الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾، قال المفسرون: يعني يوم بدر [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 201، والثعلبي 6/ 47 ب.]]، قال مجاهد: اختلفوا يوم بدر فقال هذا: أنا قتلت، وقال هذا: أنا قتلت! فأنزل الله عز وجل هذه الآية [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 6/ 48 ب، ورواه بلفظ مقارب ابن جرير 9/ 204، وابن أبي حاتم 5/ 1672، والبغوي 3/ 339.]] وأما معنى إضافة القتل إلى الله فقال أكثر أهل المعاني [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 406، و"معاني القرآن" لأبي جعفر النحاس 3/ 141، و"الكشاف" 2/ 149.]]: الله قتلهم بتسبيبه ذلك من المعونة عليه، وتشجيع القلب، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين، وكل هذا كان [[ساقط من (م).]] أبلغ في قتلهم من تعمد القاصد إليه وهذا المعنى أراد أبو إسحاق، فقال: أضاف الله عز وجل قتلهم إليه لأنه هو الذي تولى نصرهم، وأظهر في ذلك الآيات المعجزات [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 406.]]، وقال الحسين بن الفضل [[هو: الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي ثم النيسابوري، العلامة المفسر الإمام اللغوي المحدث، إمام عصره في معاني القرآن وكان آية في ذلك، توفي سنة 282 هـ. انظر: "العبر" 1/ 406، و"سير أعلام النبلاء" 13/ 414، و"طبقات المفسرين" للداودي 1/ 159، وللسيوطي ص 37.]]: الجرح كان إليهم، وإخراج الروح كان إلى الله تعالى، يقول: فلم تميتوهم [[في (ح): (تميتيهم)، وفي (س): (تميتموهم).]] ولكن الله أماتهم [["تفسير الثعلبي" 6/ 48 ب، ونص العبارة فيه: قال الحسين بن الفضل: أراد به: فلم تميتوهم ولكن الله أماتهم، وأنتم جرحتموهم؛ لأن إخراج الروح إليه لا إلى غيره.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ قال المفسرون [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 204، والثعلبي 6/ 47 ب، والبغوي 3/ 339، و"الدر المنثور" 3/ 317.]]: إن جبريل قال للنبي ﷺ يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فخرج رسول الله ﷺ من العريش، وأخذ قبضة من حصباء الوادي فرمى به في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه؛ فلم يبق مشرك إلا دخل عينه منها شيء، وشغل بعينه؛ فكان ذلك سبب هزيمتهم، وقال عكرمة: ما وقع منها شيء إلا في عين رجل [[رواه ابن جرير في "تفسيره" 9/ 204. ومثل هذا لا يعرف بالرأي ، فإن كان عكرمة سمعه من أحد أصحاب النبي ﷺ فله حكم الرفع وإلا فهو مردود.]]. فأما معنى نفيه ما أثبت من رمي الرسول وإسناد ذلك إلى نفسه، فقال أهل المعاني [[لم أجد هذا القول فيما بين يدي من كتب أهل المعاني.]]: إنه لم يعتد برميه مع رمي الله إياهم، وهكذا كل ما لا يعتد به نحو: تكلمت ولم تتكلم، ولم تصنع شيئًا [[يعني: إذا تكلم إنسان بكلام غير مفيد قيل له: لم تتكلم، وإذا صنع شيئًا غير محقق للغرض المطلوب، قيل له: لم تصنع شيئًا.]]، فهذا معنى [[ساقط من (س).]] نفي الرمي عن الرسول. ومعنى إسناده إليه فلأنه كان منه التسبيب والتسديد. واحتج أصحابنا [[يعني الأشاعرة، انظر: "تفسير الرازي" 15/ 139، ولم أجد الاستدلال بالآية فيما بين يدي من كتب العقيدة الأشعرية، وانظر المعنى في: "الإبانة" للأشعري ص 23، و"تمهيد الأوائل" للباقلاني ص 341، و"كتاب الإرشاد" للجويني ص 174، و"غاية المرام" للآمدي ص 207.]] بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وكذلك الأفعال المتولدة من اكتساب العباد، وقالوا: الرمي فعل واحد أضافه الله إلى نبيه، وأثبته له ثم وصف به نفسه، وكان من الله الإنشاء والإيجاد بالقدرة القديمة، ومن الرسول الحذف والإرسال، وهكذا جميع أفعال العباد المكتسبة، من الله تعالى الإيجاد، ومن العباد الاكتساب [[يشير المؤلف رحمه الله إلى قضية طالما أشغلت الفكر الإسلامي، وتحددت فيها الآراء، وكثر حولها الجدال، وهي علاقة الخالق -سبحانه- بأفعال العباد. والمؤلف سار على مذهب جمهور الأشاعرة القائلين بنظرية الكسب رغبة في تحقيق الوسطية بين المعتزله القدرية القائلين: إن الإنسان يخلق أفعاله، وبين الجهمية الجبرية القائلين: إن الإنسان مجبور على أفعاله وأنه كالريشة في مهب الريح. == وخلاصة مذهب جمهور الأشاعرة بينه الزنجاني في "شرح المواقف" ص 237 بقوله: أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى وحدها وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارًا فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنًا لهما، فيكون الفعل مخلوقًا لله إبداعًا وإحداثا، ومكسوبًا للعبد، والمراد بكسبه إياه: مقرنته لقدرته وإرادته، من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلًا له. وقول الزنجاني هذا يفسر معنى كسب العباد عند الأشاعرة، والذي عرفه الآمدي في "غاية المرام من علم الكلام" ص 223 بقوله: إنه المقدور بالقدرة الحادثة، أو المقدور القائم بمحل القدرة، ويوضح هذه النظرية قول الشهرستاني في "الملل والنحل" بهامش "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم 1/ 128: المكتسب هو المقدور بالقدرة الحادثة أو الحاصل تحت القدرة الحادثة، ثم على أصل أبي الحسن: لا تأثير للقدرة الحادثة في الإحداث، غير أن الله تعالى أجرى سننه بأن يخلق عقيب القدرة الحادثة أو تحتها ومعها الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرد له، وسمي هذا الفعل كسبًا، فيكون من الله تعالى إبداعًا وإحداثًا، وكسبًا من العبد مجعولًا تحت قدرته اهـ. وإذ قد تبين معنى قول المؤلف: "وهكذا جميع أفعال العباد المكتسبة، من الله تعالى الإيجاد، ومن العباد الاكتساب" فإن لي حول ذلك وقفتين: الأولى: الاستدلال بهذه الآية على نظرية الكسب ونفي أثر قدرة العبد استدلال باطل؛ فإن واقعة الحال وأسباب النزول وأقوال الصحابة المعاصرين لنزول القرآن وتلاميذهم، تفسر مراد الله، وتوضح معناه. قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" 2/ 327: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم: أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، أي: بل هو الذي أظفركم عليهم، ثم قال تعالى لنبيه ﷺ أيضًا في شأن القبضة من التراب التي حصب بها وجوه الكافرين يوم بدر حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته، فرماهم بها وقال: "شاهت الوجوه" ثم أمر أصحابه أن يصدقوا الجملة إثرها ففعلوا فأوصل الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين فلم يبق أحد منهم إلا =]]. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقال أبو إسحاق: أعلم الله أن كفًا من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بشر، وأنه جلّ وعزّ تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم، فقال: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ أي لم يصب رميك ذلك [ويبلغ ذلك] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]] المبلغ، بل إنما الله تولى ذلك [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 407.]]. وروى أبو عمرو [[في (م) و (س): (أبو عمر). وهو أبو عمرو بن العلاء، تقدمت ترجمته.]] عن أبي العباس [[هو: ثعلب، وانظر قوله هذا في: "تهذيب اللغة" (رمى) 2/ 1476.]] أنه قال: معناه: وما رميت الرعب والفزع في قلوبهم إذ رميت بالحصى، وهذا عدول عن الظاهر. وقال المبرد: معناه: ما رميت بقوتك إذ رميت، ولكنك بقوة الله رميت [[المصدر السابق نفسه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا﴾، قال المفسرون: أي ينعم عليهم نعمةً عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والمثوبة [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 49 أ، والبغوي 3/ 340، وبنحو ذلك قال الإمام ابن جرير 9/ 206، والماوردي 2/ 305 ونسبه للمفسرين.]]. وقال محمد بن إسحاق: أي ليعرف المؤمنين نعمته [[في (ح): وقال: نعمته ... إلخ، وفي "السيرة النبوية": من نعمته.]] عليهم في إظهارهم على عدوهم مع كثرتهم وقلة عدد المؤمنين [["السيرة النبوية" لابن هشام 2/ 268 مع اختلاف يسير.]]. وقال أبو إسحاق: أي: لينصرهم نصرًا جميلاً، ويختبرهم بالتي هي أحسن [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 407.]]. وذكرنا معنى البلاء في سورة البقرة، وقال صاحب النظم: وليبلي المؤمنين فعل ذلك. وذكرنا نظائر هذا في سورة آل عمران [126]، عند قوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ}، فاللام [[يعني في قوله تعالى: ﴿وَلِيُبْلِيَ﴾ والتقدير: فعل ذلك ليبلي.]] تتعلق بمحذوف والكناية في قوله ﴿مِنْهُ﴾ [[ساقط من (ح).]] تعود إلى اسم الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، قال ابن عباس: ﴿سَمِيعٌ﴾ لدعائهم، ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتهم [[انظر نحوه في: "تنوير المقباس" ص 179، وانظر: "الوجيز" 6/ 251 وقد ذكر المؤلف في مقدمته أنه اعتمد قول ابن عباس.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب