الباحث القرآني

شرح الكلمات: زحفاً: أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على الأرض. فلا تولوهم الأدبار: أي لا تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم. متحرفاً لقتال: أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله. أو متحيزاً إلى فئة: أي يريد الانحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل. فقد باء بغضب: أي رجع من المعركة مصحوباً بغضب من الله تعالى لمعصيته إياه. وليبلي: أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا. فئتكم: مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين. معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلال النعم وخفي الحكم ففي أولى هذه الآيات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول ﴿يَٰأيُّها ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إذا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبارَ﴾ أي لا تنهزموا أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم، إنكم أحق بالنصر منهم، وأولى بالظفر والغلب إنكم مؤمنون وهم كافرون فلا يصح منكم انهزام أبداً ﴿ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ اللهم ﴿إلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتالٍ﴾ أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال ﴿أوْ مُتَحَيِّزاً إلىٰ فِئَةٍ﴾ أي منحازاً إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها، من ولى الكافرين دبره في غير هاتين الحالتين ﴿فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ أي رجع من جهاده مصحوباً بغضب من الله ﴿ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ﴾ وذلك بعد موته وانتقاله إلى الآخرة، وقوله تعالى ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ يخبر تعالى عباده المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو الله فهو الذي أمرهم وأقدرهم وأعانهم، ولولاه ما قتل أحد ولا مات فليعرفوا هذا حتى لا يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم. وحتى رمي رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان الله تعالى هو الرامى الذي أوصل التراب إلى أعين المشركين، إذ لو ترك الرسول ﷺ لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين الصف الأول من المقاتلين المشركين، ولذا قال تعالى ﴿وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمىٰ﴾ وقوله تعالى ﴿ولِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاۤءً حَسَناً﴾ أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم ﴿ولِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي ولينعم عليهم الأنعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الآخرة. وقوله تعالى ﴿إنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ بمقتضى هاتين الصفتين كان الإبلاء الحسن، فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به، وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلاء حسناً، وقوله تعالى ﴿ذٰلِكُمْ وأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكافِرِينَ﴾ أي ذلكم القتل والرمي والإبلاء كله حق واقع بقدرة الله تعالى ﴿وأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ﴾ أي مضعف ﴿كَيْدِ ٱلْكافِرِينَ﴾ فكلما كادوا كيداً بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله، وله الحمد والمنة. وقوله تعالى ﴿إن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وإن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ هذا خطاب للمشركين حيث قال أبو جهل وغيره من رؤساء المشركين «اللهم أينا كان أفجر لك واقطع للرحم فأحنه اليوم، اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة» أي أهلكه الغداة يوم بدر فأنزل الله تعالى ﴿إن تَسْتَفْتِحُواْ﴾ أي تطلبوا الفتح وهو القضاء بينكم وبين نبينا محمد ﴿فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ﴾ وهي هزيمتهم في بدر ﴿وإن تَنتَهُواْ﴾ تكفوا عن الحرب والقتال وتنقادوا لحكم الله تعالى فتسلموا ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وإن تَعُودُواْ﴾ للحرب والكفر ﴿نَعُدْ﴾ فنسلط عليكم رسولنا والمؤمنين لنذيقكم على أيديهم الذل والهزيمة ﴿ولَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً ولَوْ كَثُرَتْ﴾ وبلغ تعداد المقاتلين منكم عشرات الآلاف، هذا وأن الله دوماً مع المؤمنين فلن يتخلى عن تأييدهم ونصرتهم ما استقاموا على طاعة ربهم ظاهراً وباطناً. هداية الآيات: من هداية الآيات: ١- حرمة الفرار من العدو الكافر عند اللقاء لما توعد الله تعالى عليه من الغضب والعذاب ولعد الرسول له من الموبقات السبع في حديث مسلم «والتولي يوم الزحف». ٢- تقرير مبدأ أن الله تعالى خالق كل شيء وأنه خلق العبد وخلق فعله، إذ لما كان العبد مخلوقاً وقدرته مخلوقة، ومأموراً ومنهياً ولا يصدر منه فعل ولا قول إلا بإقدار الله تعالى له كان الفاعل الحقيقي هو الله، وما للعبد إلا الكسب بجوارحه وبذلك يجزى الخير بالخير والشر بمثله. عدل الله ورحمته. ٣- آية وصول حثية التراب من كف الرسول ﷺ إلى أغلب عيون المشركين في المعركة. ٤- إكرام الله تعالى وإبلاؤه لأولياءه البلاء الحسن فله الحمد وله المنة. ٥- ولاية الله للمؤمنين الصادقين هي أسباب نصرهم وكمالهم وإسعادهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب