الباحث القرآني
(p-٥٦٨)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ القَصَصِ
هَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ إلّا قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إلى مَعادٍ﴾ [القصص: ٨٥]، نَزَلَتْ هَذِهِ بِالجَحْفَةِ في وقْتِ هِجْرَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ، قالَهُ ابْنُ سَلامٍ وغَيْرُهُ، وقالَ مُقاتِلٌ: فِيها مِنَ المَدَنِيِّ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ [القصص: ٥٢] إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا نَبْتَغِي الجاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥].
قوله عزّ وجلّ:
﴿طسم﴾ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ وجَعَلَ أهْلَها شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنهم يُذَبِّحُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهم إنَّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾
تَقَدَّمَ القَوْلُ في الحُرُوفِ الَّتِي في أوائِلِ السُورِ بِما أغْنى عَنِ الإعادَةِ، فَمَن قالَ: إنَّ هَذِهِ الحُرُوفَ مِن أسْماءِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى قالَ: إنَّ الطاءَ مِنَ الطُولِ الَّذِي لِلَّهِ سُبْحانَهُ، والسِينُ مِنَ السَلامِ، والمِيمِ مِنَ المُنْعِمْ، أو مِنَ الرَحِيمِ، ونَحْوَ هَذا. وقَوْلُهُ: ﴿تِلْكَ﴾ يَتَقَدَّرُ مَوْضِعُها بِحَسَبَ كُلِّ قَوْلٍ مِنَ الأقْوالِ في الحُرُوفِ، فَمِن جَعَلَ "طَسَمَ" مِثالًا لِحُرُوفِ المُعْجَمِ جاءَتِ الإشارَةُ بِـ "تِلْكَ" إلى حُرُوفِ المُعْجَمِ، ومِن قَطَعَها قالَ: "تِلْكَ" في مَواضِعَ هَذِهِ، وساغَ هَذا مِن حَيْثُ لَمْ تَكُنْ حاضِرَةً عَتِيدَةً، بَلْ هي أقْوالٌ تَقْتَضِي بَعْضُها شَيْئًا فَشَيْئًا، فَسائِغٌ أنْ يُقالَ في الإشارَةِ إلَيْها: "تِلْكَ".
(p-٥٦٩)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والأصْلُ أنَّ "تِلْكَ" إشارَةٌ إلى ما غابَ، و"هَذِهِ" إشارَةٌ إلى ما حَضَرَ، وقَدْ تَتَداخَلَ مَتى كانَ في الغَيْبَةِ حُصُولٌ وثِقَةٌ بِهِ تَقُومُ مَقامَ الحُضُورِ، ومَتى كانَ في الحُضُورِ بُعْدٌ ما يَقُومُ مَقامَ الغَيْبَةِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾ [طه: ١٧] لَمّا كانَ مُوسى لا يَرى رَبَّهُ تَعالى، فَهو وعَصاهُ في مَنزِلِ غَيْبٍ، فَساغَ ذَلِكَ. ومِنَ النَقِيضِ قَوْلُ المُؤَلِّفِ لِكِتابٍ: هَذا كِتابٌ، وما جَرى هَذا المَجْرى فَتُتْبِعُهُ، ويُشْبِهُ في آياتِنا هَذِهِ أنْ تَكُونَ "تِلْكَ" بِمَنزِلَةِ: هَذِهِ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ، ويُشْبِهُ أنْ تَكُونَ مُتَمَكِّنَةً مِن حَيْثُ الآياتُ كُلُّها وقْتَ هَذِهِ المُخاطَبَةِ لَمْ تَكُنْ عَتِيدَةً. و"نَتْلُوا" مَعْناهُ: نَقُصُّ ونُتابِعُ القِصَصَ، وخَصَّ المُؤْمِنِينَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ مِن حَيْثُ هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
و﴿عَلا في الأرْضِ﴾ مِن عُلُوِّ الطُغْيانِ والتَغَلُّبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي الأرْضِ﴾ يُرِيدُ أرْضَ مِصْرَ ومَوْضِعَ مُلْكِهِ، ومَتى جاءَتِ الأرْضُ هَكَذا عامَّةً فَإنَّما يُرادُ بِها الأرْضُ الَّتِي تُشْبِهُ قِصَّةَ القَوْلِ المَسُوقِ؛ لِأنَّ الأنْباءَ الَّتِي تَعُمُ الأرْضَ كُلَّها قَلِيلَةٌ، والأكْثَرُ ما ذَكَرْناهُ، و"الشِيَعُ": الفِرَقُ، وكانَ هَذا القَوْلُ مِن فِرْعَوْنَ بِأنْ جَعَلَ القِبْطَ مُلُوكًا، وبُنِيَ إسْرائِيلَ مُسْتَخْدِمِينَ، وهم كانُوا الطائِفَةَ المُسْتَضْعَفَةَ، و"يُذَبِّحُ" مُضْعِفٌ لِلْمُبالَغَةِ والعِبارَةِ عن تَكْرارِ الفِعْلِ، وقالَ قَتادَةُ: كانَ هَذا الفِعْلُ مِن فِرْعَوْنَ لِأنَّهُ قالَ لَهُ كَهَنَتُهُ وعُلَماؤُهُ: إنَّ غُلامًا لِبَنِي إسْرائِيلَ يُفْسِدُ مُلْكَكَ، وقالَ السُدِّيُّ: رَأى في ذَلِكَ رُؤْيا فَأخَذَ بَنِي إسْرائِيلَ بِذْبَحِ الأطْفالِ سِنِينَ، فَرَأى أنَّهُ يَقْطَعُ نَسْلَهُمْ، فَعادَ يَذْبَحُ عامًا ويَسْتَحْيِي عامًا، فَوُلِدَ هارُونَ عَلَيْهِ السَلامُ في عامِ الِاسْتِحْياءِ، ووُلِدَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ في عامِ الذَبْحِ، وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "يُذْبِحُ" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الباءِ عَلى التَكْثِيرِ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِفَتْحِ الياءِ والباءِ وسُكُونِ الذالِ. قالَ وهَبَ بْنُ مُنَبِّهٍ: بَلَغَنِي أنَّ فِرْعَوْنَ ذَبَحَ في هَذِهِ المُحاوَلَةِ سَبْعِينَ ألْفًا مِنَ الأطْفالِ، وقالَ النَقاشُ: جَمِيعُ ما قَتَلَ سِتَّةَ عَشَرَ طِفْلًا.
(p-٥٧٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
طَمَعَ بِجَهْلِهِ أنْ يَرُدَّ القَدَرَ، وأيْنَ هَذا المَنزَعُ مِن «قَوْلِ النَبِيِّ ﷺ لِعُمَرَ: إنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ» يَعْنِي ابْنَ صَيّادٍ. وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["طسۤمۤ","تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ","نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"],"ayah":"إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق