الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهم ولَكِنَّ اللهَ قَتَلَهم وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللهَ رَمى ولِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاءً حَسَنًا إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكم وأنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكافِرِينَ﴾
هَذِهِ مُخاطَبَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أعْلَمَ اللهُ بِها أنَّ القَتَلَةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ لَيْسُوا هم مُسْتَبِدِّينَ بِالقَتْلِ بِالإقْدارِ عَلَيْهِ، والخَلْقُ والِاخْتِراعُ في جَمِيعِ حالاتِ القاتِلِ إنَّما هي لِلَّهِ تَعالى لَيْسَ لِلْقاتِلِ فِيها شَيْءٌ، وإنَّما يُشارِكُهُ بِتَكَسُّبِهِ وقَصْدِهِ، وهَذِهِ الألْفاظُ تَرُدُّ عَلى مَن يَقُولُ بِأنَّ أفْعالَ العِبادِ خَلْقٌ لَهم.
وسَبَبُ هَذِهِ الآيَةِ -فِيما رُوِيَ- أنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمّا صَدَرُوا عن بَدْرٍ ذَكَرَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم ما فَعَلَ، فَقالَ: قَتَلْتُ كَذا وفَعَلْتُ كَذا، فَجاءَ مِن ذَلِكَ تَفاخُرٌ ونَحْوُ ذَلِكَ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللهَ رَمى﴾ يُرادُ بِهِ ما كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَعَلَهُ يَوْمَئِذٍ، وذَلِكَ أنَّهُ أخَذَ قَبَضاتٍ مِن حَصًى وتُرابٍ فَرَمى بِها في وُجُوهِ القَوْمِ وتِلْقاءَهم ثَلاثَ مَرّاتٍ، فانْهَزَمُوا عِنْدَ آخِرِ رَمْيَةٍ. ويُرْوى أنَّهُ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "شاهَتِ الوُجُوهُ". وهَذِهِ الفِعْلَةُ أيْضًا كانَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِلا خِلافٍ، ورُوِيَ أنَّ التُرابَ الَّذِي رَمى بِهِ (p-١٥٧)لَمْ يَبْقَ كافِرٌ إلّا دَخَلَ في عَيْنَيْهِ مِنهُ شَيْءٌ، ورُوِيَ أنَّهُ رَمى بِثَلاثَةِ أحْجارٍ، فَكانَتِ الهَزِيمَةُ مَعَ الحَجَرِ الثالِثِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللهَ رَمى﴾ ما قُلْناهُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهم ولَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ﴾ وذَلِكَ مَنصُوصٌ في الطَبَرِيِّ وغَيْرِهِ، وهو خارِجٌ في كَلامِ العَرَبِ عَلى مَعْنى: وما رَمَيْتَ الرَمْيَ الكافِيَ إذْ رَمَيْتَ، ونَحْوُ قَوْلِ العَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ:
؎ .................. ∗∗∗ فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا ولَمْ أُمْنَعِ
أيْ: لَنْ أُعْطَ شَيْئًا مُرْضِيًا.
ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: وما رَمَيْتَ الرُعْبَ في قُلُوبِهِمْ إذْ رَمَيْتَ حَصَياتَكَ، ولَكِنَّ اللهَ رَماهُ، وهَذا أيْضًا مَنصُوصٌ في المَهْدَوِيِّ وغَيْرِهِ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: وما أغْنَيْتَ إذْ رَمَيْتَ حَصَياتَكَ، ولَكِنَّ اللهَ رَمى، أيْ: أعانَكَ وأظْفَرَكَ، والعَرَبُ تَقُولُ في الدُعاءِ: رَمى اللهُ لَكَ، أيْ: أعانَكَ وصَنَعَ لَكَ، وحَكى هَذا أبُو عُبَيْدَةَ في كِتابِ المَجازِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَلَكِنَّ اللهَ رَمى" بِتَشْدِيدِ النُونِ، وفِرْقَةٌ: "وَلَكِنِ اللهُ رَمى" بِتَخْفِيفِها ورَفِعِ الهاءِ مِنَ "اللهِ".
و﴿وَلِيُبْلِيَ﴾ أيْ: لِيُصِيبَهم بِبَلاءٍ حَسَنٍ، فَظاهِرُ وصْفِهِ بِالحُسْنِ يَقْتَضِي أنَّهُ أرادَ الغَنِيمَةَ والظَفَرَ والعِزَّةَ، وقِيلَ: أرادَ الشَهادَةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وهم أرْبَعَةَ عَشَرَ، مِنهم عُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ومَهْجَعٌ مَوْلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ومُعاذٌ وعَمْرٌو ابْنا عَفْراءَ، وغَيْرُهم.
﴿إنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لِاسْتِغاثَتِكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بِوَجْهِ الحِكْمَةِ في جَمِيعِ أفْعالِهِ لا إلَهَ إلّا هو. (p-١٥٨)وَحَكى الطَبَرِيُّ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ﴾ رَمْيُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الحَرْبَةَ عَلى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ يَوْمَ أُحُدٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ لِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ عَقِبَ بَدْرٍ، وعَلى هَذا تَكُونُ أجْنَبِيَّةً مِمّا قَبْلَها وما بَعْدَها وذَلِكَ بَعِيدٌ. وحُكِيَ أيْضًا أنَّ المُرادَ السَهْمُ الَّذِي رَمى بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ في حِصْنِ خَيْبَرَ فَسارَ في الهَواءِ حَتّى أصابَ ابْنَ أبِي الحَقِيقِ، فَقَتَلَهُ وهو عَلى فِراشِهِ. وهَذا فاسِدٌ، وخَيْبَرُ فَتْحُها أبْعَدُ مِن أُحُدٍ بِكَثِيرٍ، والصَحِيحُ في قَتْلِ ابْنِ أبِي الحَقِيقِ غَيْرُ هَذا. فَهَذانِ القَوْلانِ ضَعِيفانِ لِما ذَكَرْناهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكُمْ﴾ إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن قَتْلِ اللهِ ورَمْيِهِ إيّاهُمْ، ومَوْضِعُ "ذَلِكُمْ" مِنَ الإعْرابِ رَفْعٌ، قالَ سِيبَوَيْهِ: التَقْدِيرُ: الأمْرُ ذَلِكُمْ، وقالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ، "وَأنَّ" مَعْطُوفٌ عَلى "ذَلِكُمْ"، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ ابْتِداءٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: وحَتْمٌ وسابِقٌ وثابِتٌ ونَحْوُ هَذا. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَإنَّ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى القَطْعِ والِاسْتِئْنافِ. و﴿مُوهِنُ﴾ مَعْناهُ: مُضْعِفُ مُبْطِلٍ، يُقالُ وهَنَ الشَيْءُ، مِثْلُ: وعَدَ يَعِدُ. ويُقالُ: وهِنَ مِثْلُ: ولِي يَلِي. وقُرِئَ "فَما وهِنُوا لِما أصابَهُمْ" بِكَسْرِ الهاءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: "مُوهِنُ كَيْدِ" مِن أوهَنَ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو: (p-١٥٩)"مُوَهِّنُ كَيْدِ" مِن وهَّنَ. وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمٍ: "مُوهِنِ كَيْدِ" بِكَسْرِ الدالِ والإضافَةِ، وذَكَرَ الزَجّاجُ أنَّ فِيها أرْبَعَةَ أوجُهٍ؛ فَذَكَرَ هَذِهِ القِراءاتِ الثَلاثَ، وزادَ "مُوَهِّنِ كَيْدِ" بِتَشْدِيدِ الهاءِ والإضافَةِ، إلّا أنَّهُ لَمْ يَنُصَّ أنَّها قِراءَةٌ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ","ذَ ٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَیۡدِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق