الباحث القرآني

العامِلُ في إذْ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: واذْكُرْ إذْ غَدَوْتَ مِن مَنزِلِ أهْلِكَ؛ أيْ: مِنَ المَنزِلِ الَّذِي فِيهِ أهْلُكَ. وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في غَزْوَةِ أُحُدٍ. وقالَ الحَسَنُ: في يَوْمِ بَدْرٍ. وقالَ مُجاهِدٌ ومُقاتِلٌ والكَلْبِيُّ: في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ. قَوْلُهُ: تُبَوِّئُ أيْ: تَتَّخِذُ لَهم مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وأصْلُ التَّبَوُّءِ اتِّخاذُ المَنزِلِ، يُقالُ بَوَّأْتُهُ مَنزِلًا: إذا أسْكَنْتَهُ إيّاهُ، والفِعْلُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ. ومَعْنى الآيَةِ: واذْكُرْ إذْ خَرَجْتَ مِن مَنزِلِ أهْلِكَ تَتَّخِذُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ؛ أيْ: أماكِنَ يَقْعُدُونَ فِيها، وعَبَّرَ عَنِ الخُرُوجِ بِالغُدُوِّ الَّذِي هو الخُرُوجُ غَدْوَةً مَعَ كَوْنِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خَرَجَ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ كَما سَيَأْتِي؛ لِأنَّهُ قَدْ يُعَبِّرُ بِالغُدُوِّ والرَّواحِ عَنِ الخُرُوجِ والدُّخُولِ مِن غَيْرِ اعْتِبارِ أصْلِ مَعْناهُما كَما يُقالُ، أضْحى وإنْ لَمْ يَكُنْ في وقْتِ الضُّحى. قَوْلُهُ: ﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكم أنْ تَفْشَلا﴾ هو بَدَلٌ مِن إذْ غَدَوْتَ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تُبَوِّئُ، أوْ بِقَوْلِهِ: سَمِيعٌ عَلِيمٌ، والطّائِفَتانِ بَنُو سَلَمَةَ مِنَ الخَزْرَجِ، وبَنُو حارِثَةَ مِنَ الأوْسِ وكانا جَناحَيِ العَسْكَرِ يَوْمَ أُحُدٍ، والفَشَلُ الجُبْنُ، والهَمُّ مِنَ الطّائِفَتَيْنِ كانَ بَعْدَ الخُرُوجِ، لَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُنافِقِينَ فَحَفِظَ اللَّهُ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَرْجِعُوا، وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ ولِيُّهُما﴾ . قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ سِيقَتْ لِتَصْبِيرِهِمْ بِتَذْكِيرِ ما يَتَرَتَّبُ عَلى الصَّبْرِ مِنَ النَّصْرِ. وبَدْرٌ اسْمٌ لِماءٍ كانَ في مَوْضِعِ الوَقْعَةِ، وقِيلَ: هو اسْمُ المَوْضِعِ نَفْسِهِ، وسَيَأْتِي سِياقُ قِصَّةِ بَدْرٍ في الأنْفالِ إنْ شاءَ اللَّهُ. وأذِلَّةٌ جَمْعُ قِلَّةٍ، ومَعْناهُ: أنَّهم كانُوا بِسَبَبِ قِلَّتِهِمْ أذِلَّةً، وهو جَمْعُ ذَلِيلٍ اسْتُعِيرَ لِلْقِلَّةِ، إذْ لَمْ يَكُونُوا في أنْفُسِهِمْ أذِلَّةً، بَلْ كانُوا أعِزَّةً. والنَّصْرُ: العَوْنُ. ‌ وقَدْ شَرَحَ أهْلُ التَّوارِيخِ والسِّيَرِ غَزْوَةَ بَدْرٍ وأُحُدٍ بِأتَمِّ شَرْحٍ فَلا حاجَةَ لَنا في سِياقِ ذَلِكَ هاهُنا. قَوْلُهُ: إذْ تَقُولُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَصَرَكم، والهَمْزَةُ في قَوْلِهِ: " ألَنْ يَكْفِيَكم " لِلْإنْكارِ مِنهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَدَمَ اكْتِفائِهِمْ بِذَلِكَ المَدَدِ مِنَ المَلائِكَةِ، ومَعْنى الكِفايَةِ سَدُّ الخَلَّةِ والقِيامُ بِالأمْرِ، والإمْدادُ في الأصْلِ: إعْطاءُ الشَّيْءِ حالًا بَعْدَ (p-٢٤٢)حالٍ، والمَجِيءُ بِلَنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وأصْلُ الفَوْرِ: القَصْدُ إلى الشَّيْءِ والأخْذُ فِيهِ بِجِدٍّ، وهو مِن قَوْلِهِمْ فارَتِ القِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وفَوَرانًا: إذا غَلَتْ، والفَوْرُ: الغَلَيانُ، وفارَ غَضَبُهُ: إذا جاشَ وفَعَلَهُ مِن فَوْرِهِ أيْ: قَبْلَ أنْ يَسْكُنَ، والفَوّارَةُ ما يَفُورُ مِنَ القِدْرِ، اسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ؛ أيْ: إنْ يَأْتُوكم مِن ساعَتِهِمْ هَذِهِ يُمْدِدْكم رَبُّكم بِالمَلائِكَةِ في حالِ إتْيانِهِمْ لا يَتَأخَّرُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: ( مُسَوَّمِينَ ) بِفَتْحِ الواوِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وهي قِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ وحَمْزَةَ والكِسائِيِّ ونافِعٍ؛ أيْ: مُعَلَّمِينَ بِعَلاماتٍ. وقَرَأ ابْنُ عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ وعاصِمٌ مُسَوِّمِينَ بِكَسْرِ الواوِ اسْمُ فاعِلٍ؛ أيْ: مُعَلِّمِينَ أنْفُسَهم بِعَلامَةٍ. ورَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذِهِ القِراءَةَ، والتَّسْوِيمُ إظْهارُ سِيما الشَّيْءِ. قالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: ( مُسَوِّمِينَ ) أيْ: مُرْسِلِينَ خَيْلَهم في الغارَةِ، وقِيلَ: إنَّ المَلائِكَةَ اعْتَمَّتْ بِعَمائِمَ بِيضٍ، وقِيلَ: حُمْرٍ، وقِيلَ: خُضْرٌ، وقِيلَ: صُفْرٌ، فَهَذِهِ هي العَلامَةُ الَّتِي عَلَّمُوا بِها أنْفُسَهم حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الزَّجّاجِ، وقِيلَ: كانُوا عَلى خَيْلٍ بُلْقٍ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: ﴿وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلّا بُشْرى لَكُمْ﴾ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ داخِلٍ في مَقُولِ القَوْلِ، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: جَعَلَهُ لِلْإمْدادِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالفِعْلِ، أوْ لِلتَّسْوِيمِ، أوْ لِلْإنْزالِ، ورَجَّحَ الأوَّلَ الزَّجّاجُ وصاحِبُ الكَشّافِ. وقَوْلُهُ: " إلّا بُشْرى " اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ العامِّ، والبُشْرى اسْمٌ مِنَ البِشارَةِ؛ أيْ: إلّا لِتُبَشَّرُوا بِأنَّكم تُنْصَرُونَ ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكم بِهِ؛ أيْ: بِالإمْدادِ، واللّامُ لامُ كَيْ، جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الإمْدادَ بُشْرى بِالنَّصْرِ وطُمَأْنِينَةً لِلْقُلُوبِ، وفي قَصْرِ الإمْدادِ عَلَيْهِما إشارَةٌ إلى عَدَمِ مُباشَرَةِ المَلائِكَةِ لِلْقِتالِ يَوْمَئِذٍ وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ لا مِن عِنْدِ غَيْرِهِ، فَلا تَنْفَعُ كَثْرَةُ المُقاتَلَةِ ووُجُودُ العُدَّةِ. قَوْلُهُ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يُمْدِدْكم، والطَّرَفُ الطّائِفَةُ، والمَعْنى: نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ لِيَقْطَعَ طائِفَةً مِنَ الكُفّارِ، وهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، أوْ وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ لِيَقْطَعَ تِلْكَ الطّائِفَةَ أوْ يُمْدِدْكم لِيَقْطَعَ. ومَعْنى يَكْبِتَهم يُحْزِنَهم، والمَكْبُوتُ المَحْزُونُ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ: مَعْناهُ يَكِيدُهم؛ أيْ: يُصِيبُهم بِالحُزْنِ والغَيْظِ في أكْبادِهِمْ، وهو غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإنَّ مَعْنى كَبَتَ أحْزَنَ وأغاظَ وأذَلَّ، ومَعْنى كَبَدَ أصابَ الكَبِدَ ﴿فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ﴾ أيْ: غَيْرُ ظافِرِينَ بِمَطْلَبِهِمْ. قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾ جُمْلَةٌ اعْتِراضِيَّةٌ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ أيْ: أنَّ اللَّهَ مالِكُ أمْرِهِمْ يَصْنَعُ بِهِمْ ما يَشاءُ مِنَ الإهْلاكِ أوِ الهَزِيمَةِ أوِ التَّوْبَةِ إنْ أسْلَمُوا أوِ العَذابِ، فَقَوْلُهُ: ﴿أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: أوْ يَكْبِتَهم، وقالَ الفَرّاءُ: إنَّ أوْ بِمَعْنى إلّا أنْ، بِمَعْنى لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إلّا أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحُ بِذَلِكَ أوْ يُعَذِّبَهم فَتُشْفى بِهِمْ. قَوْلُهُ: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيانِ سَعَةِ مُلْكِهِ ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ﴾ أنْ يَغْفِرَ لَهُ ﴿ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ﴾ أنْ يُعَذِّبَهُ يَفْعَلُ في مُلْكِهِ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وفي قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وتَبْشِيرٌ لِعِبادِهِ بِأنَّهُ المُتَّصِفُ بِالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ عَلى وجْهِ المُبالِغَةِ، وما أوْقَعَ هَذا التَّذْلِيلَ الجَلِيلَ وأحَبَّهُ إلى قُلُوبِ العارِفِينَ بِأسْرارِ التَّنْزِيلِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ شِهابٍ وعاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى بْنِ حِبّانَ والحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أسْعَدَ بْنِ مُعاذٍ قالُوا: كانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلاءٍ وتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ ومَحَقَ بِهِ المُنافِقِينَ مِمَّنْ كانَ يُظْهِرُ الإسْلامَ بِلِسانِهِ وهو مُسْتَخْفٍ بِالكُفْرِ، ويَوْمَ أكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَن أرادَ كَرامَتَهُ بِالشَّهادَةِ مِن أهْلِ وِلايَتِهِ. وكانَ مِمّا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ في يَوْمِ أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِن آلِ عِمْرانَ فِيها صِفَةُ ما كانَ في يَوْمِهِ ذَلِكَ، ومُعاتَبَةُ مَن عاتَبَ مِنهم، يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ﴾ الآيَةَ قالَ: يَوْمَ أُحُدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ قالَ: تُوَطِّنُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّ الآيَةَ في يَوْمِ الأحْزابِ. وقَدْ ورَدَ في كُتُبِ السِّيَرِ والتّارِيخِ كَيْفِيَّةُ الِاخْتِلافِ في المَشُورَةِ عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في يَوْمِ أُحُدٍ، فَمِن قائِلٍ: نَخْرُجُ إلَيْهِمْ، ومِن قائِلٍ: نَبْقى في المَدِينَةِ، فَخَرَجَ وكانَ مِن جُمْلَةِ المُشِيرِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ رَأْسُ المُنافِقِينَ، كانَ رَأْيُهُ البَقاءَ في المَدِينَةِ والمُقاتَلَةَ فِيها، ثُمَّ لَمّا خُولِفَ في رَأْيِهِ انْخَزَلَ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُنافِقِينَ وهم قَدْرُ الثُّلُثِ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ خَرَجَ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ جابِرٍ قالَ: فِينا نَزَلَتْ في بَنِي حارِثَةَ وبَنِي سَلَمَةَ ﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكم أنْ تَفْشَلا﴾ وما يَسُرُّنِي أنَّها لَمْ تَنْزِلْ لِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ ولِيُّهُما﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ﴾ قالَ: ذَلِكَ يَوْمُ أُحُدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هم بَنُو حارِثَةَ وبَنُو سَلَمَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ إلى ثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينِ في قِصَّةِ بَدْرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: وأنْتُمْ أذِلَّةٌ يَقُولُ: وأنْتُمْ قَلِيلٌ وهم يَوْمَئِذٍ بِضْعَةَ عَشَرَ وثَلاثُمِائَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أنَّ المُسْلِمِينَ بَلَغَهم يَوْمَ بَدْرٍ أنَّ كُرْزَ بْنَ جابِرٍ المُحارِبِيَّ يَمُدُّ المُشْرِكِينَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ألَنْ يَكْفِيَكم أنْ يُمِدَّكم رَبُّكم بِثَلاثَةِ آلافٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: مُسَوِّمِينَ قالَ: فَبَلَغَتْ كُرْزًا فَلَمْ يُمِدَّ المُشْرِكِينَ، ولَمْ يُمِدَّ المُسْلِمِينَ بِالخَمْسَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ إلّا أنَّهُ قالَ ﴿ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا﴾ يَعْنِي: كُرْزًا وأصْحابَهُ ﴿يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ فَبَلَغَ كُرْزًا وأصْحابَهُ الهَزِيمَةَ، فَلَمْ يُمِدَّهم ولَمْ يَنْزِلِ الخَمْسَةُ وأُمِدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ (p-٢٤٣)بِألْفٍ فَهم أرْبَعَةُ آلافٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: أُمِدُّوا بِألْفٍ، ثُمَّ صارُوا ثَلاثَةَ آلافٍ، ثُمَّ صارُوا خَمْسَةَ آلافٍ وذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا﴾ الآيَةَ، قالَ: هَذا يَوْمُ أُحُدٍ فَلَمْ يَصْبِرُوا ولَمْ يَتَّقُوا فَلَمْ يُمَدُّوا يَوْمَ أُحُدٍ، ولَوْ أُمِدُّوا لَمْ يَنْهَزِمُوا يَوْمَئِذٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا﴾ يَقُولُ: مِن سَفَرِهِمْ هَذا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِن فَوْرِهِمْ قالَ: مِن وجْهِهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحَسَنِ والرَّبِيعِ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ مِثْلَهُ، وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ مِن فَوْرِهِمْ قالَ: مِن غَضَبِهِمْ. وأخْرَجا عَنْ أبِي صالِحٍ مَوْلى أُمِّ هانِئٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في قَوْلِهِ: مُسَوِّمِينَ قالَ: مُعَلِّمِينَ، وكانَتْ سِيما المَلائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمائِمَ سَوْداءَ، ويَوْمَ أُحُدٍ عَمائِمَ حَمْراءَ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أنَّ الزُّبَيْرَ كانَ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِمامَةٌ صَفْراءُ مُعْتَجِرًا بِها، فَنَزَلَتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمْ عَمائِمُ صُفْرٌ. وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتْ سِيما المَلائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمائِمَ بَيْضاءَ قَدْ أرْسَلُوها في ظُهُورِهِمْ، ويَوْمَ حُنَيْنٍ عَمائِمَ حَمْراءَ، ولَمْ تَضْرِبِ المَلائِكَةُ في يَوْمٍ سِوى يَوْمِ بَدْرٍ، وكانُوا يُكَوِّنُونَ عَدَدًا ومَدَدًا لا يَضْرِبُونَ. وفِي بَيانِ التَّسْوِيمِ عَنِ السَّلَفِ اخْتِلافٌ كَثِيرٌ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرُ فائِدَةٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قالَ قَطَعَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ طَرَفًا مِنَ الكُفّارِ، وقَتَلَ صَنادِيدَهم ورُءُوسَهم وقادَتَهم في الشَّرِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ في قَوْلِهِ: لِيَقْطَعَ طَرَفًا قالَ: هَذا يَوْمُ بَدْرٍ قَطَعَ اللَّهُ طائِفَةً مِنهم وبَقِيَتْ طائِفَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: ذَكَرَ اللَّهُ قَتْلى المُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ، وكانُوا ثَمانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَقالَ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ الشُّهَداءَ فَقالَ: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩] . وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: أوْ يَكْبِتَهم قالَ: يُحْزِنَهم. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ والرَّبِيعِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ: «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كُسِرَتْ رَباعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وشُجَّ في وجْهِهِ حَتّى سالَ الدَّمُ، فَقالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذا بِنَبِيِّهِمْ وهو يَدْعُوهم إلى رَبِّهِمْ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾ الآيَةَ» . وقَدْ رُوِيَ هَذا المَعْنى في رِواياتٍ كَثِيرَةٍ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ العَنْ أبا سُفْيانَ، اللَّهُمَّ العَنِ الحارِثَ بْنَ هِشامٍ، اللَّهُمَّ العَنْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اللَّهُمَّ العَنْ صَفْوانَ بْنَ أُمَيَّةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما أيْضًا مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كانَ إذا أرادَ أنْ يَدْعُوَ عَلى أحَدٍ، أوْ يَدْعُوَ لِأحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ: اللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ وسَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ وعَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأتَكَ عَلى مُضَرَ واجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ. وكانَ يَقُولُ في بَعْضِ صَلاتِهِ في صَلاةِ الفَجْرِ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلانًا وفُلانًا لِأحْياءٍ مِن أحْياءِ العَرَبِ حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾» . وفي لَفْظٍ: اللَّهُمَّ العَنْ لَحْيانَ ورَعْلًا وذَكْوانَ، وعَصِيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ ورَسُولَهُ، ثُمَّ بَلَغَنا أنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ﴾ الآيَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب