الباحث القرآني
سُورَةُ اَلْأنْفالِ
﷽
قالَ أبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ والضَّحّاكُ وقَتادَةُ وعِكْرِمَةُ وعَطاءٌ: الأنْفالُ الغَنائِمُ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةٌ أُخْرى عَنْ عَطاءٍ أنَّ الأنْفالَ ما يَصِلُ إلى المُسْلِمِينَ عَنِ المُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتالٍ مِن دابَّةٍ أوْ عَبْدٍ أوْ مَتاعٍ، فَذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَضُعُهُ حَيْثُ يَشاءُ. ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ: إنَّ الأنْفالَ الخُمُسُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِأهْلِ الخُمُسِ.
وقالَ الحَسَنُ: كانَتِ الأنْفالُ مِنَ السَّرايا الَّتِي تَتَقَدَّمُ أمامَ الجَيْشِ الأعْظَمِ.
والنَّفَلُ في اللُّغَةِ الزِّيادَةُ عَلى المُسْتَحَقِّ، ومِنهُ النّافِلَةُ وهي التَّطَوُّعُ؛ وهو عِنْدَنا إنَّما يَكُونُ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ فَأمّا بَعْدَهُ فَلا يَجُوزُ إلّا مِنَ الخُمُسِ، وذَلِكَ بِأنْ يَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ: لَكُمُ الرُّبُعُ بَعْدَ الخُمُسِ أوِ الرُّبُعُ حِيزَ مِنَ الجَمِيعِ قَبْلَ (p-٢٢٣)الخُمُسِ، أوْ يَقُولَ: مَن أصابَ شَيْئًا فَهو لَهُ، عَلى وجْهِ التَّحْرِيضِ عَلى القِتالِ والتَّضْرِيَةِ عَلى العَدُوِّ؛ أوْ يَقُولَ: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وأمّا بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يُنَفِّلَ مِن نَصِيبِ الجَيْشِ، ويَجُوزُ لَهُ أنْ يُنَفِّلَ مِنَ الخُمُسِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ، فَرُوِيَ عَنْ «سَعْدٍ قالَ: أصَبْتُ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا، فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: نَفِّلْنِيهِ فَقالَ: ضَعْهُ مِن حَيْثُ أخَذْتَ فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] قالَ: فَدَعانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: اذْهَبْ وخُذْ سَيْفَكَ». ورَوى مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] قالَ: { الأنْفالُ الغَنائِمُ الَّتِي كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً لَيْسَ لِأحَدٍ فِيها شَيْءٌ، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ﴾ الآيَةُ }؛ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أخْبَرَنِي بِذَلِكَ سُلَيْمانُ عَنْ مُجاهِدٍ.
ورَوى عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ وابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُما أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ نَفَّلَ يَوْمَ بَدْرٍ أنْفالًا مُخْتَلِفَةً وقالَ: مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ» فاخْتَلَفَ الصَّحابَةُ فَقالَ بَعْضُهم نَحْوَ ما قُلْنا، وقالَ آخَرُونَ: نَحْنُ حَمَيْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وكُنّا رِدْءًا لَكم، قالَ: فَلَمّا اخْتَلَفْنا وساءَتْ أخْلاقُنا انْتَزَعَهُ اللَّهُ مِن أيْدِينا فَجَعَلَهُ إلى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ عَنِ الخُمُسِ، وكانَ في ذَلِكَ تَقْوى وطاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وصَلاحُ ذاتِ البَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قالَ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِيَرُدَّ قَوِيُّ المُسْلِمِينَ عَلى ضَعِيفِهِمْ» .
ورَوى الأعْمَشُ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ تَحِلَّ الغَنِيمَةُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكم، كانَتْ تَنْزِلُ نارٌ مِنَ السَّماءِ فَتَأْكُلُها فَلَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ أسْرَعَ النّاسُ في الغَنائِمِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٨] ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩]» قَدْ ذُكِرَ في حَدِيثِ عُبادَةَ وابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ القِتالِ: «مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ ومَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذا» ويُقالُ إنَّ هَذا غَلَطٌ، وإنَّما قالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وذَلِكَ لِأنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لَمْ تَحِلَّ الغَنائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْرِكم» وأنَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] نَزَلَتْ بَعْدَ حِيازَةِ غَنائِمِ بَدْرٍ، فَعَلِمْنا أنَّ رِوايَةَ مَن رَوى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَفَلَهم ما أصابُوا قَبْلَ القِتالِ غَلَطٌ؛ إذْ كانَتْ إباحَتُها إنَّما كانَتْ بَعْدَ القِتالِ. ومِمّا يَدُلُّ عَلى غَلَطِهِ أنَّهُ قالَ: «مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ ومَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذا ثُمَّ قَسَمَها بَيْنَهم بِالسَّواءِ»؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ عَلى النَّبِيِّ ﷺ خَلْفُ الوَعْدِ ولا اسْتِرْجاعُ ما جَعَلَهُ لِإنْسانٍ وأخْذُهُ مِنهُ وإعْطاؤُهُ غَيْرَهُ؛ والصَّحِيحُ (p-٢٢٤)أنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَوْلٌ في الغَنائِمِ قَبْلَ القِتالِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِنَ القِتالِ تَنازَعُوا في الغَنائِمِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١] فَجَعَلَ أمْرَها إلى النَّبِيِّ ﷺ في أنْ يَجْعَلَها لِمَن شاءَ، فَيَقْسِمَها بَيْنَهم بِالسَّواءِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ، فَجَعَلَ الخُمُسَ لِأهْلِهِ المُسْلِمِينَ في الكِتابِ، والأرْبَعَةَ الأخْماسَ لِلْغانِمِينَ، وبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ سَهْمَ الفارِسِ والرّاجِلِ، وبَقِيَ حُكْمُ النَّفْلِ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ بِأنْ يَقُولَ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ومَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ» ومِنَ الخُمُسِ وما شَذَّ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن غَيْرِ قِتالٍ فَكُلُّ ذَلِكَ كانَ نَفْلًا لِلنَّبِيِّ ﷺ يَجْعَلُهُ لِمَن يَشاءُ؛ وإنَّما وقَعَ النَّسْخُ في النَّفْلِ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ مِن غَيْرِ الخُمُسِ. ويَدُلُّ عَلى أنَّ قِسْمَةَ غَنائِمِ بَدْرٍ إنَّما كانَتْ عَلى الوَجْهِ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ قِسْمَتَها لا عَلى قِسْمَتِها الآنَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَسَمَها بَيْنَهم بِالسَّواءِ ولَمْ يُخْرِجْ مِنها الخُمُسَ، ولَوْ كانَتْ مَقْسُومَةً قِسْمَةَ الغَنائِمِ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْها الحُكْمُ لِعَزْلِ الخُمُسِ لِأهْلِهِ ولِفَضْلِ الفارِسِ عَلى الرّاجِلِ؛ وقَدْ كانَ في الجَيْشِ فَرَسانِ أحَدُهُما لِلنَّبِيِّ ﷺ والآخَرُ لِلْمِقْدادِ قَسَما الجَمِيعَ بَيْنَهم بِالسَّوِيَّةِ عَلِمْنا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قَدِ اقْتَضى تَفْوِيضَ أمْرِها إلَيْهِ لَيُعْطِيَها مَن يَرى، ثُمَّ نُسِخَ النَّفَلُ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ وبَقِيَ حُكْمُهُ قَبْلَ إحْرازِها عَلى جِهَةِ تَحْرِيضِ الجَيْشِ والتَّضْرِيَةِ عَلى العَدُوِّ وما لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ وما لا يَحْتَمِلُ القَسْمَ ومِنَ الخُمُسِ عَلى ما شاءَ ويَدُلُّ عَلى أنَّ غَلَطَ الرِّوايَةِ في أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَن أصابَ شَيْئًا فَهو لَهُ» وأنَّهُ نَفَلَ القاتِلَ وغَيْرَهُ ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: «جِئْتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ قَدْ شَفى صَدْرِي اليَوْمَ مِنَ العَدُوِّ فَهَبْ لِي هَذا السَّيْفَ فَقالَ: إنَّ هَذا السَّيْفَ لَيْسَ لِي ولا لَكَ، فَذَهَبْتُ وأنا أقُولُ يُعْطاهُ اليَوْمَ مَن لَمْ يُبْلِ بَلائِي؛ فَبَيْنا أنا؛ إذْ جاءَنِي الرَّسُولُ فَقالَ: أجِبْ فَظَنَنْتُ أنَّهُ نَزَلَ في شَيْءٍ بِكَلامِي، فَجِئْتُ فَقالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: إنَّكَ سَألْتَنِي هَذا السَّيْفَ ولَيْسَ هو لِي ولا لَكَ وإنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُ لِي فَهو لَكَ ثُمَّ قَرَأ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] فَأخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولا لِسَعْدٍ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الأنْفالِ، وأخْبَرَ أنَّهُ لَمّا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ آثَرَهُ بِهِ؛» وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى فَسادِ رِوايَةِ مَن رَوى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَفَّلَهم قَبْلَ القِتالِ وقالَ مَن أخَذَ شَيْئًا فَهو لَهُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] (p-٢٢٥)فِي هَذِهِ القِصَّةِ ضُرُوبٌ مِن دَلائِلِ النُّبُوَّةِ، أحَدُها: إخْبارُهُ إيّاهم بِأنَّ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ لَهم، وهي عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي كانَتْ فِيها أمْوالُهم وجَيْشُهُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا لِحِمايَتِها، فَكانَ وعْدُهُ عَلى ما وعَدَهُ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] يَعْنِي أنَّ المُؤْمِنِينَ كانُوا يَوَدُّونَ الظَّفَرَ لِما فِيها مِنَ الأمْوالِ وقِلَّةِ المُقاتَلَةِ وذَلِكَ لِأنَّهم خَرَجُوا مُسْتَخْفِينَ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْحَرْبِ؛ لِأنَّهم لَمْ يَظُنُّوا أنَّ قُرَيْشًا تَخْرُجُ لِقِتالِهِمْ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ ويَقْطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧] وهو إنْجازُ مَوْعِدِهِ لَهم في قَطْعِ دابِرِ الكافِرِينَ وقَتْلِهِمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْتَجابَ لَكم أنِّي مُمِدُّكم بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] ﴿وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأنفال: ١٠] فَوُجِدَ مُخْبِرُ هَذِهِ الأخْبارِ عَلى ما أخْبَرَ بِهِ، فَكانَ مِن طُمَأْنِينَةِ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ ما أخْبَرَ بِهِ. وقالَ تَعالى: ﴿إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أمَنَةً مِنهُ﴾ [الأنفال: ١١] فَألْقى عَلَيْهِمُ النُّعاسَ في الوَقْتِ الَّذِي يَطِيرُ فِيهِ النُّعاسُ بِإظْلالِ العَدُوِّ عَلَيْهِمْ بِالعِدَّةِ والسِّلاحِ وهم أضْعافُهم. ثُمَّ قالَ: ﴿ويُنَزِّلُ عَلَيْكم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] يَعْنِي مِنَ الجَنابَةِ؛ لِأنَّ فِيهِمْ مَن كانَ احْتَلَمَ وهو رِجْزُ الشَّيْطانِ لِأنَّهُ مِن وسْوَسَتِهِ في المَنامِ ﴿ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ [الأنفال: ١١] بِما صارَ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الأمَنَةِ والثِّقَةِ بِمَوْعُودِ اللَّهِ ﴿ويُثَبِّتَ بِهِ الأقْدامَ﴾ [الأنفال: ١١] يَحْتَمِلُ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: صِحَّةُ البَصِيرَةِ والأمْنِ والثِّقَةِ المُوجِبَةِ لِثَباتِ الأقْدامِ، والثّانِي: أنَّ مَوْضِعَهم كانَ رَمْلًا دَهْسًا لا تَثْبُتُ فِيهِ الأقْدامُ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى مِنَ المَطَرِ ما لَبَّدَ الرَّمْلَ وثَبَّتَ عَلَيْهِ الأقْدامَ؛ وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ في التَّفْسِيرِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٢] أيْ أنْصُرُكم ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢] وذَلِكَ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: إلْقاؤُهم إلى المُؤْمِنِينَ بِالخاطِرِ والتَّنْبِيهِ أنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهم عَلى الكافِرِينَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِثَباتِهِمْ وتَحَزُّبِهِمْ عَلى الكُفّارِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ التَّثْبِيتُ إخْبارَ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ والمُؤْمِنِينَ فَيُخْبِرُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ المُؤْمِنِينَ فَيَدْعُوهم ذَلِكَ إلى الثَّباتِ ثُمَّ قالَ: ﴿وما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ [الأنفال: ١٧] وذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أخَذَ كَفًّا مِن تُرابٍ ورَمى بِهِ وُجُوهَهم فانْهَزَمُوا ولَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ إلّا دَخَلَ مِن ذَلِكَ التُّرابِ في عَيْنَيْهِ. وعَنى بِذَلكَ أنَّ اللَّهَ بَلَغَ بِذَلكَ التُّرابِ وُجُوهَهم وعُيُونَهم؛ إذْ لَمْ يَكُنْ في وُسْعِ أحَدٍ مِنَ المَخْلُوقِينَ أنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ التُّرابُ عُيُونَهم مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي كانَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ . وهَذِهِ كُلُّها مِن دَلائِلِ النُّبُوَّةِ ومِنها وُجُودُ مُخْبِراتِ هَذِهِ الأخْبارِ عَلى ما أخْبَرَ بِهِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يُتَّفَقَ مِثْلُها تَخَرُّصًا وتَخْمِينًا. ومِنها ما أنْزَلَ مِنَ المَطَرِ الَّذِي لَبَّدَ الرَّمْلَ حَتّى (p-٢٢٦)ثَبَتَتْ أقْدامُهم عَلَيْهِ وصارُوا وبالًا عَلى عَدُوِّهِمْ؛ لِأنَّ في الخَبَرِ أنَّ أرْضَهم صارَتْ وحْلًا حَتّى مَنَعَهم مِنَ المَسِيرِ. ومِنها الطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي صارَتْ في قُلُوبِهِمْ بَعْدَ كَراهَتِهِمْ لِلِقاءِ الجَيْشِ. ومِنها النُّعاسُ الَّذِي وقَعَ عَلَيْهِمْ في الحالِ الَّتِي يَطِيرُ فِيها النُّعاسُ. ومِنها رَمْيُهُ لِلتُّرابِ وهَزِيمَةُ الكُفّارِ بِهِ.
* * *
الكَلامُ في قِسْمَةِ الغَنائِمِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩] فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ ناسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وذَلِكَ لِأنَّهُ قَدْ كانَ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُنَفِّلُ ما أحْرَزَهُ بِالقِتالِ لِمَن شاءَ مِنَ النّاسِ لا حَقَّ لِأحَدٍ فِيهِ إلّا مَن جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ لَهُ، وأنَّ ذَلِكَ كانَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وقَدْ ذَكَرْنا حَدِيثَ «سَعْدٍ في قِصَّةِ السَّيْفِ الَّذِي اسْتَوْهَبَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَذا السَّيْفُ لَيْسَ لِي ولا لَكَ»، ثُمَّ لَمّا نَزَلَ: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] دَعاهُ وقالَ: «إنَّكَ سَألْتَنِي هَذا السَّيْفَ ولَيْسَ هو لِي ولا لَكَ وقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِي وجَعَلْتُهُ لَكَ»، وحَدِيثَ أبِي (p-٢٣٠)هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وهو ما حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مُوسى قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالِحٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو الأحْوَصِ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «كانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ ناسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَأصابُوا مِنَ الغَنائِمِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَمْ تَحِلَّ الغَنائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكم، كانَ النَّبِيُّ إذا غَنِمَ هو وأصْحابُهُ جَمَعُوا غَنائِمَهم فَتَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ نارٌ فَتَأْكُلُها»، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٨] ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩] وقالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو نُوحٍ قالَ: أخْبَرَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ قالَ: حَدَّثَنا سِماكٌ الحَنَفِيُّ قالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبّاسٍ قالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَأخَذَ النَّبِيُّ ﷺ الفِداءَ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى﴾ [الأنفال: ٦٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ﴾ [الأنفال: ٦٨] مِنَ الفِداءِ، ثُمَّ أحَلَّ لَهُمُ الغَنائِمَ» . فَأخْبَرَ في هَذَيْنِ الخَبَرَيْنِ أنَّ الغَنائِمَ إنَّما أُحِلَّتْ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ، وهَذا مُرَتَّبٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وأنَّها كانَتْ مَوْكُولَةً إلى رَأْيِ النَّبِيِّ ﷺ .
فَهَذِهِ الآيَةُ أوَّلُ آيَةٍ أُبِيحَتْ بِها الغَنائِمُ عَلى جِهَةِ تَخْيِيرِ النَّبِيِّ ﷺ في إعْطائِها مَن رَأى، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩] وأنَّ فِداءَ الأُسارى كانَ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلِ الأنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وإنَّما كانَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ في أخْذِ الفِداءِ مِنَ الأسْرى بَدِيًّا، ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى أنَّ الغَنائِمَ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُحِلَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ عَلى الوَجْهِ الَّذِي جُعِلَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ تَكُونَ الغَنائِمُ مُباحَةً وفِداءُ الأسْرى مَحْظُورًا، وكَذَلِكَ يَقُولُ أبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ لا تَجُوزُ مُفاداةُ أسْرى المُشْرِكِينَ. ويَدُلُّ عَلى أنَّ الجَيْشَ لَمْ يَكُونُوا اسْتَحَقُّوا قِسْمَةَ الغَنِيمَةِ بَيْنَهم يَوْمَ بَدْرٍ إلّا بِجَعْلِ النَّبِيِّ ذَلِكَ لَهم أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُخَمِّسْ غَنائِمَ بَدْرٍ ولَمْ يُبَيِّنْ سِهامَ الفارِسِ والرّاجِلِ إلى أنْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فَجَعَلَ بِهَذِهِ الآيَةِ أرْبَعَةَ أخْماسِ الغَنِيمَةِ لِلْغانِمِينَ والخُمُسَ لِلْوُجُوهِ المَذْكُورَةِ ونَسَخَ بِهِ ما كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ الأنْفالِ إلّا ما كانَ شَرَطَهُ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، نَحْوَ أنْ يَقُولَ: مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ، ومَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِمْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ إذْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ غَنِيمَةً لِغَيْرِ آخِذِهِ أوْ قاتِلِهِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في النَّفَلِ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ.
(p-٢٣١)ذِكْرُ الخِلافِ فِيهِ
قالَ أصْحابُنا والثَّوْرِيُّ: { لا نَفَلَ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ إنَّما النَّفَلُ أنْ يَقُولَ: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ومَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ } . وقالَ الأوْزاعِيُّ: { في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، كانَ يُنَفِّلُ في البَدْأةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ } . وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: { يَجُوزُ أنْ يُنَفِّلَ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ عَلى وجْهِ الِاجْتِهادِ } . قالَ الشَّيْخُ: ولا خِلافَ في جَوازِ النَّفَلِ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، نَحْوُ أنْ يَقُولَ: مَن أخَذَ شَيْئا فَهو لَهُ ومَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وقَدْ رَوى حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَفَّلَ في بَدْأتِهِ الرُّبُعَ وفي رَجْعَتِهِ الثُّلُثَ بَعْدَ الخُمُسِ. فَأمّا التَّنْفِيلُ في البَدْأةِ فَقَدْ ذَكَرْنا اتِّفاقَ الفُقَهاءِ عَلَيْهِ، وأمّا قَوْلُهُ: في الرَّجْعَةِ الثُّلُثُ، فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: ما يُصِيبُ السَّرِيَّةَ في الرَّجْعَةِ بِأنْ يَقُولَ لَهم: ما أصَبْتُمْ مِن شَيْءٍ فَلَكُمُ الثُّلُثُ بَعْدَ الخُمُسِ؛ ومَعْلُومٌ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَفْظِ عُمُومٍ في سائِرِ الغَنائِمِ وإنَّما هي حِكايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ ما ذَكَرْناهُ مِن قَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ في الرَّجْعَةِ وجَعَلَ لَهم في الرَّجْعَةِ أكْثَرَ مِمّا جَعَلَهُ في البَدْأةِ؛ لِأنَّ في الرَّجْعَةِ يَحْتاجُ إلى حِفْظِ الغَنائِمِ وإحْرازِها ويَكُونُ مِن حَوالَيْهِمُ الكُفّارُ مُتَأهِّبِينَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتالِ لِانْتِشارِ الخَبَرِ بِوُقُوعِ الجَيْشِ إلى أرْضِهِمْ.
والوَجْهُ الآخَرُ: أنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، وكانَ ذَلِكَ في الوَقْتِ الَّذِي كانَتِ الغَنِيمَةُ كُلُّها لِلنَّبِيِّ ﷺ فَجَعَلَها لِمَن شاءَ مِنهم، وذَلِكَ مَنسُوخٌ بِما ذَكَرْنا.
فَإنْ قِيلَ: ذُكِرَ في حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الثُّلُثُ بَعْدَ الخُمُسِ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ كانَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ قِيلَ لَهُ: لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى ما ذَكَرْتُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أنَّهُ الخُمُسُ المُسْتَحِقُّ لِأهْلِهِ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلى خُمُسٍ مِنَ الغَنِيمَةِ لا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الثُّلُثِ والنِّصْفِ ولَمّا احْتَمَلَ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ ما وصَفْنا لَمْ يَجُزِ الِاعْتِراضُ بِهِ عَلى ظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ إذْ كانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إيجابَ الأرْبَعَةِ الأخْماسِ لِلْغانِمِينَ اقْتِضاءَهُ إيجابَ الخُمُسِ لِأهْلِهِ المَذْكُورِينَ، فَمَتى أُحْرِزَتِ الغَنِيمَةُ فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ الجَمِيعِ فِيها بِظاهِرِ الآيَةِ، فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنها لِغَيْرِهِ عَلى غَيْرِ مُقْتَضى الآيَةِ إلّا بِما يَجُوزُ بِمِثْلِهِ تَخْصِيصُ الآيَةِ. وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قالَ: حَدَّثَنِي نافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: «بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في سَرِيَّةٍ فَبَلَغَتْ سِهامُنا اثْنَيْ (p-٢٣٢)عَشَرَ بَعِيرًا ونَفَّلَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعِيرًا بَعِيرًا»، فَبَيَّنَ في هَذا الحَدِيثِ سُهْمانَ الجَيْشِ وأخْبَرَ أنَّ النَّفَلَ لَمْ يَكُنْ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ وإنَّما كانَ بَعْدَ السُّهْمانِ وذَلِكَ مِنَ الخُمُسِ.
ويَدُلُّ عَلى أنَّ النَّفَلَ بَعْدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ لا يَجُوزُ إلّا مِنَ الخُمُسِ ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ العَلاءِ أنَّهُ سَمِعَ أبا سَلّامِ بْنِ الأسْوَدِ يَقُولُ، قالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ قالَ: «صَلّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ إلى بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَمِ، فَلَمّا سَلَّمَ أخَذَ وبَرَةً مِن جَنْبِ البَعِيرِ ثُمَّ قالَ: ولا يَحِلُّ لِي مِن غَنائِمِكم مِثْلُ هَذا إلّا الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكم»، فَأخْبَرَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ جائِزَ التَّصَرُّفِ إلّا في الخُمُسِ مِنَ الغَنائِمِ وأنَّ الأرْبَعَةَ الأخْماسَ لِلْغانِمِينَ، وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ ما أُحْرِزَ مِنَ الغَنِيمَةِ فَهو لِأهْلِها ولا يَجُوزُ التَّنْفِيلُ مِنهُ.
وفِي هَذا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ ما لا قِيمَةَ لَهُ ولا يَتَمانَعُهُ النّاسُ مِن نَحْوِ النَّواةِ والتَّبِنَةِ والخِرَقِ الَّتِي يُرْمى بِها يَجُوزُ لِلْإنْسانِ أنْ يَأْخُذَهُ ويُنَفِّلَهُ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ أخَذَ وبَرَةً مِن جَنْبِ بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَمِ وقالَ: { لا يَحِلُّ لِي مِن غَنائِمِكم مِثْلُ هَذا } يَعْنِي في أنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ ويَنْتَفِعَ بِهِ أوْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ دُونَ جَماعَتِهِمْ؛ إذْ لَمْ تَكُنْ لِتِلْكَ الوَبَرَةِ قِيمَةٌ.
فَإنْ قِيلَ فَقَدْ قالَ: «لا يَحِلُّ لِي مِثْلُ هَذا» قِيلَ لَهُ: إنَّما أرادَ: مِثْلُ هَذا فِيما يَتَمانَعُهُ النّاسُ لا ذاكَ بِعَيْنِهِ؛ لِأنَّهُ قَدْ أخَذَهُ. ويَدُلُّ عَلى ما ذَكَرْنا ما رَواهُ ابْنُ المُبارَكِ قالَ: حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِن بُلْقِينَ ذَكَرَ قِصَّةً قالَ: «قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما تَقُولُ في هَذا المالِ ؟ قالَ: خُمُسُهُ لِلَّهِ وأرْبَعَةُ أخْماسِهِ لِلْجَيْشِ قالَ: قُلْتُ: هَلْ أحَقُّ أحَدٍ بِهِ مِن أحَدٍ ؟ قالَ: لَوِ انْتَزَعْتُ سَهْمَكَ مِن جَنْبِكَ لَمْ تَكُنْ بِأحَقَّ بِهِ مِن أخِيكَ المُسْلِمِ» ورَوى أبُو عاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ وهْبٍ أبِي خالِدٍ الحِمْصِيِّ قالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ عَنْ أبِيها العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أخَذَ وبَرَةً فَقالَ: ما لِي فِيكم هَذِهِ ما لِي فِيهِ إلّا الخُمُسُ، فَأدُّوا الخَيْطَ والمَخِيطَ فَإنَّهُ عارٌ ونارٌ وشَنارٌ عَلى صاحِبِهِ يَوْمَ القِيامَةِ» .
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، ذَكَرَ غَنائِمَ هَوازِنَ وقالَ: «ثُمَّ دَنا النَّبِيُّ ﷺ مِن بَعِيرٍ فَأخَذَ وبَرَةً مِن سَنامِهِ ثُمَّ قالَ: يا أيُّها النّاسُ إنَّهُ لَيْسَ لِي مِن هَذا الفَيْءِ شَيْءٌ ولا هَذا ورَفَعَ أُصْبُعَيْهِ: إلّا الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكم، فَأدُّوا الخَيْطَ والمَخِيطَ، فَقامَ رَجُلٌ في يَدِهِ كُبَّةٌ مِن شَعَرٍ فَقالَ: أخَذْتُ هَذِهِ لِأُصْلِحَ بِها بُرْدَةً، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أمّا ما كانَ لِي ولِبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ فَهو لَكَ فَقالَ: أمّا إذْ بَلَغَتْ ما أرى فَلا أرَبَ لِي فِيها، ونَبَذَها». (p-٢٣٣)فَهَذِهِ الأخْبارُ مُوافِقَةٌ لِظاهِرِ الكِتابِ، فَهو أوْلى مِمّا يُخالِفُهُ مِن حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ احْتِمالِ حَدِيثِهِ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي وصَفْناهُ، وجَمْعُنا يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ في الأرْبَعَةِ الأخْماسِ حَقٌّ لِغَيْرِ الغانِمِينَ ويُخْبِرُ النَّبِيُّ ﷺ فِيها أنَّهُ لا حَقَّ لَهُ فِيها.
ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أنَّ أنَسَ بْنَ مالِكٍ كانَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرَةَ في غَزاةٍ فَأصابُوا سَبْيًا، فَأرادَ عُبَيْدُ اللَّهِ أنْ يُعْطِيَ أنَسًا مِنَ السَّبْيِ قَبْلَ أنْ يُقَسِّمَ، فَقالَ أنَسٌ: لا، ولَكِنِ اقْسِمْ ثُمَّ أعْطِنِي مِنَ الخُمُسِ فَقالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: لا، إلّا مِن جَمِيعِ الغَنائِمِ فَأبى أنَسٌ أنْ يَقْبَلَ وأبى عُبَيْدُ اللَّهِ أنْ يُعْطِيَهُ مِنَ الخُمُسِ. وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ: حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أنَّهُ قالَ: { لا نَفَلَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ } قالَ الشَّيْخُ أيَّدَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ كانَتْ لَهُ الأنْفالُ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ القِسْمَةِ وهَذا مِمّا يُحْتَجُّ بِهِ لِصِحَّةِ مَذْهَبِنا لِأنَّ ظاهِرَهُ يَقْتَضِي أنْ لا يَكُونَ لِأحَدٍ نَفَلٌ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ في عُمُومِ الأحْوالِ، إلّا أنَّهُ قَدْ قامَتِ الدَّلالَةُ في أنَّ الإمامَ إذا قالَ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أنَّهُ يَصِيرُ ذَلِكَ لَهُ بِالِاتِّفاقِ، فَخَصَّصْناهُ وبَقِيَ الباقِي عَلى مُقْتَضاهُ في أنَّهُ إذا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الإمامُ فَلا شَيْءَ لَهُ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قالَ: كانَ النّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الخُمُسِ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ أعْطى النَّبِيُّ ﷺ مِن غَنائِمِ حُنَيْنٍ صَنادِيدَ العَرَبِ عَطايا نَحْوَ الأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ وعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ والزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ وأبِي سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ وصَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُعْطِهِمْ ذَلِكَ مِن سَهْمِهِ مِنَ الغَنِيمَةِ وسَهْمِهِ مِنَ الخُمُسِ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ يَتَّسِعُ لِهَذِهِ العَطايا لِأنَّهُ أعْطى كُلَّ واحِدٍ مِن هَؤُلاءِ وغَيْرِهِمْ مِائَةً مِنَ الإبِلِ، ولَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهم مِن بَقِيَّةِ سِهامِ الخُمُسِ سِوى سَهْمِهِ لِأنَّها لِلْفُقَراءِ ولَمْ يَكُونُوا هَؤُلاءِ فُقَراءَ، فَثَبَتَ أنَّهُ أعْطاهم مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ، ولَمّا لَمْ يَسْتَأْذِنْهم فِيهِ، دَلَّ عَلى أنَّهُ أعْطاهم عَلى وجْهِ النَّفَلِ وأنَّهُ قَدْ كانَ لَهُ أنْ يُنَفِّلَ قِيلَ لَهُ: إنَّ هَؤُلاءِ القَوْمَ كانُوا مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهم، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعالى لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهم سَهْمًا مِنَ الصَّدَقاتِ، وسَبِيلُ الخُمُسِ سَبِيلُ الصَّدَقَةِ لِأنَّهُ مَصْرُوفٌ إلى الفُقَراءِ كالصَّدَقاتِ المَصْرُوفَةِ إلَيْهِمْ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ أعْطاهم مِن جُمْلَةِ الخُمُسِ كَما يُعْطِيهِمْ مِنَ الصَّدَقاتِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في سَلَبِ القَتِيلِ، فَقالَ أصْحابُنا ومالِكٌ والثَّوْرِيُّ: { السَّلَبُ مِن غَنِيمَةِ الجَيْشِ إلّا أنْ يَكُونَ الأمِيرُ قالَ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } وقالَ الأوْزاعِيُّ واللَّيْثُ والشّافِعِيُّ: { السَّلَبُ لِلْقاتِلِ وإنْ لَمْ يَقُلِ الأمِيرُ } قالَ الشَّيْخُ أيَّدَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ (p-٢٣٤)يَقْتَضِي وُجُوبَ الغَنِيمَةِ لِجَماعَةِ الغانِمِينَ، فَغَيْرُ جائِزٍ لِأحَدٍ مِنهُمُ الِاخْتِصاصُ بِشَيْءٍ مِنها دُونَ غَيْرِهِ.
فَإنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أنْ يَدُلَّ عَلى أنَّ السَّلَبَ غَنِيمَةٌ قِيلَ لَهُ: " غَنِمْتُمْ " هي الَّتِي جازُوها بِاجْتِماعِهِمْ وتَوازُرِهِمْ عَلى القِتالِ وأخْذِ الغَنِيمَةِ، فَلَمّا كانَ قَتْلُهُ لِهَذا القَتِيلِ وأخْذُهُ سَلَبَهُ بِتَظافُرِ الجَماعَةِ وجَبَ أنْ يَكُونَ غَنِيمَةً، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ لَوْ أخَذَ سَلَبَهُ مِن غَيْرِ قَتْلٍ لَكانَ غَنِيمَةً؛ إذْ لَمْ يَصِلْ إلى أخْذِهِ إلّا بِقُوَّتِهِمْ، وكَذَلِكَ مَن لَمْ يُقاتِلْ وكانَ قائِمًا في الصَّفِّ رِدْءًا لَهم مُسْتَحِقُّ الغَنِيمَةِ ويَصِيرُ غانِمًا؛ لِأنَّ بِظَهْرِهِ ومُعاضَدَتِهِ حَصَلَتْ وأُخِذَتْ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ السَّلَبُ غَنِيمَةً فَيَكُونَ كَسائِرِ الغَنائِمِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩] والسَّلَبُ مِمّا غَنِمَهُ الجَماعَةُ فَهو لَهم ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ مِن جِهَةِ السُّنَّةِ ما حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ خالِدٍ الجَزُورِيُّ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُبارَكِ وهِشامُ بْنُ عَمّارٍ قالا: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ واقِدٍ عَنْ مُوسى بْنِ يَسارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَتادَةَ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ قالَ: نَزَلْنا دابِقَ وعَلَيْنا أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ، فَبَلَغَ حَبِيبَ بْنَ مُسْلِمٍ أنَّ صاحِبَ قُبْرُصَ قد خَرَجَ يُرِيدُ طَرِيقَ أذْرَبِيجانَ مَعَهُ زَبَرْجَدُ وياقُوتٌ ولُؤْلُؤٌ ودِيباجٌ، فَخَرَجَ في جَبَلٍ حَتّى قَتَلَهُ في الدَّرْبِ وجاءَ بِما كانَ مَعَهُ إلى عُبَيْدَةَ، فَأرادَ أنْ يُخَمِّسَهُ فَقالَ حَبِيبٌ: يا أبا عُبَيْدَةَ لا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَإنَّ رَسُولَ ﷺ اللَّهُ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقاتِلِ، فَقالَ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَهْلًا يا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إنَّما لِلْمَرْءِ ما طابَتْ بِهِ نَفْسُ إمامِهِ». فَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إنَّما لِلْمَرْءِ ما طابَتْ بِهِ نَفْسُ إمامِهِ» يَقْتَضِي حَظْرَ ما لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمامِهِ، فَمَن لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمامِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السَّلَبُ، لا سِيَّما وقَدْ أخْبَرَ مُعاذٌ أنَّ ذَلِكَ في شَأْنِ السَّلَبِ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ رَوى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ جَماعَةٌ مِنهم أبُو قَتادَةَ وطَلْحَةُ وسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وغَيْرُهم أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» .
ورَوى سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ وابْنُ عَبّاسٍ وعَوْفُ بْنُ مالِكٍ وخالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أنَّ «النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقاتِلِ» وهَذا يَدُلُّ عَلى مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ يَقْتَضِي أنْ يَسْتَحِقَّ القاتِلُ السَّلَبَ، والثّانِي: أنَّهُ فَسَّرَ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ في حَدِيثِ مُعاذٍ: «إنَّما لِلْمَرْءِ ما طابَتْ بِهِ نَفْسُ إمامِهِ» أنَّ نَفْسَهُ قَدْ طابَتْ لَلْقاتِلِ بِذَلِكَ وهو إمامُ الأئِمَّةِ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ ﷺ «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلّا ما طابَتْ بِهِ نَفْسُ إمامِهِ» المَفْهُومُ مِنهُ أمِيرُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ طاعَتُهُ، وكَذَلِكَ عَقَلَ مُعاذٌ وهو راوِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ولَوْ أرادَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ لَقالَ إنَّما لِلْمَرْءِ ما طابَتْ بِهِ نَفْسِي، فَهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذا السّائِلُ تَأْوِيلٌ ساقِطٌ لا مَعْنى لَهُ.
وأمّا الأخْبارُ المَرْوِيَّةُ في أنَّ السَّلَبَ لَلْقاتِل فَإنَّما (p-٢٣٥)ذَلِكَ كَلامٌ خَرَجَ عَلى الحالِ الَّتِي حَضَّ فِيها لِلْقِتالِ، وكانَ يَقُولُ ذَلِكَ تَحْرِيضًا لَهم وتَضْرِيَةً عَلى العَدُوِّ، كَما رُوِيَ أنَّهُ قالَ: «مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ»، وكَما حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ خالِدٍ الجَزُورِيِّ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى الدَّهّانِيُّ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ: حَدَّثَنا غالِبُ بْنُ حُجْرَةَ قالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وهي ابْنَةُ المِلْقامِ بْنِ التَّلِبِّ عَنْ أبِيها عَنْ أبِيهِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن أتى بِمُوَلٍّ فَلَهُ سَلَبُهُ؛» ومَعْلُومٌ أنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مَقْصُورٌ عَلى الحالِ في تِلْكَ الحَرْبِ خاصَّةً؛ إذْ لا خِلافَ أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِأخْذِهِ مُوَلِّيًا، كَقَوْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَن دَخَلَ دارَ أبِي سُفْيانَ فَهو آمِنٌ ومَن دَخَلَ المَسْجِدَ فَهو آمِنٌ ومَن دَخَلَ بَيْتَهُ فَهو آمِنٌ ومَن ألْقى سِلاحَهُ فَهو آمِنٌ» . ويَدُلُّ عَلى أنَّ السَّلَبَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْقاتِلِ إلّا أنْ يَكُونَ قَدْ قالَ الأمِيرُ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي صَفْوانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشْجَعِيِّ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ ورافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِن أهْلِ اليَمَنِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ، فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ جَزُورًا، فَسَألَهُ المَدَدِيُّ طائِفَةً مِن جِلْدِهِ، فَأعْطاهُ إيّاهُ، فاتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقِ، ومَضَيْنا فَلَقِينا جُمُوعَ الرُّومِ وفِيهِمْ رَجُلٌ عَلى فَرَسٍ لَهُ أشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ وسِلاحٌ مُذَهَّبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالمُسْلِمِينَ وقَعَدَ لَهُ المَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ وخَرَّ وعَلاهُ فَقَتَلَهُ وحازَ فَرَسَهُ وسِلاحَهُ، فَلَمّا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَأخَذَ مِنهُ السَّلَبَ؛ قالَ عَوْفٌ: فَأتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يا خالِدُ أما عَلِمْتَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضى بِالسَّلَبِ لِلْقاتِلِ» ؟ فَقالَ: بَلى ولَكِنِ اسْتَكْثَرْتُهُ، فَقُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ إلَيْهِ أوْ لِأُعَرِّفَنَّكَها عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأبى أنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ؛ قالَ عَوْفٌ: «فاجْتَمَعْنا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ المَدَدِيِّ وما فَعَلَ خالِدٌ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا خالِدُ ما حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعْتَ ؟ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْتُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا خالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ ما أخَذْتُ مِنهُ قالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: دُونَكَ يا خالِدُ ألَمْ أفِ لَكَ ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وما ذاكَ ؟ فَأخْبَرْتُهُ، قالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا خالِدُ لا تَرُدَّ عَلَيْهِ هَلْ أنْتُمْ تارِكُو أُمَرائِي لَكم صَفْوَةُ أمْرِهِمْ وعَلَيْهِمْ كَدِرِهِ» . حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: سَألْتُ ثَوْرًا عَنْ هَذا الحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشْجَعِيِّ نَحْوَهُ. فَلَمّا «قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يا خالِدُ لا تَرُدَّ عَلَيْهِ» دَلَّ ذَلِكَ عَلى (p-٢٣٦)أنَّ السَّلَبَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْقاتِلِ؛ لِأنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّهُ لَما جازَ أنْ يَمْنَعَهُ، ودَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ بَدِيًّا ادْفَعْهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلى جِهَةِ الإيجابِ وإنَّما كانَ عَلى وجْهِ النَّفَلِ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الخُمُسِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما رَوى يُوسُفُ الماجِشُونُ قالَ: حَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ إبْراهِيمَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أنَّ مُعاذَ بْنَ عَفْراءَ ومُعاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ قَتَلا أبا جَهْلٍ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: كِلاكُما قَتَلَهُ» وقَضى بِسَلَبِهِ لِمُعاذِ بْنِ عَمْرٍو. فَلَمّا قَضى بِهِ لِأحَدِهِما مَعَ إخْبارِهِ أنَّهُما قَتَلاهُ دَلَّ عَلى أنَّهُما لَمْ يَسْتَحِقّاهُ بِالقَتْلِ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ قالَ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلانِ اسْتَحَقّا السَّلَبَ نِصْفَيْنِ ؟ فَلَوْ كانَ القاتِلُ مُسْتَحِقًّا لِلسَّلَبِ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ لا يُعْرَفُ قاتِلُهُ أنْ لا يَكُونَ سَلَبُهُ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ بَلْ يَكُونُ لُقَطَةً لِأنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا بِعَيْنِهِ، فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ سَلَبَ مَن لَمْ يُعْرَفُ قاتِلُهُ في المَعْرَكَةِ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ دَلَّ عَلى أنَّ القاتِلَ لا يَسْتَحِقُّهُ. وقَدْ قالَ الشّافِعِيُّ: { إنَّ القاتِلَ لا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ في الإدْبارِ وإنَّما يَسْتَحِقُّهُ في الإقْبالِ }، فالأثَرُ الوارِدُ في السَّلَبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حالِ الإقْبالِ والإدْبارِ. فَإنِ احْتُجَّ بِالخَبَرِ فَقَدْ خالَفَهُ، وإنِ احْتُجَّ بِالنَّظَرِ فالنَّظَرُ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ غَنِيمَةً لِلْجَمِيعِ لاتِّفاقِهِمْ عَلى أنَّهُ إذا قَتَلَهُ في حالَ الإدْبارِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ وكانَ غَنِيمَةً، والمَعْنى الجامِعُ بَيْنَهُما أنَّهُ قَتَلَهُ بِمُعاوَنَةِ الجَمِيعِ ولَمْ يَتَقَدَّمْ مِنَ الأمِيرِ قَوْلٌ في اسْتِحْقاقِهِ.
ويَدُلُّ عَلى أنَّ القاتِلَ إنَّما يَسْتَحِقُّهُ إذا تَقَدَّمَ مِنَ الأمِيرِ قَوْلٌ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ أنَّهُ لَوْ قالَ: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ مُقْبِلًا أوْ مُدْبِرًا اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ ولَمْ يَخْتَلِفْ حالُ الإقْبالِ والإدْبارِ، فَلَوْ كانَ السَّلَبُ مُسْتَحِقًّا بِنَفْسِ القَتْلِ لَما اخْتَلَفَ حُكْمُهُ في حالِ الإدْبارِ والإقْبالِ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ في قَتِيلِ البَراءِ بْنِ مالِكٍ أنّا كُنّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ وأنَّ سَلَبَ البَراءِ قَدْ بَلَغَ مالًا ولا أُرانا إلّا خامِسِيهِ.
واخْتُلِفَ في الأمِيرِ إذا قالَ: مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ، فَقالَ أصْحابُنا والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ: { هو كَما قالَ ولا خُمُسَ فِيهِ }، وكَرِهَ مالِكٌ أنْ يَقُولَ مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ لِأنَّهُ قِتالٌ بِجُعْلٍ وقالَ الشّافِعِيُّ: { يُخَمِّسُ ما أصابَهُ إلّا سَلَبَ المَقْتُولِ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا اتَّفَقُوا عَلى جَوازِ أنْ يَقُولَ: مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ، وأنَّهُ يَسْتَحِقُّ وجَبَ أنْ لا خُمُسَ فِيهِ وأنْ لا يَجُوزَ قَطْعُ حُقُوقِ أهْلِ الخُمُسِ عَنْهُ كَما جازَ قَطْعُ حُقُوقِ سائِرِ الغانِمِينَ عَنْهُ. وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ: مَن أصابَ شَيْئا فَهو لَهُ بِمَنزِلَةِ مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَلَمّا لَمْ يَجِبْ في السَّلَبِ الخُمُسُ إذا قالَ الأمِيرُ ذَلِكَ كَذَلِكَ سائِرُ الغَنِيمَةِ. وأيْضًا فَإنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما أوْجَبَ الخُمُسَ فِيما صارَ غَنِيمَةً لَهم بِقَوْلِهِ تَعالى: (p-٢٣٧)﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وهَذا لَمْ يَصِرْ غَنِيمَةً لَهم لِأنَّ قَوْلَ الأمِيرِ في ذَلِكَ جائِزٌ عَلى الجَيْشِ، فَلَمّا لَمْ يَصِرْ غَنِيمَةً لَهم وجَبَ أنْ لا خُمُسَ فِيهِ.
* * *
واخْتُلِفَ في الرَّجُلِ يَدْخُلُ دارَ الحَرْبِ وحْدَهُ مُغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ الإمامِ فَقالَ أصْحابُنا: { ما غَنِمَهُ فَهو لَهُ خاصَّةً ولا خُمُسَ فِيهِ حَتّى تَكُونَ لَهم مَنَعَةٌ } . ولَمْ يَحُدَّ مُحَمَّدٌ في المَنَعَةِ شَيْئا. وقالَ أبُو يُوسُفَ: { إذا كانُوا تِسْعَةً فَفِيهِ الخُمُسُ } . وقالَ الثَّوْرِيُّ والشّافِعِيُّ: { يُخَمِّسُ ما أخَذَهُ والباقِي لَهُ } . وقالَ الأوْزاعِيُّ: { إنْ شاءَ الإمامُ عاقَبَهُ وحَرَمَهُ وإنْ شاءَ خَمَّسَ ما أصابَ والباقِي لَهُ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ تَعالى ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الغانِمُونَ جَماعَةً؛ لِأنَّ حُصُولَ الغَنِيمَةِ مِنهم شَرْطٌ في الِاسْتِحْقاقِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] و﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] في لُزُومِ قَتْلِ الواحِدِ عَلى حِيالِهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَماعَةٌ إذا كانَ مُشْتَرِكًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ بِقَتْلِ الجَماعَةِ والأمْرُ بِقَتْلِ الجَماعَةِ لا يُوجِبُ اعْتِبارَ الجَمِيعِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ﴾ فِيهِ مَعْنى الشَّرْطِ، وهو حُصُولُ الغَنِيمَةِ لَهم وبِقِتالِهِمْ، فَهو كَقَوْلِ القائِلِ: إنْ كَلَّمْتُ هَؤُلاءِ الجَماعَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ، أنَّ شَرْطَ الحِنْثِ وُجُودُ الكَلامِ لِلْجَماعَةِ ولا يَحْنَثُ بِكَلامِ بَعْضِها. وأيْضًا لَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ الجَيْشَ إذا غَنِمُوا لَمْ يُشارِكْهم سائِرُ المُسْلِمِينَ في الأرْبَعَةِ الأخْماسِ لِأنَّهم لَمْ يَشْهَدُوا القِتالَ ولَمْ تَكُنْ مِنهم حِيازَةُ الغَنِيمَةِ وجَبَ أنْ يَكُونَ هَذا المُغِيرُ وحْدَهُ اسْتَحَقَّ ما غَنِمَهُ، وأمّا الخُمُسُ فَإنَّما يُسْتَحَقُّ مِنَ الغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِظَهْرِ المُسْلِمِينَ ونُصْرَتِهِمْ وهو أنْ يَكُونُوا فِئَةً لِلْغانِمِينَ، ومَن دَخَلَ دارَ الحَرْبِ وحْدَهُ مُغِيرًا فَقَدْ تَبَرَّأ مِن نُصْرَةِ الإمامِ لِأنَّهُ عاصٍ لَهُ داخِلٌ بِغَيْرِ أمْرِهِ فَوَجَبَ أنْ لا يَسْتَحِقَّ مِنهُ الخُمُسَ؛ ولِذَلِكَ قالَ أصْحابُنا في الرِّكازِ المَوْجُودِ في دارِ الإسْلامِ: لَمّا كانَ المَوْضِعُ مَظْهُورًا عَلَيْهِ بِالإسْلامِ وجَبَ فِيهِ الخُمُسُ ولَوْ وجَدَهُ في دارِ الحَرْبِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الخُمُسُ.
وإذا دَخَلَ الرَّجُلُ وحْدَهُ بِإذْنِ الإمامِ خُمِّسَ ما غَنِمَ؛ لِأنَّهُ لَمّا أذِنَ لَهُ في الدُّخُولِ فَقَدْ تَضَمَّنَ نُصْرَتَهُ وحِياطَتَهُ، والإمامُ قائِمٌ مَقامَ جَماعَةِ المُسْلِمِينَ في ذَلِكَ فاسْتَحَقَّ لَهُمُ الخُمُسُ.
وأمّا إذا كانَ المُغِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الإمامِ جَماعَةً لَهم مَنَعَةٌ فَإنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الخُمُسُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فَهم في هَذِهِ الحالِ بِمَنزِلَةِ السَّرِيَّةِ والجَيْشِ، لِحُصُولِ المَنَعَةِ لَهم ولِتَوَجُّهِ الخِطابِ إلَيْهِمْ بِإخْراجِ الخُمُسِ مِن غَنائِمِهِمْ.
* * *
واخْتُلِفَ في المَدَدِ يَلْحَقُ الجَيْشَ في دارِ الحَرْبِ قَبْلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، (p-٢٣٨)فَقالَ أصْحابُنا: { إذا غَنِمُوا في دارِ الحَرْبِ ثُمَّ لَحِقَهم جَيْشٌ آخَرُ قَبْلَ إخْراجِها إلى دارِ الإسْلامِ فَهم شُرَكاءُ فِيها } . وقالَ مالِكٌ والثَّوْرِيُّ واللَّيْثُ والأوْزاعِيُّ والشّافِعِيُّ: { لا يُشارِكُونَهم } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: الأصْلُ في ذَلِكَ عِنْدَ أصْحابِنا أنَّ الغَنِيمَةَ إنَّما يَثْبُتُ فِيها الحَقُّ بِالإحْرازِ في دارِ الإسْلامِ ولا يُمْلَكُ إلّا بِالقِسْمَةِ، وحُصُولُها في أيْدِيهِمْ في دارِ الحَرْبِ لا يُثْبِتُ لَهم فِيها حَقًّا؛ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ المَوْضِعَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الجَيْشُ مِن دارِ الحَرْبِ لا يَصِيرُ مَغْنُومًا إذا لَمْ يَفْتَتِحُوها ألا تَرى أنَّهم لَوْ خَرَجُوا ثُمَّ دَخَلَ جَيْشٌ آخَرُ فَفَتَحُوها لَمْ يَصِرِ المَوْضِعُ الَّذِي صارَ فِيهِ الأوَّلُونَ مِلْكًا لَهم وكانَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِن بِقاعِ أرْضِ الحَرْبِ ؟ واِلْمَعْنى فِيهِ أنَّهم لَمْ يُحْرِزُوهُ في دارِ الإسْلامِ، فَكَذَلِكَ سائِرُ ما يَحْصُلُ في أيْدِيهِمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلى دارِ الإسْلامِ لَمْ يَثْبُتْ لَهم فِيهِ حَقٌّ إلّا بِالحِيازَةِ في دارِنا، فَإذا لَحِقَهم جَيْشٌ آخَرُ قَبْلَ الإحْرازِ في دارِ الإسْلامِ كانَ حُكْمُ ما أخَذُوهُ حُكْمَ ما في أيْدِي أهْلِ الحَرْبِ فَيَشْتَرِكُ الجَمِيعُ فِيهِ.
وأيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ غَنِيمَةً لِجَمِيعِهِمْ؛ إذْ بِهِمْ صارَ مُحْرَزًا في دارِ الإسْلامِ ألا تَرى أنَّهم ما دامُوا في دارِ الحَرْبِ فَإنَّهم يَحْتاجُونَ إلى مَعُونَةِ هَؤُلاءِ في إحْرازِها كَما لَوْ لَحِقُوهم قَبْلَ أخْذِها شارَكُوهم ؟ ولَوْ كانَ حُصُولُها في أيْدِيهِمْ يُثْبِتُ لَهم فِيها حَقًّا قَبْلَ إحْرازِها في دارِ الإسْلامِ لَوَجَبَ أنْ يَصِيرَ المَوْضِعُ الَّذِي وطِئَهُ الجَيْشُ مِن دارِ الإسْلامِ، كَما لَوِ افْتَتَحُوها لَصارَتْ دارًا لِلْإسْلامِ، وفي اتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى أنَّ وطْءَ الجَيْشِ لِمَوْضِعٍ في دارِ الحَرْبِ لا يَجْعَلُهُ مِن دارِ الإسْلامِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الحَقَّ لا يَثْبُتُ فِيهِ إلّا بِالحِيازَةِ.
واحْتَجَّ مَن لَمْ يَقْسِمْ لِلْمَدَدِ بِما رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أبانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أبانُ وأصْحابُهُ بِخَيْبَرَ بَعْدَما فُتِحَتْ وإنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمُ اللِّيفُ، قالَ أبانُ: اقْسِمْ لَنا يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لا تَقْسِمْ لَهم شَيْئًا يا نَبِيَّ اللَّهِ قالَ: قالَ أبانُ: أنْتَ بِهَذا يا وتَرَ نَجْدٍ، قالَ النَّبِيُّ ﷺ: اجْلِسْ يا أبانُ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهم» .
وهَذا لا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأنَّ خَيْبَرَ صارَتْ دارَ الإسْلامِ بِظُهُورِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَيْها، وهَذا لا خِلافَ فِيهِ. وقَدْ قِيلَ فِيهِ وجْهٌ آخَرُ، وهو ما رَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمّارِ بْنِ أبِي عَمّارٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «ما شَهِدْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ مَغْنَمًا إلّا قَسَمَ لِي إلّا خَيْبَرَ فَإنَّها كانَتْ لِأهْلِ الحُدَيْبِيَةِ خاصَّةً» .
فَأخْبَرَ في هَذا الحَدِيثِ أنَّ خَيْبَرَ كانَتْ لِأهْلِ الحُدَيْبِيَةِ خاصَّةً شَهِدُوها أوْ لَمْ يَشْهَدُوها دُونَ مَن سِواهم؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى كانَ وعَدَهم إيّاها بِقَوْلِهِ: (p-٢٣٩)﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ [الفتح: ٢١] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] وقَدْ رَوى أبُو بُرْدَةَ عَنْ أبِي مُوسى قالَ: «قَدِمْنا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِثَلاثٍ، فَقَسَمَ لَنا ولَمْ يَقْسِمْ لِأحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الفَتْحَ غَيْرِنا» .
فَذَكَرَ في هَذا الحَدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَسَمَ لِأبِي مُوسى وأصْحابِهِ مِن غَنائِمِ خَيْبَرَ ولَمْ يَشْهَدُوا الوَقْعَةَ ولَمْ يَقْسِمْ فِيها لِأحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الوَقْعَةَ وهَذا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لِأنَّهم كانُوا مِن أهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِطِيبَةِ أنْفُسِ أهْلِ الغَنِيمَةِ، كَما رَوى خُثَيْمُ بْنُ عِراكٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ نَفَرٍ مِن قَوْمِهِ أنَّ أبا هُرَيْرَةَ قَدِمَ المَدِينَةَ هو ونَفَرٌ مِن قَوْمِهِ، قالَ: فَقَدِمْنا وقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجْنا مِنَ المَدِينَةِ حَتّى قَدِمْنا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَكَلَّمَ النّاسَ فَأشْرَكُونا في سِهامِهِمْ فَلَيْسَ في شَيْءٍ مِن هَذِهِ الأخْبارِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المَدَدَ إذا لَحِقَ بِالجَيْشِ وهم في دارِ الحَرْبِ أنَّهم لا يُشْرِكُونَهم في الغَنِيمَةِ.
وقَدْ رَوى قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ أنَّ أهْلَ البَصْرَةِ غَزَوْا نَهاوَنْدَ فَأمَدَّهم أهْلُ الكُوفَةِ وظَهَرُوا، فَأرادَ أهْلُ البَصْرَةِ أنْ لا يَقْسِمُوا لِأهْلِ الكُوفَةِ، وكانَ عَمّارٌ عَلى أهْلِ الكُوفَةِ، فَقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي عُطارِدَ: أيُّها الأجْدَعُ تُرِيدُ أنْ تُشارِكَنا في غَنائِمِنا فَقالَ: جَيْرِ إذْ بِي سَبَيْتُ؛ فَكَتَبَ في ذَلِكَ إلى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ في ذَلِكَ: إنَّ الغَنِيمَةَ لِمَن شَهِدَ الوَقْعَةَ وهَذا أيْضًا لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى خِلافِ قَوْلِنا؛ لِأنَّ المُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلى نَهاوَنْدَ وصارَتْ دارَ الإسْلامِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلْكُفّارِ هُناكَ فِئَةٌ، فَإنَّما قالَ: إنَّ الغَنِيمَةَ لِمَن شَهِدَ الوَقْعَةَ مِنهم لِأنَّهم لَحِقُوهم بَعْدَ ما صارَتْ دارَ الإسْلامِ، ومَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رَأى عَمّارٌ ومَن مَعَهُ أنْ يُشْرِكُوهم، ورَأى عُمَرُ أنْ لا يُشْرِكُوهم لِأنَّهم لَحِقُوهُ بَعْدَ حِيازَةِ الغَنِيمَةِ في دارِ الإسْلامِ لِأنَّ الأرْضَ صارَتْ مِن دارِ الإسْلامِ.
* * *
بابُ سُهْمانِ الخَيْلِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: ظاهِرُهُ يَقْتَضِي المُساواةَ بَيْنَ الفارِسِ والرّاجِلِ، وهو خِطابٌ لِجَمِيعِ الغانِمِينَ وقَدْ شَمِلَهم هَذا الِاسْمُ، ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ﴾ [النساء: ١١] قَدْ عُقِلَ مِن ظاهِرِهِ اسْتِحْقاقُهُنَّ لِلثُّلُثَيْنِ عَلى المُساواةِ ؟ وكَذَلِكَ مَن قالَ: هَذا العَبْدُ لِهَؤُلاءِ أنَّهُ لَهم بِالمُساواةِ ما لَمْ يَذْكُرِ التَّفْضِيلَ، كَذَلِكَ مُقْتَضى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿غَنِمْتُمْ﴾ يَقْتَضِي أنْ يَكُونُوا مُتَساوِينَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿غَنِمْتُمْ﴾ عِبارَةٌ عَنْ مِلْكِهِمْ لَهُ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في سَهْمِ الفارِسِ.
(p-٢٤٠)ذِكْرُ الخِلافِ في ذَلِكَ
قالَ أبُو حَنِيفَةَ: { لِلْفارِسِ سَهْمانِ ولِلرّاجِلِ سَهْمٌ } . وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وابْنُ أبِي لَيْلى ومالِكٌ والثَّوْرِيُّ واللَّيْثُ والأوْزاعِيُّ والشّافِعِيُّ: { لِلْفارِسِ ثَلاثَةُ أسْهُمٍ ولِلرّاجِلِ سَهْمٌ } .
ورُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ عَنِ المُنْذِرِ بْنِ أبِي حِمَّصَةَ عامِلِ عُمَرَ أنَّهُ جَعَلَ لِلْفارِسِ سَهْمَيْنِ ولِلرّاجِلِ سَهْمًا فَرَضِيَهُ عُمَرُ ومِثْلُهُ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ.
ورَوى شَرِيكٌ عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: قَدِمَ قُثَمُ بْنُ العَبّاسِ عَلى سَعِيدِ بْنِ عُثْمانَ بِخُراسانَ وقَدْ غَنِمُوا، فَقالَ: اجْعَلُ جائِزَتِكَ أنْ أضْرِبَ لَكَ بِألْفِ سَهْمٍ، فَقالَ: اضْرِبْ لِي بِسَهْمٍ ولِفَرَسِي بِسَهْمٍ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي المُساواةَ بَيْنَ الفارِسِ والرّاجِلِ، فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى تَفْضِيلِ الفارِسِ بِسَهْمٍ فَضَّلْناهُ وخَصَّصْنا بِهِ لِلظّاهِرِ وبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِيما عَداهُ وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ غَيْلانَ العُمانِيُّ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ الجَرْجَرائِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجاءٍ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ لِلْفارِسِ سَهْمَيْنِ ولِلرّاجِلِ سَهْمًا؛» قالَ عَبْدُ الباقِي: لَمْ يَجِئْ بِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبّاحِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَدْ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مُوسى قالَ: حَدَّثَنا الحُمَيْدِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلْفارِسِ ثَلاثَةُ أسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وسَهْمانِ لِفَرَسِهِ» .
واخْتَلَفَ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ في ذَلِكَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونا صَحِيحَيْنِ بِأنْ يَكُونَ أعْطاهُ بَدِيًّا سَهْمَيْنِ وهو المُسْتَحِقُّ ثُمَّ أعْطاهُ في غَنِيمَةٍ أُخْرى ثَلاثَةَ أسْهُمٍ وكانَ السَّهْمُ الزّائِدُ عَلى وجْهِ النَّفَلِ، ومَعْلُومٌ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لا يَمْنَعُ المُسْتَحِقَّ، وجائِزٌ أنْ يَتَبَرَّعَ بِما لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ عَلى وجْهِ النَّفَلِ كَما ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ في حَدِيثٍ قَدْ قَدَّمْنا ذِكْرَ سَنَدِهِ أنَّهُ كانَ في سَرِيَّةٍ قالَ: فَبَلَغَتْ سُهْمانُنا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ونَفَّلَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعِيرًا بَعِيرًا وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ الكُمَيْتِ المَوْصِلِيُّ قالَ: حَدَّثَنا صُبَيْحُ بْنُ دِينارٍ قالَ: حَدَّثَنا عَفِيفُ بْنُ سالِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «أسْهَمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْفارِسِ سَهْمَيْنِ ولِلرّاجِلِ سَهْمًا» وهَذا إنْ ثَبَتَ فَلا حُجَّةَ فِيهِ لِأبِي حَنِيفَةَ؛ لِأنَّ قِسْمَةَ يَوْمِ بَدْرٍ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحِقَّةً لِلْجَيْشِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ الأنْفالَ لِلرَّسُولِ ﷺ وخَيَّرَهُ في إعْطائِهِ مَن رَأى، ولَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئا لَكانَ جائِزًا فَلَمْ تَكُنْ قِسْمَةُ الغَنِيمَةِ مُسْتَحِقَّةً يَوْمَئِذٍ وإنَّما وجَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ (p-٢٤١)فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ ونَسَخَ بِهَذا الأنْفالَ الَّتِي جَعَلَها لِلرَّسُولِ في جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ وقَدْ رَوى مُجَمِّعُ بْنُ جارِيَةَ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ قَسَمَ غَنائِمَ خَيْبَرَ فَجَعَلَ لِلْفارِسِ سَهْمَيْنِ ولِلرّاجِلِ سَهْمًا»، ورَوى ابْنُ الفُضَيْلِ عَنِ الحَجّاجِ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ «لِلْفارِسِ ثَلاثَةَ أسْهُمٍ ولِلرّاجِلِ سَهْمًا». وهَذا خِلافُ رِوايَةِ مُجَمِّعِ بْنِ جارِيَةَ، وقَدْ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُما بِأنْ يَكُونَ قَسَمَ لِبَعْضِ الفُرْسانِ سَهْمَيْنِ وهو المُسْتَحِقُّ وقَسَمَ لِبَعْضِهِمْ ثَلاثَةَ أسْهُمٍ وكانَ السَّهْمُ الزّائِدُ عَلى وجْهِ النَّفَلِ، كَما رَوى سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أعْطاهُ في غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ سَهْمَيْنِ سَهْمِ الفارِسِ والرّاجِلِ وكانَ راجِلًا يَوْمَئِذٍ» وكَما رُوِيَ أنَّهُ أعْطى الزُّبَيْرَ يَوْمَئِذٍ أرْبَعَةَ أسْهُمٍ. ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيى بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أنَّ الزُّبَيْرَ كانَ يَضْرِبُ لَهُ في المَغْنَمِ بِأرْبَعَةِ أسْهُمٍ، وهَذِهِ الزِّيادَةُ كانَتْ عَلى وجْهِ النَّفَلِ تَحْرِيضًا لَهم عَلى إيجافِ الخَيْلِ، كَما كانَ يُنَفِّلُ سَلَبَ القَتِيلِ ويَقُولُ: «مَن أصابَ شَيْئًا فَهو لَهُ» تَحْرِيضًا عَلى القِتالِ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا اخْتَلَفَتِ الأخْبارُ كانَ خَبَرُ الزّائِدِ أوْلى: قِيلَ لَهُ: هَذا إذا ثَبَتَتِ الزِّيادَةُ كانَتْ عَلى وجْهِ الِاسْتِحْقاقِ، فَأمّا إذا احْتَمَلَ أنْ تَكُونَ عَلى وجْهِ النَّفَلِ فَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الزِّيادَةُ مُسْتَحِقَّةً. وأيْضًا فَإنَّ في خَبَرِنا إثْباتَ زِيادَةٍ لِسَهْمِ الرّاجِلِ لِأنَّهُ كُلَّما نَقَصَ نَصِيبُ الفارِسِ زادَ نَصِيبُ الرّاجِلِ، ويَدُلُّ عَلى ما ذَكَرْنا مِن طَرِيقِ النَّظَرِ أنَّ الفَرَسَ لَمّا كانَ آلَةً كانَ القِياسُ أنْ لا يُسْهَمَ لَهُ كَسائِرِ الآلاتِ، فَتَرَكْنا القِياسَ في السَّهْمِ الواحِدِ والباقِي مَحْمُولٌ عَلى القِياسِ؛ وعَلى هَذا لَوْ حَضَرَ الفَرَسُ دُونَ الرَّجُلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ولَوْ حَضَرَ الرَّجُلُ دُونَ الفَرَسِ اسْتَحَقَّ، فَلَمّا لَمْ يُجاوِزْ بِالرَّجُلِ سَهْمًا واحِدًا كانَ الفَرَسُ بِهِ أوْلى. وأيْضًا الرَّجُلُ آكَدُ أمْرًا في اسْتِحْقاقِ السَّهْمِ مِنَ الفَرَسِ، بِدَلالَةِ أنَّ الرِّجالَ وإنْ كَثُرُوا اسْتَحَقُّوا سِهامَهم، ولَوْ حَضَرَتْ جَماعَةُ أفْراسٍ لِرَجُلٍ واحِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلّا لِفَرَسٍ واحِدٍ، فَلَمّا كانَ الرَّجُلُ آكَدَ أمْرًا مِنَ الفَرَسِ ولَمْ يَسْتَحِقَّ أكْثَرَ مِن سَهْمٍ فالفَرَسُ أحْرى بِذَلِكَ.
* * *
بابُ قِسْمَةِ الخُمُسِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ واخْتَلَفَ السَّلَفُ في كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الخُمُسِ في الأصْلِ، فَرَوى مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتِ الغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ عَلى خَمْسَةِ أخْماسٍ؛ فَأرْبَعَةٌ مِنها لِمَن قاتَلَ عَلَيْها، وخُمُسٌ واحِدٌ يُقَسَّمُ عَلى أرْبَعَةٍ، فَرُبُعٌ لِلَّهِ واِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى يَعْنِي قَرابَةَ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الخُمُسِ شَيْئًا، والرُّبُعُ الثّانِي لِلْيَتامى، والرُّبُعُ الثّالِثُ لِلْمَساكِينِ، والرُّبُعُ الرّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ وهو الضَّيْفُ الفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالمُسْلِمِينَ.
ورَوى قَتادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. وقالَ قَتادَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ قالَ: { يُقَسَّمُ الخُمُسُ عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ: لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ خُمُسٌ، ولِقَرابَةِ النَّبِيِّ ﷺ خُمُسٌ، ولِلْيَتامى خُمُسٌ، ولِلْمَساكِينِ خُمُسٌ، ولِابْنِ السَّبِيلِ خُمُسٌ } . وقالَ عَطاءٌ والشَّعْبِيُّ خُمُسُ اللَّهِ وخُمُسُ الرَّسُولِ واحِدٌ، قالَ الشَّعْبِيُّ: هو مِفْتاحُ الكَلامِ.
ورَوى سُفْيانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ قالَ: سَألْتُ الحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ قالَ: { هَذا مِفْتاحُ كَلامٍ، لَيْسَ لِلَّهِ نَصِيبٌ، لِلَّهِ الدُّنْيا والآخِرَةُ } . وقالَ يَحْيى بْنُ الجَزّارِ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ قالَ: { لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ وإنَّما النَّبِيُّ ﷺ خُمُسُ الخُمُسِ } .
ورَوى أبُو جَعْفَرٍ الرّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُؤْتى بِالغَنِيمَةِ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فَما وقَعَ فِيها مِن شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ وهو سَهْمُ بَيْتِ اللَّهِ؛ ثُمَّ يُقَسِّمُ ما بَقِيَ عَلى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لِلنَّبِيِّ ﷺ سَهْمٌ ولِذَوِي القُرْبى سَهْمٌ ولِلْيَتامى سَهْمٌ ولِلْمَساكِينِ سَهْمٌ ولِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، واَلَّذِي جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ هو السَّهْمُ الَّذِي لِلَّهِ تَعالى» .
ورَوى أبُو يُوسُفَ عَنْ أشْعَثَ بْنِ سَوّارٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ قالَ: «كانَ يَحْمِلُ الخُمُسَ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى ويُعْطِي مِنهُ نائِبَةَ القَوْمِ، فَلَمّا كَثُرَ المالُ جَعَلَهُ في غَيْرِ ذَلِكَ» .
ورَوى أبُو يُوسُفَ عَنِ الكَلْبِيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: { أنَّ الخُمُسَ الَّذِي كانَ يُقَسَّمُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ: لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ سَهْمٌ، ولِذَوِي القُرْبى سَهْمٌ، ولِلْيَتامى سَهْمٌ، ولِلْمَساكِينِ سَهْمٌ، ولِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، ثُمَّ قَسَمَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ عَلى ثَلاثَةِ أسْهُمٍ: (p-٢٤٤)لِلْيَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: فاخْتَلَفَ السَّلَفُ في قِسْمَةِ الخُمُسِ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ: «إنَّ القِسْمَةَ كانَتْ عَلى أرْبَعَةٍ سَهْمُ اللَّهِ وسَهْمُ الرَّسُولِ وسَهْمُ ذِي القُرْبى كانَ واحِدًا، وإنَّهُ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَأْخُذُ مِنَ الخُمُسِ شَيْئًا» .
وقالَ آخَرُونَ: قَوْلُهُ ﴿لِلَّهِ﴾ افْتِتاحُ كَلامٍ وهو مَقْسُومٌ عَلى خَمْسَةٍ، وهو قَوْلُ عَطاءٍ والشَّعْبِيِّ وقَتادَةَ. وقالَ أبُو العالِيَةِ: كانَ مَقْسُومًا عَلى سِتَّةِ أسْهُمٍ لِلَّهِ سَهْمٌ يُجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ ولِكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُسَمَّيْنَ في الآيَةِ سَهْمٌ. وأخْبَرَ ابْنُ عَبّاسٍ في حَدِيثِ الكَلْبِيِّ أنَّ الخُلَفاءَ الأرْبَعَةَ قَسَمُوهُ عَلى ثَلاثَةٍ. وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كانَ يَحْمِلُ مِنَ الخُمُسِ في سَبِيلِ اللَّهِ ويُعْطِي مِنهُ نائِبَةَ القَوْمِ ثُمَّ جُعِلَ في غَيْرِ ذَلِكَ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وهو مِنَ المُتَأخِّرِينَ مِن أهْلِ المَدِينَةِ: جَعَلَ اللَّهُ الرَّأْيَ في الخُمُسِ إلى نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما كانَتِ الأنْفالُ لَهُ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ قِسْمَةِ الغَنِيمَةِ، فَنَسَخَتِ الأنْفالَ في الأرْبَعَةِ الأخْماسِ وتُرِكَ الخُمُسُ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ مَوْكُولًا إلى رَأْيِ النَّبِيِّ ﷺ، وكَما قالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنكُمْ﴾ [الحشر: ٧] ثُمَّ قالَ: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧] فَذَكَرَ هَذِهِ الوُجُوهَ ثُمَّ قالَ: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧] فَبَيَّنَ في آخِرِهِ أنَّهُ مَوْكُولٌ إلى رَأْيِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وكَذَلِكَ الخُمُسُ قالَ فِيهِ إنَّهُ لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ يَعْنِي قِسْمَتُهُ مَوْكُولَةٌ إلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَ الوُجُوهَ الَّتِي يُقَسِّمُ عَلَيْها عَلى ما يَرى ويَخْتارُ. ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ الواحِدِ بْنِ زِيادٍ عَنِ الحَجّاجِ بْنِ أرْطاةَ قالَ: حَدَّثَنا أبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ أنَّهُ سُئِلَ: «كَيْفَ كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ بِالخُمُسِ ؟ قالَ: كانَ يَحْمِلُ مِنهُ في سَبِيلِ اللَّهِ الرَّجُلَ ثُمَّ الرَّجُلَ ثُمَّ الرَّجُلَ» .
والمَعْنى في ذَلِكَ أنَّهُ كانَ يُعْطِي مِنهُ المُسْتَحِقِّينَ ولَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُهُ أخْماسًا وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: { إنَّ القِسْمَةَ كانَتْ في الأصْلِ عَلى سِتَّةٍ وإنَّ سَهْمَ اللَّهِ كانَ مَصْرُوفًا إلى الكَعْبَةِ } فَلا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ ثابِتًا لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَواتِرًا ولَكانَتِ الخُلَفاءُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أوْلى النّاسِ بِاسْتِعْمالِ ذَلِكَ، فَلَمّا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْهم عُلِمَ أنَّهُ غَيْرُ ثابِتٍ. وأيْضًا فَإنَّ سَهْمَ الكَعْبَةِ لَيْسَ بِأوْلى بِأنْ يَكُونَ مَنسُوبًا إلى اللَّهِ تَعالى مِن سائِرِ السِّهامِ المَذْكُورَةِ في الآيَةِ إذْ كُلُّها مَصْرُوفٌ في وُجُوهِ القُرَبِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِسَهْمِ الكَعْبَةِ، فَلَمّا بَطَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ المُرادُ بِذَلِكَ مِن أحَدِ وجْهَيْنِ: إمّا أنْ يَكُونَ مِفْتاحًا لِلْكَلامِ عَلى ما حَكَيْناهُ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وعَلى وجْهِ تَعْلِيمِنا التَّبَرُّكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وافْتِتاحِ الأُمُورِ بِاسْمِهِ، أوْ أنْ (p-٢٤٥)يَكُونَ مَعْناهُ أنَّ الخُمُسَ مَصْرُوفٌ في وُجُوهِ القُرَبِ إلى اللَّهِ تَعالى؛ ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الوُجُوهَ فَقالَ: ﴿ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى﴾ الآيَةَ، فَأجْمَلَ بَدِيًّا حُكْمَ الخُمُسِ ثُمَّ فَسَّرَ الوُجُوهَ الَّتِي أجْمَلَها.
فَإنْ قِيلَ: لَوْ أرادَ ما قُلْتَ لَقالَ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى﴾ ولَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ الواوَ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ تَعالى واسْمِ رَسُولِ اللَّهِ.
قِيلَ لَهُ: لا يَجِبُ ذَلِكَ، مِن قِبَلِ أنَّهُ جائِزٌ في اللُّغَةِ إدْخالُ الواوِ والمُرادُ إلْغاؤُها كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الفُرْقانَ وضِياءً﴾ [الأنبياء: ٤٨] والواوُ مُلْغاةٌ والفُرْقانُ ضِياءٌ، وقالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا أسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: ١٠٣] مَعْناهُ: لَمّا أسْلَما تَلَّهُ لِلْجَبِينِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَلَمّا أسْلَما﴾ [الصافات: ١٠٣] يَقْتَضِي جَوابًا وجَوابُهُ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ؛ وكَما قالَ الشّاعِرُ:
؎بَلَ شَيْءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ وأحْيانًا وباطِلُهُ كَثِيرُ
ومَعْناهُ: يُوافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ أحْيانًا، والواوُ مُلْغاةٌ؛ وكَما قالَ الآخَرُ:
؎فَإنَّ رَشِيدًا وابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَكُنْ ∗∗∗ لِيَفْعَلَ حَتّى يُصْدِرَ الأمْرَ مَصْدَرا
ومَعْناهُ: فَإنَّ رَشِيدَ بْنَ مَرْوانَ؛ وقالَ الآخَرُ:
؎إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ ∗∗∗ ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمِ
والواوُ في هَذِهِ المَواضِعِ دُخُولُها وخُرُوجُها سَواءٌ. فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ عَلى أحَدِ المَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنا؛ وجائِزٌ أنْ يَكُونا جَمِيعًا مُرادَيْنِ لاحْتِمالِ الآيَةِ لَهُما، فَيَنْتَظِمُ تَعْلِيمُنا افْتِتاحَ الأُمُورِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وأنَّ الخُمُسَ مَصْرُوفٌ في وُجُوهِ القُرَبِ إلى اللَّهِ تَعالى، فَكانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ سَهْمٌ مِنَ الخُمُسِ وكانَ لَهُ الصَّفِيُّ وسَهْمٌ مِنَ الغَنِيمَةِ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الجُنْدِ إذا شَهِدَ القِتالَ.
ورَوى أبُو حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ «قالَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ: آمُرُكم بِأرْبَعٍ شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وتُقِيمُوا الصَّلاةَ وتُعْطُوا سَهْمَ اللَّهِ مِنَ الغَنائِمِ والصَّفِيِّ».
* * *
واخْتَلَفَ السَّلَفُ في سَهْمِ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَرَوى سُفْيانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ قالَ: { اخْتَلَفَ النّاسُ بَعْدَ وفاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في سَهْمِ الرَّسُولِ وسَهْمِ ذِي القُرْبى، فَقالَتْ طائِفَةٌ سَهْمُ الرَّسُولِ لِلْخَلِيفَةِ مِن بَعْدِهِ، وقالَتْ طائِفَةٌ سَهْمُ ذِي القُرْبى لِقَرابَةِ الخَلِيفَةِ، وأجْمَعُوا عَلى أنْ جَعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ في الكُراعِ والعِدَّةِ في سَبِيلِ اللَّهِ } قالَ أبُو بَكْرٍ سَهْمُ النَّبِيِّ ﷺ إنَّما كانَ لَهُ ما دامَ حَيًّا، فَلَمّا تُوُفِّيَ سَقَطَ سَهْمُهُ كَما سَقَطَ الصَّفِيُّ بِمَوْتِهِ، فَرَجَعَ سَهْمُهُ إلى جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ كَما رَجَعَ إلَيْها ولَمْ يَعُدْ لِلنَّوائِبِ.
* * *
واخْتُلِفَ في سَهْمِ ذَوِي القُرْبى، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ في الجامِعِ الصَّغِيرِ: { يُقَسَّمُ الخُمُسُ عَلى ثَلاثَةِ أسْهُمٍ: لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ (p-٢٤٦)وابْنِ السَّبِيلِ } .
ورَوى بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ عَنْ أبِي يُوسُفَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ قالَ { خُمُسُ اللَّهِ والرَّسُولِ واحِدٌ، وخُمُسُ ذَوِي القُرْبى لِكُلِّ صِنْفٍ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ خُمُسَ الخُمُسِ } . وقالَ الثَّوْرِيُّ { سَهْمُ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الخُمُسِ هو خُمُسُ الخُمُسِ وما بَقِيَ فَلِلطَّبَقاتِ الَّتِي سَمّى اللَّهُ تَعالى } . وقالَمالِكٌ: { يُعْطِي مِنَ الخُمُسِ أقْرِباءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى ما يَرى ويَجْتَهِدُ } . وقالَ { الأوْزاعِيُّ خُمُسُ الغَنِيمَةِ لِمَن سُمِّيَ في الآيَةِ } . وقالَ الشّافِعِيُّ: { يُقَسَّمُ سَهْمُ ذَوِي القُرْبى بَيْنَ غَنِيِّهِمْ وفَقِيرِهِمْ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِذِي القُرْبى﴾ لَفْظٌ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلى البَيانِ ولَيْسَ بِعُمُومٍ؛ وذَلِكَ لِأنَّ ذا القُرْبى لا يَخْتَصُّ بِقَرابَةِ النَّبِيِّ ﷺ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ النّاسِ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِها أقْرِباءَ سائِرِ النّاسِ، فَصارَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلى البَيانِ.
وقَدِ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلى أنَّهُ قَدْ أُرِيدَ أقْرِباءُ النَّبِيِّ ﷺ، فَمِنهم مَن قالَ: إنَّ المُسْتَحِقِّينَ لِسَهْمِ الخُمُسِ مِنَ الأقْرِباءِ هُمُ الَّذِينَ كانَتُ لَهم نُصْرَةٌ وإنَّ السَّهْمَ كانَ مُسْتَحِقًّا بِالأمْرَيْنِ مِنَ القَرابَةِ والنُّصْرَةِ وإنَّ مَن لَيْسَ لَهُ نُصْرَةٌ مِمَّنْ حَدَثَ بَعْدُ فَإنَّما يَسْتَحِقُّهُ بِالفَقْرِ كَما يَسْتَحِقُّهُ سائِرُ الفُقَراءِ؛ ويَسْتَدِلُّونَ عَلى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قالَ: «لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَهْمَ ذَوِي القُرْبى بَيْنَ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ أتَيْتُهُ أنا وعُثْمانُ فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاءِ بَنُو هاشِمٍ لا نُنْكِرُ فَضْلَهم بِمَكانِكَ الَّذِي وضَعَكَ اللَّهُ فِيهِمْ، أرَأيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ أعْطَيْتَهم ومَنَعْتَنا وإنَّما هم ونَحْنُ مِنكَ بِمَنزِلَةٍ ؟ فَقالَ ﷺ: إنَّهم لَمْ يُفارِقُونِي في جاهِلِيَّةٍ ولا إسْلامٍ وإنَّما بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ واحِدٌ وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ». فَهَذا يَدُلُّ مِن وجْهَيْنِ عَلى أنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ بِالقَرابَةِ فَحَسْبُ:
أحَدُهُما: أنَّ بَنِي المُطَّلِبِ وبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ في القُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ سَواءٌ، فَأعْطى بَنِي المُطَّلِبِ ولَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، ولَوْ كانَ مُسْتَحِقًّا بِالقَرابَةِ لَساوى بَيْنَهم.
والثّانِي: أنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ البَيانِ لِما أُجْمِلَ في الكِتابِ مِن ذِكْرِ ذِي القُرْبى، وفِعْلُ النَّبِيِّ ﷺ إذا ورَدَ عَلى وجْهِ البَيانِ فَهو عَلى الوُجُوبِ، فَلَمّا ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ النُّصْرَةَ مَعَ القَرابَةِ دَلَّ عَلى أنَّ ذَلِكَ مُرادُ اللَّهِ تَعالى، فَمَن لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنهم نُصْرَةٌ فَإنَّما يَسْتَحِقُّهُ بِالفَقْرِ. وأيْضًا فَإنَّ الخُلَفاءَ الأرْبَعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ إلّا بِالفَقْرِ وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ: سَألْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَقُلْتُ: ما فَعَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَهْمِ ذَوِي القُرْبى حِينَ وُلِّيَ ؟ فَقالَ: سَلَكَ بِهِ سَبِيلَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وكَرِهَ أنْ يُدَّعى عَلَيْهِ خِلافُهُما.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذا رَأْيَهُ لَما قَضى بِهِ؛ لِأنَّهُ قَدْ خالَفَهُما في أشْياءَ مِثْلِ الجَدِّ والتَّسْوِيَةِ في العَطايا وأشْياءَ أُخَرَ، فَثَبَتَ أنَّ رَأْيَهُ ورَأْيَهُما كانَ سَواءً في (p-٢٤٧)أنَّ سَهْمَ ذَوِي القُرْبى إنَّما يَسْتَحِقُّهُ الفُقَراءُ مِنهم.
ولَمّا أجْمَعَ الخُلَفاءُ الأرْبَعَةُ عَلَيْهِ ثَبَتَتْ حُجَّتُهُ بِإجْماعِهِمْ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «عَلَيْكم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ مِن بَعْدِي» .
وفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فِيما كَتَبَ بِهِ إلى نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ حِينَ سَألَهُ عَنْ سَهْمِ ذِي القُرْبى فَقالَ: كُنّا نَرى أنَّهُ لَنا فَدَعانا عُمَرُ إلى أنْ نُزَوِّجَ مِنهُ أيِّمَنا ونَقْضِيَ مِنهُ عَنْ مَغْرَمِنا فَأبَيْنا أنْ لا يُسَلِّمَهُ لَنا وأبى ذَلِكَ عَلَيْنا قَوْمُنا " وفي بَعْضِ الألْفاظِ: " فَأبى ذَلِكَ عَلَيْنا بَنُو عَمِّنا " . فَأخْبَرَ أنَّ قَوْمَهُ وهم أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ رَأوْهُ لِفُقَرائِهِمْ دُونَ أغْنِيائِهِمْ، وقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ: " كُنّا نَرى أنَّهُ لَنا إخْبارٌ أنَّهُ قالَهُ مِن طَرِيقِ الرَّأْيِ ولا حَظَّ لِلرَّأْيِ مَعَ السُّنَّةِ واتِّفاقِ جُلِّ الصَّحابَةِ مِنَ الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ.
ويَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ عُمَرَ فِيما حَكاهُ ابْنُ عَبّاسٍ عَنْهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنِ المُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ أنَّهُ والفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ قالا: يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغْنا النِّكاحَ فَجِئْناكَ لِتُؤَمِّرَنا عَلى هَذِهِ الصَّدَقاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْكَ ما يُؤَدِّي العُمّالُ ونُصِيبَ ما يُصِيبُونَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّما هي أوْساخُ النّاسِ» ثُمَّ أمَرَ مَحْمِيَّةَ أنْ يُصَدِّقَهُما مِنَ الخُمُسِ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ بِالفَقْرِ، إذْ كانَ إنَّما اقْتَضى لَهُما عَلى مِقْدارِ الصَّداقِ الَّذِي احْتاجا إلَيْهِ لِلتَّزَوُّجِ ولَمْ يَأْمُرْ لَهُما بِما فَضَلَ عَنِ الحاجَةِ ويَدُلُّ عَلى أنَّ الخُمُسَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ قِسْمَتُهُ عَلى السُّهْمانِ وأنَّهُ مَوْكُولٌ إلى رَأْيِ الإمامِ قَوْلُهُ ﷺ: «ما لِي مِن هَذا المالِ إلّا الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ إلَيْكم» ولَمْ يُخَصِّصِ القَرابَةَ بِشَيْءٍ مِنهُ دُونَ غَيْرِهِمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهم فِيهِ كَسائِرِ الفُقَراءِ يَسْتَحِقُّونَ مِنهُ مِقْدارَ الكِفايَةِ وسَدِّ الخُلَّةِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: «يَذْهَبُ كِسْرى فَلا كِسْرى بَعْدَهُ أبَدًا ويَذْهَبُ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ أبَدًا واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقُنَّ كُنُوزُهُما في سَبِيلِ اللَّهِ» فَأخْبَرَ أنَّهُ يُنْفَقُ في سَبِيلِ اللَّهِ ولَمْ يُخَصِّصْ بِهِ قَوْمًا مِن قَوْمٍ ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ مَوْكُولًا إلى رَأْيِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ أعْطى المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهم ولَيْسَ لَهم ذِكْرٌ في آيَةِ الخُمُسِ، فَدَلَّ عَلى ما ذَكَرْنا. ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ كُلَّ مَن سُمِّيَ في آيَةِ الخُمُسِ لا يَسْتَحِقُّ إلّا بِالفَقْرِ وهُمُ اليَتامى وابْنُ السَّبِيلِ، فَكَذَلِكَ ذُو القُرْبى؛ لِأنَّهُ سَهْمٌ مِنَ الخُمُسِ. ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ لَمّا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ أُقِيمَ ذَلِكَ لَهم مَقامَ ما حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنها، فَوَجَبَ أنْ لا يَسْتَحِقَّهُ مِنهم إلّا فَقِيرٌ كَما أنَّ الأصْلَ الَّذِي أُقِيمَ هَذا مَقامَهُ لا يَسْتَحِقُّهُ إلّا فَقِيرٌ.
فَإنْ قِيلَ: مَوالِي بَنِي هاشِمٍ لا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ ولَمْ يَدْخُلُوا في اسْتِحْقاقِ السَّهْمِ مِنَ الخُمُسِ. قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ؛ لِأنَّ مَوالِيَ بَنِي هاشِمٍ لَهم سَهْمٌ مِنَ الخُمُسِ إذَ (p-٢٤٨)كانُوا فُقَراءَ عَلى حَسَبِ ما هو لِبَنِي هاشِمٍ.
فَإنْ قِيلَ: إذا كانَتْ قَرابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْتَحِقُّونَ سَهْمَهم بِالفَقْرِ والحاجَةِ فَما وجْهُ تَخْصِيصِهِ إيّاهم بِالذِّكْرِ وقَدْ دَخَلُوا في جُمْلَةِ المَساكِينِ ؟ قِيلَ لَهُ: كَما خَصَّ اليَتامى وابْنَ السَّبِيلِ بِالذِّكْرِ ولا يَسْتَحِقُّونَهُ إلّا بِالفَقْرِ، وأيْضًا لَمّا سَمّى اللَّهُ الخُمُسَ لِلْيَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَما قالَ: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] الآيَةَ، ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ» فَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِمْ في الخُمُسِ جازَ أنْ يَظُنَّ ظانٌّ أنَّهُ لا يَجُوزُ إعْطاؤُهم مِنهُ كَما لا يَجُوزُ أنْ يُعْطَوْا مِنَ الصَّدَقاتِ، فَسَمّاهم إعْلامًا مِنهُ لَنا أنَّ سَبِيلَهم فِيهِ بِخِلافِ سَبِيلِهِمْ في الصَّدَقاتِ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ أعْطى النَّبِيُّ ﷺ العَبّاسَ مِنَ الخُمُسِ وكانَ ذا يَسارٍ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ لِلْأغْنِياءِ والفُقَراءِ مِنهم.
قِيلَ لَهُ: الجَوابُ عَنْ هَذا مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ أخْبَرَ أنَّهُ أعْطاهم بِالنُّصْرَةِ والقَرابَةِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّهم لَمْ يُفارِقُونِي في جاهِلِيَّةٍ ولا إسْلامٍ» فاسْتَوى فِيهِ الفَقِيرُ والغَنِيُّ لِتَساوِيهِمْ في النُّصْرَةِ والقَرابَةِ. والثّانِي: أنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ إنَّما أعْطى العَبّاسَ لَيُفَرِّقَهُ في فُقَراءِ بَنِي هاشِمٍ ولَمْ يُعْطِهِ لِنَفْسِهِ
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واليَتامى﴾ فَإنَّ حَقِيقَةَ اليُتْمِ هو الِانْفِرادُ، ومِنهُ الرّابِيَةُ المُنْفَرِدَةُ تُسَمّى يَتِيمَةً والمَرْأةُ المُنْفَرِدَةُ عَنِ الأزْواجِ تُسَمّى يَتِيمَةً، إلّا أنَّهُ قَدِ اخْتُصَّ في النّاسِ (p-٢٥٠)بِالصَّغِيرِ الَّذِي قَدْ ماتَ أبُوهُ، وهو يُفِيدُ الفَقْرَ مَعَ ذَلِكَ أيْضًا عِنْدَ الإطْلاقِ؛ ولِذَلِكَ قالَ أصْحابُنا فِيمَن أوْصى لِيَتامى بَنِي فُلانٍ وهم لا يُحْصَوْنَ أنَّ الوَصِيَّةَ جائِزَةٌ؛ لِأنَّها لِلْفُقَراءِ مِنهم.
ولا خِلافَ أنَّهُ قَدْ أُرِيدَ مَعَ اليُتْمِ الفَقْرُ في هَذِهِ الآيَةِ، وأنَّ الأغْنِياءَ مِنَ الأيْتامِ لا حَظَّ لَهم فِيهِ ويَدُلُّ عَلى أنَّ اليَتِيمَ اسْمٌ يَقَعُ عَلى الصَّغِيرِ الَّذِي قَدْ ماتَ أبُوهُ دُونَ الكَبِيرِ قَوْلُهُ ﷺ: «لا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ»، وقَدْ قِيلَ: إنَّ كُلَّ ولَدٍ يَتِيمٍ مِن قِبَلِ أُمِّهِ إلّا الإنْسانَ فَإنَّ يُتْمَهُ مِن قِبَلِ أبِيهِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾ فَإنَّهُ المُسافِرُ المُنْقَطِعُ بِهِ المُحْتاجُ إلى ما يُتَحَمَّلُ بِهِ إلى بَلَدِهِ وإنْ كانَ لَهُ مالٌ في بَلَدِهِ، فَهو بِمَنزِلَةِ الفَقِيرِ الَّذِي لا مالَ لَهُ؛ لِأنَّ المَعْنى في وُجُوبِ إعْطائِهِ حاجَتَهُ إلَيْهِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ مَن لَهُ مالٌ يَصِلُ إلَيْهِ وبَيْنَ مَن لا مالَ لَهُ
وأمّا المِسْكِينُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، وسَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ مِن آيَةِ الصَّدَقاتِ وفي اتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى أنَّ ابْنَ السَّبِيلِ واليَتِيمَ إنَّما يَسْتَحِقّانِ حَقَّهُما مِنَ الخُمُسِ بِالحاجَةِ دُونَ الِاسْمِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المَقْصِدَ بِالخُمُسِ صَرْفُهُ إلى المَساكِينِ.
فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ المَعْنى هو الفَقْرَ فَلا فائِدَةَ في ذِكْرِ ذَوِي القُرْبى قِيلَ لَهُ: فِيهِ أعْظَمُ الفَوائِدِ، وهو أنَّ آلَ النَّبِيِّ ﷺ لَمّا حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ كانَ جائِزًا أنْ يَظُنَّ ظانٌّ أنَّ الخُمُسَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ كَتَحْرِيمِها؛ إذْ كانَ سَبِيلُهُ صَرْفَهُ إلى الفُقَراءِ، فَأبانَ اللَّهُ تَعالى بِتَسْمِيَتِهِمْ في الآيَةِ عَنْ جَوازِ إعْطائِهِمْ مِنَ الخُمُسِ بِالفَقْرِ، ويَلْزَمُ هَذا السّائِلَ أنْ يُعْطِيَ اليَتامى وابْنَ السَّبِيلِ بِالِاسْمِ دُونَ الحاجَةِ عَنْ قَضِيَّتِهِ بِأنْ لَوْ كانَ مُسْتَحِقًّا بِالفَقْرِ ما كانَ لِتَسْمِيَتِهِ ابْنَ السَّبِيلِ واليَتِيمَ مَعْنًى وهُما إنَّما يَسْتَحِقّانِهِ بِالفَقْرِ.
* * *
والغَنِيمَةُ اسْمٌ لِما أُخِذَ مِن أمْوالِ المُشْرِكِينَ بِقِتالٍ فَيَكُونُ خُمُسُهُ لِلَّهِ تَعالى، وأرْبَعَةُ أخْماسِهِ لِلْغانِمِينَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وأمّا الفَيْءُ فَهو كُلُّ ما صارَ مِن أمْوالِ المُشْرِكِينَ إلى المُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتالٍ.
رُوِيَ هَذا الفَرْقُ بَيْنَهُما عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ، وعَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أيْضًا
قالَ أبُو بَكْرٍ: الفَيْءُ كُلُّ ما صارَ مِن أمْوالِ المُشْرِكِينَ إلى المُسْلِمِينَ بِقِتالٍ أوْ بِغَيْرِ قِتالٍ؛ إذْ كانَ سَبَبُ أخْذِهِ الكُفْرَ قالَ أصْحابُنا الجِزْيَةُ فَيْءٌ والخَراجُ وما يَأْخُذُهُ الإمامُ مِنَ العَدُوِّ عَلى وجْهِ الهُدْنَةِ والمُوادَعَةِ فَهو فَيْءٌ أيْضًا.
وقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧] الآيَةَ فَقِيلَ: إنَّ هَذا فِيما لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ مِثْلَ فَدَكَ، وما أُخِذَ مِن أهْلِ نَجْرانَ فَكانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ صَرْفُهُ في هَذِهِ الوُجُوهِ، وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ كانَتْ في الغَنائِمِ فَنُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾
وجائِزٌ عِنْدَنا أنْ لا تَكُونَ مَنسُوخَةً، وأنْ تَكُونَ آيَةُ الغَنِيمَةِ فِيما أوْجَفَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ أوْ رِكابٍ، وظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالقِتالِ، وآيَةُ الفَيْءِ الَّتِي في الحَشْرِ فِيما لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ، وأُخِذَ مِنهم عَلى وجْهِ المُوادَعَةِ، والهُدْنَةِ كَما فَعَلَ النَّبِيُّ بِأهْلِ نَجْرانَ، وفَدَكَ، وسائِرِ ما أخَذَهُ مِنهم بِغَيْرِ قِتالٍ، واَللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
{"ayah":"۞ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا یَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق