الباحث القرآني

﴿وإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكم أنْ تَفْشَلا واللَّهُ ولِيُّهُما وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] ﴿ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلَّةٌ فاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣] ﴿إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكم أنْ يُمِدَّكم رَبُّكم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤] ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥] ﴿وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلّا بُشْرى لَكم ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكم بِهِ وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦] ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أوْ يَكْبِتَهم فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٧] . غَدا الرَّجُلُ: خَرَجَ غُدْوَةً. والغُدُوُّ يَكُونُ في أوَّلِ النَّهارِ. وفي اسْتِعْمالِ غَدا بِمَعْنى صارَ فَيَكُونُ فِعْلًا ناقِصًا - خِلافٌ. الهَمُّ: دُونَ العَزْمِ، والفِعْلُ مِنهُ هَمَّ يَهُمُّ. وتَقُولُ العَرَبُ: هَمَمْتُ وهَمْتُ، يَحْذِفُونَ أحَدَ المُضَعَّفَيْنِ كَما قالُوا: أمَسْتُ، وظَلْتُ، وأحَسْتُ، في مَسَسْتُ وظَلَلْتُ وأحْسَسْتُ. وأوَّلُ ما يَمُرُّ الأمْرُ بِالقَلْبِ يُسَمّى خاطِرًا، فَإذا تَرَدَّدَ صارَ حَدِيثَ نَفْسٍ، فَإذا تَرَجَّحُ فِعْلُهُ صارَ هَمًّا، فَإذا قَوِيَ واشْتَدَّ صارَ عَزْمًا، فَإذا قَوِيَ العَزْمُ واشْتَدَّ حَصَلَ الفِعْلُ أوِ القَوْلُ. الفَشَلُ في البَدَنِ: الإعْياءُ. وفي الحَرْبِ: الجُبْنُ والخَوَرُ، وفي الرَّأْيِ: العَجْزُ والفَسادُ. وفِعْلُهُ: فَشِلَ، بِكَسْرِ الشِّينِ. التَّوَكُّلُ: تَفَعُّلٌ مِن وكَّلَ أمْرَهُ إلى فُلانٍ، إذا فَوَّضَهُ لَهُ. قالَ ابْنُ فارِسٍ: هو إظْهارُ العَجْزِ والِاعْتِمادِ عَلى غَيْرِكِ، يُقالُ: فُلانٌ وكَلَةٌ تُكَلَةٌ، أيْ عاجِزٌ بِكُلِّ أمْرِهِ إلى غَيْرِهِ. وقِيلَ: هو مِنَ الوِكالَةِ، وهو تَفْوِيضُ الأمْرِ إلى غَيْرِهِ ثِقَةً بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِ. بَدْرٌ في الآيَةِ: اسْمُ عَلَمٍ لِما بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَفائِهِ، أوْ لِرُؤْيَةِ البَدْرِ فِيهِ لِصَفائِهِ، أوْ لِاسْتِدارَتِهِ. قِيلَ: وسُمِّيَ بِاسْمِ صاحِبِهِ بَدْرِ بْنِ كَلَدَةَ. قِيلَ: بَلْ بَدْرُ بْنُ بَجِيلِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنانَةَ. وقِيلَ: هو بِئْرٌ لِغِفارٍ. وقِيلَ: هو اسْمُ وادِي الصَّفْراءِ. وقِيلَ: اسْمُ قَرْيَةٍ بَيْنَ المَدِينَةِ والجارِ. الفَوْرُ: العَجَلَةُ والإسْراعُ. تَقُولُ: اصْنَعْ هَذا عَلى الفَوْرِ. وأصْلُهُ مِن فارَتِ القِدْرُ: اشْتَدَّ غَلَيانُها وبادَرَ ما فِيها إلى الخُرُوجِ. ويُقالُ: فارَ غَضَبُهُ، إذا جاشَ وتَحَرَّكَ. وتَقُولُ: خَرَجَ مِن فَوْرِهِ، أيْ مِن ساعَتِهِ، لَمْ يَلْبَثْ، اسْتُعِيرَ الفَوْرُ لِلسُّرْعَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الحالَةُ الَّتِي لا رَيْبَ فِيها ولا تَعْرِيجَ عَلى شَيْءٍ مِن صاحِبِها. الخَمْسَةُ: رُتْبَةٌ مِنَ العَدَدِ مَعْرُوفَةٌ، ويُصَرَّفُ مِنها فَعَّلَ، يُقالُ: خَمَّسْتُ الأرْبَعَةَ أيْ صَيَّرْتُهم في خَمْسَةٍ. الطَّرْفُ: جانِبُ الشَّيْءِ الأخِيرِ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ جانِبًا أخِيرًا. الكَبْتُ: الهَزِيمَةُ. وقِيلَ: الصَّرْعُ عَلى الوَجْهِ أوْ إلى اليَدَيْنِ. وقالَ النَّقاشُ وغَيْرُهُ: التّاءُ بَدَلٌ مِنَ الدّالِ. أصْلُهُ: كَبَّدَهُ، أيْ فَعَلَ فِعْلًا يُؤْذِي كَبِدَهُ. الخَيْبَةُ: عَدَمُ الظَّفَرِ بِالمَطْلُوبِ. ﴿وإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ﴾ قالَ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أيْ خالِ، أخْبِرْنِي عَنْ قِصَّتِكم يَوْمَ أُحُدٍ، فَقالَ: اقْرَأِ العِشْرِينَ ومِائَةً مِن آلِ عِمْرانَ تَجِدُ: ﴿وإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ﴾ إلى ﴿ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ لَمّا نَهاهم عَنِ اتِّخاذِ بِطانَةٍ مِنَ الكُفّارِ ووَعَدَهم أنَّهم إنْ صَبَرُوا واتَّقَوْا فَلا يَضُرُّكم كَيْدُهم. ذَكَّرَهم بِحالَةٍ اتَّفَقَ فِيها بَعْضٌ طَواعِيَةً، واتِّباعٌ لِبَعْضِ المُنافِقِينَ، وهو ما جَرى يَوْمَ أُحُدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ حِينَ انْخَذَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ واتَّبَعَهُ في الِانْخِذالِ ثَلاثُمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ المُنافِقِينَ وغَيْرُهم مِنَ المُؤْمِنِينَ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ ذَلِكَ كانَ في غَزْوَةِ أُحُدٍ، وفِيها نَزَلَتْ هَذِهِ الآياتُ كُلُّها، وهو قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، والزُّهْرِيِّ، والسُّدِّيُّ، وابْنِ إسْحاقَ. وقالَ الحَسَنُ: كانَ هَذا الغُدُوُّ في غَزْوَةِ الأحْزابِ. وهو قَوْلُ (p-٤٥)مُجاهِدٍ ومُقاتِلٍ، وهو ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ يَوْمَ الأحْزابِ كانَ فِيهِ ظَفْرُ المُؤْمِنِينَ، ولَمْ يَجِرِ فِيهِ شَيْءٌ مِمّا ذُكِرَ في هَذِهِ الآياتِ، بَلْ قِصَّتاهُما مُتَبايِنَتانِ. وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: كانَ هَذا الغُدُوُّ يَوْمَ بَدْرٍ. وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ قِصَّةَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وهي مُسْتَوْعَبَةٌ في كُتُبِ السِّيَرِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ مِنها ما يَتَعَلَّقُ بِألْفاظِ الآيَةِ بَعْضَ تَعَلُّقٍ عِنْدَ تَفْسِيرِها. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ”﴿وإذْ غَدَوْتَ﴾“ خُرُوجُهُ غُدْوَةً مِن عِنْدِ أهْلِهِ. وفُسِّرَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِن حُجْرَةِ عائِشَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُدْوَةً حِينَ اسْتَشارَ النّاسَ، فَمِن مُشِيرٍ بِالإقامَةِ وعَدَمِ الخُرُوجِ إلى القِتالِ، وأنَّ المُشْرِكِينَ إنْ جاءُوا قاتَلُوهم بِالمَدِينَةِ، وكانَ ذَلِكَ رَأْيُهُ، ومِن مُشِيرٍ بِالخُرُوجِ، وهم جَماعَةٌ مِن صالِحِي المُؤْمِنِينَ فاتَتْهم وقْعَةُ بَدْرٍ. وتَبْوِئَةُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ عَلى هَذا القَوْلِ هو أنْ يُقَسِّمَ أقْطارَ المَدِينَةِ عَلى قَبائِلِ الأنْصارِ. وقِيلَ: غُدُوُّهُ هو نُهُوضُهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ وتَبْوِئَتُهُ في وقْتِ حُضُورِ القِتالِ. وسَمّاهُ غُدُوًّا إذْ كانَ قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ غُدْوَةً. وقِيلَ: غُدُوُّهُ كانَ يَوْمَ السَّبْتِ لِلْقِتالِ. ولَمّا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ مُوافِقَةً لِلْغُدُوِّ وكَأنَّهُ كانَ في أهْلِهِ، والعامِلُ في ”إذِ“ اذْكُرْ. وقِيلَ: هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ كانَ لَكم آيَةٌ في فِئَتَيْنِ التَقَتا﴾ [آل عمران: ١٣] أيْ وآيَةٌ إذْ غَدَوْتَ، وهَذا في غايَةِ البُعْدِ، ولَوْلا أنَّهُ مَسْطُورٌ في الكُتُبِ ما ذَكَرْتُهُ. وكَذَلِكَ قَوْلُ مَن جَعَلَ ”مِن“ في مَعْنى مَعَ، أيْ: وإذْ غَدَوْتَ مَعَ أهْلِكَ. وهَذِهِ تَخْرِيجاتٌ يَقُولُها ويَنْقُلُها عَلى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ مَن لا بَصَرَ لَهُ بِلِسانِ العَرَبِ. ومَعْنى تُبَوِّئُ: تُنَزِّلُ، مِنَ المَباءَةِ وهي المَرْجِعُ، ومِنهُ ﴿لَنُبَوِّئَنَّهم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨]، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎كَمْ صاحِبٍ لِي صالِحٌ بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدا وقالَ الأعْشى: ؎وما بَوَّأ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مَنزِلًا ∗∗∗ بِشَرْقِيِّ أجْيادِ الصَّفا والمُحَرَّمِ ومَقاعِدُ: جَمْعُ مَقْعَدٌ، وهو هُناكَ مَكانُ القُعُودِ. والمَعْنى: مَواطِنُ ومَواقِفُ. وقَدِ اسْتُعْمِلَ المَقْعَدُ والمَقامُ في مَعْنى المَكانِ، ومِنهُ: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ [القمر: ٥٥] ﴿قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِن مَقامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَدِ اتَّسَعَ في قَعَدَ وقامَ حَتّى أُجْرِيا مَجْرى صارَ. انْتَهى. أمّا إجْراءُ قَعَدَ مَجْرى صارَ فَقالَ أصْحابُنا: إنَّما جاءَ في لَفْظَةٍ واحِدَةٍ، وهي شاذَّةٌ لا تَتَعَدّى، وهي في قَوْلِهِمْ: شَحَذَ شَفْرَتَهُ حَتّى قَعَدَتْ كَأنَّها حَرْبَةٌ، أيْ صارَتْ. وقَدْ نُقِدَ عَلى الزَّمَخْشَرِيِّ تَخْرِيجُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا﴾ [الإسراء: ٢٩] عَلى أنَّ مَعْناهُ: فَتَصِيرُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لا يَطَّرِدُ. وفي اليَواقِيتِ لِأبِي عُمَرَ الزّاهِدِ قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: القَعْدُ: الصَّيْرُورَةُ، والعَرَبُ تَقُولُ: قَعَدَ فُلانٌ أمِيرًا بَعْدَما كانَ مَأْمُورًا، أيْ صارَ. وأمّا إجْراءٌ قامَ مَجْرى صارَ فَلا أعْلَمُ أحَدًا عَدَّها في أخَواتِ كانَ، ولا ذَكَرَ أنَّها تَأْتِي بِمَعْنى صارَ، ولا ذَكَرَ لَها خَبَرًا إلّا أبا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ هِشامٍ الحَضْراوِيَّ فَإنَّهُ قالَ في قَوْلِ الشّاعِرِ: ؎عَلى ما قامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ إنَّها مِن أفْعالِ المُقارَبَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَفْظَةُ القُعُودِ أدَلُّ عَلى الثُّبُوتِ، ولا سِيَّما أنَّ الرُّماةَ إنَّما كانُوا قُعُودًا، وكَذَلِكَ كانَتْ صُفُوفُ المُسْلِمِينَ أوَّلًا، والمُبارِزَةُ والسَّرَعانُ يَجُولُونَ. وجَمَعَ المَقاعِدَ؛ لِأنَّهُ عَيَّنَ لَهم مَواقِفَ يَكُونُونَ فِيها، كالمَيْمَنَةِ والمَيْسَرَةِ، والقَلْبِ، والشّاقَّةِ، وبَيَّنَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنهم مَوْضِعَهُمُ الَّذِي يَقِفُونَ فِيهِ. خَرَجَ ﷺ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ، وأصْبَحَ بِالشِّعْبِ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِن شَوّالٍ، فَمَشى عَلى رِجْلَيْهِ، فَجَعَلَ يَصِفُ أصْحابَهُ لِلْقِتالِ كَأنَّما يَقُومُ بِهِمُ القَدَحُ. إنْ رَأى صَدْرًا خارِجًا قالَ: ”تَأخَّرَ“، وكانَ نُزُولُهُ في (p-٤٦)غُدْوَةِ الوادِي، وجَعَلَ ظَهْرَهُ وعَسْكَرَهُ إلى أُحُدٍ، وأمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ عَلى الرُّماةِ، وقالَ لَهم: ”انْضَحُوا عَنّا بِالنَّبْلِ لا يَأْتُونا مِن ورائِنا“ . و”﴿تُبَوِّئُ﴾“ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِ. فَقِيلَ: هي حالٌ مُقَدَّرَةٌ، أيْ خَرَجْتَ قاصِدَ التَّبْوِئَةِ؛ لِأنَّ وقْتَ الغُدُوِّ لَمْ يَكُنْ وقْتَ التَّبْوِئَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ تُبَوِّئُ مِن بَوَّأ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: تُبْوِئُ مِن أبْوَأ، عَدّاهُ الجُمْهُورُ بِالتَّضْعِيفِ، وعَبْدُ اللَّهِ بِالهَمْزَةِ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ: تَبْوى بِوَزْنِ تَحْيا، عَدّاهُ بِالهَمْزَةِ، وسَهَّلَ لامَ الفِعْلِ بِإبْدالِ الهَمْزَةِ ياءً نَحْوِ: يُقْرِي في يُقْرِئُ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: ”لِلْمُؤْمِنِينَ“ بِلامِ الجَرِّ عَلى مَعْنى: تُرَتِّبُ وتُهَيِّئُ. ويَظْهَرُ أنَّ الأصْلَ تَعْدِيَتُهُ لِواحِدٍ بِنَفْسِهِ، ولِلْآخَرِ بِاللّامِ؛ لِأنَّ ثَلاثِيهِ لا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ، إنَّما يَتَعَدّى بِحَرْفِ جَرٍّ. وقَرَأ الأشْهَبُ: ”مَقاعِدَ القِتالِ“ عَلى الإضافَةِ، وانْتِصابُ ”مَقاعِدَ“ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِـ ”﴿تُبَوِّئُ﴾“ . ومَن قَرَأ لِلْمُؤْمِنِينَ كانَ مَفْعُولًا لِـ ”﴿تُبَوِّئُ﴾“، وعَدّاهُ بِاللّامِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وإذْ بَوَّأْنا لِإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ﴾ [الحج: ٢٦] وقِيلَ: اللّامُ في ”﴿لِإبْراهِيمَ﴾ [الحج: ٢٦]“ زائِدَةٌ، واللّامُ في ”﴿لِلْقِتالِ﴾“ لامُ العِلَّةِ، تَتَعَلَّقُ بِـ ”﴿تُبَوِّئُ﴾“ . وقِيلَ: في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ ”مَقاعِدَ“ . وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الأئِمَّةَ هُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أمْرَ العَساكِرِ، ويَخْتارُونَ لَهُمُ المَواضِعَ لِلْحَرْبِ، وعَلى الأجْنادِ طاعَتُهم. قالَهُ الماتُرِيدِيُّ، وهو ظاهِرٌ. ﴿واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أيْ سَمِيعٌ لِأقْوالِكم، عَلِيمٌ بِنِيّاتِكم. وجاءَتْ هاتانِ الصِّفَتانِ هُنا لِأنَّ في ابْتِداءِ هَذِهِ الغَزْوَةِ مُشاوَرَةً ومُجاوَبَةً بِأقْوالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وانْطِواءً عَلى نِيّاتٍ مُضْطَرِبَةٍ حَسْبَما تَضَمَّنَتْهُ قِصَّةُ غَزْوَةِ أُحُدٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب