كما كاد فرعون بني إسرائيل: ﴿يُذَبِّحُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيى نِساءَهُمْ﴾
خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه، فكاده الله سبحانه، بأن أخرج له هذا المولود، ورباه في بيته، وفي حجره، حتى وقع به منه ما كان يحذره، كما قيل:
؎وَإذا خَشيتَ مِنَ الأُمُورِ مُقَدَّرا ∗∗∗ وفَرَرْتَ منْهُ، فَنَحْوَهُ تَتَوَجَّهُ
* (فصل)
وكيد الله سبحانه لا يخرج عن نوعين.
أحدهما: أن يفعل سبحانه فعلا خارجًا عن قدرة العبد الذي كاد له، فيكون الكيد قدرا محضا، ليس من باب الشرع، كما كاد الذين كفروا، بأن انتقم منهم بأنواع العقوبات وكذلك كانت قصة يوسف عليه السلام، فإن يوسف أكثر ما قدر عليه أن ألقى الصواع في رحل أخيه، وأرسل مؤذنا يؤذن: ﴿أيَّتُها العِيرُ إنّكم لَسارِقُونَ﴾ [يوسف: ٧٠] فلما أنكروا قال: ﴿فَما جَزاؤُهُ إنْ كُنْتَمْ كاذِبينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَن وجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ﴾ [يوسف: ٧٤].
أي جزاؤه استعباد المسروق ماله للسارق، إما مطلقا، وإما إلى مدة.
وهذه كانت شريعة آل يعقوب عليه السلام.
النوع الثاني: أن يلهمه أمرا مباحا، أو مستحبا، أو واجبا، يوصله به إلى المقصود الحسن، فيكون على هذا إلهامه ليوسف عليه السلام أن يفعل ما فعل هو من كيده سبحانه أيضا، فيكون قد كاد له نوعي الكيد، ولهذا قال سبحانه: ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ﴾ [يوسف: ٧٦].
وفي ذلك تنبيه على أن العلم الدقيق بلطيف الحيل الموصلة إلى المقصود الشرعي الذي يحبه الله تعالى ورسوله، من نصر دينه وكسر أعدائه، ونصر المحق وقمع المبطل: صفة مدح يرفع الله تعالى بها درجة العبد، كما أن العلم الذي يخصم به المبطل، ويدحض حجته صفة مدح يرفع بها درجة عبده، كما قال سبحانه في قصة إبراهيم عليه السلام، ومناظرته قومه، وكسر حجتهم:
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبراهيم عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ﴾ [الأنعام: ٨٣].
وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع، ولكن ليس هو الكيد الذي تستحل به المحرمات، وتسقط به الواجبات، فإن هذا كيد لله تعالى ودينه، فالله سبحانه ودينه هو المكيد في هذا القسم، فمحال أن يشرع الله سبحانه هذا النوع من الكيد.
وأيضا، فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يقصد به غير مقصوده الشرعى، ومحال أن يشرع الله تعالى لعبد أن يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له.
{"ayah":"إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}