وقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، هذه الآية معنَاها واضحٌ مما تَقَدَّمَ في غيرها. ثم ذكر- تعالى- استعجالَ كفارِ قريشٍ أمْرَ السَّاعَةِ والعذابَ بقولِهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ على معنى التعجيز، ورَدِفَ مَعْنَاه: قَرُبَ وأزِفَ قاله ابن عباس [[أخرجه الطبريّ (10/ 10) رقم (27077- 27078) بنحوه، وابن عطية (4/ 269) ، وابن كثير (3/ 373) بنحوه، والسيوطي (5/ 215) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.]] وغيرُه، ولكنَّها عبارةٌ عَما يجيءُ بعدَ الشيء قريباً منه، والهاءُ في غائِبَةٍ للمبَالَغَةِ، أي مَا مِنْ شَيْءٍ في غايةِ الغَيْبِ والخفاءِ إلاَّ فِي كِتَابٍ عِندَ اللهِ وفي مكنونِ علمِه، لا إله إلا هو. ثم نبّه- 54 ب تعالى- على أنَّ/ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إسرائيل أكثر الأشياءِ التي كان بينهُم اختلافٌ في صِفَتِها، جاء بها القرآن على وجهها، وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ كما أنه عمَىً على الكافرين المحتومِ عليهم، ثم سلَّى نبيَّه بقوله: إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتى فشبَّهَهُمْ مرةً بالموتى، ومرةً بالصُّمِّ من حيث إنَّ فائدةَ القولِ لهؤلاءِ مَعْدُومَةٌ.
وقرأ حمزة [[ينظر: «السبعة» 486، و «الحجة» (5/ 404) ، و «إعراب القراءات» (2/ 163) ، و «معاني القراءات» (2/ 246) ، و «شرح الطيبة» (5/ 116) ، و «العنوان» (146) ، و «شرح شعلة» (530) ، و «إتحاف» (2/ 334) .]] : «وَمَا أَنتَ تَهْدِي العمي» بفعلٍ مستقبل، ومعنى قوله تعالى وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، أي: إذا انْتَجَزَ وعدُ عذابِهمُ الذي تَضَمَّنَه القولُ الأزلي من الله في ذلك، وهذا بمنزلة قوله تعالى: حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ [الزمر: 71] ، فمعنى الآية وإذا أراد اللهُ أن يُنْفذَ في الكافرينَ سَابقَ عِلمِهِ لَهُم من العذابِ أخْرَجَ لهم دابَّةً من الأرض، ورُوِيَ أَن ذلك حين ينقطعُ الخيرُ، ولا يؤمَر بمعروف، ولا يُنْهى عن منكر، ولا يِبْقَى مَنيبٌ ولا تائبٌ، ووَقَعَ عبارةٌ عن الثبوت واللُّزُوم، وفي الحديث: أن الدابةَ وطلوعَ الشمسِ من المغْرِب مِنْ أولِ الأشراط، وهذه الدَّابَّةُ رُوِيَ أنَّها تَخْرُجُ من الصَّفَا بمكَّةَ قاله ابن عمر [[ذكره ابن عطية (4/ 270) ، ولم يعزه لأحد.]] وغيره، وقيل غيرُ هذا.
وقرأ الجمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 271) ، و «البحر المحيط» (7/ 91) ، و «الدر المصون» (5/ 327) .]] : تُكَلِّمُهُمْ من الكلام. وقرأ ابن عباس [[وقرأ بها سعيد بن جبير، ومجاهد، والجحدري، وأبو زرعة، وعمرو بن جرير.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص 112، و «المحتسب» (2/ 144) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 271) ، و «البحر المحيط» (7/ 92) ، و «الدر المصون» (5/ 328) .]] وغيرُه: تُكَلِّمُهُمْ- بفَتْحِ التاءِ وتخفيفِ اللام-، من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ، وسئل ابن عباس عن هذه الآية «تكلمهم أو تكلمهم» ؟ فقال: كل ذلك، واللهِ تفعلُ: تُكَلِّمُهُمْ وَتَكْلُمُهُمْ، وروي أنها تَمُرُّ على الناسِ فَتَسِمُ الكافرَ فِي جبهتِه وتَزْبُرُهُ وتَشْتُمُه وربما خَطَمَتْه، وَتَمْسَحُ على وجهِ المؤمنِ فتبيضه، ويعرفُ بعدَ ذلكَ الإيمانُ والكفرُ مِن أثرها، وفي الحديث: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَتَجْلُو وُجُوهَ المؤمِنِينَ بالعَصَا وتَخْتِمُ أَنْفَ الكَافِرِ بِالخَاتِمِ، حَتَّى أنَّ النَّاسَ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذا: يَا كَافِرُ» [[وهم المؤلف في هذا الحديث، حيث إنه عزا هذا الحديث للبزار، وهو عند من هو أشهر من البزار، فقد أخرجه الترمذيّ (5/ 340) كتاب التفسير: باب ومن سورة النحل، حديث (3187) ، وابن ماجه (2/ 1351- 1352) كتاب الفتن: باب دابة الأرض، حديث (4066) من حديث أبي هريرة.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب.]] . رواه البَزَّار، انتهى من «الكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ» .
وقرأ الجمهور: «إنَّ النَّاسَ» - بكسر «إن» .
وقرأ حمزةُ [[ينظر: «السبعة» (486- 487) ، و «الحجة» (5/ 406) ، و «إعراب القراءات» (2/ 164) ، و «معاني القراءات» (2/ 246) ، و «العنوان» (146) ، و «حجة القراءات» (538) ، و «إتحاف» (2/ 335) .]] والكسائيّ وعاصمٌ: «أنَّ» بفتحها.
وفي قراءة عبد الله [[ينظر: «الشواذ» ص 112، و «المحتسب» (2/ 145) ، و «الكشاف» (3/ 385) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 271) ، و «البحر المحيط» (7/ 92) ، و «الدر المصون» (5/ 328) .]] : «تُكَلِّمُهُمْ بَأَنَّ» ، وعلى هذه القراءة فيكونُ قوله: أَنَّ النَّاسَ إلى آخرها مِنْ كلامِ الدابَّةِ، وروي ذلك عن ابن عَبَّاس. ويحتملُ أَنْ يكون من كلام الله تعالى.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبࣰا وَءَابَاۤؤُنَاۤ أَىِٕنَّا لَمُخۡرَجُونَ","لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَـٰذَا نَحۡنُ وَءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ","وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ","وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِی تَسۡتَعۡجِلُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَشۡكُرُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَیَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا یُعۡلِنُونَ","وَمَا مِنۡ غَاۤىِٕبَةࣲ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ","إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَقُصُّ عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","وَإِنَّهُۥ لَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ","إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ","فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِینِ","إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ","وَمَاۤ أَنتَ بِهَـٰدِی ٱلۡعُمۡیِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ","۞ وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَیۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَاۤبَّةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا لَا یُوقِنُونَ"],"ayah":"۞ وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَیۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَاۤبَّةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا لَا یُوقِنُونَ"}