الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ﴾ اسْتِئْنافٌ جارٍ مَجْرى التَّفْسِيرِ لِلْمُجْمَلِ المَوْعُودِ وتَصْدِيرُهُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاعْتِناءِ بِتَحْقِيقِ مَضْمُونِ ما بَعْدَهُ أيْ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ﴾ تَجَبَّرَ وطَغى في أرْضِ مِصْرَ وجاوَزَ الحُدُودَ المَعْهُودَةَ في الظُّلْمِ والعُدْوانِ ﴿وجَعَلَ أهْلَها شِيَعًا﴾ أيْ فِرَقًا يُشَيِّعُونَهُ في كُلِّ ما يُرِيدُهُ مِنَ الشَّرِّ والفَسادِ أوْ يُشَيِّعُ بَعْضُهم بَعْضًا في طاعَتِهِ أوْ أصْنافًا في اسْتِخْدامِهِ يُسْتَعْمَلُ (p-43)كُلُّ صِنْفٍ في عَمَلٍ مِن بِناءٍ وحَرْثٍ وحَفْرٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأعْمالِ الشّاقَّةِ ومَن لَمْ يَعْمَلْ ضَرَبَ عَلَيْهِ الجِزْيَةَ فَيَخْدِمُهُ بِأدائِها أوْ فِرَقًا مُخْتَلِفَةً قَدْ أغْرى بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ لِئَلّا تَتَّفِقَ كَلِمَتُهم ﴿يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنهُمْ﴾ أيْ يَجْعَلُهم ضُعَفاءَ مَقْهُورِينَ والمُرادُ بِهَذِهِ الطّائِفَةِ بَنُو إسْرائِيلَ وعَدَّهم مِن أهْلِها لِلتَّغْلِيبِ أوْ لِأنَّهم كانُوا فِيها زَمانًا طَوِيلًا، والجُمْلَةُ إمّا اسْتِئْنافٌ نَحْوِيٌّ أوْ بَيانِيٌّ في جَوابِ ماذا صَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وإمّا حالٌ مِن فاعِلِ جَعَلَ أوْ مِن مَفْعُولِهِ، وإمّا صِفَةٌ لِشِيَعًا والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُذَبِّحُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ﴾ بَدَلٌ مِنَ الجُمْلَةِ قَبْلَها بَدَلَ اشْتِمالٍ أوْ تَفْسِيرٌ أوْ حالٌ مِن فاعِلِ يَسْتَضْعِفُ أوْ صِفَةٌ لِطائِفَةٍ أوْ حالٌ مِنها لِتَخَصُّصِها بِالوَصْفِ وكانَ ذَلِكَ مِنهُ لِما أنَّ كاهِنًا قالَ لَهُ: يُولَدُ في بَنِي إسْرائِيلَ مَوْلُودٌ يَذْهَبُ مُلْكُكَ عَلى يَدِهِ. وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّهُ رَأى في مَنامِهِ أنَّ نارًا أقْبَلَتْ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ حَتّى اشْتَمَلَتْ عَلى بُيُوتِ مِصْرَ فَأحْرَقَتِ القِبْطَ وتَرَكَتْ بَنِي إسْرائِيلَ فَسَألَ عُلَماءَ قَوْمِهِ فَقالُوا: يَخْرُجُ مِن هَذا البَلَدِ رَجُلٌ يَكُونُ هَلاكُ مِصْرَ عَلى يَدِهِ فَأخَذَ يَفْعَلُ ما يَفْعَلُ ولا يَخْفى أنَّهُ مِنَ الحُمْقِ بِمَكانٍ إذْ لَوْ صَدَقَ الكاهِنُ أوِ الرُّؤْيا فَما فائِدَةُ القَتْلِ وإلّا فَما وجْهُهُ، وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ قَتْلَ الأوْلادِ لِحِفْظِ المُلْكِ شَرِيعَةٌ فِرْعَوْنِيَّةٌ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وابْنُ مُحَيْصِنٍ «يَذْبَحُ» بِفَتْحِ الياءِ وسُكُونِ الذّالِ ﴿إنَّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ أيِ الرّاسِخِينَ في الإفْسادِ ولِذَلِكَ اجْتَرَأ عَلى مِثْلِ تِلْكَ العَظِيمَةِ مِن قَتْلِ مَن لا جُنْحَةَ لَهُ مِن ذَرارِيِّ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِتَخَيُّلٍ فاسِدٍ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب