الباحث القرآني
سُورَةُ القَصَصِ وهي ثَمانٍ وثَمانُونَ آيَةً، مَكِّيَّةٌ (p-١٠٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿طسم﴾ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ وجَعَلَ أهْلَها شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنهم يُذَبِّحُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهم إنَّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ ﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ ونَجْعَلَهم أئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ ﴿ونُمَكِّنَ لَهم في الأرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنهم ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ كُلُّها، قالَهُ الحَسَنُ وعَطاءٌ وعِكْرِمَةُ. وقالَ مُقاتِلٌ: فِيها مِنَ المَدَنِيِّ ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِن قَبْلِهِ﴾ [القصص: ٥٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿لا نَبْتَغِي الجاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] . وقِيلَ: نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ والجُحْفَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِالجُحْفَةِ، في خُرُوجِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِلْهِجْرَةِ. وقالَ ابْنُ سَلامٍ: نَزَلَ ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ [القصص: ٨٥] بِالجُحْفَةِ، وقْتَ الهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ. ومُناسَبَةُ أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ السُّورَةِ قَبْلَها أنَّهُ أمَرَهُ - تَعالى - بِحَمْدِهِ، ثُمَّ قالَ: ﴿سَيُرِيكم آياتِهِ﴾ [النمل: ٩٣] .
وكانَ مِمّا فَسَّرَ بِهِ آياتِهِ - تَعالى - مُعْجِزاتُ الرَّسُولِ، وأنَّهُ أضافَها - تَعالى - إلَيْهِ، إذْ كانَ هو المُخْبِرُ بِها عَلى قَدَمِهِ، فَقالَ: ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ﴾ إذْ كانَ الكِتابُ هو أعْظَمُ المُعْجِزاتِ وأكْبَرُ الآياتِ البَيِّناتِ، والظّاهِرُ أنَّ الكِتابَ هو القُرْآنُ، وقِيلَ: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ. (نَتْلُو) أيْ نَقْرَأُ عَلَيْكَ بِقِراءَةِ جِبْرِيلَ، أوْ نَقُصُّ. ومَفْعُولُ نَتْلُو ”مِن نَبَأِ“: أيْ بَعْضَ نَبَأِ، وبِالحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”نَتْلُو“، أيْ مُحِقِّينَ، أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِن نَبَأِ، أيْ مُتَلَبِّسًا بِالحَقِّ، وخَصَّ المُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهم هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِالتِّلاوَةِ.
﴿عَلا في الأرْضِ﴾ أيْ تَجَبَّرَ واسْتَكْبَرَ حَتّى ادَّعى الرُّبُوبِيَّةَ والإلَهِيَّةَ. والأرْضُ: أرْضُ مِصْرَ، والشِّيَعُ: الفِرَقُ. مَلَكَ القِبْطَ واسْتَعْبَدَ بَنِي إسْرائِيلَ، أيْ يُشَيِّعُونَهُ عَلى ما يُرِيدُ، أوْ يُشَيِّعُ بَعْضُهم بَعْضًا في طاعَتِهِ، أوْ ناسًا في بِناءٍ وناسًا في حَفْرٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحِرَفِ المُمْتَهَنَةِ. ومَن لَمْ يَسْتَخْدِمْهُ، ضَرَبَ عَلَيْهِ الجِزْيَةَ، أوْ أغْرى بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَكُونُوا لَهُ أطْوَعَ، والطّائِفَةُ المُسْتَضْعَفَةُ بَنُو إسْرائِيلَ. والظّاهِرُ أنَّ ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ اسْتِئْنافٌ يُبَيِّنُ حالَ بَعْضِ الشِّيَعِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ ”وجَعَلَ“ وأنْ تَكُونَ صِفَةً لِـ ”شِيَعًا“، ويُذَبِّحُ تَبْيِينٌ لِلِاسْتِضْعافِ، وتَفْسِيرٌ أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ يَسْتَضْعِفُ، أوْ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِطائِفَةٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: يُذَبِّحُ، مُضَعَّفًا؛ وأبُو حَيْوَةَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِفَتْحِ الياءِ وسُكُونِ الذّالِ.
﴿إنَّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ عِلَّةٌ لِتَجَبُّرِهِ ولِتَذْبِيحِ الأبْناءِ؛ إذْ لَيْسَ في ذَلِكَ إلّا مُجَرَّدُ الفَسادِ.
﴿ونُرِيدُ﴾ حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ﴾؛ لِأنَّ كِلْتَيْهِما تَفْسِيرٌ لِلْبِناءِ، ويَضْعُفُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في ”يَسْتَضْعِفُ“، لِاحْتِياجِهِ إلى إضْمارِ مُبْتَدَأٍ، أيْ ونَحْنُ نُرِيدُ، وهو ضَعِيفٌ. وإذا كانَتْ حالًا، فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ اسْتِضْعافُ فِرْعَوْنَ وإرادَةُ المِنَّةِ مِنَ اللَّهِ ولا يُمْكِنُ الِاقْتِرانُ ؟ فَقِيلَ: لَمّا كانَتِ المِنَّةُ بِخَلاصِهِمْ مِن فِرْعَوْنَ قَرِينَةَ الوُقُوعِ، جُعِلَتْ إرادَةُ وُقُوعِها كَأنَّها مُقارِنَةٌ لِاسْتِضْعافِهِمْ. و﴿أنْ نَمُنَّ﴾ أيْ بِخَلاصِهِمْ مِن فِرْعَوْنَ وإغْراقِهِ.
﴿ونَجْعَلَهم أئِمَّةً﴾ أيْ مُقْتَدًى بِهِمْ في الدِّينِ والدُّنْيا. وقالَ مُجاهِدٌ: دُعاةً إلى الخَيْرِ. وقالَ قَتادَةُ: وُلاةً، كَقَوْلِهِمْ وجَعَلَكم مُلُوكًا. وقالَ الضَّحّاكُ: أنْبِياءَ.
﴿ونَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ أيْ يَرِثُونَ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ، (p-١٠٥)مُلْكَهم وما كانَ لَهم. وعَنْ عَلِيٍّ الوارِثُونَ هم: يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ووَلَدُهُ، وعَنْ قَتادَةَ أيْضًا: ورِثُوا أرْضَ مِصْرَ والشّامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ونُمَكِّنَ﴾ عَطْفًا عَلى ”نَمُنَّ“ . وقَرَأ الأعْمَشُ: ”ولِنُمَكِّنَ“، بِلامِ كَيْ، أيْ وأرَدْنا ذَلِكَ لِنُمَكِّنَ، أوْ ولِنُمَكِّنَ فَعَلْنا ذَلِكَ. والتَّمْكِينُ: التَّوْطِئَةُ في الأرْضِ، هي أرْضُ مِصْرَ والشّامِ، بِحَيْثُ يَنْفُذُ أمْرُهم ويَتَسَلَّطُونَ عَلى مَن سِواهم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ونُرِيَ﴾ مُضارِعُ أرَيْنا، ونُصِبَ ما بَعْدَهُ. وعَبْدُ اللَّهِ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ويَرى، مُضارِعُ رَأى، ورُفِعَ ما بَعْدَهُ.
﴿وهامانَ﴾ وزِيرُ فِرْعَوْنَ وأحَدُ رِجالِهِ، وذُكِرَ لِنَباهَتِهِ في قَوْمِهِ ومَحَلِّهِ مِنَ الكُفْرِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ لَهُ: ﴿يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحًا﴾ [غافر: ٣٦] ؟ ويَحْذَرُونَ أيْ زَوالَ مُلْكِهِمْ وإهْلاكَهم عَلى يَدَيْ مَوْلُودٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["طسۤمۤ","تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ","نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ","وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ","وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِیَ فِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَحۡذَرُونَ"],"ayah":"إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق