك من هلك ونجا من نجا؛ كان أول خطوة تضعها بأنطاكية ". وأخرج أحمد: وابن مردوبه عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال له: ممن اشتريتها فيقول: من الرجل المخطم ". وعن حذيفة بن أسيد رفعه قال: " تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة ". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تخرج دابة الأرض ومعها عصى موسى، وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم، وتحطم أنف الكافر بالعصى، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر ". وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدابة فقال: " لها ثلاث خرجات من الدهر " الحديث، أخرجه البيهقي والحاكم وصححه، وابن المنذر، وغيرهم، وفي صفتها، ومكان خروجها، وما تصنعه، ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح. وبعضها حسن، وبعضها ضعيف. وأما كونها تخرج، وكونها من علامات الساعة، فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة، ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعاً " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات " وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم، وفي السنن الأربع. وكحديث " بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة " فإنه في صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً. وكحديث ابن عمر مرفوعاً أن " أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى " فإنه في صحيح مسلم أيضاً. ثم قرأ الجمهور: (إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) بكسر إن على الاستئناف، وقرئ بفتحها، قال الأخفش: المعنى على الفتح بأن الناس، وبها قرأ ابن مسعود، وقال أبو عبيدة: أي تخبرهم أن الناس الخ. وعلى هذه فالذي تكلم الناس به هو قوله: إن الناس الخ كما قدمنا الإشارة إلى ذلك، وأما على الكسر فالجملة مستأنفة كما قدمنا، ولا يكون من كلام الدابة وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، وجزم به الكسائي والفراء وقال الأخفش إن كسر (إن) هو على تقدير القول، أي تقول لهم إن الناس فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى الثانية: والمراد بالناس في الآية هم الناس على العموم، فيدخل في ذلك كل مكلف وقيل: المراد الكفار خاصة، وقيل: كفار مكة، والأول أولى كما صنع جمهور المفسرين، والمعنى: لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب، وبخروجها ينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يبقى نائب ولا تائب ولا يؤمن كافر، كما أوحى الله إلى نوح (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) ثم ذكر سبحانه طرفاً مجملاً من أهوال يوم القيامة بعد بيان مباديها فقال: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب