الباحث القرآني

﴿فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾ - نزول الآية، وتفسيرها

٣٠٤٠٦- عن أبي أيوب الأنصاري: [أن رسول الله ﷺ] أخَذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه القوم؛ فانهزَمُوا، فأنزل الله: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾. فقَتَلنا، وأَسَرنا[[تقدم بتمامه مع تخريجه في نزول قوله تعالى: ﴿كما أخرجك ربك من بيتك بالحق﴾ الآية.]]. (٧/٢٥)

٣٠٤٠٧- عن حَكِيم بن حِزام، قال: لما كان يوم بدر، سَمِعْنا صوتًا وقَع مِن السماء إلى الأرض، كأنه صوت حَصاة وقَعتْ في طَسْتٍ، ورمى رسول الله ﷺ بتلك الحَصَيات، وقال: «شاهَتِ[[أي: قَبُحَت. النهاية (شوه).]] الوُجُوهُ». فانْهَزَمْنا. فذلك قول الله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾ الآية[[أخرجه الطبراني في الكبير ٣/٢٠٣ (٣١٢٨)، وأبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة ص٢٢٧ (٣٣١)، وابن جرير ١١/٨٤-٨٥، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٢ (٨٩٠٦). وأورده الثعلبي ٤/٣٣٨. قال ابن كثير في تفسيره ٤/٣١: «غريب من هذا الوجه». وقال الهيثمي في المجمع ٦/٨٤ (٩٩٩٨): «إسناده حسن».]]. (٧/٧٣)

٣٠٤٠٨- عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت صوت حَصَياتٍ وقَعْنَ من السماء يوم بدر، كأنّهُنَّ وقَعْنَ في طَسْتٍ، فلَمّا اصْطَفَّ الناس أخَذَهُنَّ رسول الله ﷺ، فرمى بهنَّ في وجوه المشركين، فانهَزَموا، فذلك قوله: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾[[أخرجه إسماعيل الأصبهاني في دلائل النبوة ص٢٢٧ (٣٣٠)، من طريق إبراهيم بن يحيى بن عباد بن هانئ، حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن جابر به. إسناده ضعيف، إبراهيم بن يحيى بن عباد هو الشجري، قال عنه ابن حجر في التقريب (٢٦٨): «ليّن الحديث». وقال عن أبيه يحيى بن عباد (٧٦٣٧): «ضعيف، وكان يتلقّن».]]. (٧/٧٣)

٣٠٤٠٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- في قوله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾، قال: قال رسول الله ﷺ لِعَلِيٍّ: «ناوِلْني قَبْضَةً مِن حَصْباءَ». فناوَلَه، فرَمى بها في وجوه القوم، فما بَقِيَ أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحَصْباء، فنزلت هذه الآية: ﴿وما رميت إذ رميت﴾[[أخرجه الطبراني في الكبير ١١/٢٨٥ (١١٧٥٠). قال الهيثمي في المجمع ٦/٨٤ (٩٩٩٩): «رجاله رجال الصحيح».]]. (٧/٧٤)

٣٠٤١٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- قال: رفع رسول الله ﷺ يده، فقال: «يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا». فقال له جبريل ﵇: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجههم، فما بقي من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومِنخَرَيْهِ وفمه تراب من تلك القبضة؛ فوَلَّوا مدبرين[[أخرجه البيهقي في القضاء والقدر ص١٧٥ (١٤٥)، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص٤٦٩-٤٧٠ (٤٠٠) مطولًا، وابن جرير ١١/٨٦، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٣ (٨٩٠٧). إسناده جيد. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (ز)

٣٠٤١١- عن سعيد بن المسيب -من طريق ابن شهاب- قال: لما كان يوم أُحُد أخَذ أُبَيُّ بن خلف يَرْكُضُ فرسَه، حتى دنا من رسول الله ﷺ، واعترض رجال من المسلمين لأُبَيِّ بن خلف لِيقتلوه، فقال لهم رسول الله ﷺ: «اسْتَأْخِروا». فاسْتَأْخَروا، فأخذ رسول الله ﷺ حَرْبَتَه في يده، فرَمى بها أُبَيَّ بن خلف، وكَسَر ضِلَعًا من أضلاعه، فرجع أبيُّ بن خلف إلى أصحابه ثقيلًا، فاحْتَمَلُوه حين ولَّوْا قافِلِين، فطَفِقوا يقولون: لا بأس. فقال أُبَيٌّ حينَ قالوا ذلك له: واللهِ لو كانت بالناس لَقَتَلَتْهم، ألم يَقُلْ: «إني أقْتُلُك -إن شاء الله-؟». فانطَلَق به أصحابه يُنْعِشُونَهُ حتى مات ببعض الطريق، فدفنوه. قال ابن المسيب: وفي ذلك أنزل الله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾ الآية[[أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢/٣٥، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٣ (٨٩١٠) مرسلا. وأورده الثعلبي ٤/٣٣٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٧/٧٤)

٣٠٤١٢- عن سعيد بن المسيب -من طريق مَعْمَر-= (ز)

٣٠٤١٣- ومحمد ابن شهاب الزهري -من طريق معمر-، قالا: أُنْزِلَتْ في رمية رسول الله ﷺ يومَ أُحُد أُبَيَّ بن خلف بالحَرْبَة وهو في لَأْمَتِهِ[[اللامَة: الدِّرْع، جمعها لُؤَمٌ. اللسان (لأم).]]، فخَدَشَه في تَرْقُوَتِه[[التَّرْقُوِة: هي العظم الذي بين ثُغْرَة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين. النهاية (ترق).]]، فجعل يَتَدَأْدَأُ[[أي: يتدحرج. القاموس (دأدأ).]] عن فرسه مرارًا، حتى كانت وفاته بها بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليم، مَوْصولًا بعذاب البَرْزَخ المتصل بعذاب الآخرة[[عزاه السيوطي إلى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم مرسلًا. وفي ابن أبي حاتم ٥/١٦٧٣ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب بنحوه بلفظ أطول. وعند ابن جرير ١١/٨٧ عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري دون سعيد بسياق مختلف! قال فيه: جاء أُبَي بن خلف الجُمَحي إلى النبي ﷺ بعظم حائل، فقال: الله محيي هذا يا محمد وهو رميم؟ وهو يفُتُّ العظم. فقال النبي ﷺ: «يحييه الله، ثم يميتك، ثم يدخلك النار» قال: فلما كان يوم أحد قال: والله لأقتلن محمدا إذا رأيته، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: «بل أنا أقتله إن شاء الله». وكذا أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/٢٥٦.]]٢٧٦٨. (٧/٧٥)

٢٧٦٨ علَّقَ ابن كثير (٧/٤٣) على قول ابن المسيب، والزهري، بقوله: «هذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم». واسْتَدْرَكَ ابن عطية (٤/١٥٨) على هذا القول لدلالة السياق بقوله: «هذا ضعيف؛ لأن الآية نزلت عقب بدر، وعلى هذا القول تكون أجنبية مما قبلها وما بعدها، وذلك بعيد».

٣٠٤١٤- عن محمد ابن شهاب الزهري: في قوله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾، قال: حيث رَمى أُبيَّ بن خلف يوم أُحُدٍ بحربته، فقيل له: إن يَكُ إلا جَحْشٌ[[أي: خَدْشٌ، والجحش: سَحْجُ الجلد وقَشْرُهُ من شيء يصيبه. التاج (جحش).]]. قال: أليس قال: «أنا أقتلك؟». والله لو قالها لجميع الخَلْق لَماتوا[[عزاه السيوطي إلى ابن جرير، وابن المنذر مرسلًا.]]. (٧/٧٦)

٣٠٤١٥- قال عروة بن الزبير -من طريق هشام-: لَمّا ورد رسول الله ﷺ بدرًا قال: «هذه مَصارِعهم». ووجد المشركون النبي ﷺ قد سبقهم إليه، ونزل إليه، فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي ﷺ قال: «هذه قريش قد جاءت بجلبتها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني». فلما أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم، فهزمهم الله ﷿[[أخرجه ابن جرير في تفسيره ١١/٨٤، وفي تاريخه ٢/٤٢١ مطولًا مرسلًا.]]. (ز)

٣٠٤١٦- عن عروة بن الزبير -من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر- في قوله: ﴿ولكن الله رمى﴾، أي: لم يكن ذلك برَمْيَتِك؛ لولا الذي جعل الله من نَصْرِك، وما ألْقى في صدور عدوِّك منها حتى هَزَمْتَهم[[أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/٦٦٨-، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٤.]]. (٧/٧٦)

٣٠٤١٧- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿فلم تقتلوهم﴾، قال: لأصحاب محمد ﷺ حين قال هذا: قتَلتُ. وهذا: قتَلتُ ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾. قال: لمحمد ﷺ حين حَصَبَ الكفارَ[[تفسير مجاهد (ص٣٥٢)، وأخرجه ابن جرير ١١/٨٣، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٢ مرسلا. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ. وفي تفسير البغوي ٣/٣٣٩ بلفظ: سبب هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول: أنا قتلت فلانًا. ويقول الآخر مثله؛ فنزلت الآية.]]. (٧/٧٢)

٣٠٤١٨- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق أيوب- قال: ما وقَع من الحَصْباء شيءٌ إلا في عَيْن رجلٍ[[أخرجه عبد الرزاق ١/٢٥٦، وابن جرير ١١/٨٤، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٤. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (٧/٧٢)

٣٠٤١٩- قال صفوان بن عمرو: حدثنا عبد الرحمن بن جُبير: أن رسول الله ﷺ يومَ ابن أبي الحُقَيقِ دعا بقَوس، فأُتِيَ بقوس طويلة، فقال: «جِيئُوني بقوسٍ غيرها». فجاءوه بقوس كَبْداءَ[[قوس كبداء: شديدة. النهاية (كبد).]]، فرمى رسول الله ﷺ الحصن، فأقبل السهم يَهْوِي حتى قتل ابن أبي الحُقيق في فراشه، فأنزل الله: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾[[أخرجه ابن جرير -كما في تفسير ابن كثير ٤/٣١-، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٣-١٦٧٤ (٨٩١١) مرسلًا. وأورده الواحدي في أسباب النزول ص٢٣٣، والثعلبي ٤/٣٣٨-٣٣٩. ولم يرد الأثر في نُسخ تفسير ابن جرير المطبوعة، وقد تنبه إلى ذلك العلامة شاكر في تحقيقه لتفسير ابن جرير ١٣/٤٤٧، ه١.]]٢٧٦٩. (٧/٧٦)

٢٧٦٩ علَّقَ ابن كثير (٧/٤٢) على قول عبد الرحمن بن جبير بقوله: «وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعمّ هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم». واسْتَدْرَكَ ابن عطية (٤/١٥٨بتصرف) على هذا القول بقوله: «هذا فاسدٌ ...، والصحيح في قتل ابن أبي الحقيق غير هذا».

٣٠٤٢٠- عن مكحول الشامي، قال: لما كَرَّ عليٌّ وحمزة على شَيْبَة بن ربيعة غضِب المشركون، وقالوا: اثنان بواحد! فاشْتَعَل القتال، فقال رسول الله ﷺ: «اللهمَّ إنك أمَرْتَني بالقتال، ووَعَدْتني النصر، ولا خُلْفَ لوَعْدِك». وأخذ قبضة مِن حَصًى، فرمى بها في وجوههم، فانْهَزَموا بإذن الله، فذلك قوله: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾[[أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٤١/٤٥٦ (٨٣٢٩) مرسلًا.]]. (٧/٧٣)

٣٠٤٢١- عن محمد بن كعب القُرَظي= (ز)

٣٠٤٢٢- ومحمد بن قيس -من طريق أبي مَعْشَرٍ- قالا: لما دنا القوم بعضهم مِن بعض، أخذ رسول الله ﷺ قبضة مِن تراب، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: «شاهَتِ الوجوه». فدَخَلتْ في أعْيُنِهم كلِّهم، وأقبل أصحاب رسول الله ﷺ يَقْتُلُونهم ويأسِرونَهم، وكانت هزيمتُهم في رَمْيَة رسول الله ﷺ، فأنزل الله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾ إلى قوله: ﴿سميع عليم﴾[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٥.]]. (٧/٧٤)

٣٠٤٢٣- عن قتادة بن دِعامة -من طريق معمر- في قوله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾، قال: رماهم يوم بدر بالحَصْباء[[أخرجه عبد الرزاق ١/٢٥٥، ٢٥٦، وابن جرير ١١/٨٤. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٧/٧٢)

٣٠٤٢٤- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾ الآية، ذُكِر لنا: أن نبي الله ﷺ أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار، ورمى بها وجوه الكفار، فهُزِموا عند الحجر الثالث[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٥ مرسلًا.]]. (ز)

٣٠٤٢٥- عن إسماعيل السدي، قال: قال رسول الله ﷺ حين التقى الجمعان يوم بدر لعلي: «أعطِني حصًى من الأرض». فناوله حصى عليه تراب، فرمى به وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم رَدِفَهُمُ[[رَدِفَه: تَبِعَه. القاموس (ردف).]] المؤمنون يقتلونهم ويأسِرونهم. فذكر رمية النبي ﷺ، فقال: ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٥-٨٦ مرسلًا.]]. (ز)

٣٠٤٢٦- عن محمد بن السائب الكلبي: ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾، قال: لَمّا صافَّ رسول الله المشركين، دعا بقبضة من حَصْباء الوادي وترابه، فرمى بها في وجوه المشركين، فملأ الله منها وجوههم وأعينهم ترابًا، وقذف في قلوبهم الرعب؛ فانهزموا، واتَّبَعَهم المؤمنون يقتلونهم ويأسِرونهم[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/١٧١-.]]. (ز)

٣٠٤٢٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فلم تقتلوهم﴾ يعني: ما قتلتموهم، وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول: فعلت وقتلت؛ فنزلت: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾، وذلك أن النبي ﷺ حين صافَّ المشركين، دعا بثلاث قبضات من حصى الوادي ورَمْلِه، فناوله عليُّ بن أبي طالب، فرمى بها في وجوه العدو، وقال: «اللهم أرْعِب قلوبهم، وزلزل أقدامهم». فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية، فانهزموا عند الرمية الثالثة، وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، فذلك قوله: ﴿ولِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاءً حَسَنًا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٠٥-١٠٦.]]. (ز)

٣٠٤٢٨- عن سفيان الثوري، ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾، قال: رمى الرمي بالتراب حين قال: «شاهت الوجوه»[[تفسير سفيان الثوري ص١١٧.]]. (ز)

٣٠٤٢٩- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: قال الله ﷿ في رمي رسول الله ﷺ المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: ﴿ولكن الله رمى﴾. أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٦.]]. (ز)

٣٠٤٣٠- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿وما رميت إذ رميت﴾، قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله ﷺ ثلاثَ حَصَيات، فرَمى بحَصاةٍ في ميمنة القوم، وحصاةٍ في ميسرة القوم، وحصاةٍ بين أظْهُرِهم، فقال: «شاهَتِ الوجوه». فانْهزَموا[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٦.]]٢٧٧٠. (٧/٧٢)

٢٧٧٠ قال ابن تيمية (٣/٢٥٦): «في قوله: ﴿فلم تقتلوهم﴾ الآية ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مبني على أن الفعل المتولد ليس من فعل الآدمي، بل من فعل الله، والقتل هو الإزهاق وذاك متولد، وهذا قد يقوله من ينفي التولد وهو ضعيف؛ لأنه نفى الرمي أيضًا، وهو فعل مباشر، ولأنه قال: ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ [البقرة:٥٤]. وقال: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا﴾ [النساء:٩٣]، فأثبت القتل. ولأن القتل هو الفعل الصالح للإزهاق، ليس هو الزهوق، بخلاف الإماتة. الثاني: أنه مبني على خلق الأفعال، وهذا قد يقوله كثير من الصوفية، وأظنه مأثورًا عن الجُنَيْد: سلب العبد الفعل نظرًا إلى الحقيقة؛ لأن الله هو خالق كل صانع وصنعته، وهذا ضعيف لوجهين:أحدهما: أنّا وإن قلنا بخلق الفعل، فالعبد لا يُسْلَبُه، بل يضاف الفعل إليه أيضًا، فلا يقال: ما آمنت ولا صليت ولا صمت ولا صدقت ولا علمت، فإن هذا مكابرة؛ إذ أقل أحواله الاتصاف، وهو ثابت. وأيضًا فإن هذا لم يأت في شيء من الأفعال المأمور بها إلا في القتل والرمي ببدر، ولو كان هذا لعموم خلق الله أفعال العباد لم يختص ببدر. الثالث: أن الله سبحانه خرق العادة في ذلك، فصارت رءوس المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة، وصارت الجريدة تصير سيفًا يقتل به. وكذلك رمية رسول الله ﷺ أصابت مَن لم يكن في قدرته أن يصيبه، فكان ما وجد من القتل وإصابة الرمية خارجًا عن قدرتهم المعهودة؛ فسلبوه لانتفاء قدرتهم عليه. وهذا أصح، وبه يصح الجمع بين النفي والإثبات ﴿وما رميت﴾ أي: ما أصبت ﴿إذ رميت﴾ إذ طرحت ﴿ولكن الله رمى﴾ أصاب. وهكذا كل ما فعله الله من الأفعال الخارجة عن القدرة المعتادة بسبب ضعيف كإنباع الماء، وغيره من خوارق العادات، أو الأمور الخارجة عن قدرة الفاعل. وهذا ظاهر، فلا حجة فيه لا على الجبر، ولا على نفي التولد». وقال ابنُ القيم (١/٤٣٩): «اعتقد جماعةٌ أن المراد بالآية سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلًا في الجبر وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده، وهذا غلط منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال، فيقال: ما صليت إذ صليت، وما صمت إذ صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم؛ إذ لا فرق، فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها أو رميه وحده تناقضوا، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية. وبعد، فهذه الآية نزلت في شأن رميه المشركين يوم بدر بقبصة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه مبدأ الرمي، وهو الحذف، ومن الله ﷾ نهايته، وهو الإيصال، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه، ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته، ونظير هذا قوله في الآية نفسها: ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم﴾، ثم قال: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾، فأخْبَرَه أنه هو وحده هو الذي تفرد بقتلهم، ولم يكن ذلك بكم أنتم، كما تفرد بإيصال الحصى إلى أعينهم، ولم يكن ذلك من رسوله، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه أقام أسبابًا ظاهرة؛ كدفع المشركين، وتولى دفعهم وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافًا إليه به، وهو خير الناصرين». وبنحوه قال ابنُ جرير (١١/٨٢-٨٣)، وكذا ابنُ عطية (٤/١٥٦-١٥٧). وذكر ابنُ عطية أن قوله: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ يحتمل احتمالات: الأول: أن يكون مرادًا به ما أيضًا ما في قوله: ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم﴾. الثاني: أن يريد، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك، ولكن الله رماه، وذكر أنه منصوص في المهدوي وغيره. الثالث: أن يريد: وما أغنيت إذ رميت حصياتك، ولكن الله رمى، أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول في الدعاء: رمى الله لك، أي: أعانك وصنع لك. وذكر أن أبا عبيدة حكاه في كتاب المجاز.

﴿وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ ۝١٧﴾ - تفسير

٣٠٤٣١- عن عروة بن الزبير -من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير- في قوله: ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا﴾، أي: ليُعَرِّفَ المؤمنين مِن نعمته عليهم في إظهارهم على عدوِّهم، مع كثرة عدوِّهم وقلة عددِهم؛ ليَعْرِفوا بذلك حقَّه، ويَشْكُروا بذلك نعمتَه[[أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/٦٦٨-، وابن أبي حاتم ٥/١٦٧٤.]]. (٧/٧٦)

٣٠٤٣٢- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة-، مثله[[أخرجه ابن جرير ١١/٨٨.]]. (ز)

٣٠٤٣٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ولِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاءً حَسَنًا﴾ يعني: القتل والأسر، ﴿إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لدعاء النبي ﷺ، ﴿عَلِيمٌ﴾ به[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٠٥-١٠٦.]]. (ز)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب